اعتاد كثير من المسلمين أن يخوضوا مع الخائضين، وأن يحتفلوا مع المحتفيلن برأس السنة الميلادية، من غير أن يتساءل أكثرهم عن الحكم الشرعي لهذا الصنيع، وهل يتفق ما يقومون به مع دينهم الإسلام أم لا يتفق، فأكثر الناس يمشون في هذه الحياة سَبَهْلَلا، يُقَلِّدُ بعضُهم بعضا من غير تَأَنٍّ وَلاَ رَوِيَّة.
فيا أيها المسلم الصادق في إسلامه وإيمانه على رِسْلِك! تَمَهَّلْ قليلا، لتتساءل عن حكم دينك في مشاركة غير المسلمين في أعيادهم.
وَإليكَ -أخي المسلم- هذه النصوص والنقول لتنير لك الطريق، وتكفيك عناء البحث والتنقيب.
فمن القرآن الكريم:
قال الله تعالى في وصف عباد الرحمن: {وَالَّذِينَ لاَ يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً} (الفرقان72)، قال الإمام ابن كثير في تفسير "الزور": قال أبو العالية، وطاوس، ومحمد بن سيرين، والضحاك، والربيع بن أنس، وغيرهم: "هي أعياد المشركين".
ومن السنة النبوية:
عن ثابت بن الضحاك قال: نذر رجل على عهد رسول صلى الله عليه وسلم أن ينحر إبلا ببُوانة فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "إني نذرت أن أنحر إبلا ببوانة. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد، قالوا: لا. قال: هل كان فيها عيد من أعيادهم. قالوا: لا. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أوف بنذرك، فإنه لا وفاء لنذر في معصية الله، ولا فيما لا يملك ابن آدم" [رواه أبو داود وصححه الألباني].
فالذبح لله عبادة من العبادات، ومع ذلك عَدَّه النبي صلى الله عليه وسلم معصيةً إذا كان في مكان يقيم فيه المشركون عيدا من أعيادهم؛ وذلك لأن قصدَ تخصيص مكان عيدهم بهذه الطاعة مشاركة لهم في تعظيم عيدهم.
ومن آثار الصحابة رضي الله عنهم:
عن عبد الله بن عمرو قال: "من بنى في بلاد الأعاجم، وصنع نيروزهم ومهرجانهم (من أعياد الكفار)، وتشبه بهم حتى يموت، وهو كذلك حشر معهم يوم القيامة" [أخرجه البيهقي 9/234، بإسناد صحيح، وانظر اقتضاء الصراط المستقيم ص200].
وأما كلام العلماء في إنكار موافقة الكفار في أعيادهم فكثير، سنكتفي منه بنقل واحد من كل مذهب:
- فأما من المذهب المالكي: فقد "كره مالك الركوب معهم (يعني النصارى) في المراكب التي يركبون فيها لأعيادهم لما يخاف من نزول السخط عليهم، وكره ابن القاسم أن يهدي المسلم للنصراني في عيده مكافأة له، وقال هذا عون على تعظيم عيده وكفره، ولا يباع شيء منهم من مصلحة عيدهم لحم ولا إدام ولا ثوب ولا عارية دابة، قال مالك وغيره: وينبغي للإمام الزجر عن ذلك" [النوادر والزيادات 4/368-369].
- وأما من المذهب الحنفي: فقد قال الحصفكي: "والإعطاء باسم النيروز والمهرجان لا يجوزأي: الهدايا باسم هذين اليومين حرام (وإن قصد تعظيمه) كما يعظمه المشركون (يكفر)" [الدر المختار/345].
- وأما من المذهب الشافعي: فقال عبد الحميد الشرواني في حاشيته على تحفة المحتاج لابن حجر الهيتمي: "يُعَزَّرُ من وافق الكفار في أعيادهم" [حواشي تحفة المحتاج 9/181].
- وأما من المذهب الحنبلي: فقال الإمام أحمد: "لا يجوز شهود أعياد النصارى واليهود، واحتج بقوله تعالى: {والذين لا يشهدون الزور}" [اقتضاء الصراط المستقيم 201].
فالمذاهب الأربعة متفقة على إنكار موافقة غير المسلمين عامة في أعيادهم، بل قد أنكر العلماء قصد تخصيصها بالصيام لما في ذلك من تعظيم لها، مع أن الصيام طاعة في الأصل، فكيف بمن يستحل فيها المعاصي والمنكرات احتفالا بها؟
هذا هو حكم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم في شهود أعياد النصارى وغيرهم، وهذا هو كلام أولي العلم والأبصار.
فمتى نرجع إلى رشدنا؟ ونعمل بكتاب ربنا وسنة نبينا، وننصاع لأقوال علمائنا وأئمتنا الناصحين؟