عذرا غزة ومثلي ليس يعتذر.. مالي يد فيما جرى فلأمر ما أمروا.. وأنا ضعيف ليس لي أثر.. عار عليَّ السمع والبصر.
عذرا أحبابنا وإخواننا في الله، منعنا العذر عن نصرتكم ودعمكم وودكم ووصالكم ولقياكم ومؤازرتكم في محنتكم ومعانتكم وقضاء حوائجكم.
عذرا فمصابنا واحد، وهمنا واحد، وعدونا واحد، وجرحنا واحد، ونضالنا واحد، ودمنا واحد
كما أن آلهنا واحد، وديننا واحد، ونبينا واحد، وكتابنا واحد، وهدفنا واحد، وطريقنا واحد، وقدسنا واحد، ومسرى نبينا واحد.
عذرا فمساجدنا كمساجدكم، مهدمة محرقة مخربة، نخشى الصلاة في رحابها.
وإخواننا أمثالكم شهداء، وأحرارنا وحرائرنا أمثالكم سجناء، وعلماؤنا أسرى ونساؤنا ثكالى، وأبناؤنا يتامى، ومجاهدونا في انتظار حكم الإعدام، وشبابنا ملاحق وطلابنا جرحى.
عذرا فمعابر التحرير عندنا مغلقة كمعابر رفح لديكم موصدة.
عذرا فليست هذه مصر التي عرفتموها على مدار التاريخ، ليست مصر قطز ولا ببيرس ولا صلاح الدين، ليست مصر التي هزمت التتار والصليبين ولا أحفاد القردة والخنازير.
ليست هذه مصر عين جالوت وحطين ولا العاشر من رمضان، ليست هذه مصر الأزهر والأهرامات ولا نهر النيل.
ليست هذه مصر خير أجناد الأرض ولا بداخلها أمن ولا أمان.
بل هذه مصر الغريبة بين أبنائها، البعيدة رغم قربها، القاسية رغم حبها، الظالمة بفعل حكامها، المتعاونة مع أعدائها، الشامتة في إخوانها، المعادية لجيرانها.
هذه فترة غربة مظلمة سوداء في تاريخنا.
عذرا، ربما حالكم أفضل من حالنا في وضوح عدوكم الذي يقاتلكم، أما نحن فعدونا من بني جلدتنا يتكلم لغتنا ويلبس لباسنا ويقتلنا بأموالنا وجنودنا.
عذرا، شغلنا عنكم بكم لتخليص أوطاننا من ذل القهر والمعاناة والاستبداد والاستعباد والتبعية لتقوم الأمة من سباتها العميق لتنال حريتها واستقلالها وتنعم بخيراتها.
شغلنا عنكم بكم، فتحرير الأوطان والمقدسات ليس بمعزل عن جهودنا لتحرير أنفسنا.
عذرا فقد خرجنا من بيوتنا وأهلنا وتجارتنا وأموالنا نبتغي مرضاة الله، لا نريد جزاءً ولا شكوراً، واثقين فيما عند الله الذي أخرج من كانوا قبلنا: (كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ
يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ . وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَن يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ).
نحن وإياكم في الابتلاء سواء، فسامحونا، فإنا لن نسامح أنفسنا.
أقدم عذر المجروح المكلوم اعترافاً بأنا ما قدمنا ما علينا، ولا أقدم اعتذارا لرفع الحرج والعتب عنا أو تبريراً لعجزنا عن نصرتكم، وإنما أقدمه لتعلموا أننا جميعاً شركاء في الجرح النازف والحلم التائه والأمل في رفع راية الحق التي تخاذل عنها المجرمون.
وعزاؤنا أنكم في القلب لا تمحى محبتكم، وفي الدعاء ذكركم لا ينقطع.
وقد قال عليه السلام: (إنَّ بالمدينةِ أقوامًا، ما سِرتُم مسيرًا، ولا قطعتُم واديًا إلا كانوا معكم) قالوا : يا رسولَ اللهِ، وهم بالمدينة؟ قال: (وهم بالمدينةِ، حبسهُمُ العذرُ) [رواه البخاري].
وحسبنا الله ونعم الوكيل.