هل بكيت يومـاً؟
هل تأملت عظيم جنايتك فأسبلت العبرات؟
هل تأملت جميل ستر الله عليك فأطلقت الزفرات؟
هل تأملت عناية الله بك، وإمهاله لك، مع إعراضك عنه، وفرارك منه؟ فسكبت الدموع مع الآهات؟
هل تأملت قوته وضعفك؟، وغناه وفقرك؟، وكماله ونقصك؟، وحياته وموتك؟
هل تأملت شدة عذابه لمن عصاه؟، وحُسن جزائه لمن أطاعة ووالاه؟
لماذا قحطت مآقينا فلم تسمح بدمعة واحدة؟
لماذا قست قلوبنا، وضاقت صدرونا، وساءت أحوالنا؟
لماذا ثقلت جوارحنا عن الطاعات، ونشطت عند الملاهي والمنكرات؟
أين نحن من سلف هذه الأمة، الذين أحسنوا العمل، وبكوا خوفاً من التقصير والزلل، وحذراً من الردِّ والخلل؟
أين نحن من الذين {إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيّاً} [سورة مريم: 58].
أين بكاؤنا عند سماع القرآن؟ أين خشوعنا وخضوعنا لآيات الفرقان؟
{وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَىٰ مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلًا ﴿106﴾ قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا ۚ إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا ﴿107﴾ وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا ﴿108﴾ وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا} [سورة الإسراء: 106-109].
فالبكاء من خشية الله دليل الإيمان واستشعار حلاوته، ولذلك فإن الله تعالى أنكر على من استمع آياته وهو يضحك ولا يبكي، فقال تعالى: {أَفَمِنْ هَٰذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ ﴿59﴾ وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ} [النجم: 59-60].
قال ابن كثير في تفسيره: "ثم قال تعالى منكراً على المشركين في استماعهم القرآن وإعراضهم عنه وتلهيهم: {أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ} من أن يكون صحيحاً، {وَتَضْحَكُونَ} منه استهزاءً وسخرية {وَلَا تَبْكُونَ} أي كما يفعل الموقنون به، كما أخبر عنهم: {وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا} [الإسراء: 109].