لماذا أنا مسلمة؟
أنا مسلمة لأن الإسلام هو الدين الخاتم الذي يشتمل على طائفة كبيرة من الخصائص والسمات والمحاسن والفضائل والأحكام الشرعية والآداب والأخلاق، لا توجد مجتمعة في دين سواه، فلهذا أنا مسلمة.
ومن هذه الخصائص والسمات والمحاسن التي يتميز بها الإسلام:
12- دين الوسطية والتوزان بين الدنيا والآخرة:
ليس من أهداف الإسلام أن يكون المسلم راهبًا في دير، أو عابدًا في مسجد لا يخرج منه، ولا يقدم لمجتمعه أو أمته عملاً مثمرًا أو فكرًا وقادًا ينفعهم في دينهم ودنياهم.
وليس المراد كذلك أن يصبح المسلم آلة أو ترسًا في ماكينة لا تتوقف، فيخسر بذلك توازنه النفسي ويصبح إنسانًا صناعيًا لا يعرف إلا المادة، فهو يركض وراءها، ويستبيح لتحصيلها كل المحرمات وينتهك كل القيم والمبادئ الأخلاقية.
المسلم لابد أن يكون متوازنًا بين الجانب المادي والجانب الروحي، ولابد أن يكون عمله المادي مرتبطًا بأخلاقيات الإسلام وآدابه. قال تعالى: }وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ{ [القصص: 77].
ومن هنا حرم الإسلام الغلو في الدين، فقد قال النبي صل الله عليه وسلم: «إياكم والغلو في الدين، فإنما هلك من كان قبلكم بالغلو في الدين» [رواه أحمد والنسائي وصححه الألباني].
وفي الصحيحين عن أنس رضى الله عنه قال: جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صل الله عليه وسلم يسألون عن عبادته، فلما أخبروا كأنهم تقالّوها. فقالوا: وأين نحن من النبي صل الله عليه وسلم، قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر؟!
فقال أحدهم: أما أنا فإني أصلي الليل أبدًا..
وقال آخر: وأنا أصوم الدهر ولا أفطر..
وقال آخر: وأنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدًا.. فأخبر النبي صل الله عليه وسلم بما قالوا، فقال: «أنتم الذين قلتم كذا كذا؟ أما والله إن لأخشاكم لله، وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني».
بل إن العمل الذي يتعدى نفعه إلى الآخرين قد يكون أفضل من بعض العبادات، فعن أنس رضى الله عنه، قال: كنا مع النبي صل الله عليه وسلم في السفر، فمنا الصائم ومنا المفطر. قال: فنزلتا منزلاً في يوم حار، أكثرنا ظلًا صاحب الكساء، ومنَّا من يتقي الشمس بيده. قال: فسقط الصوام، وقام المفطرون، فضربوا الأبنية، وسقوا الركاب، فقال رسول الله صل الله عليه وسلم: «ذهب المفطرون اليوم بالأجر» [متفق عليه].
وحث الإسلام المسلمين على أعمال البر والخير وإن لم يأخذوا عليها مقابلاً ماديًا، فعن أبي هريرة رضى الله عنه قال: قال النبي صل الله عليه وسلم: «عرضت علي أعمال أمتي حسنها وسيئها، فوجدت في محاسن أعمالها الأذى يماط عن الطريق» [رواه مسلم].
بل إنه صل الله عليه وسلم جعل إماطة الأذى عن الطريق من شعب الإيمان وعلاماته.
وقال النبي صل الله عليه وسلم: «لقد رأيت رجلاً يتقلب في الجنة في شجرة قطعها من ظهر الطريق، كانت تؤذي المسلمين» [رواه مسلم].
وفي رواية: «بينما رجل يمشي بطريق، وجد غصن شوك على الطريق، فأخره، فشكر الله له، فغفر له» [متفق عليه].
وعن أنس بن مالك، عن النبي صل الله عليه وسلم قال: «إذا قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة، فإن استطاع ألا يقوم حتى يغرسها فليفعل» [رواه أحمد].
هذا هو موقف الإسلام من العمل والإنتاج ونفع الآخرين.
أما العبادة فلها في الإسلام الشأن الأرفع والمكانة الأسمى، قال تعالى: }وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ{ [الحجر: 99]، أي الموت.
وقال تعالى: }فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ{ [الشرح: 7، 8].
وقال تعالى: }حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا للهِ قَانِتِينَ{ [البقرة: 238].
وكان النبي صل الله عليه وسلم يصلي من الليل حتى تتفطر قدماه، فلما قيل له في ذلك قال: «أفلا أكون عبدًا شكورًا» [متفق عليه]. فهذا هو التوازن المطلوب؛ أن يعمل المسلم ويأكل من كسب يده، وينفق على نفسه وأهله وأبنائه، ولا يتواكل، ولا يكسل، ولا يعتمد على عطايا وهبات الآخرين، وفي الوقت نفسه يحرص على عبادته ويجعلها من أهم المهمات لديه، ويكون ذاكرًا لله عز وجل، تاليًا كتابه، واقفًا عند حدوده، متوازنًا في شأنه كله.
قال الشيخ عبد الله علوان: "ومن عظمة التشريع الإسلامي أنه لا يباعد بين المادة والروح، ولا يفصل بين الدنيا والآخرة، بل ينظر إلى الحياة على أنها وحدة متكاملة بين حق الإنسان لربه، وحقه لنفسه، وحقه لغيره.
وبهذا يتسنى للإنسان أن يمارس الحياة العملية الواقعية بكل طاقاته وأشواقه، على أسس من المبادئ الإسلامية توافق الفطرة، وتتلاءم مع واقعية الحياة.
فالإسلام بتشريعه المتكامل لا يقرُّ الحرمان ولا الترهبن، ولا العزلة الاجتماعية، وفي الوقت نفسه لا يقر للإنسان إن ينهمك بكليته في الحياة المادية وينسى ربه والدار الآخرة، بل يهيب به أن يتوازن مع هذا وذاك، وأن يعطي حق الله، وحق نفسه، وحق الناس، دون أن يغلّب حقا على حق، أو يهمل واجبًا على حساب واجب آخر.
والقرآن الكريم قد حض على هذا التوازن بين المادة والروح في كثير من آياته التي تلامس المشاعر والوجدان، قبل أن تخاطب عقل الإنسان.
ففي تذكيره بأداء حق الله في العبادة في غمرة الانهماك في الأعمال الدنيوية والمزاولة التجارية، يقول سبحانه في سورة النور: }رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ{ [النور: 37].
وفي تذكيره بأداء حق النفس في التكسب وابتغاء الرزق في غمرة المناجاة الربانية والنفحات المسجدية، يقول سبحانه في سورة الجمعة: }فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ{[الجمعة: 10].
ومن الأصول التي وضعها القرآن الكريم في هذه الموازنة: ابتغاء الدار الآخرة مع الأخذ بحظوظ الدنيا: }وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا{ [القصص: 77].
والاستنكار على من يحرم على نفسه الزينة والطيبات: }قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ{[الأعراف: 32].
وما ذاك إلا ليوازن الإنسان بين الدين والدنيا، والآخرة والأولى"
فلهذا التوازن البديع في شخصية المسلم؛ أنا مسلمة.