لا جديد في موقف الدول العربية والإسلامية تجاه بورما، فالاستنكار والتنديد سيد الموقف لدى الجميع رغم حملات الإبادة التي يتعرض لها مسلمو بورما في إقليم أراكان المسلم هذه الأيام من قتل وتشريد واضطهاد، بالإضافة إلى تهجيرهم وتدمير منازلهم وممتلكاتهم ومساجدهم، على يد الجماعات البوذية الدينية المتطرفة بدعم ومباركة من الأنظمة البوذية الدكتاتورية في بورما.
ويبلغ عدد مسلمي بورما 11 مليون نسمة من إجمالي سكان بورما البالغ تعدادهم 50 مليون نسمة منهم أكثر من 5.7 مليون مسلم يقطنون منطقة أراكان حيث يشكلون أكثر من 75 % من سكان المنطقة.
وبدأت مأساة مسلمي بورما في عام 1948 حيث دخلت القوات البورمية أراكان وتمكنت من احتلالها بالقوة عبر سلسلة من المذابح الإجرامية ومارست أبشع صور التهجير العرقي بطرد أكثر من مليوني مسلم إلى بنجلاديش المجاورة، ولم تسمح بعودتهم حتى الآن .
وتفرض السلطات البورمية أبشع صور العزلة على مسلمي بورما منذ وصول الحكم العسكري الشيوعي إلى سدة السلطة عام 1962، ومن ذلك التاريخ قامت بتشريد مئات الآلاف من المسلمين وسحبت منهم الجنسية البورمية بالادعاء بأنهم متوطنون جاء بهم الاحتلال البريطاني من الدول المجاورة ، ووسط التعتيم الإعلامي الشديد ، فهناك ملايين المسلمين في أراكان يتعرضون لعملية إبادة ممنهجة وتُغتصب نساؤهم و يُقتل أطفالهم .
شرارة المجزرة الجارية
وبالرغم من أن مذابح البوذ ضد المسلمين في بورما لم تتوقف يوما الا أن المجزرة الأخيرة جاءت من أجل عرقلة حصول المسلمين على حق من حقوقهم، حيث اعلنت حكومة الميانمارية البورمية منح بطاقة المواطنة للروهنجيا "الأقلية المسلمة" في أراكان، وهو ما كان بمثابة الصفعة القوية على وجوه الماغن "الأغلبية البوذية" لأنهم يدركون تمامًا تأثير هذا القرار على نتائج التصويت- في ظلّ الحكومة الجمهورية الوليدة- ويعرفون أن هذا القرار من شأنه أن يؤثر في انتشار الإسلام.
لم يدخر البوذيون وسعًا في تنظيم المؤامرات مجندين عددًا من الشباب من خارج بورما وبالتحديد في روسيا، ليبدأوا خطط إحداث أيّ فوضى بهدف تغيير رأي الحكومة وموقفها تجاه المسلمين الروهنجيا حتى يصوروهم أمام الرأي العام وأمام الحكومة بأنهم إرهابيون ودخلاء، ويتوقف بالتالِي قرار الاعتراف بهم أو تأجيله، إضافةً إلى خلق فرصة لإبادة الشعب الروهنجي المسلم، مع غياب الرأي العام الخارجي كلّيًّا، وسيطرة الماغن على مقاليد الأمور وتواطؤ الشرطة البوذية معهم.
وسط هذه الأجواء المشحونة بالتوتر والمؤامرة، اتجهت قدرًا حافلة تقلّ مجموعة من العلماء والدعاة المسلمين في بلدة "تاس وجوك" البوذيّة التي يندر وجود المسلمين فيها، لأخذ قسط من الراحة فهاجمهم مجموعة من الماغن البوذيين واجتمع على ضربهم وقتلهم قرابة 466 بوذيًا بالعصي على وجوههم ورءوسهم بعد أن ربطوا أيديهم وأرجلهم في صورة تنعدم عندها كلّ معانِي الإنسانيّة.
وحتّى يثير الماغن الفتنة ادّعوا أنّهم فعلوا ذلك انتقامًا لمقتل فتاة بوذيّة زعموا أن أحد المسلمين اغتصبها وقتلها، مشيرين إلى أنَّهم اشتبهوا بهؤلاء الدعاة على أنّهم هم من فعلوا ذلك!، علمًا بأن الدعاة ليسوا أصلاً من تلك البلدة وإنّما كانوا مارّين فيها خلال عودتهم من جولة دعوية.
قتل واختطاف المئات
عقب تلك الأحداث كشفت تقارير إخبارية خلال الأسبوع الماضي عن سقوط المئات من القتلى و الجرحى نتيجة اعتداءات وحشية وذبح وقتل وخطف للمسلمين والمسلمات في الإقليم.
وقال الناشط البورمي محمد نصر: "إن مسلمي إقليم أراكان في دولة بورما، يتعرضون حالياً لأبشع حملة إبادة من قبل جماعة "الماغ" البوذية المتطرفة، مشيراً إلى أن عدد القتلى لا يمكن إحصاؤه".
وبحسب نصر فإن 250 قتيلا و أكثر من 500 جريح سقطوا في تلك المجازر، بالإضافة إلى وجود 300 حالة إختطاف و تدمير 20 قرية و 1600 منزل مما تسبب في انتشار حالة من الذعر و الهلع في صفوف المسلمين و فرار الآلاف منهم وسط مرأى ومسمع من قوى الأمن.
وأضاف نصر، أن الجماعات الراديكالية البوذية المناصرة لـ'الماغ' تنتشر في أماكن تواجد المسلمين في بورما بعد إعلان بعض الكهنة البوذيين الحرب المقدسة ضد المسلمين.
وأشار إلى أن مسلمي إقليم أراكان يتنقلون في ساعات الصباح الأولى فقط وبعدها يلجؤون إلى مخابئ لا تتوفر فيها أي من مستلزمات الحماية، خوفاً من الهجمات التي وصفها بأنها الأشد في تاريخ استهداف المسلمين في بورما.
نداء لحكام المسلمين ومحبي السلام
من جانبه، أهاب الدكتور علي جمعه، مفتي جمهوريه مصر العربية، بحكومات المسلمين وكل القوي المحبه للسلام والهيئات والمؤسسات الخيريه والاغاثيه وهيئة الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الانسان في كل ارجاء العالم، الاسراع لنصره مسلمي بورما الذين يعانون من الاضطهاد والتمييز العرقي وحرمانهم من حقوق المواطنه منذ ستين عامًا، وتقديم كافه اشكال الدعم لهم، ومنحهم حقوق المواطنه كامله ومساواتهم بكل مواطني بورما، وفقا لما أوردته تقارير صحفية مصرية.
وحذر المفتي من خطر استمرار قتل وإضطهاد المسلمين في بورما، مؤكدًا ان الجميع يرفض سياسه التمييز البوذيه التي ادت الي حملات الاضطهاد الاخيره، حيث قتل عدد من العلماء والدعاه المسلمين بجانب اعتقال الابرياء، مما ادي الي هروب الاف المسلمين الي بنجلاديش المحاذيه للاقليم.
قتل وتهجير واضطهاد
وكانت الهيئة العالمية للعلماء المسلمين التابعة لرابطة العالم الإسلامي قد انتقدت بشدة حملات الإبادة التي يتعرض لها المسلمون في بورما (الروهنجيين في أراكان)، حيث يتم قتلهم وتشريدهم واضطهادهم، بالإضافة إلى تهجيرهم وتدمير منازلهم وممتلكاتهم ومساجدهم.
وطالبت الهيئة ـ في بيان أصدرته ـ حكومات المسلمين ومؤسساتها الإسلامية الإسراع لنصرة مسلمي بورما الذين يعانون من الاضطهاد منذ خمسة عشر عامًا.
وحذرت من خطر استمرار اضطهاد المسلمين الروهنجيين في بورما، مشيرة إلى رفض علماء الأمة وشعوبها لسياسة التمييز البوذية التي أدت في حملات الاضطهاد الأخيرة إلى قتل عدد من العلماء والدعاة إلى جانب شن حملات اعتقال للأبرياء، مما أدى إلى هروب آلاف المسلمين إلى بنجلاديش.
وناشدت الهيئة المؤسسات الخيرية والإغاثية في العالم على عون المشردين من الروهنجيين المسلمين في بورما سواء في داخلها أوالذين لجأوا إلى بنجلاديش، ودعت حكومة إلى نجلاديش بفتح الحدود لهم تحقيقًا للأخوة الإسلامية.
وحثت الدول الإسلامية وخاصة دول مجلس التعاون الخليجي على مد يد العون لبنجلاديش لتتمكن من إيواء المسلمين الفارين إليها من بورما.
وذكَّرت الهيئة بما أصدره المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي في دورته الحادية والأربعين التي عقدها مؤخرًا، حيث أعرب عن قلق المسلمين بالعالم للمجازر الدامية في بورما، والتي قتل فيها عدد كبير من المسلمين.
واستنكر المجلس سياسة التمييز والاضطهاد ضد المسلمين بسبب انتمائهم الديني، وطالب منظمة التعاون الإسلامي ببذل الجهود لوقف اضطهاد مسلمي بورما، داعيًا منظمات حقوق الإنسان إلى القيام بواجبها في حمايتهم ونيلهم حقوق المواطنة والمساواة مع غيرهم من مواطني البلاد.
يذكر ان الاسلام وصل الي اقليم اراكان في بورما في القرن التاسع الميلادي واصبحت اراكان دوله مسلمه مستقله، الي ان احتلها الملك البوذي البورمي "بوداباي"، في عام 1784م وضم الاقليم الي بورما خوفًا من انتشار الإسلام في المنطقه، ويبلغ عدد سكان بورما اكثر من 50 مليون نسمه، منهم 15% مسلمون، حيث يتركز نصفُهم في اقليم اراكان- ذي الاغلبيه المسلمه.
يشار الى أن البوذيين نفذوا مذبحة راح ضحيتها أكثر من 100 ألف مسلم في بورما عام 1942 حيث شرد الآلف من أبنائها .