الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
والصلاة والسلام على الشاهد المبشر النذير
وبعـــــــــــــــد
حق النبي صلى الله عليه وسلم على أمته
فقبل الشروع في حق النبي r على أمته ، يحسن بنا أن نتطرق إلى بعض الأمور التي قد يغفل عنها كثير من المسلمين ، وهي مما يتعلق به عليه الصلاة والسلام ، والتي ينبغي على المكلف معرفتها والاهتمام بها حتى يعرف حق نبيه صلى الله عليه وسلم عليه ومن هذه الأمور :
أولاً : نسبه صلى الله عليه وسلم :
ذكر ذلك بن القيم في زاد المعاد فقال : [ فهو محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كِلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركه بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان ] ، وقال رحمه الله إلى هاهنا معلوم الصحة متفق عليه بين النسابين ولا خلاف فيه البتة ، ومافوق عدنان مختلف فيه ولاخلاف بينهم أن عدنان من ولد إسماعيل عليه السلام ] انتهى .
ثانياً : مولده صلى الله عليه وسلم :
ولد عليه الصلاة والسلام يوم الاثنين الثاني عشر ربيع الأول عام الفيل
قال أبو قتادة الأنصاري : سأل رجل أعرابي رسول الله r فقال : ما تقول في صوم يوم الاثنين ؟ قال : [ ذاك يوم ولدت فيه ، وفيه أوحي إلي ] ( مسلم ) .
وعن قيس بن مخرمة بن عبد المطلب ، قال : ولدت أنا ورسول الله r عام الفيل ] ( الترمذي وإسناده حسن ) انظر سير أعلام النبلاء 1/33 .
ثالثاً : أسمائه صلى الله عليه وسلم :
عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه ، قال : سمعت النبي r يقول : [ إن لي أسماءً : أن محمد ، وأنا أحمد ، وأن الماحي الذي يمحو الله بي الكفر ، وأن الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي ، وأن العاقب ] ( متفق عليه ) ، وجاء أيضاً : [ أن محمد ، وأن أحمد ، وأن الحاشر ، وأنا الماحي ، والختم ، والعاقب ] ( وإسناده قوي ) ، وجاء أيضاً : [ أن أحمد ، ومحمد ، والمقفي ، والحاشر ، ونبي الرحمة ، ونبي الملحمة ] .
وعن أبي موسى الأشعري قال : كان رسول الله r يسمي لنا نفسه أسماءً فقال : [ أنا محمد ، وأحمد ، والحاشر ، والمقفي ، ونبي التوبة ، والملحمة ] ( مسلم ) .
وكنيته r أبا القاسم ، وهذا مما تواتر عليه ، ونهي عليه الصلاة والسلام من التكني بكنيته ، وحث على التسمي باسمه ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال أبو القاسم r : [ تسموا باسمي ، ولا تكنوا بكنيتي ] ( متفق عليه ) انظر السير 1/38/39/40 .
رابعاً : بشريته صلى الله عليه وسلم :
فهو r بشر مثل بقية البشر قال تعالى : [ قل سبحان ربي هل كنت إلا بشراً رسولاً ] ( الإسراء 93) ، وقال تعالى : [ محمد رسول الله .....] ( الفتح29 ) وقال r : (( إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إلي )) [ متفق عليه ] ، وهي دلالة على أن محمداً r رسول الله إلى الناس كافة بل إلى الثقلين ـ الجن والإنس ـ وقال الله جل وعلا: [ شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً والذين أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى …..] ( الشورى13 ) والمذكورون في هذه الآية هم أولو العزم من الرسل فهم بشر ولكن الله أكرمهم بالرسالة وغفر لهم جميعاً ، وقال الله جل وعلا : [ إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ….] ( آل عمران59 ) ، فهذه الآيات تدل دلالة قاطعة لاشك فيها أن الأنبياء بشر والله هو خالقهم ، ولكنه اصطفاهم برسالاته عن بقية البشر، فلا يُعبدون من دون الله ويحرم الغلو فيهم أو التوسل بهم بعد موتهم ، لأن ذلك من الشرك الأكبر المنافي للتوحيد والمخرج من ملة الإسلام والنبي محمد r من أولئك الأنبياء الذين بعثهم الله عز وجل للعباد مبشرين ومنذرين قال تعالى: [ وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل ] ( آل عمران144 ) ، فلا يجوز الغلو فيه أو التوسل به بعد موته أو طلب العون أو المدد منه ، فإنه بشر مثل كل البشر فقد قال r : (( سددوا وقاربوا وأبشروا فإنه لن يدخل الجنة أحداً عمله ، قالوا : ولا أنت يارسول الله ، قال : ولا أنا ، إلا أن يتغمدني الله منه برحمة )) [ البخاري ومسلم ] .
فمن ذلك عُلم أن النبي r بشر ولد وعاش ومات ، قال تعالى : [ وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإين مات أوقتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين ] ( آل عمران144 ) ، وقال تعالى : [ إنك ميت وإنهم ميتون ] ( الزمر30 ) ، والخطاب للنبي عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام .
فالواجب على المؤمن أن يؤمن برسالة النبي r ورسالة جميع الأنبياء والرسل عليهم أفضل الصلاة وأزكى التسليم ، لأن ذلك ركن من أركان الإيمان ، الذي لو سقط لضعف إيمان المرء معه وقد يهوي إلى الهاوية والعياذ بالله .
خامساً : فضله على جميع الخلائق :
عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله r : (( أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ، وأول من ينشق عنه القبر، وأول شافع وأول مشفع )) [ مسلم ] .
وقيل أن السيد : هو الذي يفوق قومه في الخير، وقيل : هو الذي يُفزع إليه في النوائب والشدائد فيقوم بأمرهم ويتحمل عنهم مكارههم ويدفعها عنهم .
وهو r أفضل البشر على الإطلاق ، وهو أفضل الأنبياء والمرسلين وخاتمهم ، قال r: (( مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بنياناً فأحسنه وأجمله إلا موضع لبنة من زاوية من زواياه فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له ويقولون هلا وضعت هذه اللبنة قال فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين )) [ مسلم ] ، فهو سيد ولد آدم في الدنيا والآخرة ، ففي يوم القيامة يظهر سؤدده لكل أحد ولا يبقى منازع ولا معاند له ، بخلاف الدنيا فقد نازعه في سيادته ملوك الكفار وزعماء المشركين ، وقوله r أنا سيد ولد آدم لم يقله فخراً ، بل إنه صرح بنفي الفخر فقال عليه الصلاة والسلام : (( أنا سيد ولد آدم ولا فخر )) [ الترمذي ]
وقوله أنا سيد ولد آدم ، كما قلنا لم يقلها مفاخرة بها وإنما قال ذلك لسببين:
الأول : امتثالاً لأمر ربه سبحانه عندما قال جل من قائل عزيز سبحانه : [ وأما بنعمة ربك فحدث ] ( الضحى11 ) .
الثاني : أنه من البيان الذي يجب عليه تبليغه لأمته ليعرفوه ويوقروه ويعتقدوه ويعملوا بمقتضى ذلك الاعتقاد ويوقروه بما تقتضيه مرتبته .
فهو الذي يطلب من ربه ويسأله سبحانه يوم القيامة للفصل بين العباد وهو أول من يُشفع يوم القيامة ، فلهذا فهو أفضل الخلائق على الإطلاق ، صلوات ربي وسلامه عليه .
سادساً : خصائصه صلى الله عليه وسلم :
لقد اخُتص النبي r بخصائص نذكر بعضاً منها :
1- خاتم النبيين ، لقوله تعالى : [ ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين ] ( الأحزاب 40 ) .
2- سيد المرسلين ، لقوله r : (( أنا سيد الناس يوم القيامة)) [ متفق عليه ].
3- لا يتم إيمان عبد حتى يؤمن برسالته ، لقوله تعالى : [ فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ] ( النساء 65 ) .
4- لا يقضى بين الناس يوم القيامة إلا بشفاعته .
5- أمة النبي r هي أول الأمم دخولاً إلى الجنة ، لقوله عليه الصلاة والسلام (( نحن الآخرون السابقون يوم القيامة )) [ البخاري ومسلم ] .
6- صاحب لواء الحمد يحمله r يوم القيامة ويكون الحامدون تحته ، لحديث أبي سعيد الخدري t أن النبي r ، قال : (( أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر، وبيدي لواء الحمد ولا فخر، وما من نبي يومئذ آدم فمن سواه إلا تحت لوائي ، وأنا أول من تنشق عنه الأرض ولا فخر )) [ الترمذي ] .
7- صاحب المقام المحمود أي العمل الذي يحمده عليه الخلائق ، لقوله تعالى : [ عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً ] (الإسراء79) .
8- صاحب الحوض المورود ، أي الحوض الكبير الكثير واردوه .
9- إمام النبيين وخطيبهم وصاحب شفاعتهم لحديث أبي بن كعب أن النبي r قال : (( إذا كان يوم القيامة كنت إمام النبيين وخطيبهم وصاحب شفاعتهم غير فخر )) [ الترمذي] وهو حسن .
10- أمته خير الأمم ، قال تعالى : [ كنتم خير أمة أخرجت للناس ]
( آل عمران 11) .
11- أمته r جعلت شهداء على الأمم قال تعالى : [ وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ] ( البقرة 143 ) .
12- أصحابه خير القرون .
13- أمته معصومة من الاجتماع على الضلالة وإجماعهم حجة .
14- نسخ شرعه جميع الشرائع السابقة قالr : (( إن الرسالة والنبوة قد انقطعت فلا رسول بعدي ولا نبي)) [ أحمد والترمذي وصححه ] .
15- كتابه الذي أنزل عليه معجزة ومحفوظاً من التبديل قال تعالى : [ إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون] ( الحجر 9) .
16- جُعل أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، قال تعالى : [ النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم ] ( الأحزاب 6 ) .
17- ويلزم كل الناس أن يحبه أكثر من نفسه وماله وولده ووالده والناس أجمعين، قال r (( والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين )) [ البخاري ] .
18- يحرم نكاح زوجاته من بعد موته وهن أزواجه في الدنيا والآخرة ، وجعلن أمهات المؤمنين ، قال تعالى : [ وأزواجه أمهاتهم ] ( الأحزاب6 ) ، وقال تعالى : [ ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبداً ] ( الأحزاب 53 ) .
19- أولاد بناته ينسبون إليه دون غيره .
20- النجس منا طاهر منه ، وهو طاهر بعد موته بلا نزاع بين العلماء .
21- جعلت له ولأمته الأرض مسجداً وطهوراً ونصر بالرعب مسيرة شهر قالr : (( فضلت على الأنبياء وأعطيت جوامع الكلم ونصرت بالرعب وأحلت لي الغنائم وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً وأرسلت إلى الخلق كافة وختم بي النبيون )) [ مسلم والترمذي ] .
22- بعث إلى الناس كافة في الحديث السابق دليل هذه النقطة .
23- نبع الماء من بين أصابعه بركة من الله تعالى وهذا في صحيح مسلم.
24- لا يحل لأحد أن يرفع صوته فوق صوت النبي لقوله تعالى : [ ياأيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ] ( الحجرات2 ).
25- أعطي جوامع الكلم .
26- لا ينادى باسمه فلا يقال ( يا محمد ) بل يقال يارسول الله يانبي الله ويخاطب في الصلاة بقوله : ( السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته) .
27- ومن رآه في المنام فقد رآه فإن الشيطان لا يتمثل به .
28- وكان لا يتثائب .
29- وتنام عيناه ولا ينام قلبه .
30- يرى من خلفه كما يرى من أمامه .
31- حل له أن يتزوج بأي عدد شاء من النساء .
وغير ذلك مما اختص به r عن بقية البشر .
سابعاً : معنى شهادة أن محمداً رسول الله :
معناها: طاعته فيما أمر ، وتصديقه فيما أخبر ، واجتناب مانهى عنه وزجر، وأن لا يُعبد الله إلاّ بما شرع.
فطاعته r من طاعة الله عز وجل ، قال تعالى : [ قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم ] ( آل عمران 331 ) .
وقال تعالى : [ قل أطيعوا الله والرسول ] ( آل عمران 32 ) ، وقال تعالى : [ من يطع الرسول فقد أطاع الله ] ( النساء 80 ) ، وتصديقه r في الأخبار الماضية والمستقبلية مما كان من أمور الغيب التي أطلعه الله عليها ، وتصديقه في ذلك من أوجب الواجبات .
ومن مقتضى شهادة أن محمداً رسول الله اجتناب مانهى عنه النبي r ، فكل مانهى عنه يجب اجتنابه وذلك مصداقاً لقوله تعالى : [ وما أتاكم الرسول فخذوه ومانهاكم عنه فانتهوا ] ( الحشر 7 ) ، وقال r : (( ما أمرتكم من أمر فأتوا منه ما استطعتم وما نهيتكم عنه فاجتنبوه )) [ مسلم ] .
ثامناً : عبوديته صلى الله عليه وسلم :
فالنبي r عبد من عباد الله وهو مملوك لله عز وجل ووصفه الله تعالى بالعبودية الخاصة كما قال تعالى : [ أليس الله بكافٍ عبده ] ( الزمر 26 ) ، فأعلى مراتب العبد العبودية الخاصة والرسالة فهو r أكمل الخلق في هاتين الصفتين الشريفتين قال تعالى : [ تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ] ( الفرقان1 ) ، فهو عبد لله تعالى ، أما الربوبية والإلهية فهما حق لله تعالى وحده لا يشركه في شي منهما أحد ، لا ملك مقرب ولا نبي مرسل فالنبي r كما قلنا عبد الله ورسوله كما قال هو عن نفسه (( إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله )) [ ابن حبان ] .
فلا يُرفع فوق منزلته عليه الصلاة والسلام ولا يكون له خصيصة من خصائص الألوهية فهو عليه الصلاة والسلام لا يعلم الغيب إلا ما أطلعه الله عز وجل عليه من الأمور الغيبية قال تعالى : [ قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله ] ( النمل65 ) ، وقال تعالى : [ عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحداً إلا من ارتضى من رسول ] ( الجن 26 ، 27 ) ، فقد أطلع الله عز وجل نبيه محمداً r على بعض الأمور الغيبية ، لذلك فهو لا يعلم الغيب من تلقاء نفسه ، ودليل ذلك أنه عندما سأله جبريل عليه السلام عن الساعة قال : (( ما المسؤول عنها بأعلم من السائل )) وقد علم r مما أطلعه الله عليه أن ذلك السائل هو جبريل عليه السلام قال تعالى : [ تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا ] ( هود49 ) ، وقال تعالى : [ ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ أجمعوا أمر وهم يمكرون ] ( يوسف 102 ) .
وكذلك فهو r لا ينفع ولا يضر بنفسه ، ولا يُعتقد فيه أي أمر من أمور الألوهية أو الربوبية ولقد وصفه الله بالعبودية في أشرف المقامات فقال جل من قائل سبحانه [ سبحان الذي أسرى بعبده ] ( الإسراء 1 ) .
فهو r عبد الله ورسوله فلا يعطى ولا يرفع فوق منزلته هذه ، عن أبي هريرة t قال : قال رسول الله r : (( أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله لا يلقى الله بهما عبد غير شاك فيهما إلا دخل الجنة )) [مسلم].
فهو عبد الله ورسوله ، وصلوات ربي وسلامه عليه .
تاسعاً : النبي صلى الله عليه وسلم رحمة :
فهو r رحمة على أمته رحيم رؤوف بهم مشفق عليهم ، قال تعالى : [ لقد جاء كم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليهم بالمؤمنين رؤوف رحيم ] ( التوبة 128 ) ، وقال تعالى : [ وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ] ( الأنبياء 107)
وقد حث أمته على التراحم فيما بينهم والتعاطف والشفقة من بعضهم على بعض وأن يكونوا كالجسد الواحد يساعد بعضهم بعضا ويقف بعضهم مع بعض فهو كما وصفه ربه سبحانه رحيم بالمؤمنين قال r : (( أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا )) وأشار بالسبابة والوسطى [ البخاري وأبو داود والترمذي ] ، وقال تعالى : [ فأما اليتيم فلا تقهر ] ( الضحى 9 ) .
وكذلك من الرحمة التي أوصى بها النبيr العناية بالأرملة والمسكين وذوي الحاجات فعن أبي هريرة t قال : قال النبي r : (( الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله )) [ البخاري ومالك ] ، وعن أبي هريرة t أن رجلاً شكا إلى رسول الله r قسوة قلبه فقال : (( امسح رأس اليتيم وأطعم المسكين )) [ رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح].
ومن رحمته r بالفقراء قال فيهم : (( بئس الطعام طعام الوليمة يُدعى إليها الأغنياء ويترك الفقراء )) [ في الصحيحين ] ، وقد أوصى r بالإحسان إلى البنات والنساء والضعفاء وما ذاك إلا من رحمته وشفقته على أمته .
فعن أنس رضى الله عنه ، عن النبي r قال : (( من عال جاريتين حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو كهاتين )) [ رواه مسلم ] وجاريتين أي بنتين ، وقال r : (( اللهم إني أحرَّج حق الضعيفين اليتيم والمرأة )) [ رواه النسائي بإسناد جيد ] ومعنى أحرج أي أنه يُلحق الإثم بمن ضيع حق اليتيم والمرأة ، وقال r : ( هل تُنصرون وتُرزقون إلا بضعفائكم )) [ رواه البخاري مرسلا وأورده بمعناه النسائي في صحيح سنن النسائي 2/669 برقم ( 2978) ] ، وقال r : (( من لا يرحم الناس لا يرحمه الله )) [ متفق عليه ] ، وقال r : (( من لا يَرحم لا يُرحم )) [ متفق عليه].
ومن رحمته r أنه أوصى بالرحمة بالحيوان فقال عليه الصلاة والسلام : (( إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته)) [ ابن حبان ومسلم والدارمي وغيرهم ] .
وصور رحمته r بأمته وشفقته عليهم كثيرة جداً ، فعليه الصلاة والسلام.
عاشراً : معجزاته صلى الله عليه وسلم :
معجزاته r كثيرة جداً وقد قيل أنها تبلغ ألفان أو ثلاثة آلاف معجزة تقريباً وهو r أكثر الأنبياء معجزات وسنذكر بعضاً من معجزات نبياً محمد r وكل معجزاته عليه الصلاة والسلام ثابتة في الصحيحين أو في كتب السنة الصحيحة والتي لا يكذبها إلا ضعيف العقل أو فاقده .
فمن هذه المعجزات :
1- القران الكريم ، وهو أعظم معجزة جاء بها النبي r فهو دستور الأمة وصراطها المستقيم وطريقها الأقوم الذي لا يزيغ عنه إلا هالك ولا يتمسك به وما فيه من أوامر ونواهي إلا نجا بإذن ربه ، فيه أخبار السابقين واللاحقين فهو معجزة خالدة إلى يوم الدين . قال صلى الله عليه وسلم : { وإني قد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به لن تضلوا ، كتاب الله } ( ابن حبان وبن خزيمة ) .
2- انشقاق القمر له r فقد طلب الوليد بن المغيرة وغيره من كفار قريش آية ـ معجزة ـ منه r تدل على صدقه في نبوته فانشق القمر له فرقتين ، فرقة فوق الجبل وفرقة دونه قال تعالى : (( اقتربت الساعة وانشق القمر )) [ القمر1] .
3- نطق الشجر له عليه الصلاة والسلام فقد دنا منه أعرابي فقال له: يا أعرابي أين تريد ؟ قال : إلى أهلي ، قال : هل لك إلى خير؟ فقال: وما هو؟ قال: تشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله فقال الأعرابي : من يشهد لك على ما تقول : فقال لهr : هذه الشجرة ـ يشير إلى شجرة بشاطئ الوادي ـ فأقبلت تخد الأرض حتى قامت بين يديه فاستشهدها ثلاثاً فشهدت كما قال عليه الصلاة والسلام .
4- حنين جذع النخلة له r وبكاؤه بصوت سمعه من في مسجده r قاطبة وذلك لما فارقه r بعدما كان يخطب عليه كمنبر له ولما صنع له المنبر وترك الصعود عليه بكى حنيناً وشوقاً إليه r فقد سمع له صوت كصوت العشار ـ النوق التي مضى على حملها عشرة أشهر ـ ولم يسكت حتى جاءه الرسول r ووضع يده الشريفة عليه فسكت وقيل ضمة واعتنقه فسكن .
5- تكثير الطعام بدعائه r فقد أكل من مُدي شعير فقط أكثر من ثمانين رجلاً. [ في الصحيحين ] .
6- تكثير الماء بدعائه r فعندما عطش الناس في إحدى الغزوات وكان بين يديه عليه الصلاة والسلام ركوة يتوضأ فيها فأقبل الناس نحوه وقالوا ليس عندنا إلا ما في ركوتك فوضع r يده في الركوة فجعل الماء يفور من بين أصابعه كأمثال العيون فشرب القوم وتوضؤا وكانوا زهاء الثلاثمائة نفر [ البخاري ومسلم ] ، يقول النووي في شرح مسلم: [ قوله في هذه الأحاديث في نبع الماء من بين أصابعه r وتكثيره ، وتكثير الطعام ، هذه كلها معجزات ظاهرات وجدت من رسول الله r في مواطن مختلفة وعلى أحوال متغايرة وبلغ مجموعها التواتر وأما تكثير الماء فقد صح من رواية أنس وبن مسعود وجابر وعمران بن الحصين وكذا تكثير الطعام وجد منه r في مواطن مختلفة وعلى أحوال كثيرة وصفات متنوعة] انتهى .
وخلاصة ذلك أن اختلاف الروايات في عدد الصحابة الذين كانوا معه r في روايات تكثير الماء أو الطعام كلها صحيحة وإنما وردت من عدد من الرواة وفي مواطن مختلفة فكل تلك الروايات في الأعداد صحيحة إنشاء الله تعالى .
7- الإسراء والمعراج من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ثم إلى السموات العُلى ثم إلى سدرة المنتهى وعاد إلى فراشهr ولم يبرد فراشه .
8- جاء r مرة لقضاء الحاجة ولم يجد شيئا يستتر به إلا نخلة صغيرة وأخرى بعيدة عنها ، ثم أمر كلا منهما فأتتا إليه فسترتاه حتى قضا حاجته ثم أمر كلاً منهما أن تعود إلى مكانها 0 ( أحمد والطبرانى والبيهقى)0
9- جاءه رجل وهو يخطب الجمعة ‘ فشكا إليه قحوط المطر فرفع يديهr ودعا ربه وما في السماء قطعة من السحاب ، فطلعت سحابة حتى توسطت السماء فاتسعت فأمطرت ، فقال عليه الصلاة والسلام اللهم حوالينا ولاعلينا فأقلعت وانقطعت ( متفق عليه) .
10- لما اجتمعت صناديد قريش في دار الندوة وأجمعوا على قتلهr ، وعندما جاءوا إلى بابه ينتظرون خروجه فيضربونه بالسيوف ضربة رجل واحد خرج عليهم ووضع التراب على رؤوسهم وخرج من بينهم ولم يروه0
11- في غزوة حنين رمى الكفار بقبضة من التراب وقال: شاهت الوجوه ، فامتلأت أعينهم ترابا وانهزموا (مسلم وغيره)0
12- كلمه ذراع الشاة التي أكل منها r وقال له : أنه مسموم
( البخاري) .
13- شهادة الذئب له بالنبوة 0
14- شكاية البعير له r وأن صاحبـه يتعبه ويجيعه ويشق عليه .
[ أبو داود ] .
15- أن عين علي بن أبي طالب رضي الله عنه أصابها الرمد فتفل فيها r فبرأت . [ متفق عليه ] .
16- أصيبت عين قتادة رضي الله عنه يوم أحد حتى سقطت على وجنته فردها r حتى عادت أحد من العين الصحيحة . [ رواه الحاكم ] .
17- أن عبدالله بن عتيك الأنصاري أصيبت رجله حين نزل من درج إلى رافع بن أبي الحقيق لما قتله فمسحها بيده الشريفة فبرأت . [ رواه البخاري ] .
18- أنه دعا لابن عباس بالفقه في الدين وعلم التأويل فصار بحراً في العلم ، وكان حبر هذه الأمة .
19- أنه دعا لأنس بن مالك بكثرة المال والولد وبطول العمر فعاش نحو المائة سنة وكان ولده الذين من صلبه مائة وعشرين ، وكان له نخل يحمل في سنة حملين .
20- أنه دعا لثابت بن قيس بن شماس بأن يعيش سعيداً ويقتل شهيداً ، فكان كما قال r .
21- أنه أخبر أميه بن خلف أنه يقتله يوم بدر ، فقتله r يوم بدر . [رواه البخاري ] .
22- أنه كان يشير لأصحابه في بدر إلى مصارع الكفار فكان يقول r : هذا مصرع فلان وهذا مصرع فلان ... ، ويضع يده على الأرض ليحدد أماكنهم فكان كما قال وما تجاوز أحد منهم موضع يده r . [ رواه أبو داود ] .
23- كان رجل يقاتل مع المسلمين في إحدى غزواته r وكان يضرب أعناق الأعداء ضرباً ، فأخذ الصحابة يطرونه ويذكرون شجاعته وأنه من أهل الجنة ، فقال r : هو من أهل النار ، فتبعه رجل من المسلمين يرى ماذا يصنع ، فأصابته جراح فعمد إلى سيفه فقتل نفسه ، وقاتل نفسه في النار فكان كما أخبر r . [ متفق عليه ] .
ولقد كان له r الكثير من المعجزات وما ذكرته قليل من كثير وما أوردته أيضاً إلا ليتعرف المسلم على بعض معجزات نبيه r . ومعجزاته كثيرة بينة ظاهرة لاينكرها إلا ناقص العقل أو فاقده
حادي عشر : حاجة الناس إلى رسول الله r :
لما عاش الناس قبل بعثته r في جاهلية جهلاء وظلمة دهماء خصوصاً بعدما حرفوا وبدلوا في الكتب المنزلة على أنبيائهم ، لذلك كله أحوج الله الخلائق كلهم إلى من يزيل عنهم تلك الغمة ، ويعيدهم إلى عبادة الله الخالق الواحد القهار ، فأرسل الله نبيه محمداً r ليخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم سبحانه وتعالى .
فأما حاجتهم إلى النبي r في الدنيا فهي أشد من حاجتهم إلى الطعام والشراب والنفس ، لأنه مبشرهم بالجنان ومنذرهم من النيران ، وأما حاجتهم إليه في الآخرة فإنهم يستشفعون بالرسل إلى الله ليفصل بين الخلائق ، فكلهم يتأخر عن الشفاعة ، فيشفع لهم النبي محمد r ، وهو الذي يستفتح لهم باب الجنة .
فلهذا كانت حاجة الناس إلى النبيr حاجة ماسة وأكيدة في الدنيا والآخرة.
ثاني عشر : حقوقه صلى الله عليه وسلم على أمته :
إن حقوق النبي r على أمته كثيرة وهي حقوق يجب على كل فرد من أفراد الأمة الإسلامية معرفتها والعمل بها وتطبيقها قولاً وعملاً ، إذ كيف يدعي مسلم حب النبي r ثم لا يقوم بما هو مطلوب منه تجاه من يحب ، ثم ينبغي أن يطبق المسلم قول نبيه r في كل ما يقول ويأمر به من غير هوادة ولا تكاسل ،والخير كل الخير فيما يأمر به عليه الصلاة والسلام أو يحث أمته عليه ، والشر كل الشر في مخالفة أمره ونهيه وسأذكر هذه الحقوق بشي من التفصيل بإذن الله تعالى ، راجياً من المولى سبحانه وتعالى أن يوفقني في ذلك ، وأن يكتبها في موازين حسنات الجميع ، ومن هذه الحقوق :
1- الإيمان به صلى الله عليه وسلم :
فالإيمان به r من أركان الإيمان التي يجب على المسلم الإيمان بها، ومن هذه الأركان الإيمان بالرسل ، وهو r رسول من أولئك الرسل عليهم أفضل الصلاة وأزكى التسليم ، قال الله تعالى : [ فآمنوا بالله ورسوله والنور الذي أنزلنا ] ( التغابن 8 ) ، وقال تعالى : [ فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته وأتبعوه لعلكم تهتدون ] ( الأعراف 158 ) ، وقد أخبرr بوجوب الإيمان به فقال r : ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ) [ البخاري ومسلم ] .
ومن الإيمان به r التصديق الجازم الذي لاشك فيه بأن رسالته ونبوته هي حق من عند الله تعالى ، والعمل بمقتضى ذلك ، والتصديق بأن كل ماجاء به من الدين وما أخبر به عن الله تعالى حق صحيح ، ولابد من تصديق ذلك بالقلب واللسان ، فلا يكفي الإيمان به باللسان ، والقلب منكر لذلك ، قال تعالى : [ ياأيها الذين آمنوا آمِنوا بالله ورسوله ... ] ( النساء 136 ) .
فالإيمان به r وبرسالته وبكل ماأخبر به من الأمور التي وقعت والتي لم تقع مما أطلعه الله عليه الإيمان بذلك كله واجب حتى يكمل إيمان المرء ولقد بشر النبي r من آمن به ولم يره بشّره بطوبى وهي شجرة في الجنة فقال r : ( طوبى لمن آمن بي ورآني مرة ، وطوبى لمن آمن بي ولم يرني سبع مرار (مرات)) . [ السلسلة الصحيحة 3 / 45 ] ، فمن شك في نبوته أو رسالته فهو كافر ، لأن الأدلة ثابتة مستفيضة مجمع عليها بين أهل العلم .
2- محبته صلى الله عليه وسلم :
وهذا حق من حقوقه r على أمته ، وواجب عليهم أيضاً ، فينتفي الإيمان بعدم محبة النبي r ، فقد أوجب الله محبة نبيه في كتابه العزيز ، فقال تعالى : ( قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لايهدي القوم الفاسقين ) [ التوبة 24 ] .
وقال r : ( لايؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين ) [ البخاري ] .
ولما سمع عمر رضي الله عنه هذا الحديث قال للرسول r لأنت أحب إلي من كل شئ إلاّ نفسي ، فقال : لا والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك ، فقال له عمر : فإنك الآن والله أحب إلي من نفسي ، فقال r : ( الآن ياعمر ) أي الآن صدقت وحققت الإيمان الكامل بمحبتك لنبيك .
وقال r : ( ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان : أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ، وأن يحب المرء لايحبه إلاّ لله ، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار ) [ البخاري ]
ومن محبته صلى الله عليه وسلم إيثار مايحب صلى الله عليه وسلم على مايحب العبد ، ومحبة ماجاء به والدعوة إليه ومحبة أهل بيته وصحابته رضوان الله عليهم ومن محبته كثرة ذكره عليه الصلاة والسلام ،والشوق إلى لقاءه ، قال r: ( يا أبا أمامة إن من المؤمنين من يلين لي قلبه) ( أحمد وهو صحيح) ، ومعنى ذلك أن من المؤمنين من يسكن قلبه ويميل للنبي صلى الله عليه وسلم بالمودة والمحبة ، وما ذاك إلا بإخلاص الاتباع له صلى الله عليه وسلم دون سواه من البشر0 فحب النبي صلى الله عليه وسلم موصل لحب الله تعالى 0
قال الشاعر:
تعصي الإله وأنت تظهر حبه
هذا لعمرك في القياس بديع
لوكان حبك صادقا لأطعته
إن المحب لمن يحب مطيع
فمن محبته صلى الله عليه وسلم طاعته وتصديق ماأخبر عنه وتوقيره وتعظيمه عند ذكره صلوات الله وسلامه عليه ماتعاقب الليل والنهار 0
3- طاعته صلى الله عليه وسلم وامتثال أمره :
طاعته صلى الله عليه وسلم واجبة بكتاب الله عز وجل ، قال تعالى : [ ياأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ولاتبطلوا أعمالكم ] ( محمد 33) ، وقال تعالى: [ ياأيها الذين آمنوا أطيعوا الله ورسوله ولاتولوا عنه وأنتم تسمعون ] (الأنفال 20) ، قال بن كثير في تفسير هذه الآية : ( يأمر تعالى عباده المؤمنين بطاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم ، ويزجرهم عن مخالفته والتشبه بالكافرين به والمعاندين له ، وأن لا يتركوا طاعته صلى الله عليه وسلم ، بل امتثلوا أمره ، واتركوا زواجره بعدما علمتم مادعاكم إليه من الحق ) 0
ويقول بن سعدي رحمه الله : ( لما أخبرالله تعالى أنه مع المؤمنين أمرهم أن يقوموا بمقتضى الإيمان الذي يدركون معيته ، وذلك بامتثال أوامر الله عز وجل وأوامر رسوله صلى الله عليه وسلم وتنفيذ أوامره ووصاياه ونصائحه ، ولا يكتفي بمجرد الدعوى الخالية التي لا حقيقة لها ، فإنها حالة لا يرضاها الله ولا رسوله صلى الله عليه وسلم ، فليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي ، ولكن الإيمان ما وقر في القلب وصدقته الأعمال)0
قال r : (( كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى قيل يارسول الله ومن يأبى قال : من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى)) [ البخاري ] ، وقال r : (( ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه ألا يوشك رجل شبعان على أريكته ويقول عليكم بهذا القرآن فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه وما وجدتم فيه من حرام فحرموه)) [ أحمد وأبو داود والحاكم بسند صحيح ].
وعن أبي داود وابن ماجة بسند صحيح ، قال r : (( لا ألفين أحدكم متكئاً على أريكته يأتيه الأمر من أمري مما أمرت به أو نهيت عنه فيقول لاندري ، ماوجدنا في كتاب الله اتبعناه )) .
فالواجب على المؤمن طاعة النبي r فيما أحل وما حرم فما أحله فهو حلال وما حرمه فهو حرام يجب الابتعاد عنه كما قال عليه الصلاة والسلام : (( ألا إن ما حرّم رسول الله مثل ما حرَّم الله)) [ الحاكم والترمذي وابن ماجه بسند صحيح ] .
ومما يدل على عظم شأن طاعته r أن الله جلت قدرته قد قرن طاعته سبحانه بطاعة نبيه r فقال تعالى :[ من يطع الرسول فقد أطاع الله ] ( النساء 80) .
قال r : (( من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله )) [ في الصحيحين ] .
ولابد من الحذر كل الحذر من مخالفة أمره r وعدم معصيته وأن ذلك مما يحبط الأعمال ويوجب النيران فقد قال تعالى : [ ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها أبداً ] ( الجن 23) .
فمن طاعته r التمسك بسنته وما أمر به واجتناب ما نهى عنه والابتعاد عنه والاهتداء بهديه والالتزام بنظافة الثوب والبدن وتحري الصدق في الأقوال والأفعال وطلب الحلال في المأكل والمشرب والملبس والنكاح واجتناب الحرام في ذلك .
وغير ذلك من الأمور التي ينبغي على المسلم متابعتها والعمل بها مما أمر بها النبي r واجتناب ما نهى عنه من أعمال وأفعال قال تعالى : [ وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ] ( الحشر 7) ،
وقال r : (( إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم ، وما نهيتكم عنه فانتهوا )) [ مسلم ] .
4- اتباعه صلى الله عليه وسلم :
ومما يجب على المؤمن اتباع نبيه r واتباعه عليه الصلاة والسلام يكون في الاعتقاد والقول والعمل واجبه وهي الدين كله واتباعه عليه الصلاة والسلام من محبة الله تبارك وتعالى قال تعالى : [ قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم ] ( آل عمران ) ، فلا بد للمسلم من اتباع هدي نبيه r واقتفاء آثره والعمل بما جاء به من قول وفعل فللوصول إلى محبة الله ورضوانه ومغفرة الذنوب اتباع ما جاء به النبي r في المنشط والمكره ويكون اتباعه عن قناعة ورضىً بما جاء به .
وذكر بن رجب رحمه الله في جامع العلوم والحكم : [ وقوله r : (( فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافاً كثيراً فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ )) [ الحاكم في المستدرك ] ، هذا إخبار منه r بما سيقع في أمته بعده من كثرة الاختلاف في أصول الدين وفروعه وفي الأعمال والأقوال والاعتقادات ، فقد أخبر عليه الصلاة والسلام أن أمته ستفترق على بضع وسبعين فرقه كلها في النار إلا واحدة وهي الفرقة الناجية التي اتبعت ما جاء به النبي r من ربه وما كان عليه أصحابه من بعده من تتبعهم لهديه عليه الصلاة والسلام .
وقد قال عمر بن عبدالعزيز : سن رسول الله r وولاة الأمور من بعده سُنناً الأخذ بها اعتصام بكتاب الله وقوة على دين الله ليس لأحد تبديلها ولا تغييرها ولا النظر في أمر خالفها من اهتدى بها فهو المهتدي ومن استنصر بها فهو المنصور ومن تركها واتبع غير سبيل المؤمنين ولاه الله ماتولى وأصلاه جهنم وساءت مصيراً ] .
وليحذر من يخالف أمر البني r ففي مخالفته خروج من الدين وارتداد عنه ـ عياذا بالله من ذلك ـ قال تعالى : [ واتبعوه لعلكم تهتدون ] ( الأعراف ) فهو أمر من الله جل وعلا باتباع نبيه r لمن أراد الهداية من الله تعالى ومن خالف أمره فليس له إلا الغواية والندامة .
ومن اتباعه r عدم الابتداع في دين الله عز وجل بل يعمل على إزالة كل بدعة في الدين ما استطاع الإنسان إلى ذلك سبيلا .
ويجب على المسلم رد كل قول لقوله r وترك كل تشريع لشرعه والإعراض عن كل ما خالف هديه r في القول والعمل والاعتقاد .
والأخذ بكل ما صح عنه وثبت نسبته إليه فهو عليه الصلاة والسلام أعلم الناس بربه تعالى وأخشاهم وأتقاهم له فيجب التمسك بما جاء به واتباع ذلك بلا تردد ولا شك لأنه عليه الصلاة والسلام لا ينطق عن الهوى وإنما يعلمه ربه عز وجل .
فالواجب على المؤمن اتباع النبي r في العقيدة والعبادة والسلوك فهذا هو طريق النجاة يوم القيامة بإذن الله تبارك وتعالى ومن خالف ذلك فسيلقي به إلى النار والعياذ بالله .
5- الاقتداء به صلى الله عليه وسلم :
قال تعالى : [ أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده ] ( الأنعام 90) ، فلقد أمر الله جل وعلا نبيه r بالاقتداء بمن سبقه من الأنبياء والرسل .
وأمرنا نحن باتباع النبي r والاقتداء به فقال تعالى : [ لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً ] ( الأحزاب21 ) أي أن لكم فيه r قدوة صالحة في أفعاله وأقواله فاقتدوا به فمن اقتدى به r وتأس به سلك الطريق الموصل إلى كرامة الله وهو الصراط المستقيم فهو عليه الصلاة والسلام الأسوة الحسنة التي يوفق للإقتداء بها من كان يرجو الله واليوم الآخر لما معه من الإيجار والخوف من الجبار سبحانه ، ولما يرجو من ثواب ربه ، وما يخشاه من عقابه وعذابه ، فكل ذلك حاث وحافز ودافع للإقتداء به r في أقواله وأفعاله وأحواله 0
وانظر لأولئك السلف الذين دفعهم الإيمان بالله ورسوله إلى الإقتداء به عليه الصلاة والسلام ، وهذه نماذج من ذلك :
1- عندما جاءت الجدة إلى الصديق رضى الله عنه تسأل عن ميراثها ، فقال لها : ليس لكي في كتاب الله شيء ، ولا أعلم أن رسول r قضى لك بشيء ، وسأسأل الناس ، ثم سأل رضى الله عنه الصحابة ، فشهد عنده بعضهم بأن رسول r أعطى الجدة السدس فقضى لها بذلك 0
2- ولما أشكل على عمر رضى الله عنه إسقاط المرأة جنينا ميتا بسبب تعدي أحد عليها ، سأل الصحابة رضى الله عنهم ، عن ذلك فشهد عنده محمد بن مسلمة والمغيرة بن شعبة رضى الله عنهما ، بأن النبي r قضى في ذلك بغرة عبد أو أمة ، فقضى بذلك رضى الله عنه 0
3- ولما أشكل على عثمان رضى الله عنه حكم احتداد المرأة في بيتها بعد وفاة زوجها ، أخبرته طريفة بنت مالك رضى الله عنها أن النبي r أمرها بعد وفاة زوجها أن تمكث في بيته حتى يبلغ الكتاب أجله فقضى لها بذلك رضى الله عنه 0
4- ولما بلغ علي رضى الله عنه أن عثمان رضى الله عنه نهي عن متعة الحج أهل علي رضى الله عنه بالحج والعمرة جميعا وقال : لا أدع سنة رسول الله r لقول أحد من الناس0
5- وقال ابن عباس رضى الله عنهما : يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء !! أقول : قال رسول الله r وتقولون قال أبو بكر وعمر 0
فإذا كان من خالف السنة لقول أبي بكر وعمر تخشى عليه العقوبة فكيف بحال من خالف السنة لقول من هو دونهما في المكانة ، أو ممن خالفهما لمجرد رأيه واجتهاده 0 فمن ترك الاقتداء به r فهو معرض للضلال المؤدي إلى الهلاك ، فعندما فهم ذلك سلف الأمة التزموا بطاعته r والاقتداء به 0
1- توقيره عليه الصلاة والسلام وتعظيم شأنه:
توقيره من آكد حقوقه r على أمته قال تعالى : [ إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة وأصيلاً ] ( الفتح8 ) .
فيجب توقيره عليه الصلاة والسلام وإجلاله وتعظيمه كما ينبغي له ذلك على ألا يُرفع إلى مقام العبودية فإن ذلك محرم لا يجوز ولا ينبغي إلا لله عز وجل.
ومن توقيره عليه الصلاة والسلام تعظيم شأنه احتراماً وإكباراً لكل ما يتعلق به من اسمه وحديثه وسنته وشريعته وآل بيته وصحابته رضوان الله عليهم وكل ما اتصل به عليه الصلاة والسلام من قريب أو بعيد .
فيُرفع من قدره r حتى لا يساويه ولا يدانيه أحد من الناس .
فمن توقيره عليه الصلاة والسلام عدم التقدم بين يديه مصداقاً لقوله تعالى: [ يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله ] ( الحجرات1 ) أي لا تقولوا قبل قوله وإذا قال فاستمعوا له وأنصتوا، فلا يحل لأحد أن يسبقه بالقول ولا برأي ولا بقضاء بل يتعين عليهم أن يكونوا تابعين له عليه الصلاة والسلام .
وقال جل شأنه : [ يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون ] ( الحجرات2 ) .
فهذا نهي من الله عز وجل بعدم رفع الصوت عند مخاطبة النبي r ولا يجهر المخاطب له بالقول بل يخفض الصوت ويخاطبه بالأدب ولين الجانب ويخاطبه بالتعظيم والتكريم والإجلال والإعظام .
فلا يكون الرسول كأحدهم بل يميزونه في خطابهم كما تميز عن غيره في وجوب حقه على الأمة ووجوب الإيمان به والحب الذي لا يتم الإيمان إلا به .
فإن في عدم القيام بذلك محذوراً خشية أن يحبط عمل العبد وهو لا يشعر كما أن الأدب معه من أسباب حصول الثواب وقبول الأعمال .
وقال العلماء : يكره رفع الصوت عند قبره r كما يكره في حياته لأنه محترم حياً وميتاً .
وقد روي عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب t أنه سمع صوت رجلين في مسجد رسول الله r قد ارتفعت أصواتهما فجاء فقال : أتدريان أين أنتما ؟ ثم قال : من أين أنتما ؟ قالا : من أهل الطائف ، فقال : لو كنتما من أهل المدينة لأوجعتكما ضرباً .
وإنما كان النهي عن رفع الصوت عنده خشية أن يغضب من ذلك فيغضب الله تعالى لغضبه r فيحبط عمل من أغضبه وهو لا يدري .
ثم امتدح الله عز وجل من غض صوته عند رسول الله r وندب إلى ذلك في قوله تعالى : [ إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين أمتحن الله قلوبهم للتقوى لهم مغفرة وأجر عظيم ] ( الحجرات 3) ، فأولئك اختبر الله قلوبهم وامتحنها وابتلاها للتقوى فظهرت نتيجة ذلك بأن قلوبهم أذعنت لأمر الله وأخلصت وكانت أهلاً ومحلاً للتقوى فكانت العاقبة لهم بالبشرى من الله العلي القدير بأن بشرهم بالمغفرة لذنوبهم ، وحصول الأجر العظيم الذي لا يعلمه إلا رب الأرباب ومسبب الأسباب ، الذي بيده مفاتيح كل شئ وخزائن السموات والأرض ، فكان ذلك جزاءهم جزاءً وفاقاً .
فمن لازم أمر الله عز وجل واتبع رضاه وسارع إلى ذلك وقدمه على هواه ومحص قلبه للتقوى فصار قلبه صادقاً ، ومن لم يكن كذلك علم أنه لا يصلح للتقوى .
ومن تعظيمه وتوقيره r عدم ندائه باسمه مجرداً فلا يقال : (( يا محمد )) ، بل يقال : (( يانبي الله )) ، (( يا رسول الله )) ، قال تعالى : [ لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا ] ( النور63 ) .
فهذا نهيٌ منه سبحانه بعدم نداء نبيه r باسمه مجرداً لأن ذلك من سوء الأدب معه r وهناك مظاهر لتعظيمه r من حيث حديثه ، وآثاره .
فمن تعظيمه r تعظيم حديثه فيحترم كلامه عليه الصلاة والسلام فقد روي عن جعفر بن محمد الصادق وكان كثير الدعابة والتبسم أنه إذا ذكر عنده النبي r اصفر وجهه وما رئي يحدث عن رسول الله r إلا على طهارة .
وكان بن مسعود t إذا حدث عن رسول الله r علاه كرب وتحدر العرق من جبينه t وأرضاه .
ومن تعظيم آثاره r أنه كانت لأبي محذورة قصة في مقدم رأسه إذا جلس وأرسلها وصلت إلى الأرض فقيل له : ألا تحلقها ؟ قال : لم أكن بالذي يحلقها وقد مسها رسول الله r بيده .
ولقد كان هذا شيئاً يسيراً مما ذكرت في توقيره عليه الصلاة والسلام وتعظيم شأنه وإلا فهو أجل من ذلك وأعظم فصلوات ربي وسلامه عليه ما تلألأت النجوم وتلاحمت الغيوم وعليه الصلاة والسلام ما سمعت أذن بخبر وما اتصلت عين بنظر .
7- وجوب النصح له صلى الله عليه وسلم :
النصح أو النصيحة : هي بذل النصح للغير والنصح معناه : أن الشخص يحب لأخيه الخير ويدعوه إليه ويبينه له ويرغبه فيه وقد جعل النبي r الدين النصيحة وقد بايع رسول الله rبعض صحابته على النصح لكل مسلم وهي من حقوق المسلمين فيما بينهم قال تعالى : [ إنما المؤمنون أخوة ] ( الحجرات 10 ) ، وقال تعالى : [ وأنصح لكم ] ( الأعراف 62 ) ، وقال تعالى : [ وأنا لكم ناصح أمين ] ( الأعراف 68 ) .
فالأخوّة في الدين أقوى من الأخوّة في النسب ، فالأخوة في النسب بدون دين ليست بشيء ، ولهذا لما قال نوح عليه السلام لربه عز وجل : [ إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق ] ، وقال تعالى : [ إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح ] (هود 46 ) ، أما الأخوة في الدين ، فهي أخوة فعلاً مصداقاً لقول الله تعالى : [ إنما المؤمنون اخوة ] ( الحجرات 10 ) ، فالمؤمنون أخوة مهما تباعدت أقطارهم وتباينت لغاتهم .
قال بن رجب : { وأما النصيحة للرسول r في حياته فبذل المجهود في طاعته ونصرته ومعاونته وبذل المال إذا أراده والمسارعة إلى محبته ، وأما بعد موته ، فالعناية بطلب سنته والبحث عن أخلاقه وآدابه وتعظيم أمره ولزوم القيام به وشدة الغضب والإعراض عمن يدين بخلاف سنته والغضب على من صنعها لأثرة دنيا وإن كان متديناً بها ، وحب من كان منه بسبيل من قرابة أو صهر أو هجرة أو نصرة أو صحبة ساعة من ليل أو نهار على الإسلام والتشبه به في زيه ولباسه .
والإيمان به وبما جاء به ، ومعاداة من عاداه وموالاة من والاه ….. ونحو ذلك } انتهى .
فالنصيحة للرسول r تتضمن عدة أمور :
1- الإيمان التام برسالته وأن الله تعالى أرسله إلى جميع الخلق عربهم وعجمهم ، أنسهم وجنهم ، قال تعالى : ( وأرسلناك للناس رسولا ) [ النساء 79 ] ، وقال تعالى : ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) [ الأنبياء 107 ]
2- تصديق خبره r وأنه صادق مصدوق ، صادق فيما يخبر به ، مصدوق فيما أخبر به من الوحي .
3- صدق الاتباع له r ، فلا تتجاوز شريعته ولا تزاد ، ولا ينقص منها شئ فإن الرسول r الإمام في جميع العبادات ، فهو إمام هذه الأمة ومتبوعها ، ولا يحل لأحد أن يتبع سواه إلا من هو مبلغ عن رسول الله r ، بحيث يكون واسطة بين المبلغ له والمبلغ عنه ، ولا يكون له شريعة مستقلة .
4- الذب عن شريعته r وحمايتها بألا يزيد فيها أحد ماليس فيها ، أو أن ينتقصها أحد ، فيحارب أهل البدع القولية والفعلية والعقدية ، كل حسب بدعته لقوله عليه الصلاة والسلام : (( كل بدعة ضلالة )) [ مسلم ] .
2- احترام أصحابه وتعظيمهم ومحبتهم، لأنهم خير القرون فلا يجتمع حب رسول الله r والنصح له ، وبغض أصحابه أو أحد منهم ، فمن سب الصحابة فقد قدح في الدين ، لأنهم هم الذين بلغوا دين الله عز وجل بعد وفاة نبيه r، وفي ذلك قدح لله عز وجل وسب له ، وتشكيك في حكمته تعالى ، فالله جل وعلا قد اختار لنبيه r ولحمل دينه من هم أهل لذلك لأن الله تعالى تكفل بحفظ دينه ، وهيئ له من العلماء من يبلغوه إلى الناس ، فالأمة لا تجتمع على ضلالة .
فمن النصح له r محبة أصحابه لأنهم هم الذين بلغوا عنه هذا الدين ، فرضي الله عنهم أجمعين .
فاللهم صلي وسلم وزد وبارك على نبينا محمد ما غرد طير وصاح ، وصلي على محمد ما أظلم ليل وأشرق صباح .
8- محبة أهل بيته وصحابته صلى الله عليه وسلم :
إن محبة أهل بيت رسول الله r، ومحبة أصحابه رضي الله عنهم، كل ذلك من محبته r وهي محبة واجبة ، فمن أبغض أحداً من أهل بيت النبي r أو أحداً من صحابته الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم، فقد أبغض النبي r لأن محبته مقرونة بمحبتهم .
ولعلي لا أطيل على القارئ الكريم في هذه النقطة لأنني قد شرحت جزءاً منها في الفقرة السابقة لها ولكن هناك بعض الآثار التي تدل على محبة أهل بيته r وصحابته رضي الله عنهم :
1- قال r: (( أنشدكم الله أهل بيتي )) .
2- وقوله r للعباس : ( وهو من أهل بيته ) ، : (( والذي نفسي بيده لا يدخل قلب رجل الإيمان حتى يحبكم لله ورسوله ومن آذى عمي فقد آذاني ، وإنما عم الرجل صنو أبيه )) [ الترمذي وغيره ] .
3- قوله r لأم سلمه : (( لا تؤذيني في عائشة )) [ فتح الباري وسير أعلام النبلاء ] .
4- قول عمر بن عبد العزيز لعبدالله بن الحسن بن حسين : ( إذا كانت لك حاجة فأرسل إلي ، أو اكتب فإني أستحي من الله أن يراك الله على بابي ) .
وهذا من تعظيمه t لأل بيت رسول الله r .
5- وقوله r في صحابته : (( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ )) [ ابوداود وغيره ] .
6- وقوله r : (( لا تسبوا أصحابي فلو أنفق أحدكم مثل جبل أحد ذهباً ما بلغ من أحدهم ولا نصيفه )) [ البخاري ومسلم ] .
7- قوله r في الأنصار : (( اعفوا عن مسيئهم واقبلوا من محسنهم )) [ مسند أبي يعلى ] .
8- وقال مالك بن أنس : من غاظه أصحاب رسول الله r، فهو كافر لقوله تعالى : [ ليغيظ بهم الكفار ] ( الفتح 29) .
9- وقال عليه الصلاة والسلام : (( اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر )) [ الترمذي وغيره ] .
9- الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم :
ومن حقه على أمته أن يصلوا عليه كلما ذكر عليه الصلاة والسلام ، قال تعالى : [ إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ] ( الأحزاب 56 ) . قال بن كثير في تفسير هذه الآية : [ أي أن الله تعالى أخبر عباده بمنزلة عبده ونبيه عنده في الملأ الأعلى بأنه يثني عليه عند الملائكة المقربين وأن الملائكة تصلي عليه ثم أمر أهل العالم السفلي بالصلاة والتسليم عليه ليجتمع عليه الثناء عليه من أهل العالَمْينِ : العلوي والسفلي جميعاً ] انتهى .
فالصلاة والسلام عليه واجبة على كل مؤمن ومؤمنة لما في ذلك من الأجر العظيم من الله جل وعلا ، ولما في ذلك أيضاً من طاعة لله تعالى عندما أمر