ملاك الطيف المراقبة العامة
عدد المساهمات : 14127 تاريخ التسجيل : 20/01/2011
| موضوع: أين الضمير الإنساني من ملايين الجياع في القرن الأفريقي ! الخميس فبراير 09, 2012 12:01 pm | |
| يجتاح المرء حزن رهيب واسى مرير وهو يتابع هذه الايام عبر الصحافة المرئية والمكتوبة في مختلف انحاء العالم، مشاهد المجاعة المرعبة التي تهدد حياة 20 مليونا من ابناء القرن الافريقي، ويكاد لا يصدق ان ما تراه عيناه هو بالفعل حقيقة واقعة تحدث في السنوات الاولى التي اعقبت القرن العشرين، قرن المعرفة والتقدم العلمي العظيم والعدالة والمساواة، لا في القرون الوسطى وعهود الظلام المنطوية، نعم، انها حقيقة لا ريب فيها، فملايين البشر هناك، اطفال ونساء ورجال يتعرضون للموت جوعا منذ اذار الماضي، نتيجة الجفاف الذي بدأت بوادره تلوح في الافق منذ بداية شهر كانون الاول من العام الماضي وقد فر مئات الالاف منهم الى دول مجاورة، املا بلقمة عيش قد تبقيهم ومواشيهم التي نفقت، ومزروعاتهم التي اتلفت بفعل الجفاف. كل هذا جرى ويجري منذ اشهر على مرأى ومسمع العالم المتحضر، وفي ما يسمى عصر النور والحرية والعدالة والديمقراطية وحقوق الانسان. والعالم، بدوله وممالكه وحكوماته ومؤسساته الدولية المعنية بالشأن الانساني، القادرة على التكاتف ومد يد العون السريع لانقاذ الارواح من التهلكة، وقف اشهرا وقفة المتفرج، لا يبدي ولا يعيد امام هول الكارثة الماحقة الزاحفة باتجاه الملايين ممن هم اصلا، لشدة الفقر، اقرب الى الاموات منهم الى الاحياء. فقد اوردت جريدة الاندبندنت خبر اتهام منظمة اوكسفام للاغاثة الحكومات الاوروبية بما فيها الفرنسية والايطالية والدانماركية بالتجاهل المتعمد الذي لا يمكن الدفاع عنه اخلاقيا لانها لم تقدم ما يتوجب عليها من المبالغ المالية للحيلولة دون الكارثة الانسانية التي تشمل الصومال واثيوبيا وكينيا وجيبوتي. كما نقلت الصحيفة عن المدير الاقليمي لاوكسفام، فران اكويزا قوله: كان العالم بطيئا في ادراك فداحة هذه الازمة. فلو كان المزيد من الاجراءات قد اتخذ لما وصلنا لهذه المرحلة التي يواجه فيها الكثيرون المجاعة. واشارت صحيفة الديلي تلغراف في تقرير لها عن الوضع المأساوي لتلك المناطق المنسية في القرن الافريقي الى ان مناطق شمالي كينيا ما زالت الى حد كبير محرومة من ملايين الدولارات التي منحت الهيئات الاغاثة بعد المناشدات الاخيرة. فلا احد يأتي اليهم بالطعام او الادوية او يعرض عليهم شراء ما تبقى من ماشيتهم، والنزر القليل من الطعام الذي اختزنوه يتقاسمونه بينهم... وقد نقلت صحيفة الديار عن الواشنطن بوست قولها ان اولى عمليات نزوح الصوماليين بدأت في مارس الماضي، والان تحولت الى ما يشبه الطوفان... وقد مر معظمهم في طريقه على عشرات الجثث لامهات واطفال ومسنين واخرين ممن حاولوا الفرار بحياتهم من الموت جوعا فواجهوا في النهاية مصيرهم المحتوم، على ان جميع الاطفال تقريبا يبدون في سن غير سنهم الحقيقي... ان مثل هذا الكلام في وصف الواقع الرهيب لا ينتهي، على امتداد العالم كله، لعظم الكارثة الداهمة وفداحتها لكنه، وللاسف العظيم كلام لم يتعد حدود نقل الخبر، ولم يرق، مثلما يفترض الى مستوى الدفاع الشرس عن حق اولئك الجياع علينا في ان مد يد العون اليهم، كونهم، في الحقيقة اخوة لنا في الانسانية، يفترض ان يسعدنا ما يسعدهم، وان يضيمنا ما يضيمهم نعم انها مسؤولية كل انسان فرد، وكل شعب من الشعوب، وكل امة من الامم، ممن افاض الله عليهم من نعمه، ان يتكاتفوا ويسارعوا لنجدة ابناء جلدتهم ازاء ما اصابهم به الدهر. فبذلك فقط يفرح قلب الله، وتطمئن عينه القدسية التي ترقب كل صغيرة وكبيرة في الارض ومليارات العوالم المنتشرة في الكون، وتحصي اعمال قاطنيها، وكل ما يأتونه فيها من خير او شر. وبعكس ذلك، فانه عدالة الله المنزهة عن كل نقص، والتي تسمو على عدالة البشر لن تلبث ان تنال من كل من تقاعس عن اداء واجبه الانساني، وادار ظهره للاطفال والنساء والعجزة الحالمين بنعمة البقاء على قيد الحياة وسوف يرى هؤلاء المتقاعسون انفسهم في هذه الدورة من الحياة او في الدورات الحياتية التي تليها، اسرى كابوس المجاعة ذاته او في اي عقاب اخر، جزاء وفاقا على ما اقترفوه من ظلم رهيب بحق اخوانهم في الانسانية. فالحياة لا تنتهي بالموت، والمكافأة والجزاء هما من نوع العمل، وكلاهما اتيان لا محالة، مهما طال عليهما الزمن. فلقد وهبنا الله العلي كل شي وملأ سطح الارض وباطنها بخيراته العميمة التي تغني كل من ولد عليها، وكل الذين سيولدون والتي تكفي لرد عائلة الفقر والمجاعة عنهم جميعا هذا اذا قيض للعدالةان تعم، ولروح الاخوة ان تسود وللحروب ان تنتفي، وللاطماع ارواحهم عن كل ما وضيع ودنيء الى ما هو ارفع واسمى. انه لمن المعيب حقا ان ينظر العالم الى النسوة اللواتي اصابتهن الملمةفي القرن الافريقي وهن تقطعهن عشرات الاميال على الاقدام مع اولادهن وازواجهن الجياع دون ان تبادر سيارة او طائرة للمساعدة بل انه لمن العار العظيم ان لا يتحرك هذا العالم برمته لينجد تلك النسوة اللواتي تفقدن فلذات اكبادهن او ازواجهن وهم في الطريق، فتخلفهن بلا حفرة تحن على اجسادهم، وبلا صلاة ترافق ارواحهم الى الملأ الأعلى الذي تنطلق اليه، شاكية ظلم الانسان لأخيه الانسان. فأين هم رؤساء وملوك وحكام وقادة الدول الغنية ازاء ما يجري؟! ولم يكتفوا بالكلام دون الأفعال امام هول الكارثة الداهمة، او بتقديم الفتات المتساقط عن موائدهم الى اولئك الملايين التعساء، دون النظر الى حاجاتهم، كاملة، والحضور اليهم في محنتهم كي يطعموهم بأيديهم ويبلسموا جراحاتهم النازفة، كما يقضي الواجب الانساني عليهم ان يفعلوا؟! واين «عولمتهم» من الفاجعة التي ابتلي بها هؤلاء الضعفاء المنكوبون الذين لا حول لهم ولا طول، ان كانت تلك «العولمة» عادلة، خالية من الأطماع ومن هوس السيطرة على مقدرات الشعوب وثرواتها؟ ولم لا يتنادون ويوقفون نيران حروبهم التي يشعلونها هنا وهناك من غير مبرر محق ترضى عنه العدالة الإلهية السامية؟! ولم لا يأمرون شاحناتهم ودبابتهم وطائراتهم وسفنهم الحربية الجبارة بأن تنقل المؤن والغذاء الى من يعيشون كابوس الموت من الجوع في كل لحظة، بدلاً من ان تنقل الصواريخ والقذائف الجهنمية وتلقي بها هنا وهناك فوق رؤوس الآمنين، الآملين بتحقق سلام دائم وعدالة شاملة وعيش في هناءة ورغد؟! ولم يهُن في عيون حكام الدول المتحضرة مشهد الملايين ممن اصبحوا هياكل عظمية تكسوها الجلود، وقد زاغت عيونها عن رؤية الدنيا، وعجزت افواهها عن استصراخهم لانقاذها، في حين لا يهون عليهم انسان فرد من شعوبهم اذا ما تعرض لإساءة او سجن او غير ذلك خارج وطنه، فيقيمون الدنيا ولا يقعدونها من اجله، حتى وإن لم يكن برىئاً من التهم الموجهة اليه؟! ولم لا يتعاملون مع عواصف الجوع وضحاياها خارج اوطانهم كمثل ما يتعاملون مع العواصف والاعاصير المدمرة التي تجتاح اوطانهم، ومع ضحاياها، فيأتون بأنفسهم الى منكوبي القرن الافريقي ليقفوا على حاجاتهم، ويمدوهم بكل ما يبقيهم على قيد الحياة؟! اولا تقتضي العدالة والانسانية وحقوق الانسان منهم ذلك، هذه الكلمات العظيمة الشأن التي ملأوا بها الطروس، ووقروا آذان العالم بالحديث عنها؟! بل لم لا تتحرك شعوب تلك الدول، بكل مكوناتها، وتطالب رؤساءها ومسؤوليها بالتحرك السريع للقيام بما يمليه الواجب والضمير الانساني عليهم نحو الملايين ممن يفترض انهم اخوان لهم في الأسرة البشرية؟! فالكلاب والقطط وسواها من الحيوانات الأليفة لدى تلك الشعوب وسواها الكثير من شعوب العالم تتمتع بالمأكل والمشرب والإقامة الهانئة والفراش الوثير والطبابة، وقد لا يضن عليها البعض منهم حتى بالمدافن التي تليق بها بعد الموت، الامر الذي يشير الى رقيهم في طريقة التعاطي مع تلك الكائنات اللطيفة التي نتقاسم معها الحياة على ظهر كوكب واحد. فلئن كان تعاملهم مع الحيوانات على هذا النحو، فكم بالحري بهم ان يرفعوا الصوت عالياً في وجه حكامهم ومنظماتهم الانسانية لدفعهم الى اتخاذ الاجراءات السريعة الكفيلة بوقف هذه الكارثة البشرية اللا مثيل لها في هذا القرن، وان يتواصلوا فيما بينهم، على امتداد المعمورة، ويتعاونوا، بغض النظر عن توجهاتهم وسياساتهم وخلافاتهم، رفقاً بتلك الملايين التي يتلقفها الموت في كل لحظة دونما رحمة او اشفاق. ختاماً، لا بد من الاعتراف بأن ثمة من اعادوا لكلمة الانسانية بعضاً من معناهاً الذي كادت تفقده في هذا العصر، وذلك بفضل تضحياتهم الجليلة التي قدموها، وما زالوا يقدمونها من اجل اخوانهم الجياع. ولعل من ابسط حقوق اصحاب هذه النفوس الكبيرة علينا ان نرفع اليهم كلمات الشكر والتقدير على ما قاموا ويقومون به. فتحية اكبار الى الاطباء والطبيبات الذين وقفوا وقفة الشرف الى جانب المنكوبين ليردوا الموت عنهم ما امكنهم ذلك! وتحية اجلال الى كل من منع عن نفسه وعن عائلته لقمة عيش كي يسد بها رمق طفل او امرأة او شيخ عجوز! تحية الى كل محسن استجاب لنداء الخير، فمسح دمعة عن عين حزينة لم تعرف بعد فرحة الحياة! تحية لكل دولة او منظمة او جمعية بادرت للمساعدة قدر استطاعتها! وتحية لكل صوت يرتفع بالنداء نيابة عن البائسين الذين لا صوت لهم، فيستصرخ الضمائر علها تستيقظ وتهبّ سريعاً للقيام بأعمال الخير نحو الانسانية قبل فوات الأوان | |
|