إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أرسله بدين الهدى ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، فأنار به سبل الخير، ودروب الرشاد، فأمات الكفر والضلالات، ومحا الزيغ والهوى، وأحيا السنن، وأمات البدع، عليه الصلاة والسلام، وعلى آله وصحابته ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، آمين، وبعد:
جعل الله سبحانه وتعالى شهر رمضان مضماراً لخلقه، يتسابقون فيه لطاعته، امتثالاً لقوله: {فاستبقوا الخيرات} (البقرة:148)
فأصناف الناس في رمضان كثيره فمنهم من ينتظر رمضان بفارغ الصبر ليكون شهر العب والمشاهدة
ومنهم من دخل عليهم رمضان وذهب ولم يحرك فيهم ساكنا ولم يؤثر في حيلتهم ولم يهز شيئا من كيانهم
وصنف أخر أثر فيه رمضان على استحياء من الله ومن الناس فهو يستحيي من الله ويستحيي من الناس قام رمضان وصامه لكنه لم يعقد العزم على التوبة والانابة فهو متردد بين ذلك وذاك أولئك قال عنهم الله
{ وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله أن يتوب عليهم إن الله غفور رحيم } (التوبة:102)
فهؤلاء يحتاجون إلى عزيمة واصرار واهتمام بدينهم حتى يدخلون في افضل صنف
وافضل صنف من ينتظر رمضان على احر من الجمر ليكون منصة التغير بنسبه له فيبدأ بالطاعات والخير وقيام اليل وكل ما يرضي الله فطوبه وسعده لهاذا الصنف من الناس
فسَبَق قوم ففازوا، وتخلف أقوام فخابوا. وقد أخبر سبحانه عن ثلاثة مواقف لعباده في تلقي أوامره وشرعه، فقال سبحانه
{ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله} (فاطر:32)
فأصناف الناس في تلقي شرعه سبحانه ثلاثة، منهم مقصر في حق خالقه، وبعضهم آخذ بظاهر العبادة دون حقيقتها، وثالث عالم وعامل بحقيقتها وحكمتها
وقد بين الامام (الغزالي) اصناف الناس في صوم رمضان فصنفهم الى ثلاث درجات:
صوم العامة، وصوم الخاصة، وصوم خاصة الخاصة
أما صيام الصنف الأول -وهو صوم العامة- فهو كف البطن والفرج عن قضاء الشهوة فحسب، وليس وراء ذلك شيء. وقد أخبرنا صلى الله عليه وسلم عن هذا الصنف من الناس بقوله: (رُبَّ صائم حظه من صيامه الجوع والعطش) رواه الإمام أحمد وابن ماجه، وحسنه الألباني
وأما صوم الخاصة فهو كف الجوارح عن الآثام، كغض البصر عما حرم الله، وحفظ اللسان عن الكذب والغيبة والنميمة، وكف السمع عن الإصغاء إلى الحرام، وكف باقي الجوارح عن ارتكاب الآثام، وهذا الصنف ينطبق عليه قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفُث ولا يَصْخَب، فإن سابَّه أحد أو قاتله أحد فَلْيَقُلْ إني صائم) متفق عليه
ثم إن من صفات هذا الصنف أنك تجد قلبه معلقاً بين الخوف والرجاء، مستحضراً قوله تعالى: {والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون} (المؤمنون:60)، إذ ليس يدري أيُقبل صومه، فيكون من أصحاب اليمين المقربين، أم يرد فيكون من أصحاب الشمال المبعدين المحرومين
أما صوم خاصة الخاصة، فهو صوم القلب عن الأفعال الدنيئة، والأفكار الدنيوية، وكفه عما سوى الله سبحانه بالكلية، وقد وصف (الغزالي) صاحب هذه الرتبة بأنه مقبل بكامل الهمة على الله، منصرف عما سواه، متمثلاً -في كل ذلك- قوله تعالى: {قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون} (الأنعام:91)، وهذه رتبة الأنبياء والصديقين والمقربين من عباده المخلَصين
فحقيق بالمسلم أن يربأ بنفسه عن صوم العوام -وهو صوم البطن والفرج- وأن يأخذ بنفسه إلى مراتب صوم الخواص، ليكون من المقربين عند رب العالمين، وَلِيَصْدُقَ عليه قوله تعالى: {أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون} (الأحقاف:16)
يا اخواني ويا اخواتي المسلمين رمضان اشرف على الذهاب
وبقي ايام قليله وفي هاذه الايام فيها ليلة القدر
ليلة خير من الف شهر فاستغلوا هاذه الايام بالطاعات
واستمروا بالدعاء في اليل والنهار بارك الله فيكم
تقبل الله مني ومنكم صيامنا وصلاتنا وقراءتنا القرآن واعمال الخير