الحقيقة الأولى ما تقوله المصادر الطبية من أن الإنسان الطبيعي ينتج من نصف إلى لتر ونصف اللتر غازات يومياً، وأن الإنسان الطبيعي أيضاً يخرج غازات بمعدل 14 مرة في اليوم!، فجهازنا الهضمي كبشر ينتج كمية كبيرة من الغازات في الأحوال العادية. والحقيقة الثانية، أن الجهاز الهضمي لديه القدرة على التخلص من غالب الغازات من خلال امتصاصه المباشر لها من دون الحاجة إلى إخراجها مباشرة.
في ظل هذا التوازن تسير أمور الغازات بشكل طبيعي، والخلل أو الاضطراب يأتي من جهتين، الأولى هي تضايق الإنسان مما هو طبيعي، وهذا له حل، والثانية تضايقه مما هو غير طبيعي، وهذا أيضاً له حل. فمشكلة الغازات لا يمكن أن يقال لا حل لها، بل باتباع النصائح الطبية، فإن الحل متحقق لا محالة إذ لا يوجد مرض مزمن يقال له زيادة غازات الجهاز الهضمي، بل هناك «حالة» يكون فيها زيادة في حجم الغازات، تزول «الحالة» بزوال السبب.
المكونات الغازية عديمة الرائحة لغازات الجهاز الهضمي خمسة، وهي: النيتروجين والهيدروجين وثاني أكسيد الكربون وغاز الميثان وغازات الكبريت. والمكونات الغازية ذات الرائحة لغازات الجهاز الهضمي ثلاثة في غالب الأحيان وقليلة الكمية، وهي: مركبات سكاتول ومركبات إندول ومركبات الكبريت، وغالبها ناتج عن البكتريا غير الضارة التي تستوطن القولون بشكل طبيعي والتي تختلف بعض منها من إنسان لآخر.
مصدر الغازات < حينما نقول الجهاز الهضمي، فإننا نعني المريء والمعدة والأمعاء الدقيقة والأمعاء الغليظة. والغازات التي توجد فيها تأتي من مصدرين، الأول ما يتم بلعه من هواء والثاني ما ينتج داخل كل أجزاء الجهاز الهضمي، سواء أثناء هضم الإنسان للطعام أو هضم البكتيريا غير الضارة في القولون لبعض الطعام.
أولاً: بلع الهواء، ويتم في الغالب من دون شعور من الإنسان بلع كمية من الهواء حين شرب الماء بسرعة أو مضغ العلك أو لعق الحلويات أو شرب المشروبات الغازية أو التدخين أو بسبب تركيبة الأسنان غير الثابتة أو لدى الأشخاص المتوترين دوماً. أكثرنا يتخلص من هذا الهواء حينما يتجشأ بإخراجه عبر الفم، والباقي يتم امتصاصه في الأمعاء الدقيقة ويصل القليل جداً منه إلى القولون، ويستطيع المختبر أن يدل بتحليل الغازات من أن مصدرها الهواء الذي يبتلعه الإنسان إن كان الغاز مكوناً من النيتروجين أو ثاني أكسيد الكربون، أما الغازات التي تنتج في القولون غالبها مكون من الهيدروجين والميثان.
ثانياً: تكسر الغذاء غير المهضوم، اذ تفلت بعض السكريات من عملية الهضم التي يتم غالبها في الأمعاء الدقيقة لأسباب عدة وتصل بالتالي إلى القولون بهيئة معقدة. وهنا تأتي البكتريا غير الضارة لتتم هذه العملية بكل سعادة، إذ انها تؤمن لها الغذاء مما ينتج عنه هضم غير طبيعي يخرج منه غاز الهيدروجين وفي بعض الناس غاز الميثان ذو الرائحة، فتظهر غازات القولون، مع ملاحظة أن غاز الهيدروجين الذي ينتج يستطيع بعض الناس التخلص منه بفعل بكتريا طبيعية أخرى لديهم داخل القولون، وهذه أهم نقطة تفسر تباين حال الناس، فمن لديه توازن في البكتريا الطبيعة لا تظهر مشكلة لديه، ومن يفتقر إلى هذا التوازن بين نوعي البكتريا الطبيعية، تظهر المشكلة لديه عند عدم اكتمال هضم السكريات. أما الدهون والبروتينات فعلى عكس ما يعتقد البعض، لا تسبب غازات البتة.
لذا فمن أشهر ما يكون الغازات هي المنتجات الغذائية الغنية بالسكريات المعقدة كالبقول، وبشكل أقل الملفوف والبروكلي والحبوب غير المقشرة، كذلك الحال مع المنتجات الغنية بالنشا كالبطاطا والذرة والطحين والخبز غير الناضج، والوحيد من بينها مما لا يسبب غازات هو الأرز، ويحتوي البصل والعديد من أنواع الفواكه كالتفاح والكمثرى والمشمش على سكريات تؤدى إلى غازات القولون. ومما يلفت النظر، أن العديد من محليات الوجبات أو مشروبات الرشاقة الخالية من السكر التي يطلق عليها «دايت»، كما في العلكة أو المشروبات الغازية، تسبب أيضاً غازات. وتلعب الألياف الغذائية التي لا تهضمها الأمعاء دوراً في تكوين الغازات. وهناك جملة من الحالات المرضية التي يعتبر إحدى مظاهرها تكون غازات، بالإضافة إلى أعراض أخرى كآلام البطن والإسهال أو الإمساك أو انتفاخ البطن أو خروج دم مع البراز أو ارتفاع حرارة الجسم أو الحمى وغيرها، أي أن الغازات من النادر حدوثها من دون وجود أعراض أخرى مصاحبة، وهذا أمر مهم تجب ملاحظته.
من أشهر هذه الحالات هي حساسية الحليب ومشتقات الألبان أو الحساسية من بعض الأطعمة الجاهزة كالخبز وبعض أنواع مرق التوابل التي تضاف إلى السلطات. وهناك حالات سوء الهضم نتيجة نقص أنزيمات معينة كأنزيمات البنكرياس أو لوجود أمراض في الجهاز الهضمي، سواء جرثومية أو نتيجة التهابات داخلية أو اضطراب حركة الأمعاء، وهنا يجب مراجعة الطبيب.
حل مشكلة الغازات < بعد التأكد من خلو الجهاز الهضمي من أي مرض، فإن هناك ثلاث وسائل تزيل مشكلة الغازات تعتمد على تعديل الغذاء وتقليل بلع الهواء والأدوية المخففة من كمية غازات المعدة والقولون.
تعديل الغذاء مبني على ملاحظة دقيقة لنوع الغذاء المسبب للغازات وتجنبه بشكل صارم، ثم ملاحظة الأثر، ثم ملاحظة نوع آخر، وهكذا، إذ في الغالب ليس السبب نوعاً واحداً، بل أنواع عدة. وإن لم تفلح هذه الطريقة بعد تطبيقها بكل دقة، يبدأ الإنسان بالعكس، أي يتناول فقط الأطعمة الآمنة من نشوء الغازات ويبدأ رويداً إضافة أطعمة أخرى كل 48 ساعة كي يعرف منها ما يسبب له المشكلة. أما إن كانت المشكلة هي مع الحليب ومشتقات الألبان، فأولى الخطوات قطع تناوله لمدة 14 يوما وملاحظة الفرق بعدها، ويستطيع الطبيب وصف أنزيمات على هيئة حبوب يتناولها الإنسان أو نقاط تضاف إلى الحليب تمكن من تسهيل هضمه وزوال سبب الغازات بنجاح. العلاج الطبي موجه في الغالب للحالات التي يكون فيها اضطراب وظيفي أو زيادة في كمية البكتيريا في القولون أو وجود طفيليات أو أمراض عضوية، وهو ما يقوم به الطبيب. أما في حالة رفض أو عدم قدرة الإنسان على تجنب الأطعمة المسببة للغازات، فإن هناك العديد من الأدوية التي تخفف كثيراً من حدة المشكلة وهي في الغالب أدوية لا تحتاج وصفة الطبيب. وللتأكد من معرفة الغذاء المسبب للغازات، فإن اختبار النفس للهيدروجين بعد ساعتين من تناول المادة الغذائية، يدل في حال زيادة هذا الغاز في النفس على نشاط البكتريا في هضم ما لم تستطع الأمعاء هضمه.