الإسراء والمعراج
"وقفاتٌ للذكرى"
الحمدُ لله الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، وأعرجه إلى السماوات العُلاَ، وأراه من آيات ربِّه الكبرى، وجعل أمَّتَه خيرَ الأمم في الآخرة والأولى.
وأشهد أن لا إلهَ إلاَّ الله وحده لا شريك له، أجرى مِن صُنوف المشاهدات والعِبر في ليلة المعراج ما يُذهل عقولَ البشر، فسبحان مَن له الحُكم، وإليه يُرجع كلُّ أمر!
وأشهد أنَّ سيِّدنا محمَّدًا عبدُ الله ورسوله، أهل الأمانة والرِّسالة والبيان، وناصر الإيمان بهَدْي الرحمن، رسول الهِداية والسلام، والمُجتبى بالفضل على الأنام.
اللهمَّ صلِّ وسلِّم وباركْ عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فلا شكَّ أنَّ لكلِّ ذِكْرى حيةٍ في الدنيا أثرًا متروكًا في قلوبِ الذَّاكرين لها، حيث تمضي الأعوامُ، وتمرُّ الأيَّام وما زالت تؤتي أكلها كلَّ عامٍ ووقتٍ - بإذن ربها - بالتذكار والدَّرْس الملْهِمِ، والنهج المعلم، مهما تقادم الزمانُ وغمرت الأيَّام أحداثٌ مُنْسِيَةٌ.
نحن على ضِفاف الإسراء والمعراج نقف اليوم، تتذبذب مشاعرُنا بين الفَرَح الغامر والحزن الكئيب، وسِرُّ البهجة أنَّنا عرفْنا قَدْرَنا عند ربِّنا، كأمَّة رائدة مصطفاة في تلك اللَّيْلة، وعَرَفْنا قدرَ نبيِّنا - صلَّى الله عليه وسلَّم - كخِتام للأنبياء المطهَّرين، وسيِّدٍ للعالمين، وإمامٍ للمصطفَيْنَ في تلك اللَّيْلة أيضًا، أمَّا ما يملأ النفس أحزانًا، فهو سطوةُ الواقع الزاخر بالآلام حولَ الأقصى المبارك وأرض القُدس الغرَّاء - أرض الأنبياء والشُّهداء، وأرض الرِّباط وملاحم الفِداء - مِن هذه الشِّرْذمة الملعونة من إخوان القِرَدة والخنازير، والذين عاثوا فيها وبأهلها بآياتِ الخَرَاب والدَّمار والفساد، وسطَ صمتٍ عالميِّ يُمَثِّلُ العارَ والتواطؤ، وموتَ الضمير.
تُوافِينا الذِّكرى في كلِّ عام، والمسلمون يحييونها؛ إمَّا برنين الكلمات، أو تلاوة القَصَصِ المُثِيرِ للدهشةِ في العقول، وإن كان باطلاً ومكذوبًا!
وعندَ بعض المجيدين منهم تستدرُّ الدُّموع الشجيَّة بالحديث الدائم حولَ قدسنا الذي طال غيابه، وعن أماناتنا كبارًا وصِغارًا، والتي اقترب اللِّقاء بربنا ليسألنا عنها، ويا ليتَ شعري، ما جوابُنا بين يدي الربِّ العظيم؟! فاللهمَّ الْطُف بعبادك.