حُبُّ الدُّنْيَا رَأْسُ كُلِّ خَطِيئَةٍ لو نزع حب الدنيا من قلوبنا لغلقت المحاكم أبوابها لن نرى متنافسين ولا متصارعين ولا متحاسدين ولا متحاقدين بل الكل سيسلم تسليماً كاملاً لشرع الله وما يحكم به الله وما يحكم به العدول في الأمة من رجال الله العلماء العاملين الذين يرجون الحق ويحكمون بالحق طلبا لمرضاة رب العالمين حب الدنيا هو سر كل ما نحن فيه
وما المخرج؟
لا مخرج لنا إلا إذا أخلصنا العمل لله فكانت كل أعمالنا وكل حركاتنا وكل سكناتنا وكل أقوالنا وكل أفعالنا ننوي بها وجه الله لا نقول قولاً لإرضاء فلان ونحن نعلم أنه على غير الحق لأن هذا يخالف صريح الدين { الدِّينُ النَّصِيحَةُ }[1] لا أرى متخاصمين أمامي ثم أدعى إلى الشهادة فأقول لم أرى مع أنني رأيت وأنكر الشهادة وأكتمها {وَلاَ تَكْتُمُواْ الشَّهَادَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} حتى ولو كانت الخصومة بين أخي أو أبي وغيره من المسلمين فقد قال الله في شأن المسلمين السابقين والمعاصرين واللاحقين {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً}
جعل الله هذه الأمة شهوداً على الأنبياء السابقين وأممهم لأنها أمة العدالة وأمة إحقاق الحق وأمة يقول فيها الحق في سر اجتبائها على سائر الأمم وخيريتها على سائر الأنام {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ} جعل الإيمان بعد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع أن مقتضى كلامنا مع بعضنا يقتضي أن يسبق الإيمان لكن كلام الله لحكمة يعلمها منزل القرآن عز وجل
أمة تقول الحق وتظهر الحق وتعمل لوجه الله لا تريد في أي عمل إلا وجه الله إذا كان قائداً أو جندياً فهو يعمل لله إذا كان خادماً أو رئيساً فهو يعمل لله جاء عمرو بن العاص وخالد بن الوليد بعد صلح الحديبية معلنين إسلامهم، فأصدر النبي صلي الله عليه وسلم قراراً نبوياً أن يتولى عمرو بن العاص قيادة إحدى الغزوات وتسمى غزوة ذات السلاسل وكان من جنده أبو بكر وعمر رضي الله عنهما أي رجال هؤلاء؟ ماتت شهوات نفوسهم ولم يعودوا يريدون إلا وجه الله
وسمي خالد بن الوليد سيف الله المسلول وخاض خالد أكثر من مائة معركة حربية انتصر فيها جميعا وفي إحدى الغزوات وفي إحدى المعارك مع الروم وهي معركة اليرموك وكان المسلمون حوالي أربعين ألفا والروم حوالي أربعمائة ألف جاء خطاب من أمير المؤمنين عمر بن الخطاب إلى أبي عبيدة بن الجراح أن يتولى قيادة الجند ويعزل خالد ويُجَرد من جميع رتبه ويرجع جندياً عادياً انظر إلى الرجال الذين قال فيهم الله {رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} جاء رجل لخالد وقال: يا خالد أرضيت بهذا الأمر؟ قال: نعم، قال: إن كنت رضيت بهذا الأمر فإنا لن نرضى وإني خلفي مائة ألف سيف ينتصرون لك إن رفضت هذا الأمر قال: بئسما أشرت به علي يا أخي أنا أقاتل لله إن كنت قائداً أقاتل لله وإن كنت جندياً أقاتل لله فلا يهمني هذا ولا ذاك
هؤلاء الرجال الذين أخرجهم الله من ظلمات الدنيا وشهواتها إلى نور الإيمان وجعلهم في معية النبي العدنان ما أحوجنا إليهم في هذا الزمان رجال يقول فيهم الرحمن {يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ} ما وصفهم؟ الإخلاص لله لا ينطق فمه بكلمة إلا إذا تحقق أنها لوجه الله ولا تتحرك جوارحه بحركة إن كانت لعيادة مريض أو لتشييع جنازة أو لقضاء مصلحة لمؤمن أو لقضاء مصلحة للمجتمع أو لأي عمل إلا إذا أخلص النية فيها لله وكان يبغي بها وجه الله
لو توحدت النوايا وصفت الطوايا واتجهنا جميعاً إلى الله وكانت أعمالنا لله وأقوالنا لله وحركاتنا وسكناتنا لله لا لدنيا ولا لمظاهر ولا لشهرة ولا لرياء ولا لسمعة ولا لمناصب ولا لمكاسب في هذا الوقت لن يكون بين المسلمين خلاف ولا اختلاف وإنما سيكونون جميعا رجلاً واحداً لأن النية كلها لوجه الله وفيهم وفي أمثالهم قال صلي الله عليه وسلم {طُوبَى لِلْمُخْلِصِينَ أُولَئِكَ مَصَابِيحُ الدُّجَى تَتَجَلَّى عَنْهُمْ كُلُّ فِتْنَةٍ ظَلْمَاءَ}[2]