في مدينة نجران (جنوب السعودية) يعيش صالح بن سعود الشريف بين عائلته، يتذكر 25 عاما قضاها وهو يستمع لابتسامات وأحاديث أهله وجيرانه وأحبابه، لكن لا يستطيع أن يرى كيف تغيرت أشكالهم وأصبحت هيئاتهم.
هذا الشاب الذي يعرف جيدا الفرق بين النور والظلام، وبين ظلمة القلب وظلمة البصر، يعيش فرحة عارمة لكونه الأول في المملكة الذي استطاع إجراء عملية زرع شبكية تعويضية لعينه لتعيد إليه ذكريات طفولته التي قضاها في النور قبل أن يفقد بصره، وهو لم يكن حينها يتخطى العشر سنوات بعد سقوطه من على إحدى الأشجار في حديقة منزل عائلته..
فرحة الشريف (36 عاما) ربما أنسته سنوات المعاناة التي عاشها العام الماضي حينما أتيحت له الفرصة لإجراء عملية جراحية علاجية بالخلايا الجذعية في الولايات المتحدة، لكنه عجز عن ذلك لأن قيمتها بلغت مليون دولار.
القلب المليء بالأمل، كما يقول عن نفسه، كان يمنحه الحماس والمواصلة في البحث عن طريقة للعلاج، رغم أن دخله لم يكن يتجاوز ألف دولار أميركي يتقاضاها لقاء عمله في إحدى الوظائف الحكومية في مجال الاتصالات.
يقول الشريف: «إن الإيمان يعطينا الكثير من الأمل؛ لذلك لم أكن أتوقف عن الدعاء والتعلق بأي أمل، كنت أشبه بغريق معلق بقشة، تلقيت اتصالا من مستشفى الملك خالد للعيون، أبلغوني خلاله بإمكانية وجود علاج لحالتي الصحية».
شعر الشاب الذي استمر ربع قرن لا يرى نور الدنيا بسعادة غامرة بعد هذا الاتصال، ويذكر أيضا أنهم أبلغوه بتوفر تقنية طبية جديدة أثبتت نجاحها دوليا يمكن من خلالها إعادة بصره إليه، كما تم تحديد موعد الجراحة خلال الأسبوع الماضي.
يقول الشاب السعودي صالح الشريف بعد أن أجرى العملية إنه بحالة جيدة ويرى النور وبعض الألوان من حوله.. وبحسب حديثه فإنه سيتم تفعيل شريحة تقنية زرعت في عينه بعد التئام جرح العملية، وستساعده هذه الشريحة على زيادة قوة بصره ورؤية أبنائه العشرة من حوله، وأمه التي اشتاق لها كثيرا، وكتاب الله عز وجل.
الشريف شكر مستشفى الملك خالد للعيون على ما قدمه له، وبالنسبة للمستشفى فإن ما حدث يضاف إلى سجل الإنجازات الطبية التي تحققها المملكة على مستوى الشرق الأوسط؛ فقد سبق أن تم زرع شبكيات تعويضية لمواطنين يعانيان من فقدان حاسة الإبصار.
وتقول المستشفى إنها زرعت شبكية تعويضية لشاب سعودي يبلغ من العمر 36 عاما، بالإضافة إلى سيدة تبلغ من العمر 51 عاما، وذكر الدكتور عبد الإله الطويرقي مدير مستشفى الملك خالد للعيون إن الاثنين يعانيان اعتلال الشبكية الوظيفي. وبحسب التقدير الطبي فإن العملية تستغرق ثلاث ساعات لإنجازها، حيث يقوم طاقم طبي سعودي بتنفيذ العملية بمعاونة بروفسور إيطالي زائر سبق له إجراء 8 عمليات مماثلة.
ويتم خلال العملية التي يمكن أن تغير مستقبل الكثيرين ممن فقدوا الأمل باستعادة بصرهم، زرع شريحة بيانات داخل العين متصلة مع جهاز حاسوبي صغير يحمله المريض، ويشير الطويرقي إلى أن الجهاز عبارة عن وحدة خارجية لمعالجة الصور المرئية والحركية، إضافة إلى كاميرا مثبتة في نظارة يرتديها المريض تعمل على التقاط المشاهد، مبينا أن تلك العناصر تتجنب مستقبلات الضوء التالفة، وتقوم بتحليل الصورة أمام العين بشكل فوري، ولا يستغرق النظر وقتا أطول من الزمن الذي تستغرقه دورة الإبصار الطبيعي.
ويحتاج المريض إلى 20 جلسة تأهيل بعد العملية لمساعدته على التكيف مع المقتنيات المستجدة عليه والانسجام معها طوال حياته. وتقدر تكلفة العملية الجراحية، وفقا لتصريح مدير مستشفى الملك خالد للعيون، الدكتور عبد الإله الطويرقي، بـ133.3 ألف دولار، مشيرا إلى أن بعض المرضى من دول الخليج ومصر وكندا تواصلوا مع المستشفى للاستفسار عن التقنية الجديدة.
وتعد السعودية الأولى على مستوى منطقة الشرق الأوسط في هذا المجال من العمليات، وقد تم إجراء مثل هذه العمليات في بعض الدول الأوروبية والولايات المتحدة.
ويوضح الدكتور الطويرقي أن عملية زراعة شبكيات تعويضية يمكن أن يستفيد منها المرضى الذين يعانون فقدانا حادا للنظر، بسبب الضمور الخارجي لشبكية العين. ويشترط أن يكون المرضى قد تجاوزوا سن الـــ25 عاما. وكذلك من لا يمتلكون مقدرة على إدراك الضوء. ويقول الطويرقي إن أكثر من مليون إنسان في العالم يعانون من المعروف طبيا بــ«التهاب الشبكية الصباغي». ويبقى هذا الإنجاز سببا لإحياء الأمل في نفوس الكثيرين ممن فقدوا الأمل برؤية الحياة مرة أخرى، وكذلك تفوق يحسب للمملكة العربية السعودية على صعيد حركة التطور التي تعيشها في المجال الطبي.