إن ما نحتاجه الآن في هذه الأيام ولن ينصلح حالنا إلا به هو الرجوع إلى القيم الدينية التي أسسَّها القرآن وكان عليها النبي العدنان صلي الله عليه وسلم ، خشية الله والخوف من الله والمطعم الحلال الذي هو أساس دين الله وطاعة الله وعبادة الله والصدق والأمانة والوفاء بالعهد وكل الأخلاق الإسلامية والقيم الإيمانية التي ركَّز عليها خير البرية وقال في شأنها صلي الله عليه وسلم{إِنَّمَا بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الأَخْلاقِ}[1]
وما المعاناة التي نعانيها جميعاً الآن إلا بسبب مرض النفاق الذي تفَشَّى وللأسف بين المسلمين وهو آفة كل المجتمعات الإسلامية فإذا تَفَشَّى النفاق مرضت الأخلاق وإذا مرضت الأخلاق ساءت الطباع وإذا ساءت الطباع صار الناس يتصارعون في الدنيا ويتنافسون في الفاني فكانوا كالوحوش الكاسرة وكسكان الغابة مع بعضهم وفي كل أحوالهم
وهذا ما نرى منظره الآن في مجتمعاتنا الذي نحن فيها لأن المؤمن أول شيء يفعله ليُثَبِّت به إيمانه عند الله أن يتخلص من أمراض النفاق من الكذب ومن الخيانة ومن الغدر من كل هذه الأمراض التي قال فيها صلي الله عليه وسلم {أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ}[2]
هل هذه الأوصاف ينبغي لمؤمن أن يكون فيه منها شيء ولو بكم قليل؟ أبداً والله لا بد أن يتبرأ المؤمن منها بالكلية ولذلك كل ما نحن فيه الآن بسبب هذه الأمراض التي انتشرت في مجتمعنا وذهبت القيم الدينية والإسلامية التي كان يحرص عليها مجتمعنا الإسلامي في أي زمان ومكان والأعداء يعلمون ذلك علم اليقين
ولذلك ورد في التاريخ أن أهل أوربا كانوا يرسلون بين الفينة والفينة جواسيس إلى بلاد الأندلس في قمة ازدهارها ليعرفوا شان أهلها فذهب جاسوس في أيام عظمة الدولة فوجد غلاماً يبكي فقال له: ما يبكيك؟ قال: أبكي لأن رفاقي يصطادون بالسهم الواحد صيدين وأنا لا أستطيع إلا أن أصطاد صيداً واحداً فرجع هذا الجاسوس وأبلغهم بذلك فقالوا: لا تستطيعوا أن تتغلبوا عليهم إذا كان صبيانهم يبكون لأنهم لا يستطيعوا أن يصيدوا بالسهم الواحد صيدين وراحت الأيام وغاب الكرام وجاء اللئام وأرسلوا جاسوساً فوجد شاباً يبكي فقال له: لِمَ تبكي؟ قال: ضاع مني منديل حبيبتي فأرسل إليهم فقالوا: الآن اغزوهم فقد تمكَّن منهم الخور والضعف وانشغلوا بالدنيا والتفاهات ولم يعودوا يشتغلون بالقيم التي أمرهم بها دينهم
فهم يعلمون ذلك علم اليقين ولذلك لا قيام للإسلام في أي زمان أو مكان إلا بالقيم الدينية فالدستور الذي يتخاصمون عليه ويشتبكون في معارك شديدة عليه هل يستطيع هذا الدستور مهما سطَّروا فيه من قوانين وتشريعات أن يقضي على جريمة الكذب؟
المصائب التي نحن فيها من جريمة الكذب هل يستطيع أن يقضي على جريمة الخيانة؟ أبداً إذا كان الإنسان في غيبة المسئولين فإنه لا يراقب إلا رب العالمين هل يستطيع الدستور أن يصلح النفوس ويجعلها تراقب الملك القدوس؟ أبداً لكن عندنا خير دستور وهو كلام رب العالمين وهو شرع الله ودين الله وهو وحى الله الذي أنزله على حبيبه ومصطفاه صلي الله عليه وسلم وهو الدستور الذي إذا أقمناه انصلحت عليه كل أحوالنا
[1] الحاكم في المستدرك ومسند الإمام أحمد وسنن البيهقي عن أبي هريرة رضي الله عنه
[2] الصحيحين البخاري ومسلم وسنن الترمذي عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما
منقول من كتاب [أمراض الأمة وبصيرة النبوة]