أعطى الفلسطينيون العالم الكثير من الأشياء .. تكفي هذه المعاناة المستمرة منذ ستة عقود من دون حل. وأعطوه، رغم المأساة، الكثير من الإصرار والتحدي بتمسكهم بأرضهم وهم في غالبيتهم ولدوا خارجها.
ما أعطوه أكثر من ذلك، هو بالحقيقة، الحلم. أن تحلم بوطن لم تولد به، وتعيش خارجه، وربما ستدفن خارجه أيضا. أمر يعني الكثير. ولأن المأساة بهذا الحجم، وعلى هذا المستوى من الضخامة، غابت عن الارتباط باسم فلسطين الكثير من الأشياء.
والحق أن أكثر الأشياء الغائبة عن الالتصاق باسم فلسطين هو المطبخ الفلسطيني. ليس بسبب تميزه عن جيرانه (لبنان، الأردن، سورية) حيث الكثير من الأطباق المشتركة. لكن لسببين، هما على الأٌقل، نتاج المأساة الفلسطينية لا أكثر.
الأول هو الاهتمام الفلسطيني بتحرير الأرض، وهو هدف نبيل وكبير أزاح من أمامه كل شيء آخر.
فيما الثاني تمثل في اختلاط الشعب الفلسطيني في بلدان اللجوء مع الشعوب التي استقبلته. بينما في فلسطين فإن الأمر كان بسبب السياسة الإسرائيلية التمييزية تجاه فلسطينيي الداخل. ولغاية الآن، على حد علمي، لم يبذل أي جهد حقيقي لناحية الاهتمام بالمطبخ الفلسطيني، لا في مخيمات اللجوء ولا في الداخل.
من ضمن الأكلات الفلسطينية التي يتفرد بها الفلسطينيون دون غيرهم من الجيران، تحمل «مطبقة الباذنجان» الهوية الفلسطينية، من دون أي اختلاط بينها وبين مطبخ بلاد الشام. وعلى الرغم من سهولة تحضيرها، وقربها من بعض الأكلات الأخرى، فإنها بمكوناتها وطريقة تحضيرها لا تنتمي سوى لفلسطين.
فالباذنجان الذي يعتبر مكونا رئيسيا لكثير من الأكلات الفلسطينية واللبنانية والسورية يعود في جذوره الأصلية إلى منطقة الشرق الأوسط.
تقول الموسوعة الفرنسية إن الأتراك قد تعرفوا على هذه النبتة بعد أن احتلوا بلاد الشام طوال أربعة قرون ونيف. كما أن الباذنجان جاء إلى أوروبا عن طريق الاستعمار الفرنسي والإسباني، ولم يكن معروفا البتة في القارة العجوز قبل الاستعمار الفرنسي للجزائر والإسباني لجزء من المغرب، حيث ينبت أيضا في بلدان شمال أفريقيا ومنها المغرب والجزائر.
ومع أنه حديث العهد في فرنسا، فإن مجموع الأطباق التي تحضر منه يزيد على 380 طبقا. هذا مرده، طبعا، إلى غنى المطبخ الفرنسي وشموليته. وهذه الأطباق إما أنها تحضر من الباذنجان أو أنه جزء أساسي منها. والمعروف أن للباذنجان طعما خاصا جدا يسيطر على الطبق الذي يدخل فيه، وبالتالي يحمل أي طبق نكهته هو من دون النكهات الأخرى.
لا ترد هذه المعلومات لمقارنة المطبخ الفرنسي بالمطبخ الفلسطيني على الإطلاق. فهناك فرق كبير بين مطبخ يعود إلى أكثر من ألف سنة ويتم تطويره يوميا، وبين مطبخ، لم يكترث أحد حتى اليوم بتجميع أكلاته ولو في كراس صغير.
وعلى هذا، فإن ضحالة المعلومات عن هذه الأكلة الفلسطينية كانت الدافع وراء الاعتماد على الذاكرة الشفاهية، من أجل معرفة تاريخ تقريبي لهذه الأكلة، التي تدخل في مكوناتها مواد محلية بالكامل. فالباذنجان يزرع في كل مناطق فلسطين سواء كانت ساحلية أو داخلية. والبندورة (الطماطم) كذلك تزرع في كل الأماكن، وكذلك الثوم، في حين أن الصنوبر الفلسطيني كان يزرع في الجليل الأعلى، وهو يتمتع بنفس الجودة التي يتمتع بها الصنوبر اللبناني الذي يزرع في منطقة جزين، في حين أن زيت الزيتون هو مادة محلية تعتبر من أقدم المنتجات المحلية.
واليوم يوجد في فلسطين عدد كبير من أشجار الزيتون التي تعود إلى العصر الروماني. وهي تلك الأشجار التي تسعى قوى الاحتلال الإسرائيلي إلى اقتلاعها وزرع المستوطنات مكانها.
تعود هذه الأكلة في تاريخها التقريبي لأكثر من مائة عام. وذلك اعتمادا على ذاكرة سيدة فلسطينية مسنة من مدينة الناصرة قالت إن أمها علمتها تحضير هذه الأكلة، حين كانت صغيرة، وأن جدتها كانت تحضرها أيضا، لكن جدتها التي تعود في أصولها إلى مدينة الخليل كانت تسميها «مسقعة باذنجان»، وهي أكلة يشتهر بها الفلاحون بسبب أن مكوناتها كلها تنتمي إلى الريف الفلسطيني، مما يعني على الأقل أن خمسة أجيال فلسطينية عرفتها. ومن المعروف أن اللاجئين إلى لبنان وسورية والأردن ومصر لجأوا قبل 60 عاما.
طريقة تحضير هذه الأكلة سهلة للغاية، ولهذا السبب ربما استمرت مع الأجيال الجديدة، على عكس غيرها من الأكلات الفلسطينية صعبة التحضير، والتي تحتاج إلى وقت وجهد. كما يمكن تحضيرها في كل أيام السنة لتوافر موادها طيلة العام.
طريقة التحضير
يقطع الباذنجان إلى شرائح متوازية في السمك، ثم يقلى، وبعدها يصفى من الزيت. في هذه الأثناء يقلى اللحم المفروم ويحمر الصنوبر، ثم يخلط اللحم مع الصنوبر والثوم. بعدها تقطع البندورة إلى مربعات صغيرة وأيضا تعصر بعض حباتها من أجل العصير.
تصفى شرائح الباذنجان في صينية ثم يوضع اللحم والصنوبر عليها ومن بعد توضع شريحة باذنجان فوق كل شريحة وتضاف إليها البندورة المقطعة ثم عصيرها وتوضع في الفرن حتى تنضج.
بآلهنآِِآِآ والعآِآِِآفيه