وهكذا تمضي الأعوام في غفلة الأنام
الحمد لله منشئ الأيام والشهور ، ومفني الأعوام والدهور ، يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، أحمده فهو الغفور الشكور وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد :
أحبتي في الله قراء هذه الصحيفة الكرام تبصروا في هذه الأيام والليالي وتصرم الأعوام عاماً بعد عام فطوبى لعبد اعتبر بتقلب الليل والنهار قال الله تعالى {يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ}
إنا لنفرح بالأيام نقطعها ***** وكل يوم مضى يدني من الأجل
فاعمل لنفسك قبل الموت مجتهدا ً ***** فإنما الربح والخسران بالعمل
قال بعض الحكماء : كيف يفرح بالدنيا مَنْ يومه يهدم شهره ، وشهره يهدم سنته ، وسنته تهدم عمره ، كيف يفرح مَنْ يقوده عمره إلى أجله ، وحياته إلى موته ؟!
ولقد أحسن من قال :
نسير إلى الآجال في كل لحظة ***** وأعمارنا تطوى وهُنّ مراحل
ترحل من الدنيا بزاد من التقى ***** فعمرك أيام وهُنّ قلائل
وأنشد بعضهم :
وما هذه الأيام إلا مراحل ***** يحث بها حادٍ إلى الموت قاصد
وأعجب شيء لو تأملت أنها ***** منازل تطوى والمسافر قاعد
لقد جعل الله سننا ً كونية حري بالمرء أن يعتبر بها ، أليس في كل يوم تطلع الشمس من مشرقها وتغرب في مغربها فهل من مدكر ؟! أليس في كل شهر يهل علينا الهلال ثم ينمو ويضمحل فهل من مدكر ؟! وما هذه إلا إيذان بأن هذه الدنيا ليست دار قرار .
وما هذه الدنيا بدارإقامة ***** ولو كنت في قصر رفيع ممنع
فموت الفتى حق من الله نافذ ***** وكل إلى دار القيامة قد دع
فهذه هي الدنيا يوم يمر وليل يكر ، وفجر يعود بيوم جديد .
فوصيتي لأحبتي بالتوبة النصوح التي تمحى بها الآثام ويختم بها العام فالعمل بالختام ، قال الله تعالى {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ }
** روي أن رجلاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يبني جداراً ، فمر به آخر في يوم نزول هذه السورة ، فقال الذي كان يبني الجدار : ماذا نزل اليوم من القرآن ؟ فقال الآخر : نزل {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ} فنفض يده من البنيان ، وقال : والله لا بنيت أبداً وقد اقترب الحساب .
ولا شك أن كثيراً من الناس انفتحت عليهم الدنيا بشهواتها وشبهاتها فهم في غفلة ، وموت كل إنسان قيام ساعته ، فنعوذ بالله من موت الغفلة ونسأله سبحانه أن يختم لنا عامنا هذا بالعفو والغفران والرحمة والجود والامتنان ، وأن يجعل ما نستقبله من عامنا المقبل عاماً مباركاً فيه عز للإسلام والمسلمين وتمكيناً لهم إنه ولي ذلك والقادر عليه وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .