الطلاق العاطفي بين الزوجين
ان الطلاق العاطفي حالة من انعدام الحب والتعاطف يعيش فيها الزوجان منفردين عن بعضهما البعض رغم وجودهما في منزل واحد، ويعيشان في انعزال عاطفي تام، ولكل منهما عالمه الخاص البعيد عن الطرف الآخر، حتى يصبح حضور أو غياب أحدهما عن البيت لا يعني للآخر الكثير، وربما يصل في مرحلة متقدمة إلى شعور بالراحة والاطمئنان عند الغياب أو السفر، كما يعرف على أنه التباعد والفقدان التدريجي للشعور بالمودّة والمحبة والرغبة بين الزوجين، رغم كونهما لا يزالان تحت سقف واحد
والأسباب لهذه الظاهرة المتكررة متعددة ومختلفة باختلاف نماذج الحياة من حولنا، يمكن أن يكون أحدها عدم قدرة الازواج على تجديد أنفسهما واهمال الجانب العاطفي والجنسي للشريك والانغماس بالأنشطة الاقتصادية والاجتماعية والمهنية والاهتمام بشيئ آخر كالأنشطة الثقافية والاجتماعية أو الاهتمام بالاطفال على حساب شريك الحياة، والبخل بالتعبير غن المشاعر تجاه الشريك وعدم الاهتمام باللحظات الرومانسية التي تجمع الزوجين وتعمل على اشتعال العواطف بينهما كالتعبير عن الحب بالكلمات او احضار الهدايا في المناسبات المختلفة.
كما تنتج هذه الحالة بسبب جهل احد الزوجين أو كليهما بأهمية الجانب الوجداني والحياة الجنسية بين الأزواج التي تتأثر كثيرا بالاهتمام بالجسد والمظهر الخارجي والأناقة، وعدم الترهل، كما تتأثر بمدى الاقبال على الحياة عموما وتبادل لحظات الفرح في الأسرة من خلال الجلسات الجماعية والرحلات الترفيهية ومشاركة الآخرين من الأقارب والأصدقاء المناسبات الاجتماعية مما يبعث على تجديد النفوس وتحسين العلاقة العاطفية بين الزوجين، وبعكس ذلك يبقى الزوجان في اطار اجترار الواقع وتكرار نفس الأنماط المعيشية مما يزرع اليأس والروتين والملل في نفوسهم وهذا يؤدي إلى تدني الرغبة في الحياة وقلة السعادة والبدء بإزدراء الواقع والأحداث وخاصة الشريك، وتدني الرغبة في عمل أي شيء والعزوف عن الحياة بشكل عام.
ان الطلاق العاطفي يمثل قوة تدمير سلبية تغطي بظلالها القاتمة كافة شؤون الحياة، وربما تقود للخيانة الزوجية وبحث أحد الزوجين عن علاقة أخرى بديلة سعيا للوصول إلى الاشباع العاطفي والسكن التفسي الذي لم تحققه العلاقة الزوجية، وعليه فإن دور الأزواج يصبح عظيما في ظل غياب مؤسسات الإرشاد الزواجي Marital counseling الذي يقف عائقاً أساسياً في قدرة الأطراف على المعالجة، إذ إنّ أفضل ما توفره هذه المؤسسات هو إعادة التواصل بين الأزواج وإيجاد أرضية مشتركة يقف عليها الطرفان ويجدان أهدافاً ومسببات تدفع للاستمرار في هذه العلاقة، ولذا فلا بد للزوجين من يتعرف كلا منهما على قيم الآخر، وأن يعطي أكثر مما يأخذ، وأن يتحلوا بالصراحة والوضوح، ويبتعدوا عن الكبت والغضب لأن الكبت يؤدي إلى تراكمات وشحنات عاطفية سلبية تدمر الحب تدريجيا بينهما، كما على الأزواج أن يجعلوا من العلاقة الزوجية إحدى اولى أولويات حياتهم، وأن يظهروا المودة والرحمة التي جعلها الله اطارا للعلاقة الزوجية من خلال بعض السلوكات التي تعطي مؤشرات الحب والتواصل الوجداني كإرسال رسالة عاطفية قصيرة خلال يوم العمل، او اجراء مكالمة صغيرة بغرض الاطمئنان او الغزل بكلمة رقيقة، او احضار هدية بسيطة كوردة مثلا، كما على الأزواج أن يفكروا بإيجابيات شريك الحياة ويعظموها وأن يصغروا السلبيات ويقللوا من شانها، لأن العلاقة الزوجية في النهاية تعطي الكون والوجود معنى الحياة.
د. عاطف القاسم، بروفيسور مساعد في علم النفس ودراسات المرأة