إن بعضنا قد يسيء للبعض في اليوم عشرات المرات .. فلا يقول : عفواً ويعتذر .
وإن بعضنا قد يجرح أخاه جرحا عظيما .. فلا يقول .. سامحني .
وإن البعض منا قد يعتدي في لحظة طيش وغضب على زميله وربما جاره .. ويخجل من كلمة : آسف .
كلمة لو نطقناها بصدق لذابت الحواجز وزال الغضب ولداوينا قلبا مكسورا أو كرامه مجروحة ولعادت المياه
إلي مجاريها في كثير من العلاقات المتصدعة .. كلمات سهلة وبسيطة وصادقة تنمي الحب والمودة
والتسامح والعفو الجميل فتعود العلاقات الأسرية والاجتماعية المتصدعة أكثر ترابطاً ..
( خيركم من بدأ بالسلام )
نوع من الاعتذار النبوي الراقي الذي تجاهلناه .
فلماذا يعجز أحدنا عن الاعتذار لأخيه .. بصدق وشجاعة .. بهدية صغيرة .. أو زيارة خاطفة ..
أو كلمة طيبة .. أو بسمة حانية .. أو اتصال على غير موعد ويقدم اعتذاره ويطلب منه المسامحة
لنظل دوما على الحب والخير أخوة
إننا لا نعاني فقط من الجهل بأساليب الإعتذار ,,
ولكننا نكابر ونتعالى ونعتبر الإعتذار هزيمة أو ضعف ,, وانتقاص للشخصية والمركز والمنصب ..
وكأننا نعيش في حرب دائمة مع الغير ..فتجد أن :.
الأم تنصح إبنتها بعدم الإعتذار لزوجها التي أخطأت في حقه ...
والزوج تأخذه العزة بالأثم إذا أخطأ في حق زوجته فلا يعتذر
والأب ينصح الابن بعدم الإعتذار ,, لأن رجل البيت لا يعتذر ...
والمدير والوزير لا يعتذر للموظفين إذا حدث منه خلل وتقصير في حقهم لان مركزه لا يسمح له بذلك ...
والمعلمة لا تعتذر للطالبة لأن ذلك سوف ينقص من إحترام الطالبات لها ...
والطبيب لا يقف معتذراً ونادماً على خطأ أرتكبه في حق مريضه حتى لا يشوه سمعته ويتفرق الناس إلى غيره.
والجار لا يعتذر لجاره ويعتبر ذلك ضعف منه ... فمن علّمنا أن الاعتذار ضعفٌ وإهانةٌ ومنقصة ؟؟
ومن علّمنا أن نقتل بداخلنا هذه الصفة النبيلة ؟؟ ومن علّمنا أن في الاعتذار جرحٌ للكرامة والكبرياء ؟؟
وبعض الحكام قد تؤلف في أخطائهم في حق شعوبهم وتقصيرهم في واجباتهم مجلدات
ومع ذلك لا تجد من يتجرأ .. لا لشيء .. بل ليكون عظيماً ويقف أمام شعبه ..
فيعتذر ويصلح .. أو يعتزل ويفسح.
ألا يعرف هؤلاء فضيلة الاعتذار و مالها من آثار إيجابية أهمها كسب حب و مودة الآخرين
وتطييب نفوسهم ومنها إظهار الحق ودفع الظلم وبذل المعروف ونشر الخير والتعاون
والترفع عن الصغائر وتغليب المصالح العامة على المصلحة الشخصية ..
و هل يعلمون ما هي عواقب عدم القيام بها من تفكك المجتمع و انتشار الكذب
و الحقد و الكراهية و عدم الثقة بين أفراده واستمرار الخطأ والجفوة والظلم ..
هؤلاء يجهلون فضيلة الاعتذار و أنها من مكارم الأخلاق وسمات العظماء وأخلاق النبلاء ..
أمر بها الشرع وحث عليها ورغب فيها وضرب القصص والأحداث لبيان أهميتها.
لقد قص الله علينا قصة آدم وحواء في الجنة، لنتعلم منهما فقه الاعتذار و مراغمة الشيطان؛
فلما أخطأ أبونا آدم وأخطأت أمنا حواء، لم يتبجحا ولم يستكبرا، إنما تعلما من الله معنى التوبة،
وطريق الاعتذار، نعم لقد تلقيا من الله كلمات ميسورة الألفاظ، لكنها عميقة النتائج:
{ فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ }
(البقرة: 37)
يقول الرازي: لقد اختلفوا في تلك الكلمات ما هي؟
والأَولى هي قوله:
{ قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ }
(الأعراف: 23)
فإذا كان القدَر قد سبق بالمغفرة لآدم، فلِمَ طلب الله منه الاعتذار؟ إنه أدبٌ وتعليم وتدريبٌ،
أدب الحياء من الله والتواضع عند الخطأ، وتعليم لفقه الاعتذار، وتدريبٌ على الاعتراف بالذنب والتوبة ..
لقد كان الاعتراف بالذنب صريحا واضحا، بل لقد سمَّى آدمُ نفسَه ظالما، فحين شعر بنيران الذنب بين جنبيه،
انبعثت إرادته للنهوض وتدارك رحمة الله؛ فاعترف بالذنب وندِم عليه وطلب الصفح من الله،
وهكذا مضت قافلة البشر، وهكذا تعلم الأنبياء والصالحون؛
فموسى عليه السلام لمَّا وكز الرجل وقتله، لم يتغنَّ ببطولته، ولم يُبرّر عملَه،
بل اعترف بظلمه لنفسه وقال في ضراعة:
{ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ .
قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ }
(القصص: 15، 16).
فموسى عليه السلام قدم الاعتذار عن الخطأ ، قدم الاعتذار عن القتل الذي لا تقره قيمه ولا أخلاقه ولا دعوته ،
( فعلتها إذا وأنا من الضالين ) اعتراف واضح صريح بالخطأ والاعتذار عنه فالخطأ هو الخطأ والقتل ضلال ،
مهما تكن أسبابه ودوافعه .. حتى بلقيس ملكة سبأ التي نشأت في بيئة وثنية، اعترفت بذنبها فقالت:
{ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ }
(النمل: 44)
(ظلمت نفسي) قالتها امرأة حين استحيت من أعمالها السالفة.
ان خلق الاعتذار وقبول العذر وقاية للمجتمع من تفشي سوء الظن وتقاذف
التهم والتي إن استقرت في القلوب فلن يفيد معها اعتذار .
لقد عبر النبي صلى الله عليه وسلم عن الإنسان (ابن آدم ) بالخطَاء وليس المخطئ ،
وهي صيغة مبالغة تدل على تكرار الخطأ ،