أثناء احتدام معركة اليرموك , وحين حمى الوطيس , خرج ( جرجة ) أحد أكابر قواد الروم , فنادي في خالد بن الوليد ت رضي الله عنه ـ فخرج له خالد حتى اختلفت أعناق فرسيهما ,
فقال جرجة :
يا خالد أخبرني فاصدقني ولا تكذبني , فإن الحر لا يكذب , ولا تخادعني , فإن الكريم لا يخادع المسترسل بالله .
هل نزل الله على نبيكم سيفا من السماء فأعطاكه فلا تسلُه على احد إلا هزمتهم ؟؟
قال : خالد لا .
قال : فَبِمَ سُميت سيف الله ؟؟
قال خالد : إن الله بعث فينا نبيه فدعانا , فنفرنا منه ونأينا عنه جميعا , ثم عن بعضنا صدقه وتابعه , وبعضنا كذبه وباعده , فكنت فيما كذبه وباعده , ثم عن الله أخذ بقلوبنا ونواصينا فهدانا به , وبايعناه فقال لي :
أنت سيف من سيوف لله سله الله على المشركين . ودعا لي بالنصر , فسمُيت سيف الله بذلك , فأنا من أشد المسلمين على المشركين .
قال جرجة : يا خالد الإمَ تدعون ؟؟
قال : إلى شهادة إن لا إله إلا الله , وأن محمد رسول الله , والإقرار بما جاء به من عند الله عز وجل .
قال : فمن لم يجبكم ؟؟
قال : فالجزية ونمنعهم .
قال : فإن لم يعطوها ؟؟
قال : نؤذنه بالحرب , ثم نقاتله .
قال : فما منزلة من يجيبكم ؟؟ ويدخل في هذا الأمر اليوم ؟؟
قال : منزلتنا واحد فيما افترض الله علينا , شريفنا ووضيعنا وأولنا وآخرنا .
قال جرجة : فلمن دخل فيكم اليوم من الأجر مثل مالكم من الأجر والذخر .
قال خالد : نعم وأفضل .
قال : كيف يساويكم وقد سبقتموه ؟
قال خالد : لأنا قبلنا هذه الأمر عنوة , وبايعنا نبينا وهو حيَّ بين أظهرنا تأتيه أخبار السماء , ويخبرنا بالكتاب ويرينا الآيات , وحق لما رأى ما رأينا , وسمع ما سمعنا أن يسلم ويبايع و وإنكم لم تروا ما رأينا , ولم تسمعوا ما سمعنا من العجائب والحجج , فمن دخل في هذا الأمر منكم حقيقة ونية كان أفضل منا .
فقال جرجة : بالله لقد صدقتني ولم تخادعني ؟؟
قال خالد : تالله قد صدقتك ,
فعندئذ قلب جرجة ترسه وانحاز على المسلمين
وقال : يا خالد علمني الإسلام .
فأخذه خالد على خيمته , وصب عليه الماء ثم صلى به ركعتين , ثم خرج جرجة مع خالد يضرب بسيفه في الروم من لدن ارتفاع الشمس حتى مالت للغروب , ولم يدر ( جرجة ) أن الله تعالى قد ختم له بالخير , فقد أصيب فلقي الله تعالى شهيدا في آخر أيام عمره و ولعلها أسعدها على الإطلاق , فقد أصبح كافرا , وأمسي مسلما , ومات شهيدا .
المرجع / " البداية والنهاية " لإبن كثير ( 7 / 25 )