إلى عَالَم من اﻷفنان والزهور
إلى عالم من الغربة والوحدة والحزن ..
إلى عالم تلك اﻷنثى التي تجاهلتها السعادة ..
إلى عالم فتاة تهرب من واقع الزمن لترسم خيالها ...
إلى عالم فتاة ﻻ تعترف إﻻ بعالم رسوماتها بلوحاتها ...
إلى عالم فتاة تسكن هناك في أرض المستحيل اﻷزرق...
إلى تلك الفتاة التي أستطونت الغربة عمرها ..
فأصبحت تلك الغربة عنوان قلبها قبل قلمها ..
في لحظةٍ من اللحَظاتِ غَزتِ الهُمُومُ أَوطَانها . . .
وتَسَلَّقَتِ الغُمُومُ حُصُونها . . .
هَاجَمَتْها بِكُلِ قُوَاهَا . . .
تَوَشَّحَتْ سَمَائها بِعَبَاءَةٍ سَوْدَاءَ . . .
حَاولت أنْ تصبّرَ نَفْسِها فَمَا اسْتَطَعْاعت إلى ذَلك سَبِيل . .
تَلَمَّست أَنْوَارَ اﻷفرَاحِ فَلمْ تجدها ، وَبَحَثْت عَنْ مَصَابِيحِ السَّمَاءِ ..
فَلَمْ تشاهدها . . .
إِنَّهَا غَمَامَةٌ شَمِلَتْ أَوْطَانها ، وَأرْهَقَتْ تَفْكِيِرها . . .
حَاوَلَتِ الهُمُومُ أَنْ تَقْذِفَ عَلَيها مِنْ زَفَرَاتِهَا المُمِيتَه ، وَنَظَرَاتِهَا القَاتِلَه . . .
فِعْﻼً لَقَدْ أَصْبَحْت تلك الفتاة يَتِيْمةً …
يُتْمٌ . . . مَا أَقْسَاهُ ! وَمَا أَشَدَّه !!
إِنَّهُ يُتْمُ فرحة يُسَمَّى بِـ اﻷفْرَاح . .
يُتِمّ غالي فُآرًقً حُيًاتَهٌا..
خَاطَبْت نَفْسِها فَلَمْ تُجِبْها . . .
لَقَدْ كَانَتْ سَابِحَةً فِي خِضَمِّ بَحْرٍ مُتَﻼطِمٍ مِن الغُمُوم . . .
بَذَلْتُ وِسْعها ﻹنْقَاذِهَا . . .
لَمْ تسْتَطِيعْ . . .
إذْ ﻻ قَوَارِبَ نَجَاة حَوْلِها . . .
صَرَخْت بِأعْلَى صَوتِها مُنَادِية إِيَّاهَا فَلَمْ يخَاطِبْها . . .
تَوَسَّلْت إِلى الزمن فَلَمْ يرحمها . . .
تَقَطَّعَتْ أَوتَارِها أَوْ كَادَتْ . . .
تَحَطَّمَتْ آمَالِها أو شَارَفَتْ . . .
نَظَرَاتها اِرْتَبَكَتْ . . .
أَضْحَتْ ظَﻼماً بَعْدَ نُور . . .
فِرَاشها أَصَبَحَ جَلِيداً بَعْدَ لِيُونَه . . .
مَنَاظِرها الجَمِيْلَةُ تَاهَتْ في مُسْتَنْقَعِ الغربة وَاﻷحْزَان . . .
كُتُبها مَوْطِنُ أُنْسِها عَنِّها احْتَجَبَتْ . . .
قَلَمِها صَارَ أَسِيرَ سًلٌوتًهّا . . .
لَمْ تننْطِقْ . . .
لَمْ تحرِّكْ شَفَتَيها . . .
دَمَهُا جَفَّ . . .
فِعْﻼً . . .
أَصْبَحَت صُمّاً . . .
أَصْبَحَت بُكْماً . . .
أَصْبَحَت عُمْياً . . .
عَينَاها . . . جُزْءُ مِنِّها
أَلِفْتُهَا وَألِفَتْنِي
ﻻ تعلم مَا خَطْبُها!
ذَبُلَتْ . . .
غَارَتْ . . .
جُفُونُها تَهَدَّلَتْ . . .
جَسَدها أُنْهِك . . .
أُتْعِبْ . . .
أُرْهِق . . .
أَمْرِها عَجَبٌ . . .
وَضْعها قَلِقٌ . . .
* * * * * *
وَبَيْنَمَا هي تهِيمُ فِي غَيَاهِبِ غربتها وَالهُمُوم . . .
إِذَا بِطَارِقٍ يَطْرُقُ بَابها . . .
طَرْقٌ يُشْبِهُ نَبَضَاتِ القَلب . . .
شُدِهْت . . .
وَقَفْت . . .
تَسَاءَلت ….
مَنْ تَسَوّرَ دَارِها ؟
مَنْ وَصلَ إلى غُرفتها ؟
من إقتحم غربتها ..
ظلّت تفَكِرُ ، وَالخَوفُ يَهُزُّ جَوَانِحِها . . .
يَا تُرَى . . .
أَهِي نِهَاية ؟
حَلَّتْ . . .
قَرُبَتْ . . .
ﻻ تعلم . . .
مَا أَشَدَّهَا مِنْ آﻻم !
زَادَتْ عَليَّ الهُمُوم . . .
ﻻ تعلم مَاذَا تفْعَل !
هَل السَّيَّافُ عَلى بَابها أَو العَدُوُّ غَزَاها ؟
حَــــاوَلْت أَنْ تسْتَجْمِعَ رِيقِـها ؛ كَي تبُثَّ الطُّمَأنِينَةَ في نَفْسِها . . .
قَرُبْت مِن ذاك البَاب . . .
أَمْسَكْت بِمِزْﻻجِه . . .
خافت . . .
تَرَكْته . . .
تَرَاجَعْت . . .
تَرَدّدُ عَجِيب . . .
خَوفاً من عَالَمِ المَجْهُول . . .
عُادت إِلى بَابها مَرَةً أُخْرى . . .
عَزَمت أَمْرها . . .
كَانَتْ يَدَاها تَرْتَجِفَان . . .
أَصَابِعِها تَقَوْقَعَتْ عَلى بَعْضِهَا خَوفاً . . .
مِيَاهُ الخَوفِ تَجْرِي فِي جَمِيعِ أَنْحَاءِ جَسَدِها . . .
إِنَّهَا خَالِيةٌ مِن العُذُوبَة . . .
ﻻ تعلم كَيفَ تصف غربتها لحظاتها . . .
ﻻ بَارِدَةٌ فَتُسَكِّنْ أَحْزَانها . . .
وَﻻ حَارَّةٌ فَتُقَوِّي عَزِيمَتها . . .
عَجِيُبٌ أَمْرُها . . .
* * * * *
وَبَعْدَ صِرَاعٍ طَويلٍ حَاوَلْت فَتْحَ البَاب . . .
فَتَحْت جُزْءاً مِنْه . . .
وَجِسْمِها مُرْتَمٍ عَلَى جُزْئِهِ اﻵخَر . . .
رَفَعْت عَيْنَاها الذَّابِلَتِينِ . . .
وَإذَا بِشَخْصِ ﻷوَّلِ مَرَّةٍ تلْتَقِيه . . .
مَﻼمِحُهُ غَرِيبَة . . .
قَسَمَاتُ وَجْهِهِ عَجِيبَة . . .
زَادَها خَوفاً عَلَى خَوف . . .
وَحُزْناً عَلى حُزن . . .
ظَلَّت صَامِتة. . .
يَنْظُرُ إليها . . .
سَأَلْتُه . . .
مَنْ تَكُون ؟
لَمْ يُجْيبها . . .
لَمْ يُعِيرها أَيَّ انْتِبَاه . . .
جَلَسَ يَنْظُرُ إليها . . .
في تَكْوِينها . . .
يَتَفَكَّر . . .
يَتَأمَّل . . .
* * * * *
وبَعْدَ تَأمّﻼَتِه المُخِيفَة . . .
أَدْخَلَ يَدَهُ في جَيبِه . . .
خافت . . .
أَصَابَتْها رَوعَه . . .
أَخَرَجَ رِسالَة . . .
لَيسَتْ أيَّ رِسَالة . . .
رِسَالَةٍ نَاصِعَةِ البَيَاض . . .
ذَاتِ رَوْنَقٍ لَمْ تَرَى عَينَايها مثلها . . .
فِيهَا نُور . . .
لَمْ تحظ بِرؤيَتِه من قَبْلُ . . .
وَضَعَهَا عَنْدَ عَتَبَة بَابِها . . .
لَمْ تُبَاشِر يَدَه يَدِاها . . .
أَراَدْتُ أَنْ تسأَلَه….
كَيفَ جِئْتَ ؟
كَيفَ تَسَلَّقْتَ أَسْوَاري ؟
مِمَّنَ هَذهِ الرِّسَالة . . .
أسْئِلَةٌ كَثِيرة . . .
لَمْ يُمْهِلِها . . .
وَفَجَأة . . .
وَبِلَمْحِ البَصَر . . .
إذَا بها ﻻ ترَى أَمَامِها شَيئاً . . .
* * * * *
أَخَذت الرسالة . . .
جَلَسْتُ تننْظُر فيها . . .
فِي طَوَابِعِها . . .
لتحدد مِنْ أَيِّ مَكَانٍ جَاءَتْ . . .
لَم تبصر سِوى رُمُوز . . .
رُمُوزِ المُرْسِل صادٌ 00بَاء
فَتَحْت الرِّسَالة . . .
لَيسَتْ أَيَّ رِسَالةٍ تفْتَحُها . . .
عَينَاها تَحَليَتا بِقُوَّةٍ لَمْ تعْهَدْهَا . . .
تَأَمَّلت مافيها فِيهَا . . .
فِإذَا مَكْتُوبٌ فِيهَا هَذِه السُّطُور . . .
* * * * *
أخِتي صَاحِبَة الوحدة والهُمُوم . . .
أختي صاحبة الشعاع الخالد الذهبي ..
سَﻼمٌ مِن اللهِ عَليكَ وَرَحْمَةٌ مِنْهُ وَبَركَة . . .
تَحِيَّةٌ جَمِيلَةٌ . . مُتَنَاسِقَةُ الحُرُوف . . رَائعَةُ اﻷدَاء . . مُتَمَاسِكَةُ اﻷطْرَاف . .
عَذْبَةُ المعَاني . .
حَوَتْ أَلْطَفَ الكَلِمَات ، وَألذَّ المُكْتَسَبَات . . .
تَحِيَّةٌ تَحْمِلُ صَاحِبَتها إلى عَالَمِ اﻷمَانِ وَاﻻطمِئنَان . . .
إلى عَالَمِ الصَّفَاء . . .
إلى عَالَمِ السُّمُوِ بالنَّفْسِ وَالفُؤَاد . . .
فَمَا أَجَمَلَها مِن عِبَارَة 00
وَمَا أَحْسَنَهَا مِن تَكْوِين 00
* * * * *
صَاحِبَة الغربة والهمُوم . . .
أَنَا بِدُوني تَصْعُبُ اﻷشَيَاء . . .
كُلٌّ يَحْتَاجُنِي عَلَى سَوَاء . . .
بِدُوني ﻻ يَنْتَصِرُ الشُّجْعَان . . .
وَﻻ تُشيَّدُ البُلْدَان . . .
وَﻻ ينُتْجُ المُبْدِعُون . . .
وَﻻ يَفُوزُ العَامِلُون . . .
بِدُوني ﻻ تُبْنَى الحَضَارَات . . .
وَﻻ تَقُومُ العِمَارَات . . .
وَﻻ تُصْنَعُ الطَّائرَات . . .
وَﻻ الدَّبَّابَات . . .
وَﻻ السَّيَّارَات . . .
وكُلُّ مَا هُوَ آت . . .
إنَّني الهَوَاءُ . . .
مَنْ فَقَدَني مَات . . .
وَمَنْ اسْتَغْنَى عَنّي فَهُوَ في أَسْوَءِ السَّاعَات . . .
إِنَّني سَهْلٌ صَعْب . . .
جَمَعْتُ المُتَنَاقِضَات . . .
وَمَعَ هَذا فَأنَا مُهِمٌ لﻸرواح ، وَمغَذٍ للنُّفُوس . . .
أَمْنَحُ اﻻسْتِقْرَارَ وَاﻷمَان . . .
أَفْتَحُ اﻵفَاقَ مِنْ جَدِيد . . .
إنَّني عَدُوّ اليَأْسِ وَالقُنُوط . . .
أَحْمِلُ بِسَاطَ الحَيَاةِ الجَمِيلَة …
بِي تُشْرِقُ لِﻶخَرِينَ اﻷيَّــام ؛ ﻷطْرُدَ كُلَّ جَرَاثِيمِ القُنُوط …
بِي يُشَقُّ عُبَابُ البِحَار . . .
ﻷنَّ أَصْدَافي جَمِيله . . . وَﻵليء فَرِيدَه . . . وَمَكْنُونَاتِي عَجِيبَه . . .
أَكْسُو جَمَالَ الحيَاة . . .
وَأَخْلَعُ قَبِيحَ السِّمَات . . .
سُفُني ﻻ تَخَافُ اﻷمَوَاج . . .
وَﻻ تُبَالي مِنْ تَجَمُّعِ اﻷفْوَاج . . .
بِي تَخْضَرُّ اﻷرْضُ . . .
ﻻ تَصْفَرّ . . .
فَتُعْطِي مِن خُضْرَتِهَا الصَفَاءَ للنُّفُوس . . .
وَمِن أَغصَانِهَا طِيبَ الحَيَاة . . .
وَمِن ثَمَرَاتِهَا رَوَعَةَ الخِتَام . . .
فَلِمَاذا ﻻ أَعْتَزُّ بِنَفْسِي ، وﻻ أَثِقُ بِقُدُرَاتي ؟
مِنِّي تَخَافُ اﻷعْدَاء . . .
وَيَتَقَوّى بِي الضُّعَفَاء . . .
إِنَّني طَارِدُ اﻷحْزَان . . .
مُيَتِّمُهَا . . .
قَاتِلُ كل غربة تجتاحك ..
فَهَلْ تَحْفَلُي بِصُحْبَتِي ؟
اِجْعَليْنِي مَعَكَ رَايَةً
اِحْمِلْيهَا دَوْماً
اِرْفَعْيني عِزّاً
اِقْهَريْ حُزْناً
اِرْمِي هَمّاً
أَبْعِديْ غَمّاً
أعدمي بها غربة تجتاح عمرك ..
رَايَتِي جَمِيلَة
لَيْسَتْ سَودَاءَ كَرَايَةِ الهُمُوم
إنَّهَا بَيْضَاءُ نَاصِعَة . . تُحَرِكُهَا رِيَاحٌ طَيِبةُ النَّسِيم
جَمِيلةُ الغُدُو وَالرَّوَاح . .
مَعِي قَطَرَاتُ النَّدَى أَسْقِي بِهَا القُلُوبَ العَلِيلَة
وَأَرْقَى بِالنُّفُوسِ الضَّعِيفَه
فَمَا أعْظَمَني ..
فَهَلْ تَعْرِفيًنِي يَا غربة العمر ؟