تقول القصة
ما شاء الله.. سبع بنات؟!!
لا أعرف لماذا كان وجهي يحمر خجلاً وأرد بحياء وبصوت أقرب للهمس..نعم..
يا حلييييييييييلكم..كنت أشعر أن نظرات زميلاتي وصديقاتي حين يعرفن عددنا تتجاوز
الاستغراب نحو شيء من الاستطراف أو الاستهزاء.. رغم أني أحاول أن أقنعهم أن
وضعنا عادي ولا غرابة فيه..
وكان السؤال الجارح الآخر..- غريبة ما يتزوج أبوك على أمك..؟!
وأحاول أن أقنعهم مرة أخرى أن أبي يحبنا كثيراً وقد نسي الآن موضوع الولد..
ولم يعد يرغب بإنجاب المزيد..لكن نظراتهم وأسئلتهم السخيفة أو تلميحاتهم نادراً ما
تتوقف..* * *
حين نستعد للذهاب لزواج أو لمناسبة اجتماعية كبيرة فإني أشعر بحرج كبير من
الذهاب مع أخواتي..
فمنظرنا يثير نظرات الآخرين كثيراً.. كما يثير شفقتهم واستعطافهم المزعوم علينا.
.أجلس على الطاولة محفوفة بأخواتي من مختلف الأعمار..
تمر ابنة عمي مها.. تسلم مع ابتسامة استهزاء..
ما شاء الله كالعادة!.. لوحدكم تملؤون طاولة كاملة..!
كم أكره أسلوبها النزق هذا.. تعاملنا بدونية وكأننا مخلوقات مختلفة..
وكأنها تعتقد أننا سعيدات بوضعنا هذا..نضطر لمراقبة سلوكنا وتصرفاتنا كثيراً..
يجب ألا نسير معاً ولا نقف معاً وحين تذهب أمي لمكان ما علينا ألا نتبعها جميعاً فنبدو
كقطار طريف.. بل نقوم على فترات زمنية متباعدة..كنت أشعر بأخواتي كقيد يخنقني
ويضطرني لأن أشعر بشيء من الدونية والحرج أمام الآخرين.
.إنهن بريئات لا ذنب لهن.. لكني بت أشعر بشيء من المقت لهن لما يضعنه على
كاهلي من ثقل وشعور بالخجل..أقنعت أمي أن نضع لنا دوراً للذهاب لبعض الزيارات
العائلية حتى لا نثقل كاهل من نزورهم أو نشعرهم بكثرتنا..
وجعلني هذا الأمر أقل حرجاً أمام الآخرين..
لكنه لم ينه مشكلتي التي تزداد كلما كبرت وأصبحت أكثر حساسية من نظرات الآخرين
وتلميحاتهم..بطريقة ما استطاعت نظرة مجتمعي الذي يحيطني أن تجعلني أشعر
بالاكتئاب وعدم الرغبة في الخروج..
كنت أنظر لصديقاتي وطريقة حديثهن عن حياتهن فأشعر بالغبطة..كل واحدة تتحدث عن
أمها وكأنها وحيدتها.. خرجت مع أمي.. قلت لأمي.. نفكر أنا وأمي في موديل فستاني..وهكذا..
وإن حصل كانت هناك أخت أو أختان أو بالكثير ثلاثة.. وهما أكبر بكثير أو أصغر بكثير.
.لكن بالنسبة لي فالأمر مختلف..أنا محاطة بستة أخوات يشاركنني كل شيء..
بدءاً من رعاية والديّ..فأنا لم أحصل يوماً على انتباه أو اهتمام والديّ لذاتي..
دائماً أسمع الخطاب الجماعي.. أنتن.. سنأخذكن.. سنذهب بكن..
فنحن بالفعل قبيلة أو جيش نسائي كما يطيب لمها ابنة عمي أن ترمي بتلميحاتها
السخيفة..إذا أردت شراء شيء لي.. فيجب أن يتم شراء مثله للجميع.. وإذا أردت
الذهاب لمطعم راقٍ مع والديّ فعلينا أن نذهب جميعاً بدءاً بي وانتهاء بجود ذات الأربعة
أعوام.. وهنا يصبح المكوث في المطعم مستحيلاً في ظل القوقعة والإزعاج والبكاء
والمشاجرات اللافتة للنظر..أما حين ذهبنا للعمرة العام الماضي فقد كان منظرنا لافتاً
بصدق ونحن نسير خلف والدي كالطابور..كنت أتمنى لو يصبح لي أخ مثل غيري..
أخ أرسله للبقالة.. أو أجعله يخرج ليستلم طلبية التوصيل من المطعم.. يحدثني عن
مدرسته ومشاغباته..بل إنني أتمنى أحياناً أن يكون لي أخ ليراقب تصرفاتي وعباءتي
فأضحك في سري عليه وأنا أطيعه بلذة عجيبة..لكن هذا الأخ عبثاً لم يأتِ.. وبقي حبيس
الأحلام كأشياء أخرى كثيرة..
كنت وثلاث من أخواتي قد وصلنا لسن الزواج.. لكن نصيبنا لم يأت بعد لأسباب لا يعلمها
إلا الله..لم يتقدم إلينا خاطب بصفات معقولة – ولا أقول ممتازة..
كانت أمي تنتظر اليوم الذي تزوجنا فيه وتشعرنا بالسعادة.. لكن شيئاً من ذلك لم يكن
بيد أمي ولا أبي.. فهو بيد الله سبحانه وتعالى.معظم القلة الذين تقدموا لي كانوا إما
كباراً في السن أو لهم سوابق أخلاقية أو أنهم لا يصلون.. أو ليس لديهم عمل ثابت
كعبد الله ابن عمي فكيف أغامر بحياتي معه؟لكن زوجة عمي لم تتركنا في حالنا بعد
أن رفضنا بأدب شديد ولدها الذي لم يكن عيبه الوحيد أنه لا يعمل.. ولا أنه لم يكمل
دراسته، بل هو يدخن ومحاط برفقة السوء هداه الله.. فكيف تريدني هداها الله أن
أوافق على ابنها هذا؟لقد اتفقنا أنا وأمي وأبي على أنه لا يصلح للزواج.. وبقائي
مكرمة في بيت أهلي أفضل من أغامر لأعود مطلقة أو أحمل في أحضاني طفلاً بريئاً
لا ذنب له..لكن زوجة عمي لم تقتنع بكل كلامنا وبدأت حرباً شعواء علينا.. أفرغت
خلالها كل ما في جعبتها من عبارات حادة وجارحة بحقنا.. قالت إن أمي عليها أن تبدأ
في تسويق هؤلاء البنات قبل أن يتجمعن على قلبها – كما تقول.. فهناك نصف دستة
من البنات ينتظرن دورهن خلفي!!..
وقالت أن من لديه مثل هذا العدد من البنات عليه ألا يتشدد في شروط الزواج بل
يعطيهن لأول طارق!جرحتني هذه الكلمات أكثر مما فعلت مع أبي أو أمي.. ربما لأن
لديهم شيئاً من الجلد وقوة التحمل.. أما أنا فلم تساعدني حساسيتي المفرطة على
تحمل هذا الكلام.. وأخذت أبكي ليالٍ طويلة..وكانت هذه الهجمة سبباً في أن أفكر في
وضعي – أو وضعنا- جيداً.. وأعيد حساباتي جيداً.. لماذا علينا أن نتحمل كل هذه
الإهانات ورأسنا منكس؟نظرت لنفسي فإذا أنا فتاة خلوقة ولله الحمد.. مستقيمة بإذن
الله.. متفوقة في دراستي.. محبوبة ممن حولي.. وكذلك أخواتي فهن جميعهن
صالحات مؤدبات خلو قات.. يثرن إعجاب الجميع بنشاطهن وتفوقهن..أي فخر هذا لأبي
وأمي؟لماذا نترك للآخرين الفرصة ليشعرونا بالنقص.. ونحن ربما أفضل منهم بكثير.
.فكرت في بيت عمي.. ماذا لديهم ليشعرونا بالدونية؟ثلاثة أبناء فاشلين في دراستهم
عابثين متخرجين من مقاهي الشيشة.. وثلاث بنات مرفهات متعجرفات.. لا يعرفن
لاحترام الآخرين قيمة.. جل وقتهن يشغلنه بأحاديث هاتفية مشبوهة.. وتبادل أشرطة
الأغاني مع صديقاتهن..
سبحان الله..زوجة عمي نفسها.. لم تحظ يوماً ببر أحد من أبنائها أو بناتها أو اهتمامهم
وكثيراً ما اشتكت من سوء أدبهم وتعاملهم معها.. فلماذا تحاول أن تظهرنا نحن بمظهر
الأضعف والأقل.. ألان الله شاء ألا يكون بيننا أخ ذكر؟ فقط لهذا؟
يا للتفكير السطحي السخيف؟ وكأن الله شاء أن تكون هذه المصيبة فرصة لأن أشكر
الله على نعمته علينا وأن نكسر قيد الضعف الذي كان يحني رقابنا..شعرت بعد جدال
طويل مع نفسي أني أولد من جديد وأزيل عن نفسي بقايا عالقة من تفكيري السابق
وأتخلص من تلك الخيوط اللزجة التي كانت تحيطني وتقيدني عن الكثير وتمنعني من أن
أرفع رأسي أمام الآخرين..لم أكن أصدق إن إنساناً يمكن أن يتغير بين ليلة وضحاها
لكني تغيرت هكذا.. لم أعد أشعر بذلك النقص من نظرات الناس لأخواتي.. بل انقلب
هذا الشعور إلى فخر حين أنظر لأخواتي بمظهرهن الجميل وحديثهن المثقف المهذب
الرقيق.. وتذكرت أنه لم يضر رسول الله أن كان كل نسله من البنات ولم يعش له
ولد.. ويكفينا فخراً أننا نستر والديَّ عن النار لأنهما أحسنا تربيتنا بإذن الله..استغربت
أخواتي من التغير الذي طرأ علي فقد بدت الثقة في طريقة حديثي وتصرفاتي، وأنا
التي كنت أزرع في نفوسهن الشعور بالنقص والدونية وأردد أمامهن دائماً أني أخجل
من ظهورنا معاً وغير ذلك..ربما ظهر هذا الشعور في داخلي كحاجة فطرية ماسة
لمقاومة كل ذلك الهجوم من زوجة عمي وابنتها وغيرهن ممن يحاولن إهانتنا لإرضاء
نفوسهن المريضة. لكنه كان شعوراً عارماً وقوياً وسرى في نفسي مثل نهر نبع فجأة
في أعماق .....