قال الله تعالى: ( تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير. الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور).
إن الله تعالى أوجد الموت والحياة في الدنيا ليمتحن عباده ويبتليهم، فيميز المحسن من المسيء، وإنه سبحانه يعامل الناس معاملة المختبر، فمن أحسن فلنفسه ومن أساء فعليها، كي لا يبقى للناس على الله حجة يوم القيامة.
إن الموت هو الحقيقة التي لا يماري في وجودها أحد من الناس، قال تعالى: (وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون . كل نفس ذائقة الموت ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون). وصدق القائل:
أتحرص يا ابن آدم حرص باق وأنت تمر ويحك كل حين
وتعمل طول دهرك في ظنون وأنت من المنون على يقين
وهو الحقيقة التي يفر منها أكثر الناس، قال تعالى: (قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون) والآية نزلت في اليهود الذين زعموا أنهم (أولياء لله من دون الناس) ولكنهم لا يتمنون الموت أبدا (بما قدمت أيديهم)، فالموت الذي نخاف حتى من مجرد ذكره آتينا حتما، وصدق الله العظيم القائل: (أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة) لأن الموت قدر محتوم، ولا يغني حذر من قدر، وصدق القائل:
فرّ من الموت أو اثبت له لابد من أنك تلقاه
واكتب بهذي الدار ما شئته فإن في تلك ستقراه
وعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن رسول الله قال: "من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه. فقلت: يا نبي الله أكراهية الموت؟ فكلنا نكره الموت؟ قال: ليس كذلك ولكن المؤمن إذا بشر برحمة الله ورضوانه وجنته أحب لقاء الله، فأحب الله لقاءه، وإن الكافر إذا بشر بعذاب الله وسخطه وعقوبته كره لقاء الله فكره الله لقاءه".
هل نحن مستعدون للقاء الله ؟
قبل الإجابة على هذا السؤال .. ينبغي أن نسأل ماذا قدمنا في دنيانا لآخرتنا؟
هل جاهدنا في سبيل الله تعالى بأنفسنا وأموالنا وألسنتنا ؟
كم أنفقنا في سبيل الله تعالى ؟
كم منكر غيرناه ؟
وكم معروف أمرنا به ؟
هل أحسنا تربية أبنائنا وبناتنا على الإسلام ؟
أنذكر الله تعالى في الرخاء كما نذكره في الشدة ؟
هل ننصر المسلمين المستضعفين في فلسطين وفي أنحاء العالم ؟
هل أعلنا البراء من الكافرين وأظهرنا الولاء للمؤمنين ؟
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: أتيت رسول الله عاشر عشرة، فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله من أكيس الناس؟ قال: أكثرهم للموت ذكرا، وأحسنهم له استعدادا .
وإن الناظر إلى المجاهدين في سبيل الله تعالى يجدهم من أكثر الناس استعدادا للموت، يبذلون الغالي والنفيس لإرضاء الله تعالى، متيقنين بحتمية اللقاء والجنة والنار، عاملين في الدنيا آملين في الآخرة، أجسادهم معنا وأرواحهم تحلق نحو الله تعالى مرددين هتافهم المحبوب .. غدا نلقى الأحبة محمدا وحزبه.
هؤلاء الأبطال قد اختاروا موتتهم فهم شهداء وإن ماتوا على الفراش، يذكرون وصية سيف الله المسلول خالد بن الوليد رضي الله عنه (فلا نامت أعين الجبناء) وهو الذي خاض الحروب تلو الحروب حتى ما بقي في جسده إلا آثار الجراحات في سبيل الله تعالى، فيعلمون يقينا أن القتال في سبيل الله تعالى لن يقصر آجالهم، فعلام الجبن والخور !!
أيها المسلمون ...
كونوا طائعين مسلمين مجاهدين دائما تحسنوا اختيار موتكم، فإن المرء يبعث على ما مات عليه، وإن الموت قد يأتينا بغتة فلنكن مستعدين في كل حين، ولنردد كما ردد أصحاب النبي (غدا نلقى الأحبة .. محمدا وحزبه) والمحبة دعوة تحتاج لبرهان، وبرهانها العمل بهدي الحبيب (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله) ومن علامات حب النبي الاقتداء بسنته والجهاد في سبيل ذلك ما استطعنا إلى ذلك سبيلا.
يوصي النبي محمد بكثرة ذكر الموت ويصفه (بهادم اللذات)، فكثرة ذكره تحض المسلم على الاستمرار في العمل الجاد الدؤوب في سبيل الله تعالى، كما تحضه على التوبة والإنابة والاستغفار عن الذنوب والمعاصي والآثام.
وذكر الموت يحرر قلب المسلم من الخوف من غير الله تعالى (وإن بدا جبارا طاغيا مستكبرا) فالله أكبر من كل طاغية مستكبر، والجميع ميت لا محالة ماثل بين يدي رب العرش العظيم، فإما إلى جنة وإما إلى جحيم.
واعلموا معشر المؤمنين أن العبد إذا مات انقطع عمله إلا من ثلاث:
1- صدقة جارية .
2- علم ينتفع به.
3- ولد صالح يدعو له.
فاحرص أن يتواصل عملك الطيب بعد موتك، بهذه الأمور أو ببعضها ما استطعت إلى ذلك سبيلا، وتسلح بحسن الاستعداد للقاء الله تعالى، بحسن اختيار معاشك ومماتك.
ورددوا مع القائل:
كل الخلق يموت فاختر كيف تموت