نسمع كلمات تتردّد هنا وهناك ..
- إنه لحرام حقّاً هذا الذي يحدث لي !
- لماذا يُقدّر الله عليّ كلّ هذا العذاب ؟!
- ماذا فعلت لأعاقب بهذا الجزاء ؟!
- لماذا كلّ الناس سعداء وأنا لا ؟!
- هل حُكم عليّ أن أمضي حياتي في هذا الشقاء ؟!
- كلّ الفتيات في سني سعيدات ؛ عكسي أنا !
- ما هو الذّنب الذّي ارتكبته لأُعاقب هكذا ؟
- لماذا أخواتي كلهم جميلات وأنا ( الشينة ) الوحيدة بينهم ؟
- لماذا كل أهلي ومن أعرفهم طويلات ؛ وأنا وحدي القصيرة ؟
- لماذا لم يرزقني الله طفلاً واحداً ، وغيري لديهم العشرات ؟
- أقداري ليست عادلة !!
= هل مرّت عليك مثل هذه التّساؤلات ؟!
= هل خطر خاطر منها في بالك يوماً ما ؟!
لن نستبعد هذا لأنّ ما أوردته هنا هو بعضٌ من وساوس الشيطان
الذي يترصّد بنا ليل نهار ؛ لينفّذ قسماً قطعه على نفسه أمام ربّه
( قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ .
ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ ) الأعراف
إنّها حربه الشعواء التّي لا تهدأ لتثير الشّبهات في القلوب
حتّى يسوق من يتمكّن منهم معه إلى نار جهنم – والعياذ بالله –
كما يقول القائل ( ودّت الزانية لو زنى النساء كلهنّ ) ؟!
ولكن لنتوقّف هنا قليلاً ..
ونتأمّل فيما نعتقده في أعماق قلوبنا ؟
هل نعتقد أنّ الله من الممكن أن يظلمنا ولو قليلاً ؟
سنقول : لا طبعاً .. أبداً !!
إذاً لماذا نظنّ أنّ الله يُعاقبنا ؛ ويستمر بعقابنا طول حياتنا ..
ونحن لم نقترف ذنباً يُؤهّلنا لتلك العقوبة ؟!
هل نعلم لماذا نفكّر هذا التّفكير ؟
لأنّنا لم نفقه أنّ هذه ليست عقوبة ؛ بقدرِ ما هي تربيةٌ من الله
فالله يُهيء لنا مواقفاً مُعيّنة ليربّينا فيها
فقد نقسو أحياناً على صغارنا لأجل مصلحتهم ؛
ولا يعتبر النّاس أنّنا ظلمةٌ لهم بهذا أبداً ؟!
بل على العكس تماماً .. فهم يعتبرون التّساهل معهم هنا تفريطاً ..
كأن نمنع عنهم العبث بالكبريت والكهرباء رغم بكائهم الشّديد !
فكيف بمن تقدّست أسماؤه وكملت صفاته سبحانه ؟!
- ولله المثل الأعلى –
هل نعتقد أنّه يظلمنا ذرّة ؟ [ تعالى الله عن ذلك علّواً كبيراً ]
ولنتامّل إذاً كيف يُوقع الشّيطان في قلوبنا أنّ غيرنا سعيد ونحن أشقياء ؟
وهذا يحدث لأنّنا لم نفقه معنى السّعادة الحقيقيّة في القرب من الله سبحانه ؛
والعيش تحت ظلال رحمته ؟!
ولم نفقه معنى ( لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ )
ولو فقهنا لعلمنا أنّ الدّنيا زائلة ؛ وليست بدار خلود أبداً
وسعادتها مُنغّصة وليست داراً للسّعادة الكاملة
ونستحضر هذا دائماً ؛ حتى لا تتعلّق قلوبنا بها
بل نسعى فقط لدار السّعادة الأبديّة ،
ودار الخلود الدّائم التّي لا يعكّر صفوها لحظة شقاء أو كدر
- نسأل الله من فضله ومنّته –
فكيف يقع في نفوسنا أنّ ما نعانيه من ابتلاءات
هي انتقامات بلا سببٍ ولا ذنب ؟!
- تعالى الله عن ذلك علّواً كبيراً -
ولو فقهنا لعلمنا أنّه إذا أحبّ الله عبداً ابتلاه ؛
ولربّما كتب الله له منزلةً في الجنّة ما يبلغها بعمله ؛
فيبتليه الله فيصبر فيبلغها بصبره
ولنكن على يقين أنّه لا يأتي من ربّ الخير إلا الخير
وعجباً لأمر المؤمن .. إنّ أمره كلّه له خير
( أمره كلّه وليس جزءاً منه ؛ لا ربعه ، ولا نصفه بل كلّه )
بكلّ دقائقه وتفاصيله ؛ بكلّ أحداثه .. بكلّ آلامه .. ومعاناته ..
كلّ أمره له خير !
وليس ذلك لأحدٍ إلا للمؤمن فقط .. ليس للكافر ، ولا للمنافق !
فهؤلاء قد يقعون في هذه الابتلاءات ، ويقنطون من رحمة ربّهم
فيقدمون على الانتحار خلاصاً منها ،
أو يغرقون في تناول المخدرات والمسكرات
لينسون واقعهم الحالي – زعموا !! –
ما يقع علينا من ابتلاءات هي خير لنا ؛ ولو صرفها الله عنّا لفسدنا
وكلّ إنسانٍ قدّر الله له الأصلح له ولقلبه
فلنرضى إذاً باختيار الله لنا ؛ فخيرته لنا خيرٌ من خيرتنا لأنفسنا
ولو أتتنا أفكاراً مثل هذه فلندفعها بحسن ظنّنا بالله
الرّحيم الرّحمن الّلطيف الحكيم الخبير سبحانه
ولو كُشِفَ لنا الغيب ما اخترنا غير ما اختار الله لنا
وقد جاءت قصة توضّح هذا المعنى :
كان لأحد الملوك وزير حكيم وكان الملك يقرّبه منه ويصطحبه معه في كلّ مكان
وكان كلّما أصاب الملك ما يكدّره
قال له الوزير ( لعلّه خير ) فيهدأ الملك
وفي إحدى المرات قُطع إصبع الملك ؛ فقال الوزير ( لعلّه خير )
فغضب الملك غضباً شديداً ؛ وقال : ما الخير في ذلك ؟!
وأمر بحبس الوزير ، فقال الوزير الحكيم : لعلّه خير
ومكث الوزير فترة طويلة في السجن
وفي يوم خرج الملك للصّيد
وابتعد عن الحراس ليتعقّب فريسته،
فمرّ على قومٍ يعبدون صنم ، فقبضوا عليه ليقدموه قرباناً للصّنم
ولكنّهم تركوه بعد أن اكتشفوا أنّ قربانهم إصبعه مقطوع !!
فانطلق الملك فرحاً حامداً ربّه
بعد أن أنقذه الله من الذّبح تحت قدم تمثال لا ينفع ولا يضرّ
وأول ما أمر به فور وصوله القصر
أن يأتوا بوزيره من السّجن ، واعتذر له عما صنعه معه
وحمد لله وأدرك الآن الخير في قطع إصبع
ولكنه سأله عندما أمرت بسجنك ؛ قلت : لعلّه خير !
فما الخير في ذلك؟
فأجابه الوزير : أنّه لو لم يسجنه
لكان مرافقاً له فى الصّيد فكان سيُقدم قرباناً بدلاً من الملك
فكان في صنع الله كلّ الخير !
وقد تكون أحياناً الابتلاءات من البشر لنا
بمعنى أنّ معاناتنا قد تكون واقعةٌ علينا من البشر
أبٌ ظالمٌ ، أو زوجٌ متسلّط ، أو أخٌ قاسي ، أو ولدٌ عاقّ
أو معاناةٌ ممن حولنا من ألسنةٍ حدادٍ تقطّعنا ليل نهار
أو ظلمٍ أو أكلٍ للحقوق ، أوعيونٍ حاسدةٍ حاقدة ، أو سحرٍ مُدبّر
تتحوّل معها حياتنا إلى جحيم !
هل نعتقد أن هذا يحدث عبثاً ؟ أو نعتقد أنّه يحدث بغير إذن الله له ؟
أبداً إنّه من القدر الذي قدّره الله سبحانه علينا
وجعله من الابتلاءات والاختبارات لنا
( وجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً )
جعلنا الله اختباراً وابتلاءً لبعضنا البعض ؛ لنصبر على قضاء الله
ولنلجأ له بالتضرّع والدّعاء والانكسار على بابه سبحانه
وندفع عن أنفسنا الضرّ بما شرعه لنا ويسّره لنا
ونعامله سبحانه من وراء خلقه
وندع النّاس يتقلّبون في حقدهم ومكرهم
ونتعامل معهم بعفونا عنهم وحسن أخلاقنا معهم
طلباً لرضاه وعفوه سبحانه وحده
وما هي إلا درجاتٌ ترفع ، ومنازلٌ تنال
وذنوبٌ تكفّر ، وحسناتٌ تترى
فكلّ ظالم يأتي يوم القيامة يحمل أوزاره على ظهره
وهو يمشي بها ثقيلة على أرضٍ غير مستوية
وأما المظلومين والمبتلين بقدر الله ؛ فهؤلاء يرفع الله قدرهم
ويبشرون بمكانتهم ومنازلهم في الجنّة
والدّنيا معبر للآخرة وليست مقر ؛
وربّما يكون طريق عبورهم فيها هو هذا الابتلاء
إذاً فلنحيا في ظلال أسمائه وصفاته سبحانه
ونتلمّس آثارها في كلّ ما يقع علينا
عندها سنعيش الدّنيا بكل جمالها وسعادتها
لنصل لآخرة أجمل وأجمل بإذن الله
وبعد هذا ..
هل لازال في قلبكِ شك ؟
لو بقي شيء من شكٍّ في قلبك ..
فتوقفي هنا ؛ وأعيدي قراءة الكلمات السّابقة بهدوء
وادفعي عنكِ كلّ وسوسة لشيطان
بحسن ظنّك بالله الحكيم
نسأل الله أن يُرينا الحقّ حقّاً ويرزقنا اتّباعه
ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه