خطبة الجمعة .. طريق الحرية .. للإمام الشيخ : عبدالله المؤدب البدروشي .. الخطيب بالجامع الكبير .. شنني قابس
***
الحمد لله الذي أحب من عباده من خافه واتقاه.. و أعز من أحبه و اتبع هداه..وأذل من خالف أمره وعصاه ..أشهد ان لا إله إلا الله .. مـن مبدل الأحوال سواه..فمن توكل عليه كفاه ..و من تحصن بذكره حفظه و حماه ..وأشهد أن سيـدنا وحبيبنا وعظيمنا محمدا رسول الله..و صفيه من خلقه و حبيبه و مجتباه..النعمة المسداة.. والرحمة المهداة..باني الأمة..وباعث في ركنها الحياة .. اللهـم صل وسلم عليه وعلى آله وأصحابه الثقات..و على من تبعهم بإحسان و حسن يقين إلى يوم الميقات.. أما بعد ... إخوة الإيمان و العقيدة
الملك في الأرض..كسوة يكسوها رب العزة جل جلاله لمن يشاء.. وينزعها عمن يشاء .. إذا كساها الله للإنسان.. كرمه بها و أعزه و رفعه .. فإذا احترمها.. و عمل بمتطلباتها أدامها الله عليه..وأعزه دنيا وأخرى ..وإن غفل عن حقها .. فظلم وتجبر .. نزعها الله منه..وأذله وأخزاه بين الناس..
يقول الله تبارك وتعالى .. قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ.. تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء ، وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء، وَ تُعِزُّ مَن تَشَاء،وَتُذِلُّ مَن تَشَاء،بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.. فسبحان من داول الأيّام بيننا، سبحان من وضع عـبادا و رفع عـبادا ، سبحان المعزّ المذلّ،سبحان من بيده الملك و إليه يـرجع الأمر كلّه، بيده الخير.. وهو على كلّ شيء قدير ..
فالثورة المباركة التي نعيشها في بلادنا.. جاءت من أجل رفع الظلم .. جاءت من أجل العدالة الإجتماعية .. جاءت من أجل المساواة بين أفراد الأمة في العيش الكريم .. ولم تأت من أجل إحداث ظلم آخر..وما جاءت من أجل خلق اعتداء جديد..اعتداء المظلوم على من يراه ظلمه.. إن الثأر للنفس بالنفس..حرام في الإسلام..يوم وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم. في حجة الوداع.. و خاطب جموع الصحابة قائلا..ألا إن كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع ، و دماء الجاهلية موضوعة.. ويحكم لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض و إن التهديد والوعيد حرام في الإسلام ..جاء في صحيح الترغيب..قول حبيب هذه الأمة .. صلى الله عليه وسلم.. لا يحل لمسلم أن يروع مسلما ..فلا يجوز في ديننا لمسلم أن يخوف مسلما.. و لا يجوز لمسلم أن يزعج مسلما.. فإن ظلم المسلم.. فهناك قضاء .. وهناك عدالة.. يعود بها الحق لأهله..وإن كان الأمر هينا .. فليصفح المسلم و ليسامح.. وليتبع قول خالقنا تبارك و تعالى.. فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ [الشورى : 40] ،هكذا أمرنا الإسلام..لا بد أن نبني مجتمعنا على الأخوة الصادقة .. فلا يعتدي بعضنا على بعض..في كل المجالات .. بين الأ خ و أخيه.. بين الجار و جاره .. بين الناس جميعا.. رسول الله صلى الله عليه وسلم .. وهو قدوتنا وأسوتنا.. يوصينا ويمهد لنا طريق الرقي..فيقول وقوله من الصحيحين.. المسلم أخو المسلم لا يخونه ، ولا يكذبه ، ولا يخذله..كل المسلم على المسلم حرام عرضه،وماله،ودمه.. بحسب امرئ من الشر أن يحْقِر أخاه المسلم .. ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرَّج عن مسلم كربة فرَّج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة..لأن الظلم ظلمات..والاعتداء دركات ..في الحياة وبعد الممات.. وفي حياتنا الحاضرة..والذي جعلنا تحت الظلم سنوات طويلة..هو أننا ظلمنا فظلمنا.. ظلمنا أنفسنا بعدم طاعتنا لخالقنا..: فكثرت بيننا الغيبة والنميمة.. والغش والإحتيال والرشوة.. ومن عنده من يعليه يعلو .ومن لا يعرف أحدا لا يعرفه أحد.. هذا الذي يعيشه الناس اليوم .. و ما يشـكونه من مظاهر الفـقر والظـلم والفساد..وما نعانيه من انفلات أمني وأخلاقي وغيره..سببه أعمال السيئات والذنوب،فما حلت الكوارث والمصائب ولا تسلط علينا من ظلمنا إلا بالذنوب والمعاصي ، وتلك سنة الله في خلقه ..وذاك ما نبهنا إليه ربنا وخالقنا في كثير من الآيات البينات.. كقوله جل جلاله..ٍ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ [الشورى : 30].. .وقوله تبارك وتعالى.. ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [الروم : 41].. فعودتنا لديننا الحنيف.. هي سفينة النجاة..وما قام به الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم..يوم أسس دولة الإسلام ..هو الطريق السليم ..والمنهج القويم .. يوم وصل إلى المدينة مهاجرا .. ماذا فعل؟ أقام المسجد..لبناء و ترسيخ المعتقد..والتوكل على الله..والإلتزام بأمره و نهيه .. ثم ماذا..؟ آخى بين المهاجرين و الأنصار..بنى المجتمع الأخوي ..وقال لهم.. وقوله في الصحيحين.. لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ..وفي سنوات قليلة.. وفقهم الله لتكوين أمة قادت العالم نحو الرخاء.. فكانوا في دنيا الناس سادة..وكانوا لسادة الناس قادة..في حياة حبيبنا صلى الله عليه وسلم..والحديث في الصحيحين..و اللفظ هنا للإمام مسلم.. عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أُمِّ حَرَامٍ وَهْىَ خَالَةُ أَنَسٍ قَالَتْ أَتَانَا النَّبِيّ -صلى الله عليه وسلم- يَوْمًا فَقَالَ عِنْدَنَا فَاسْتَيْقَظَ وَهُوَ يَضْحَكُ فَقُلْتُ مَا يُضْحِكُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي قَالَ « أُرِيتُ قَوْمًا مِنْ أُمَّتِي يَرْكَبُونَ ظَهْرَ الْبَحْرِ كَالْمُلُوكِ عَلَى الأَسِرَّةِ ». فَقُلْتُ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِى مِنْهُمْ قَالَ « فَإِنَّكِ مِنْهُمْ »... وفي زمن الخليفة عثمان بن عفان..رضي الله عنه اتجه أول أسطول للمسلمين نحو جزيرة قبرص ..وكانت أول الطالعين أم حرام بنت ملحان و زوجها عبادة بن الصامت ..و بلغت قبرص..واستشهدت هناك ..ولا يزال قبرها يزار في قبرص إلى الآن ..
هكذا في سنوات قليلة علموا الناس عدالة الإسلام .. سمعوا قول ربهم.. وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا [آل عمران : 103].. فتوافقت قلوبهم .. واتحدت كلمتهم..وقويت أخوتهم .. وكتب الله لهم قيادة الشعوب.. فعاشوا أحرارا يعلمون الدنيا كيف تزرع الحرية.. وهذا هو سبيل عزتنا و تقدمنا في هذه الثورة المباركة .. سبيـلنا هو المجتمع الأخوي.. سبيلنا هو الأخوة المبنية على التقوى .. يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات : 13].. وهو سبيل الحرية المشيدة على المسؤولية..الإنسان حر ..و مسؤول عن حريته ..لا يعتدي لا يظلم .. فالله حين خلق الإنسان .. جعله حرا.. إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا [الإنسان : 3].. حرية عادلة ..و اختيار حر..ثم هي مسؤولية.. فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ [الأعراف : 6].. فلا لحرية الفوضى في الإسلام .. و لا لخدش الكرامة في الإسلام..ولا لحرية التشفي والإعتداء في الإسلام .. إنما الإسلام ألفة بين المسلمين..ورحمة بين الناس أجمعين ..إنما الإسلام سلم فيه عزة..و الإسلام أمان فيه كرامة .. والإسلام رحمة فيه مودة وإخاء.. وهو ديننا.. ونحن المأمورون بتنفيذه وتطبيقه.. جعله الله لأجلنا .. لـنعيش بالدين سعداء .. . اللهم اجمع على هذا الدين شملنا..