شرح سبعون حديثًا (45)
45- عن أنس- رضي الله عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يتنفس في الشراب ثلاثًا؛ يعني: يتنفس خارج الإناء؛ متفق عليه.
شرح الحديث:
كراهة التنفس في الإناء أثناء الشرب، وهذا فيه ناحية نفسية وطبيَّة؛ ناحية نفسية، وذلك أن مَن سيَشرب بعده، قد يكره الشرب من الإناء، وقد تتغير رائحة الماء إذا كان المتنفس مريضًا.
ناحية طبية، وذلك أن الأمراض تنتقل عن طريق التنفُّس، وناحية طبية للشارب نفسه؛ إذ إنه إذا أبعد الإناء عن فمه، تنفَّس بهدوءٍ، ثم يشرب مرة أخرى؛ ولذا كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يتنفَّس في الشراب ثلاثًا، ويقول: «إنه أروى وأبرَأ وأمْرَأ»، قال أنس: فأنا أتنفس في الشراب ثلاثًا؛ رواه مسلم.
وقد سأل مروان بن الحكم أبا سعيد الخدري، فقال: أسمِعتَ أنّ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ينهى عن النَّفخ في الشراب؟ فقال له أبو سعيد: نعم، فقال له رجل: يا رسول الله، إني لا أُروى من نفسٍ واحد، فقال له رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «فأبِنِ القَدح عن فيك، ثم تنفَّس»، قال: فإني أرى القذاة فيه، قال: «فأهْرِقها»؛ رواه الإمام أحمد، والإمام مالك، وابن حِبان، والبيهقي في شُعب الإيمان، وغيرهم، وصحَّحه الألباني.
ومعنى (فأبِن)؛ أي: فأبْعِد.
ونهى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عن الشرب من ثُلمة القدح، وأن ينفخ في الشراب؛ رواه الإمام أحمد، وأبو داود، وغيرهما، وهو حديث حسن؛ كما قال الألباني.
ويَلحق بهذا النهي النفخ في الإناء، خاصة إذا كان هناك مَن يشرب بعده.
قال الحليمي: وهذا لأن البخار الذي يرتفع من المعدة أو ينزل من الرأس، وكذلك رائحة الجوف- قد يكونان كريهين، فإما إن يَعلقا بالماء، فيضُرَّا، وإما أن يُفسدا السُّؤر على غير الشارب؛ لأنه قد يتقذَّر إذا علِم به، فلا يشرب؛ نقَله عنه الإمام البيهقي، ثم قال:
وذكر كُليب الجَرْمي أنه شهِد عليًّا- رضي الله عنه- نهى القصَّابين عن النفخ في اللحم، وهو نظير النَّفخ في الطعام والشراب الذي جاء النهي عنه؛ لأن النَّكهة ربما كانت كريهة، فكرَّهت اللحم وغيَّرت رِيحه، وقد عُرِف ذلك بالتجارب؛ والله أعلم.