أفضل 10 أعضاء في هذا المنتدى | |
|
| أنبياء الله في القرآن العظيم - سلسلة متجددة | |
| | |
كاتب الموضوع | رسالة |
---|
روايات انسان عضو متميز
عدد المساهمات : 3434 تاريخ التسجيل : 10/02/2013
| موضوع: رد: أنبياء الله في القرآن العظيم - سلسلة متجددة الإثنين يونيو 17, 2013 11:07 pm | |
| بسم الله الرحمن الرحيم
أنبياء الله في القرآن العظيم (إبراهيم عليه السلام) وبعض آيات من سورة الأنعام (10)
تجلية عقيدة التوحيد في مناظرة نبي الله ( إبراهيم ) مع المشركين
وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُن فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّوَرِ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ – 73
قوله الحق في جميع مخلوقاته . . فأولى أن يستسلم له وحده من يشركون به ما لا ينفع ولا يضر من خلقه . ومن يتبعون قول غيره كذلك في التفسير للوجود وتشريعه للحياة . في أي اتجاه .
إن الملك لله وحده , وأنه لا سلطان إلا سلطانه , ولا إرادة إلا إرادته . . فأولى للبشرية- العائدة إلى ربها حتما- الاستسلام له في الدنيا طائعين, أن يستسلموا قبل أن يستسلموا لسلطانه المطلق يوم ينفخ في الصور .
هذه الحقائق تعرض قبل مشاهدة اللقاء الحي بين إبراهيم عليه السلام وقومه , والمناظرة القوية أمام الملأ وأمام عبدة الأصنام وعبدة الكواكب والنجوم .. والمناقشة الواضحة الصريحة التي يقر بها العقل والفطرة السليمة..
**********
إبراهيم يقيم الحجة على قومه
وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاء إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ – 83
إنها قصة الفطرة مع الحق والباطل . وقصة العقيدة كذلك يصدع بها المؤمن ولا يخشى فيها لومة لائم ; ولا يجامل على حسابها أبا ولا أسرة ولا عشيرة ولا قوما . . كما وقف إبراهيم من أبيه وقومه هذه الوقفه الصلبة الحاسمة الصريحة :
وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَاماً آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ – 74
وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ – 75
وتجهر بكلمة الحق وتصدع , حينما يكون الأمر هو أمر العقيدة ,
كلمة يقولها إبراهيم - عليه السلام - لأبيه . وإبراهيم هو الأواه الحليم الرضي الخلق السمح اللين , كما ترد أوصافه في القرآن الكريم . ولكنها العقيدة هنا .
وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَاماً آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ.
والعقيدة فوق روابط الأبوة والبنوة , وفوق مشاعر الحلم والسماحة . وإبراهيم هو القدوة التي أمر الله المسلمين من بنيه أن يتأسوا بها . والقصة تعرض لتكون أسوة ومثالا . .
وكذلك استحق إبراهيم - عليه السلام - بصفاء فطرته وخلوصها للحق أن يكشف الله لبصيرته عن الأسرار الكامنة في الكون , والدلائل الموحية بالهدى في الوجود...
وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ.
بمثل هذه الفطرة السليمة , وهذه البصيرة المفتوحة ; وعلى هذا النحو من الخلوص للحق , ومن إنكار الباطل في قوة . . نري إبراهيم حقيقة هذا الملك . . ملك السماوات والأرض . . ونطلعه على الأسرار المكنونة في صميم الكون , ونكشف له عن الآيات المبثوثة في صحائف الوجود , ونصل بين قلبه وفطرته وموحيات الإيمان ودلائل الهدى في هذا الكون العجيب . لينتقل من درجة الإنكار على عبادة الآلهة الزائفة , إلى درجة اليقين الواعي بالإله الحق . .
وهذا هو طريق الفطرة البديهي العميق . . وعي لا يطمسه الركام . وبصر يلحظ ما في الكون من عجائب صنع الله . وتدبر يتبع المشاهد حتى تنطق له بسرها المكنون . . وهداية من الله جزاء على الجهاد فيه . .
وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاء إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ – 83
مصدر تفسير هذا اللقاء (في ظلال القرآن)************
نستكمل تلك المناظرة الحية في اللقاء القادم بإذن الله تعالى..
| |
| | | روايات انسان عضو متميز
عدد المساهمات : 3434 تاريخ التسجيل : 10/02/2013
| موضوع: رد: أنبياء الله في القرآن العظيم - سلسلة متجددة الإثنين يونيو 17, 2013 11:07 pm | |
| بسم الله الرحمن الرحيم
أنبياء الله في القرآن العظيم (إبراهيم عليه السلام) وبعض آيات من سورة الأنعام (11)
وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ
فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَباً قَالَ هَـذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ – 76
فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغاً قَالَ هَـذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ – 77
فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَـذَا رَبِّي هَـذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ – 78
إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفاً وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ - 79
التوجه لعباد الكواكب بالمناظرة أولا
﴿ فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ ﴾ أي : أظلم ﴿ رَأَى كَوْكَبًا ﴾ لعله من الكواكب المضيئة، لأن تخصيصه بالذكر، يدل على زيادته عن غيره، ولهذا - والله أعلم - قال من قال : إنه الزهرة.
﴿ قَالَ هَذَا رَبِّي ﴾ أي : على وجه التنزل مع الخصم أي: هذا ربي، فهلم ننظر، هل يستحق الربوبية ؟ وهل يقوم لنا دليل على ذلك ؟ فإنه لا ينبغي لعاقل أن يتخذ إلهه هواه، بغير حجة ولا برهان.
﴿ فَلَمَّا أَفَلَ ﴾ أي: غاب ذلك الكوكب ﴿ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ ﴾ أي : الذي يغيب ويختفي عمن عبده، فإن المعبود لا بد أن يكون قائما بمصالح من عبده، ومدبرا له في جميع شئونه، أما ذلك الكوكب له مسار محدد يسير فيه طبقا لقانون وضعه الله له..فذلك الكوكب مخلوق مثلي ومثلك تماما لا يملك من أمره شئ.. فمن أين يستحق العبادة ؟! وهل اتخاذه إلها إلا من أسفه السفه، وأبطل الباطل ؟! وبذلك أبطل عبادة الكواكب..
ثم ذهب لعباد القمر ...
﴿ فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا ﴾ أي: طالعا، رأى زيادته على نور الكواكب ﴿ قَالَ هَذَا رَبِّي ﴾ تنزلا ومجاراة الخصم. ﴿ فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ ﴾ فالقمر مسير في مداره كذلك لا يملك من أمره شئ ولا يملك لأي مخلوق ضر ولا نفع .. فيجب أن نتضرع إلى الخالق الحق أن يهدينا. وإلا لكنا من الضالين التائهين عن المعبود الحق. وبذلك أسقط عبادة القمر..
ثم ذهب لعباد الشمس...
﴿ فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ ﴾ من الكوكب ومن القمر. ﴿ فَلَمَّا أَفَلَتْ ﴾ أي غابت وأنها مسخرة في مدارها لا تستطيع الضر أو النفع.. وهكذا أسقط عبادة الشمس..
﴿ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ ﴾ حيث قام البرهان الصادق الواضح، على بطلان جميع الشركاء من أصنام وكواكب والقمر والشمس.
﴿ إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا ﴾ أي: لله وحده، مقبلا عليه، معرضا عن من سواه. سبحان الله العلي العظيم ...ما أعظم ذلك الدين القيم ملة إبراهيم..
﴿ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ فتبرأ من الشرك، وأذعن بالتوحيد، وأقام على ذلك البرهان..
وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ – 80
وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ وَلا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ - 81
الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمْ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ – 82
وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ - 83
وتلك الحجة التي حاجَّ بها إبراهيم عليه السلام قومه هي حجتنا التي وفقناه إليها حتى انقطعت حجتهم. نرفع مَن نشاء من عبادنا مراتب في الدنيا والآخرة. إن ربك حكيم في تدبير خلقه, عليم بهم.
كانت مصادر التفسير لهذا اللقاء : ( التفسير الميسر – تفسير السعدي )
**********
وإلى لقاء قادم إن شاء الله تعالى
| |
| | | روايات انسان عضو متميز
عدد المساهمات : 3434 تاريخ التسجيل : 10/02/2013
| موضوع: رد: أنبياء الله في القرآن العظيم - سلسلة متجددة الإثنين يونيو 17, 2013 11:09 pm | |
| بسم الله الرحمن الرحيم
أنبياء الله في القرآن العظيم (إبراهيم عليه السلام) وبعض آيات من سورة هود (12)
لقاء الملائكة بإبراهيم عليه السلام
نعيش اليوم مع نبي الله " إبراهيم عليه السلام " وضيوفه الكرام من الملائكة , نسمعهم , ونرى الحوار الحي بينهم ..ونشاهد كرم الضيافة , ونلاحظ البشرى والرحمة والبركة على إبراهيم وأله... وإعلامه بإهلاك قوم لوط الذين خالفوا الفطرة واتبعوا الشذوذ ..
*******
وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلاماً قَالَ سَلامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ - 69
فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ -70
وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَقَ يَعْقُوبَ – 71
قَالَتْ يَا وَيْلَتَا أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ – 72
قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ – 73
فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ – 74
إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ – 75
يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ – 76
*******
﴿ وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا ﴾ من الملائكة الكرام، رسولنا ﴿ إِبْرَاهِيمَ ﴾ الخليل ﴿ بِالْبُشْرَى ﴾ أي : بالبشارة بالولد، حين أرسلهم الله لإهلاك قوم لوط، وأمرهم أن يمروا على إبراهيم، فيبشروه بإسحاق، فلما دخلوا عليه ﴿ قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ ﴾ أي : سلموا عليه، ورد عليهم السلام.
ففي هذا مشروعية السلام، وأنه لم يزل من ملة إبراهيم عليه السلام، وأن السلام قبل الكلام، وأنه ينبغي أن يكون الرد، أبلغ من الابتداء, لأن سلامهم بالجملة الفعلية، الدالة على التجدد، ورده بالجملة الاسمية، الدالة على الثبوت والاستمرار، وبينهما فرق كبير كما هو معلوم في علم العربية.
﴿ فَمَا لَبِثَ ﴾ إبراهيم لما دخلوا عليه ﴿ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ ﴾ أي: بادر لبيته، فاستحضر لأضيافه عجلا مشويا على الرضف سمينا، فقربه إليهم فقال : ألا تأكلون ؟.
﴿ فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ ﴾ أي: إلى تلك الضيافة ﴿ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً ﴾ وظن أنهم أتوه بشر ومكروه، وذلك قبل أن يعرف أمرهم.
فـ ﴿ قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ ﴾ أي : إنا رسل الله, أرسلنا الله إلى إهلاك قوم لوط.
وامرأة إبراهيم ﴿ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ ﴾ حين سمعت بحالهم، وما أرسلوا به، تعجبا.
﴿ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ ﴾ فتعجبت من ذلك. و ﴿ قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا ﴾ فهذان مانعان من وجود الولد ﴿ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ ﴾...
﴿ قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ﴾ فإن أمره لا عجب فيه ، لنفوذ مشيئته التامة في كل شيء، فلا يستغرب على قدرته شيء ، وخصوصا فيما يدبره ويمضيه ، لأهل هذا البيت المبارك...
﴿ رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ ﴾ أي : لا تزال رحمته وإحسانه وبركاته، وهي: الزيادة من خيره وإحسانه ﴿ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ ﴾ أي: حميد الصفات، لأن صفاته صفات كمال، حميد الأفعال لأن أفعاله إحسان، وجود، وبر، وحكمة، وعدل، وقسط.
مجيد، والمجد: هو عظمة الصفات وسعتها، فله صفات الكمال، وله من كل صفة كمال أكملها وأتمها وأعمها.
﴿ فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ ﴾ الذي أصابه من خيفة أضيافه ﴿ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى ﴾ بالولد، التفت حينئذ، إلى مجادلة الرسل في إهلاك قوم لوط ، وقال لهم : ﴿ قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطاً قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنْ الْغَابِرِينَ – 32 العنكبوت )
﴿ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ ﴾ أي : ذو خلق حسن وسعة صدر، وعدم غضب، عند جهل الجاهلين. ﴿ أَوَّاهٌ ﴾ أي : متضرع إلى الله في جميع الأوقات، ﴿ مُنِيبٌ ﴾ أي: رجَّاع إلى الله بمعرفته ومحبته ، والإقبال عليه , والإعراض عمن سواه ، فلذلك كان يجادل عمن حتَّم الله بهلاكهم.
فقيل له : ﴿ يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا ﴾ الجدال ﴿ إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ ﴾ بهلاكهم ﴿ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ ﴾ فلا فائدة في جدالك.
مصدر التفسير في هذا اللقاء ( تفسير السعدي )************
وإلى لقاء قادم إن شاء الله تعالى
| |
| | | روايات انسان عضو متميز
عدد المساهمات : 3434 تاريخ التسجيل : 10/02/2013
| موضوع: رد: أنبياء الله في القرآن العظيم - سلسلة متجددة الإثنين يونيو 17, 2013 11:09 pm | |
| بسم الله الرحمن الرحيم
أنبياء الله في القرآن العظيم (إبراهيم عليه السلام) وبعض آيات من سورة الأنبياء (12)
تحمل أمانة الدعوة وتحمل التبعات
وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ وَكُنَّا بِه عَالِمِينَ – 51 إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ – 52 قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءنَا لَهَا عَابِدِينَ – 53 قَالَ لَقَدْ كُنتُمْ أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ – 54 قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ – 55 قَالَ بَل رَّبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ – 56
********
( ولقد آتينا إبراهيم رشده من قبل , وكنا به عالمين ). . آتينا رشده أي الهداية إلى التوحيد , وكنا عالمين بحاله وباستعداده لحمل الأمانة التي يحملها المرسلون .
( إذ قال لأبيه وقومه : ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون ? ). .
فكانت قولته هذه دليل رشده . . سمى تلك الأحجار والخشب باسمها : ( هذه التماثيل ) ولم يقل إنها آلهة , واستنكر أن يعكفوا عليها بالعبادة . و كلمة ( عاكفون ) تفيد الانكباب الدائم المستمر . و هم لايقضون وقتهم كله في عبادتها . ولكنهم يتعلقون بها . فهو عكوف معنوي لا زمني . وهو يسخف هذا التعلق ويبشعه بتصويرهم منكبين أبدا على هذه التماثيل ! فكان جوابهم وحجتهم أن ( قالوا : وجدنا آباءنا لها عابدين ) !
وهو جواب يدل على التحجر العقلي والنفسي داخل قوالب التقليد الميتة , في مقابل حرية الإيمان , وانطلاقه للنظر والتدبر , وتقويم الأشياء والأوضاع بقيمها الحقيقية لا التقليدية .
فالإيمان بالله طلاقة وتحرر من القداسات الوهمية التقليدية , والوراثات المتحجرة التى لا تقوم على دليل : ( قال : لقد كنتم أنتم وآباؤكم في ضلال مبين ). .
وما كانت عبادة الآباء لتكسب هذه التماثيل قيمة ليست لها , ولا لتخلع عليها قداسة لا تستحقها . فالقيم لا تنبع من تقليد الآباء وتقديسهم , إنما تنبع من التقويم المتحرر الطليق .
وعندما واجههم إبراهيم بهذه الطلاقة في التقدير , وبهذه الصراحة في الحكم , راحوا يسألون : ( قالوا : أجئتنا بالحق أم أنت من اللاعبين ? ). .
وهو سؤال المزعزع العقيدة , الذي لا يطمئن إلى ما هو عليه , لأنه لم يتدبره ولم يتحقق منه . ولكنه كذلك معطل الفكر والروح بتأثير الوهم والتقليد . فهو لا يدري أي الأقوال حق . والعبادة تقوم على اليقين لا على الوهم المزعزع الذي لا يستند إلى دليل !
وهذا هو التيه الذي يخبط فيه من لا يدينون بعقيدة التوحيد الناصعة الواضحة المستقيمة في العقل والضمير .
فأما إبراهيم فهو مستيقن واثق عارف بربه , متمثل له في خاطره وفكره , يقولها كلمة المؤمن المطمئن لإيمانه :
( قال : بل ربكم رب السماوات والأرض الذي فطرهن , وأنا على ذلكم من الشاهدين ). فهو رب واحد . رب الناس ورب السماوات والأرض . ربوبيته ناشئة عن كونه الخالق . فهما صفتان لا تنفكان : ( بل ربكم رب السماوات والأرض الذي فطرهن ). .
فهذه هي العقيدة المستقيمة الناصعة , لا كما يعتقد المشركون أن الآلهة أرباب , في الوقت الذي يقرون أنها لا تخلق , وأن الخالق هو الله . ثم هم يعبدون تلك الآلهة التي لا تخلق شيئا وهم يعلمون !
إنه واثق وثوق الذي يشهد على واقع لا شك فيه : ( وأنا على ذلكم من الشاهدين ). . وإبراهيم - عليه السلام - لم يشهد خلق السماوات والأرض , ولم يشهد خلق نفسه ولا قومه . . ولكن الأمر من الوضوح والثبوت إلى حد أن يشهد المؤمنون عليه واثقين . .
إن كل ما في الكون لينطق بوحدة الخالق المدبر . وإن كل ما في كيان الإنسان ليهتف به إلى الإقرار بوحدانية الخالق المدبر , وبوحدة الناموس الذي يدبر الكون ويصرفه .
*********
كيف تعامل إبراهيم –عليه السلام- مع تلك الأصنام ؟؟ وكيف تحمل تبعات الوقوف وحده أمام عبدة الأصنام ؟؟
هذا ما نراه في اللقاء القادم إن شاء الله تعالى.
كانت مصادر التفسير في هذا اللقاء ( في ظلال القرآن )
| |
| | | روايات انسان عضو متميز
عدد المساهمات : 3434 تاريخ التسجيل : 10/02/2013
| موضوع: رد: أنبياء الله في القرآن العظيم - سلسلة متجددة الإثنين يونيو 17, 2013 11:09 pm | |
| بسم الله الرحمن الرحيم
أنبياء الله في القرآن العظيم (إبراهيم عليه السلام) وبعض آيات من سورة الأنبياء (13)
المواجهة الفعالة والمحاكمة العلنية لخليل الله (إبراهيم)
عشنا في اللقاء السابق مع نبي الله إبراهيم عليه السلام وهو يحاول أن يقنع قومه بعقيدة التوحيد والتوجه الصحيح للعبادة وأن لا تكون إلا لخالق هذا الكون ( الله سبحانه وتعالى ) ولكن كان من قومه العناد والتمسك بعبادة الأصنام... واليوم بعون من الله تعالى نعاين موقف إبراهيم عليه السلام من عناد قومه ومن الأصنام التي تعبد من دون الله تعالى..
قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ – 55 قَالَ بَل رَّبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ – 56
وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُم بَعْدَ أَن تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ – 57 فَجَعَلَهُمْ جُذَاذاً إِلَّا كَبِيراً لَّهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ – 58
قَالُوا مَن فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ – 59 قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ – 60 قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ – 61 قَالُوا أَأَنتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ – 62
يعلن إبراهيم لمن كان يواجههم من قومه بهذا الحوار . أنه قد اعتزم في شأن آلهتهم أمرا لا رجعة فيه :
وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُم بَعْدَ أَن تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ..
ويترك ما اعتزمه من الكيد للأصنام مبهما لا يفصح عنه . . ولا يذكر السياق كيف ردوا عليه . ولعلهم كانوا مطمئنين إلى أنه لن يستطيع لآلهتهم كيدا . فتركوه ! ولكنه كان صادق القول .. فها هو يذهب إلى معبدهم حيث الأصنام التي لا تضر ولا تنفع..
فَجَعَلَهُمْ جُذَاذاً إِلَّا كَبِيراً لَّهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ..
وتحولت الآلهة المعبودة إلى قطع صغيرة من الحجارة والأخشاب المهشمة . . إلا كبير الأصنام فقد تركه إبراهيم ( لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ ) فيسألونه كيف وقعت الواقعة وهو حاضر فلم يدفع عن صغار الآلهة ! ولعلهم حينئذ يراجعون القضية كلها , فيرجعون إلى صوابهم , ويدركون منه ما في عبادة هذه الأصنام من سخف وتهافت .
وعاد القوم ليروا آلهتهم جذاذا إلا ذلك الكبير ! ولكنهم لم يرجعوا إليه يسألونه ولا إلى أنفسهم يسألونها : إن كانت هذه آلهة فكيف وقع لها ما وقع دون أن تدفع عن أنفسها شيئا . وهذا كبيرها كيف لم يدفع عنها ?
لم يسألوا أنفسهم هذا السؤال , لأن الخرافة قد عطلت عقولهم عن التفكير , ولأن التقليد قد غل أفكارهم عن التأمل والتدبر .
فإذا هم يدعون هذا السؤال الطبيعي لينقموا على من حطم آلهتهم , وصنع بها هذا الصنيع : قَالُوا مَن فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ..
عندئذ تذكر الذين سمعوا إبراهيم ينكر على أبيه ومن معه عبادة هذه التماثيل , ويتوعدهم أن يكيد لآلهتهم بعد انصرافهم عنها !
قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ..
وهناك احتمال أن يكون قولهم: ( قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ ) يقصد به إلى تصغير شأنه بدليل تجهيلهم لأمره في قولهم : ( يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ ) للتقليل من أهميته , وإفادة أنه مجهول لا خطر له...
قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ..
وقد قصدوا إلى التشهير به , وإعلان فعلته على رؤوس الأشهاد !
بدء المحاكمة
قَالُوا أَأَنتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ.. ؟
فهم ما يزالون يصرون على أنها آلهة وهي جذاذ مهشمة . فأما إبراهيم فهو يتهكم بهم ويسخر منهم , وهو فرد وحده وهم كثير . ذلك أنه ينظر بعقله المفتوح وقلبه الواصل فلا يملك إلا أن يهزأ بهم ويسخر , وأن يجيبهم إجابة تناسب هذا المستوى العقلي الدون :
******** كانت مصادر تفسير هذا اللقاء ( في ظلال القرأن )
وإلى لقاء قادم إن شاء الله تعالى | |
| | | روايات انسان عضو متميز
عدد المساهمات : 3434 تاريخ التسجيل : 10/02/2013
| موضوع: رد: أنبياء الله في القرآن العظيم - سلسلة متجددة الإثنين يونيو 17, 2013 11:09 pm | |
| بسم الله الرحمن الرحيم
أنبياء الله في القرآن العظيم (إبراهيم عليه السلام) وبعض آيات من سورة الأنبياء (14)
بدء المحاكمة
قَالُوا أَأَنتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ.. ؟
فهم ما يزالون يصرون على أنها آلهة وهي جذاذ مهشمة . فأما إبراهيم فهو يتهكم بهم ويسخر منهم , وهو فرد وحده وهم كثير . ذلك أنه ينظر بعقله المفتوح وقلبه الواصل فلا يملك إلا أن يهزأ بهم ويسخر , وأن يجيبهم إجابة تناسب هذا المستوى العقلي الدون :
قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ - 63
والتهكم واضح في هذا الجواب الساخر . فلا داعي لتسمية هذه كذبة من إبراهيم - عليه السلام - والبحث عن تعليلها بشتى العلل التي اختلف عليها المفسرون .
فالأمر أيسر من هذا بكثير ! إنما أراد أن يقول لهم : إن هذه التماثيل لا تدري من حطمها إن كنت أنا أم هذا الصنم الكبير الذي لا يملك مثلها حراكا . فهي جماد لا إدراك له أصلا .
وأنتم كذلك مثلها مسلوبو الإدراك لا تميزون بين الجائز والمستحيل . فلا تعرفون إن كنت أنا الذي حطمتها أم إن هذا التمثال هو الذي حطمها !
فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ..!
ويبدو أن هذا التهكم الساخر قد هزهم هزا , وردهم إلى شيء من التدبر والتفكر:
فَرَجَعُوا إِلَى أَنفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنتُمُ الظَّالِمُونَ – 64
وكانت بادرة خير أن يستشعروا ما في موقفهم من سخف , وما في عبادتهم لهذه التماثيل من ظلم . وأن تتفتح بصيرتهم لأول مرة فيتدبروا ذلك السخف الذي يأخذون به أنفسهم , وذلك الظلم الذي هم فيه سادرون .
وصاح الغوغاء وسدنة الأصنام وضجت القاعة بالأصوات.
ولكنها لم تكن إلا ومضة واحدة أعقبها الظلام , وإلا خفقة واحدة عادت بعدها قلوبهم إلى الخمود:
ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُؤُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاء يَنطِقُونَ - 65
وحقا لقد كانت الأولى رجعة إلى النفوس , وكانت الثانية نكسة على الرؤوس ; كما يقول التعبير القرآني المصور العجيب . .
كانت الأولى حركة في النفس للنظر والتدبر . أما الثانية فكانت انقلابا على الرأس فلا عقل ولا تفكير . وإلا فإن قولهم هذا الأخير هو الحجة عليهم .
وأية حجة لإبراهيم أقوى من أن هؤلاء لا ينطقون ?!
ومن ثم يجبههم بعنف وضيق على غير عادته وهو الصبور الحليم . لأن السخف هنا يجاوز صبر الحليم :
قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنفَعُكُمْ شَيْئاً وَلَا يَضُرُّكُمْ – 66 أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ – 67
وهي قولة يظهر فيها ضيق الصدر , وغيظ النفس , والعجب من السخف الذي يتجاوز كل مألوف .
ونتوقف لنسمع النطق بالحكم في اللقاء القادم إن شاء الله تعالى..
******* مصدر التفسير في هذا اللقاء ( في ظلال القرأن )
دمتم في رعاية الله وأمنه. وإلى لقاء قادم إن شاء الله تعالى.
| |
| | | روايات انسان عضو متميز
عدد المساهمات : 3434 تاريخ التسجيل : 10/02/2013
| موضوع: رد: أنبياء الله في القرآن العظيم - سلسلة متجددة الإثنين يونيو 17, 2013 11:10 pm | |
| بسم الله الرحمن الرحيم
أنبياء الله في القرآن العظيم (إبراهيم عليه السلام) وبعض آيات من سورة الأنبياء (15)
النطق بالحكم
قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ (68)
أخذتهم العزة بالإثم كما تأخذ الطغاة دائما حين يفقدون الحجة ويعوزهم الدليل , فيلجأون إلى القوة الغاشمة والعذاب الغليظ :
قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ.
فيالها من آلهة ينصرها عبادها , وهي لا تملك لأنفسها نفعا ولا ضرا ; ولا تحاول لها ولا لعبادها نصرا !
*******
الإنتصار من الله تعالى لإبراهيم عليه السلام.
ولكن كلمة أخرى قد قيلت من خالق هذا الكون . . فأبطلت كل قول , وأحبطت كل كيد . ذلك أنها الكلمة العليا التي لا ترد :
قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ (69)
والمشهود المعروف أن النار تحرق الأجسام الحية .... فالذي قال للنار : كوني حارقة . هو الذي قال لها : كوني بردا وسلاما . وهي الكلمة الواحدة التي تنشيء مدلولها عند قولها كيفما كان هذا المدلول . مألوفا للبشر أو غير مألوف .
وما كان تحويل النار بردا وسلاما على إبراهيم إلا مثلا تقع نظائره في صور شتى . ولكنها قد لا تهز المشاعر كما يهزها هذا المثل الظاهر الجاهر . فكم من ضيقات وكربات تحيط بالأشخاص والجماعات من شأنها أن تكون القاصمة القاضية , وإن هي إلا لفتة صغيرة , فإذا هي تحيي ولا تميت , وتنعش ولا تخمد , وتعود بالخير على المؤمنين والدعاة في الدنيا والأخرة.
*******
وَأَرَادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ (70)
وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطاً إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ (71) وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلّاً جَعَلْنَا صَالِحِينَ (72) وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ (73)
وقد روي أن الملك المعاصر لإبراهيم كان يلقب "بالنمرود" وهو ملك الآراميين بالعراق . وأنه قد هلك هو والملأ من قومه بعذاب من عند الله .
تختلف الروايات في تفصيلاته , فالمهم أن الله قد أنجى إبراهيم من الكيد الذي أريد به , وباء الكائدون له بخسارة ما بعدها خسارة...
فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ.
هكذا على وجه الإطلاق دون تحديد !
وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطاً إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ..
وهي أرض الشام التي هاجر إليها هو وابن أخيه لوط . فكانت مهبط الوحي فترة طويلة , ومبعث الرسل من نسل إبراهيم . وفيها الأرض المقدسة . وثاني الحرمين . وفيها بركة الخصب والرزق , إلى جانب بركة الوحي والنبوة جيلا بعد جيل .
وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلّاً جَعَلْنَا صَالِحِينَ.
وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ.
لقد ترك إبراهيم - عليه السلام - وطنا وأهلا وقوما . فعوضه الله الأرض المباركة وطنا خيرا من وطنه . وعوضه ابنه إسحاق وحفيده يعقوب أهلا خيرا من أهله . وعوضه من ذرية ابنه إسماعيل أمة عظيمة العدد قوما خيرا من قومه . وجعل من نسله خير البرية ( رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم ) وأئمة يهدون الناس بأمر الله, إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها..
وأوحى إليهم أن يفعلوا الخيرات على اختلافها , وأن يقيموا الصلاة , ويؤتوا الزكاة . وكانوا طائعين لله عابدين . . فنعم العوض , ونعم الجزاء , ونعمت الخاتمة التي قسمها الله لإبراهيم . لقد ابتلاه بالضراء فصبر , فكانت الخاتمة الكريمة اللائقة بصبره الجميل...
انها حياة نابضة نشاهدها من خلال آيات القرآن العظيم لتكون لنا نورا على الطريق إلى الله تعالى.
مصادر التفسير لهذا اللقاء (في ظلال القرآن)
********
دمتم في رعاية الله وأمنه وإلى لقاء قادم إن شاء الله تعالى..
| |
| | | روايات انسان عضو متميز
عدد المساهمات : 3434 تاريخ التسجيل : 10/02/2013
| موضوع: رد: أنبياء الله في القرآن العظيم - سلسلة متجددة الإثنين يونيو 17, 2013 11:10 pm | |
| بسم الله الرحمن الرحيم
أنبياء الله في القرآن العظيم (إبراهيم عليه السلام) وبعض آيات من سورة الصافات (16)
قال إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ
نستكمل بعون الله تعالى تلكم المسيرة الطاهرة لنبي الله (إبراهيم عليه السلام) ..فبعد أن نجاه الله تعالى من النار, عزم على الهجرة إلى الله تعالى..
لقد انتهى أمره مع أبيه وقومه . لقد أرادوا به الهلاك في النار التي أسموها الجحيم , وأراد الله أن يكونوا هم الأسفلين ; ونجاه من كيدهم أجمعين . عندئذ استدبر إبراهيم مرحلة من حياته ليستقبل مرحلة ; وطوى صفحة لينشر صفحة:
وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ – 99 رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ – 100 فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ – 101
هكذا . . إني ذاهب إلى ربي . . إنها الهجرة . وهي هجرة نفسية قبل أن تكون هجرة مكانية . هجرة يترك وراءه فيها كل شيء من ماضي حياته . يترك أباه وقومه وأهله وبيته ووطنه وكل ما يربطه بهذه الأرض , وبهؤلاء الناس . ويدع وراءه كذلك كل عائق وكل شاغل . ويهاجر إلى ربه متخففاً من كل شيء , طارحاً وراءه كل شيء , مسلماً نفسه لربه لا يستبقي منها شيئاً . موقن أن ربه سيهديه , وسيرعى خطاه , وينقلها في الطريق المستقيم .
إنها الهجرة الكاملة من حال إلى حال , ومن وضع إلى وضع , ومن أواصر شتى إلى آصرة واحدة لا يزحمها في النفس شيء . إنه التعبير عن التجرد والخلوص والاستسلام والطمأنينة واليقين .
وكان إبراهيم عليه السلام حتى هذه اللحظة وحيداً لا عقب له ; وهو يترك وراءه أواصر الأهل والقربى , والصحبة والمعرفة . وكل مألوف له في ماضي حياته , وكل ما يشده إلى الأرض التي نشأ فيها , والتي انحسم ما بينه وبين أهلها الذين ألقوه في الجحيم.... فاتجه إلى ربه الذي أعلن أنه ذاهب إليه . اتجه إليه يسأله الذرية المؤمنة والخلف الصالح :
رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ.
واستجاب الله دعاء عبده الصالح المتجرد , الذي ترك وراءه كل شيء , وجاء إليه بقلب سليم . .
فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ.
هو إسماعيل عليه السلام - كما يرجح سياق السيرة والسورة - وسنرى آثار حلمه الذي وصفه ربه به وهو غلام . ولنا أن نتصور فرحة إبراهيم الوحيد المفرد المهاجر المقطوع من أهله وقرابته . لنا أن نتصور فرحته بهذا الغلام , الذي يصفه ربه بأنه حليم .
والآن آن أن نطلع على الموقف العظيم الكريم الفريد في حياة إبراهيم . بل في حياة البشر أجمعين . وآن أن نقف من سياق القصة في القرآن العظيم أمام المثل الموحي الذي يعرضه الله للأمة المسلمة من حياة أبيها إبراهيم عليه السلام . .
فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ – 102
******
فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ.
يالله ! ويالروعة الإيمان والطاعة والتسليم . . هذا إبراهيم الشيخ عليه السلام . المقطوع من الأهل والقرابة . المهاجر من الأرض والوطن . ها هو ذا يرزق في كبرته وهرمه بغلام . طالما تطلع إليه . فلما جاءه جاء غلاماً ممتازاً يشهد له ربه بأنه حليم . وها هو ذا ما يكاد يأنس به , وصباه يتفتح , ويبلغ معه السعي , ويرافقه في الحياة . . ها هو ذا ما يكاد يأنس ويستروح بهذا الغلام الوحيد , حتى يرى في منامه أنه يذبحه . ويدرك أنها إشارة من ربه بالتضحية .
فماذا ? إنه لا يتردد , ولا يخالجه إلا شعور الطاعة , ولا يخطر له إلا خاطر التسليم . . نعم إنها إشارة . مجرد إشارة . وليست وحياً صريحاً , ولا أمراً مباشراً . ولكنها إشارة من ربه . . وهذا يكفي . . هذا يكفي ليلبي ويستجيب . ودون أن يعترض . ودون أن يسأل ربه . . لماذا يا ربي أذبح ابني الوحيد ?!
ولكنه لا يلبي في انزعاج , ولا يستسلم في جزع , ولا يطيع في اضطراب . . كلا إنما هو القبول والرضى والطمأنينة والهدوء . يبدو ذلك في كلماته لابنه وهو يعرض عليه الأمر الهائل في هدوء وفي اطمئنان عجيب:
قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى.
فهي كلمات المالك لأعصابه , المطمئن للأمر الذي يواجهه , والواثق بأنه يؤدي واجبه . وهي في الوقت ذاته كلمات المؤمن , الذي لا يهوله الأمر فيؤديه , في اندفاع وعجلة ليخلص منه وينتهي , ويستريح من ثقله على أعصابه !
والأمر شاق - ما في ذلك شك - فهو لا يطلب إليه أن يرسل بابنه الوحيد إلى معركة . ولا يطلب إليه أن يكلفه أمراً تنتهي به حياته . . إنما يطلب إليه أن يتولى هو بيده . يتولى ماذا ? يتولى ذبحه . . وهو - مع هذا - يتلقى الأمر هذا التلقي , ويعرض على ابنه هذا العرض ; ويطلب إليه أن يتروى في أمره , وأن يرى فيه رأيه !
إنه لا يأخذ ابنه على غرة لينفذ إشارة ربه . وينتهي . إنما يعرض الأمر عليه كالذي يعرض المألوف من الأمر . فالأمر في حسه هكذا .
ربه يريد . فليكن ما يريد . على العين والرأس . وابنه ينبغي أن يعرف . وأن يأخذ الأمر طاعة وإسلاماً , لا قهراً واضطراراً . لينال هو الآخر أجر الطاعة , وليسلم هو الآخر ويتذوق حلاوة التسليم !
إنه يحب لابنه أن يتذوق لذة التطوع التي ذاقها ; وأن ينال الخير الذي يراه هو أبقى من الحياة وأقنى . .
فماذا يكون من أمر الغلام , الذي يعرض عليه الذبح , تصديقاً لرؤيا رآها أبوه ? إنه يرتقي إلى الأفق الذي ارتقى إليه من قبل أبوه:
قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ. . إنه يتلقى الأمر لا في طاعة واستسلام فحسب . ولكن في رضى كذلك وفي يقين . .
( يَا أَبَتِ ) . . في مودة وقربى . فشبح الذبح لا يزعجه ولا يفزعه ولا يفقده رشده . بل لا يفقده أدبه ومودته . ( افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ) . . فهو يحس ما أحسه من قبل قلب أبيه . يحس أن الرؤيا إشارة . وأن الإشارة أمر . وأنها تكفي لكي يلبي وينفذ بغير لجلجة ولا تمحل ولا ارتياب .
ثم هو الأدب مع الله , ومعرفة حدود قدرته وطاقته في الاحتمال ; والاستعانة بربه على ضعفه ونسبة الفضل إليه في إعانته على التضحية , ومساعدته على الطاعة :
سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ.
ولم يأخذها بطولة . ولم يأخذها شجاعة . ولم يأخذها اندفاعاً إلى الخطر دون مبالاة . ولم يظهر لشخصه ظلاً ولا حجماً ولا وزناً . . إنما أرجع الفضل كله لله تعالى إن هو أعانه على ما يطلب إليه , وأصبره على ما يراد به :
ونستكمل هذه المشاهد الحية بعون الله تعالى في اللقاء القادم.
كانت مصادر التفسير في هذا اللقاء: ( في ظلال القرآن )
*******
| |
| | | روايات انسان عضو متميز
عدد المساهمات : 3434 تاريخ التسجيل : 10/02/2013
| موضوع: رد: أنبياء الله في القرآن العظيم - سلسلة متجددة الإثنين يونيو 17, 2013 11:10 pm | |
| بسم الله الرحمن الرحيم
أنبياء الله في القرآن العظيم (إبراهيم عليه السلام) وبعض آيات من سورة الصافات (17)
سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ.
يا للأدب مع الله ! ويالروعة الإيمان . ويالنبل الطاعة . ويالعظمة التسليم ! ويخطو المشهد خطوة أخرى وراء الحوار والكلام . . يخطو إلى التنفيذ :
فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ – 103
ومرة أخرى يرتفع نبل الطاعة . وعظمة الإيمان . وطمأنينة الرضى وراء كل ما تعارف عليه بنو الإنسان . . إن الرجل يمضي فيكب ابنه على جبينه استعداداً . وإن الغلام يستسلم فلا يتحرك امتناعاً .
وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ – 104
قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ – 105
إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاء الْمُبِينُ – 106
وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ – 107
وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ – 108
سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ – 109
كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ - 110 إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ – 111
وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيّاً مِّنَ الصَّالِحِينَ – 112
قد صدقت الرؤيا وحققتها فعلاً . فالله لا يريد إلا الإسلام والاستسلام بحيث لا يبقى في النفس ما تكنه عن الله أو تعزه عن أمره أو تحتفظ به دونه , ولو كان هو الابن فلذة الكبد . ولو كانت هي النفس والحياة .
وأنت - يا إبراهيم - قد فعلت . جدت بكل شيء . وبأعز شيء . وجدت به في رضى وفي هدوء وفي طمأنينة وفي يقين . فلم يبق إلا اللحم والدم . وهذا ينوب عنه ذبح . أي ذبح من دم ولحم !
ويفدي الله هذه النفس التي أسلمت وأدت . يفديها بذبح عظيم . قيل : إنه كبش وجده إبراهيم مهيأ بفعل ربه وإرادته ليذبحه بدلاً من إسماعيل !
وقيل له : ( كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ). . نجزيهم باختيارهم لمثل هذا البلاء . ونجزيهم بتوجيه قلوبهم ورفعها إلى مستوى الوفاء . ونجزيهم بإقدارهم وإصبارهم على الأداء . ونجزيهم كذلك باستحقاق الجزاء !
ومضت بذلك سنة النحر في الأضحى , ذكرى لهذا الحادث العظيم الذي يرتفع منارة لحقيقة الإيمان . وجمال الطاعة . وعظمة التسليم . والذي ترجع إليه الأمة المسلمة لتعرف فيه حقيقة أبيها إبراهيم عليه السلام , الذي تتبع ملته , والذي ترث نسبه وعقيدته .
ولتدرك الأمة طبيعة العقيدة التي تقوم بها أو تقوم عليها ولتعرف أنها الاستسلام لقدر الله في طاعة راضية واثقة ملبية لا تسأل ربها لماذا ? ولا تتلجلج في تحقيق إرادته عند أول إشارة منه وأول توجيه . ولا تستبقي لنفسها في نفسها شيئا , ولا تختار فيما تقدمه لربها هيئة ولا طريقة لتقديمه إلا كما يطلب هو إليها أن تقدم !
ثم لتعرف أن ربها لا يريد أن يعذبها بالابتلاء , ولا أن يؤذيها بالبلاء , إنما يريد أن تأتيه طائعة ملبية وافية مؤدية . مستسلمة لا تقدم بين يديه , ولا تتألى عليه , فإذا عرف منها الصدق في هذا أعفاها من التضحيات والآلام . واحتسبها لها وفاء وأداء . وقبل منها وفدّاها . وأكرمها كما أكرم أباها . .
وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ.
فهو مذكور على توالي الأجيال والقرون . وهو أمة . وهو أبو الأنبياء . وهو أبو هذه الأمة المسلمة . وهي وارثة ملته . وقد كتب الله لها وعليها قيادة البشرية على ملة إبراهيم . فجعلها الله له عقباً ونسباً إلى يوم الدين .
سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ.
سلام عليه من ربه . سلام يسجل في كتابه الباقي . ويرقم في طوايا الوجود الكبير .
كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ.
كذلك نجزيهم بالبلاء . . والوفاء . والذكر . والسلام . والتكريم .
إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ.
وهذا جزاء الإيمان . وتلك حقيقته فيما كشف عنه البلاء المبين .
وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيّاً مِّنَ الصَّالِحِينَ.
ثم يتجلى عليه ربه بفضله مرة أخرى ونعمته فيهب له إسحاق في شيخوخته . ويباركه ويبارك إسحاق . ويجعل إسحاق نبياً من الصالحين :
وتتلاحق من بعدهما ذريتهما . ولكن وراثة هذه الذرية لهما ليست وراثة الدم والنسب إنما هي وراثة الملة والمنهج : فمن اتبع فهو محسن . ومن انحرف فهو ظالم لا ينفعه نسب قريب أو بعيد...
كانت مصادر التفسير في هذا اللقاء: ( في ظلال القرآن )
******* | |
| | | روايات انسان عضو متميز
عدد المساهمات : 3434 تاريخ التسجيل : 10/02/2013
| موضوع: رد: أنبياء الله في القرآن العظيم - سلسلة متجددة الإثنين يونيو 17, 2013 11:11 pm | |
| بسم الله الرحمن الرحيم
أنبياء الله في القرآن العظيم (موسى عليه السلام) وبعض آيات من سورة القصص (1)
قصة موسى عليه السلام
إن هناك قوة واحدة في هذا الوجود ,هي قوة الله ; وأن هناك قيمة واحدة في هذا الكون , هي قيمة الإيمان . فمن كانت قوة الله معه فلا خوف عليه , ولو كان مجردا من كل مظاهر القوة , ومن كانت قوة الله عليه فلا أمن له ولا طمأنينة ولو ساندته جميع القوى, ومن كانت له قيمة الإيمان فله الخير كله , ومن فقد هذه القيمة فليس بنافعه شيء أصلا .
وهذه المقدمة ضرورية لنفهم القصة ونعيش معها مطمئنين في سير أحداثها العظيمة بدءا بقتل الذكور من المواليد وإنتهاءا بفلق البحر ونجاة نبي الله موسى ومن معه وهلاك فرعون وجنوده..
*******
تبدأ قصة موسى عليه السلام منذ ولادته ...
فجنود فرعون في كل مكان بمصر يبحثون عن أي طفل يولد لبني إسرائيل فيقتلوه حذرا من أنه سوف يولد في هذا العام مولود يضيع على يديه ملك فرعون .
لقد علا فرعون في الأرض , واتخذ أهلها شيعا , واستضعف بني إسرائيل , يذبح أبناءهم , ويستحيي نساءهم , وهو على حذر منهم , وهو قابض على أعناقهم .
ولكن قوة فرعون وجبروته , وحذره ويقظته , لا تغني عنه شيئا ; بل لا تمكن له من موسى الطفل الصغير , المجرد من كل قوة وحيلة ,
فموسى في حراسة القوة الحقيقية الوحيدة ترعاه عين العناية , وتدفع عنه السوء , وتعمي عنه العيون , وتتحدى به فرعون وجنده تحديا ظاهرا , فتدفع به إلى حجره , وتدخل به عليه عرينه , بل تقتحم به عليه قلب امرأته وهو مكتوف اليدين إزاءه , مكفوف الأذى عنه , يصنع بنفسه لنفسه ما يحذره ويخشاه !
لقد بغى فرعون على بني إسرائيل واستطال بجبروت الحكم والسلطان.. تدخلت يد القدرة فوضعت حدا للبغي والفساد , حينما عجز الناس عن الوقوف للبغي والفساد .
ونعيش مع المشاهد الحية لقصة من أعظم القصص على وجه الأرض وهي نموذج حي لكفاح الأنبياء في موجهة الكفر والشرك ختمها سيد الرسل سيدنا محمد صلوات ربي وسلامه عليه..
********
إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (4)
الجو العام قبل ولادة موسى عليه السلام
إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا , يستضعف طائفة منهم , يذبح أبناءهم , ويستحيي نساءهم , إنه كان من المفسدين . ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة , ونجعلهم الوارثين . ونمكن لهم في الأرض , ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون . .
ولا يعرف على وجه التحديد من هو الفرعون الذي تجري حوادث القصة في عهده , فالتحديد التاريخي ليس هدفا من أهداف القصة القرآنية ; ولا يزيد في دلالتها شيئا . ويكفي أن نعلم أن هذا كان بعد زمان يوسف - عليه السلام - الذي استقدم أباه وإخوته . وأبوه يعقوب وهو " إسرائيل " وهؤلاء كانوا ذريته . وقد تكاثروا في مصر وأصبحوا شعبا كبيرا .
فلما كان ذلك الفرعون الطاغية ( علا في الأرض ) وتكبر وتجبر , وجعل أهل مصر شيعا , كل طائفة في شأن من شئونه . ووقع أشد الاضطهاد والبغي على بني إسرائيل , لأن لهم عقيدة غير عقيدته هو وقومه ; فهم يدينون بدين جدهم إبراهيم وأبيهم يعقوب ; ومهما يكن قد وقع في عقيدتهم من فساد وانحراف , فقد بقي لها أصل الاعتقاد بإله واحد ; وإنكار ألوهية فرعون والوثنية الفرعونية جميعا .
وكذلك أحس الطاغية أن هناك خطرا على عرشه وملكه من وجود هذه الطائفة في مصر ; ولم يكن يستطيع أن يطردهم منها وهم جماعة كبيرة أصبحت تعد مئات الألوف , فقد يصبحون إلبا عليه مع جيرانه الذين كانت تقوم بينهم وبين الفراعنة الحروب , فابتكر عندئذ طريقة جهنمية خبيثة للقضاء على الخطر الذي يتوقعه من هذه الطائفة التي لا تعبده ولا تعتقد بألوهيته ,
تلك هي تسخيرهم في الشاق الخطر من الأعمال , واستذلالهم وتعذيبهم بشتى أنواع العذاب . وبعد ذلك كله تذبيح الذكور من أطفالهم عند ولادتهم , واستبقاء الإناث كي لا يتكاثر عدد الرجال فيهم . وبذلك يضعف قوتهم بنقص عدد الذكور وزيادة عدد الإناث , فوق ما يصبه عليهم من نكال وعذاب .
وروي أنه وكل بالحوامل من نسائهم قوابل مولدات يخبرنه بمواليد بني إسرائيل , ليبادر بذبح الذكور , فور ولادتهم حسب خطته الجهنمية الخبيثة , التي لا تستشعر رحمة بأطفال أبرياء لا ذنب لهم ولا خطيئة .
هذه هي الظروف التي تجري فيها قصة موسى - عليه السلام - عند ولادته , كما وردت في سورة القصص :
*******
وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5)
وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ (6)
فهؤلا ء المستضعفون الذين يتصرف الطاغية في شأنهم كما يريد له هواه البشع النكير , فيذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم , ويسومهم سوء العذاب والنكال . وهو مع ذلك يحذرهم ويخافهم على نفسه وملكه ; فيبث عليهم العيون والأرصاد , ويتعقب نسلهم من الذكور فيذبحهم..
هؤلاء المستضعفون يريد الله أن يمن عليهم بهباته من غير تحديد ; وأن يجعلهم أئمة وقادة لا عبيدا ولا تابعين ; وأن يورثهم الأرض المباركة التي أعطاهم إياها عندما استحقوها بعد ذلك بالإيمان والصلاح..
وأن يمكن لهم فيها فيجعلهم أقوياء راسخي الأقدام مطمئنين . وأن يحقق ما يحذره فرعون وهامان وجنودهما , وما يتخذون الحيطة دونه , وهم لا يشعرون !
*******
هكذا يعلن السياق قبل أن يأخذ في عرض القصة ذاتها . يعلن واقع الحال , وما هو مقدر في المآل . ويرسم بهذا الإعلان حقيقة الأمر للقصة قبل أن تبدأ في العرض.
والقلوب معلقة بأحداثها ومجرياتها , وما ستنتهي إليه , وكيف تصل إلى تلك النهاية التي أعلنها قبل البدء في عرضها .
ومن ثم تنبض القصة بالحياة ; وكأنها تعرض لأول مرة ..
ودل ذلك العرض أنه حين يتمحض الشر ويسفر الفساد ويقف الخير عاجزا والصلاح حسيرا ; ويخشى من الفتنة بالبأس والفتنة بالمال . عندئذ تتدخل يد القدرة واضحة متحدية , بلا ستار من الخلق , ولا سبب من قوى الأرض , لتضع حد للشر والفساد .
وقد قال المشركون لرسول الله صلى الله عليه وسلم : إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا - 57 القصص . فاعتذروا عن عدم اتباعهم الهدى بخوفهم من تخطف الناس لهم , لو تحولوا عن عقائدهم القديمة التي من أجلها يخضع الناس لهم , ويعظمون البيت الحرام ويدينون للقائمين عليه .
فساق الله إليهم في هذه السورة قصة موسى وفرعون , تبين لهم أين يكون الأمن وأين تكون المخافة ; وتعلمهم أن الأمن إنما يكون في جوار الله , ولو فقدت كل أسباب الأمن الظاهرة التي تعارف عليها الناس ; وأن الخوف إنما يكون في البعد عن ذلك الجوار ولو تظاهرت أسباب الأمن الظاهرة التي تعارف عليها الناس ..
وبذلك ندرك أهداف القصة في تربية العقيدة وجعل القلب معلق بقوة الله تعالى الذي له ما في السماوات والأرض فالكل مكشوف لديه لا يخفى عليه شئ في الأرض ولا في السماء..
****** وإن شاء الله تعالى نعيش مع المشاهد الحية للقصة في اللقاء القادم..
دمتم في رعاية الله وأمنه | |
| | | روايات انسان عضو متميز
عدد المساهمات : 3434 تاريخ التسجيل : 10/02/2013
| موضوع: رد: أنبياء الله في القرآن العظيم - سلسلة متجددة الإثنين يونيو 17, 2013 11:11 pm | |
| بسم الله الرحمن الرحيم أنبياء الله في القرآن العظيم (موسى عليه السلام) وبعض آيات من سورة القصص (2) وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ..تبدأ القصة في سورة القصص منذ ميلاد موسى عليه السلام, ذلك أن الحلقة الأولى من قصة موسى , والظروف القاسية التي ولد فيها ; وتجرده في طفولته من كل قوة ومن كل حيلة ; وضعف قومه واستذلالهم في يد فرعون . . ذلك كله هو الذي يؤدي إلى الهدف الرئيسي من القصة ; ويبرز يد القدرة ظاهرة متحدية تعمل وحدها بدون ستار من البشر ; وتضرب الظلم والطغيان والبغي ضربة مباشرة عندما يعجز عن ضربها البشر ; وتنصر المستضعفين الذين لا حول لهم ولا قوة ; وتمكن للمعذبين الذين لا حيلة لهم ولا وقاية . وهو المعنى الذي كانت القلة المسلمة المستضعفة في مكة في حاجة إلى تقريره وتثبيته ; وكانت الكثرة المشركة الباغية الطاغية في حاجة إلى معرفته واستيقانه . إن الشر حين يتمحض يحمل سبب هلاكه في ذاته ; والبغي حين يتمرد لا يحتاج إلى من يدفعه من البشر ; بل تتدخل يد القدرة وتأخذ بيد المستضعفين المعتدى عليهم , فتنقذهم وتستنقذ عناصر الخير فيهم , وتربيهم , وتجعلهم أئمة , وتجعلهم الوارثين . حفظ الله لموسى الرضيع وإعادته إلى أمه .تبدأ القصة . ويبدأ التحدي وتنكشف يد القدرة تعمل واضحة بلا ستار: لقد ولد موسى في ظل تلك الأوضاع القاسية التي رسمها قبل البدء في القصة ; ولد والخطر محدق به , والموت يتلفت عليه , والشفرة مشرعة على عنقه , تهم أن تحتز رأسه . . وها هي ذي أمه حائرة به , خائفة عليه , تخشى أن يصل نبؤه إلى الجلادين , وترجف أن تتناول عنقه السكين ها هي ذي بطفلها الصغير في قلب المخافة , عاجزة عن حمايته , عاجزة عن إخفائه , عاجزة عن حجز صوته الفطري أن ينم عليه ; عاجزة عن تلقينه حيلة أو وسيلة . . ها هي ذي وحدها ضعيفة عاجزة مسكينة . هنا تتدخل يد القدرة , فتتصل بالأم الوجلة القلقة المذعورة , وتلقي في روعها كيف تعمل , وتوحي إليها بالتصرف : وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (7) فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ ( وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (9) يا لله ! يا للقدرة ! يا أم موسى أرضعيه . فإذا خفت عليه وهو في حضنك . وهو في رعايتك . إذا خفت عليه وفي فمه ثديك , وهو تحت عينيك . إذا خفت عليه ( فألقيه في اليم )!! ( ولا تخافي ولا تحزني ) إنه هنا . أو في اليم . . في رعاية التي لا خوف معها . اليد التي لا تقرب المخاوف من حماها . اليد التي تجعل النار بردا وسلاما , وتجعل البحر ملجأ ومناما . اليد التي لا يجرؤ فرعون الطاغية الجبار ولا جبابرة الأرض جميعا أن يدنوا من حماها الآمن العزيز الجناب . ( إنا رادوه إليك ). فلا خوف على حياته ولا حزن على بعده .( وجاعلوه من المرسلين ). . وتلك بشارة الغد , ووعد الله أصدق القائلين . هذا هو المشهد الأول في القصة . مشهد الأم الحائرة الخائفة القلقة الملهوفة تتلقى الإيحاء المطمئن المبشر المثبت المريح . وينزل هذا الإيحاء على القلب المؤمن الواجف المحرور بردا وسلاما . وينتقل المشهد مع موسى وهو في التابوت وقد أمر اليم أن ينقله إلى الساحل حيث قصر فرعون. قال تعالى في سورة طه : أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ . فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ.وتمر الخواطر في رأس الإنسان العادي .. أهذا هو الأمن ? أهذا هو الوعد ? أهذه هي البشارة ? وهل كانت المسكينة تخشى عليه إلا من آل فرعون ? وهل كانت ترجف إلا أن ينكشف أمره لآل فرعون ? وهل كانت تخاف إلا أن يقع في أيدي آل فرعون ? نعم ! ولكنها القدرة تتحدى بطريقة واضحة جلية . تتحدى فرعون وهامان وجنودهما . إنهم ليتتبعون الذكور من مواليد قوم موسى خوفا على ملكهم وعرشهم وذواتهم . ويبثون العيون والأرصاد على قوم موسى كي لا يفلت منهم طفل ذكر . . فها هي ذي يد القدرة تلقي في أيديهم بلا بحث ولا كد بطفل ذكر . وأي طفل ? إنه الطفل الذي على يديه هلاكهم أجمعين ! ها هي ذي يد القدرة تلقيه في أيديهم مجردا من كل قوة ومن كل حيلة , عاجزا عن أن يدفع عن نفسه أو حتى يستنجد ! ها هي ذي يد القدرة تقتحم به على فرعون حصنه وهو الطاغية السفاح المتجبر , ولا تتعبه في البحث عنه في بيوت بني إسرائيل , وفي أحضان نسائهم الوالدات ! لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً.ليكون لهم عدوا يتحداهم وحزنا يدخل الهم على قلوبهم : إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ.ولكن كيف ? كيف وها هو ذا بين أيديهم , مجردا من كل قوة , مجردا من كل حيلة ? لندع السياق يجيب : وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ.لقد اقتحمت به يد القدرة على فرعون قلب امرأته , بعد ما اقتحمت به عليه حصنه . لقد حمته بالمحبة . ذلك الستار الرقيق الشفيف . لا بالسلاح ولا بالجاه ولا بالمال . حمته بالحب الحاني في قلب امرأة . قال تعالى في سورة طه : وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي - 39 وتحدت يد القدرة به قسوة فرعون وغلظته وحرصه وحذره . . وهان فرعون على الله أن يحمي منه الطفل الضعيف بغير هذا الستار الشفيف ! قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ..وهو الذي تدفع به يد القدرة إليهم ليكون لهم عدوا وحزنا - فيما عدا المرأة وأي مؤمن أخر. لَا تَقْتُلُوهُ ..*********** كانت مصادر تفسير هذا اللقاء ( في ظلال القرآن )
| |
| | | روايات انسان عضو متميز
عدد المساهمات : 3434 تاريخ التسجيل : 10/02/2013
| موضوع: رد: أنبياء الله في القرآن العظيم - سلسلة متجددة الإثنين يونيو 17, 2013 11:11 pm | |
| بسم الله الرحمن الرحيم
أنبياء الله في القرآن العظيم (موسى عليه السلام) وبعض آيات من سورة القصص (3)
قلب أم موسى بين الفراغ والرباط
وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغاً إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَن رَّبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (10) وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (11) وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِن قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ (12)
لقد سمعت الإيحاء , وألقت بطفلها إلى الماء . ولكن أين هو يا ترى وماذا فعلت به الأمواج ? ولعلها سألت نفسها:كيف ? كيف أمنت على فلذة كبدي أن أقذف بها في اليم ? كيف فعلت ما لم تفعله من قبل أم ? كيف طلبت له السلامة في هذه المخافة ? وكيف استسلمت لذلك الهاتف الغريب ?
والتعبير القرآني يصور لنا فؤاد الأم المسكينة صورة حية :
وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغاً إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَن رَّبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ..
وأصبح فؤاد أم موسى خاليًا من كل شيء في الدنيا إلا من همِّ موسى وذكره, وقاربت أن تُظهِر أنه ابنها لولا أن ثبتناها, فصبرت ولم تُبْدِ به ; لتكون من المؤمنين بوعد الله الموقنين به المؤمنين بوعد الله , الصابرين على ابتلائه , السائرين على هداه .
ولم تسكت أم موسى عن البحث والمحاولة ..
وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ..
اتبعي أثره , واعرفي خبره , إن كان حيا , أو أكلته دواب البحر أو وحوش البر . . أو أين مقره ومرساه ?
وذهبت أخته تقص أثره في حذر وخفية , وتتلمس خبره في الطرق والأسواق . فإذا بها تعرف أين ساقته القدرة التي ترعاه ; وتبصر به عن بعد في أيدي خدم فرعون يبحثون له عن مرضع :
وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِن قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ.
إن القدرة التي ترعاه تدبر أمره , وتكيد به لفرعون وآله ; فتجعلهم يلتقطونه , وتجعلهم يحبونه , وتجعلهم يبحثون له عن مرضع , وتحرم عليه المراضع , لتدعهم يحتارون به ; وهو يرفض الثدي كلما عرضت عليه , وتمر الساعات دون رضاع ... ولكنها بركة الله في أخر رضعة, إذ كانت بأمر من الله مباشرة : ( وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ. ) فكيف تمر ساعات ولا يشعر الطفل بالجوع أو العطش ولا يبكي ولا ينفر أحدا ممن ينظرون إليه ولا يرفعون نظرهم عنه..حبا ( وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي. ) وتمر الساعات وهم يخشون عليه الموت أو الذبول ! حتى تبصر به أخته من بعيد , فتعرفه وتتيح لها القدرة فرصة لهفتهم على مرضع , فتقول لهم :
هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ.؟
فيتلقفون كلماتها , وهم يستبشرون , يودون لو تصدق فينجو الطفل العزيز المحبوب !
*******
مشهد أم موسى وقد عاد إليها وليدها
فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (13)
لقد عاد الطفل الغائب لأمه الملهوفة . معافى في بدنه , مرموقا في مكانته , يحميه فرعون , وترعاه امرأته .
﴿ فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ ﴾ كما وعدناها بذلك ﴿ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ ﴾ بحيث إنه تربى عندها على وجه تكون فيه آمنة مطمئنة، تفرح به، وتأخذ الأجرة الكثيرة على ذلك.. ﴿ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ﴾ فأريناها بعض ما وعدناها به عيانا، ليطمئن بذلك قلبها، ويزداد إيمانها، ولتعلم أنه سيحصل وعد اللّه في حفظه ورسالته..
﴿ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾
فاستمر موسى عليه الصلاة والسلام عند آل فرعون، يتربى في سلطانهم، ويركب مراكبهم، ويلبس ملابسهم، وأمه بذلك مطمئنة، قد استقر أنها أمه من الرضاع، ولم يستنكر ملازمته إياها وحنوها عليها. وتأمل هذا اللطف من الله تعالى، وصيانة نبيه موسى . حيث عاد إلى حضن أمه ، الذي بان للناس أنه هو الرضاع، الذي بسببه يسميها أُمَّا، فكان الكلام الكثير منه ومن غيره في ذلك كله، صدقا وحقا.
فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (13)
كانت مصادر تفسير هذا اللقاء : (في ظلال القرآن) (التفسير الميسر) (تفسير السعدي)
*********** | |
| | | روايات انسان عضو متميز
عدد المساهمات : 3434 تاريخ التسجيل : 10/02/2013
| موضوع: رد: أنبياء الله في القرآن العظيم - سلسلة متجددة الإثنين يونيو 17, 2013 11:12 pm | |
| بسم الله الرحمن الرحيم
أنبياء الله في القرآن العظيم (موسى عليه السلام) وبعض آيات من سورة القصص (4)
وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (14)
********
مرحلة الشباب
وبلوغ الأشد اكتمال القوى الجسمية . والاستواء اكتمال النضوج العضوي والعقلي . وهو يكون عادة حوالي سن الثلاثين . فهل ظل موسى في قصر فرعون , ربيبا ومتبنى لفرعون وزوجه حتى بلغ هذه السن ? أم إنه افترق عنهما , واعتزل القصر ,
وترد آيات سورة الشعراء على هذا التسائل :
قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ -18 وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ – 19
قال فرعون لموسى ممتنًا عليه : ألم نُرَبِّك في منازلنا صغيرًا , ومكثت في رعايتنا سنين من عُمُرك وارتكبت جنايةً بقتلك رجلًا من قومي حين ضربته ودفعته , وأنت من الجاحدين نعمتي المنكرين ربوبيتي ؟
********
وَدَخَلَ ٱلْمَدِينَةَ عَلَىٰ حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلاَنِ هَـٰذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَـٰذَا مِنْ عَدُوِّهِ, فَٱسْتَغَاثَهُ ٱلَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى ٱلَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ ,فَوَكَزَهُ مُوسَىٰ فَقَضَىٰ عَلَيْهِ, قَالَ هَـٰذَا مِنْ عَمَلِ ٱلشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ - 15
قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ - 16 قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِّلْمُجْرِمِينَ -17
******** جاء في تفسير الجلالين
﴿ودخل﴾ موسى ﴿ المدينة ﴾ مدينة فرعون وهي منف بعد أن غاب عنه مدة ﴿ على حين غفلة من أهلها ﴾ وقت القيلولة ﴿ فوجد فيها رجلين يقتتلان هذا من شيعته ﴾ أي من بني إسرائيل ﴿ وهذا من عدوه ﴾ أي قبطي يسخره ليحمل حطبا إلى مطبخ فرعون. ﴿ فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه ﴾ فقال له موسى خل سبيله.. فقيل إنه قال لموسى لقد هممت أن أحمله عليك.. ﴿ فوكزه موسى ﴾ أي ضربه بجمع كفه وكان شديد القوة والبطش ﴿ فقضى عليه ﴾ أي قتله ولم يكن يقصد قتله ودفنه في الرمل.. ﴿ قال هذا ﴾ أي القتل ﴿ من عمل الشيطان ﴾ المهيج غضبي ﴿ إنه عدو ﴾ لابن آدم ﴿ مضل ﴾ له ﴿ مبين ﴾ بين الإضلال..
********
ثم استطرد موسى عليه السلام في فزع مما دفعه إليه الغضب , يعترف بظلمه لنفسه أن حملها هذا الوزر , ويتوجه إلى ربه , طالبا مغفرته وعفوه:
( قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ ). .
واستجاب الله إلى ضراعته , وحساسيته , واستغفاره:
( فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ). .
وكأنما أحس موسى بقلبه المرهف وحسه المتوفز في حرارة توجهه إلى ربه , أن ربه غفر له . والقلب المؤمن يحس بالاتصال والاستجابة للدعاء , فور الدعاء , حين يصل إرهافه وحساسيته إلى ذلك المستوى ; وحين تصل حرارة توجهه إلى هذا الحد . . وارتعش وجدان موسى - عليه السلام - وهو يستشعر الاستجابة من ربه , فإذا هو يقطع على نفسه عهدا , يعده من الوفاء بشكر النعمة التي أنعمها عليه ربه :
( قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِّلْمُجْرِمِينَ ). .
فهو عهد مطلق ألا يقف في صف المجرمين ظهيرا ومعينا . وهو براءة من الجريمة وأهلها في كل صورة من صورها . حتى ولو كانت اندفاعا تحت تأثير الغيظ , ومرارة الظلم والبغي . ذلك بحق نعمة الله عليه في قبول دعائه ; ثم نعمته في القوة والحكمة والعلم التي آتاه الله من قبل . وهذه الإرتعاشة العنيفة , وقبلها الإندفاع العنيف , تصور لنا شخصية موسى - عليه السلام - شخصية انفعالية , حارة الوجدان , قوية الاندفاع . وسنلتقي بهذه السمة البارزة في هذه الشخصية في مواضع أخرى كثيرة .
*******
اليوم التالي
فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفاً يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قَالَ لَهُ مُوسَى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُّبِينٌ – 18
ومر يوم وأصبح في المدينة خائفا من انكشاف أمره , يترقب الافتضاح والأذى . ولفظ ( يترقب ) يصور هيئة القلق الذي يتلفت ويتوجس , ويتوقع الشر في كل لحظة . . وهي سمة الشخصية الانفعالية تبدو في هذا الموقف كذلك . والتعبير يجسم هيئة الخوف والقلق بهذا اللفظ , كما أنه يضخمها بكلمتي ( في المدينة ) فالمدينة عادة موطن الأمن والطمأنينة , فإذا كان خائفا يترقب في المدينة , فأعظم الخوف ما كان في مأمن ومستقر !
وحالة موسى هذه تلهم أنه لم يكن في هذا الوقت من رجال القصر . وإلا فما أرخص أن يزهق أحد رجال القصر نفسا في عهود الظلم والطغيان ! وما كان ليخشى شيئا فضلا على أن يصبح ( خائفا يترقب ) لو أنه كان ما يزال في مكانه من قلب فرعون وقصره .
وبينما هو في هذا القلق والتوجس إذا هو يطلع : ( فإذا الذي استنصره بالأمس يستصرخه ) !
إنه صاحبه من بني إسرائيل الذي طلب بالأمس نصرته على القبطي . إنه هو مشتبكا مع قبطي آخر ; وهو يستصرخ موسى لينصره ; ولعله يريد منه أن يقضي على عدوهما المشترك بوكزة أخرى !
ولكن صورة قتيل الأمس كانت ما تزال تخايل لموسى . وإلى جوارها ندمه واستغفاره وعهده مع ربه . ثم هذا التوجس الذي يتوقع معه في كل لحظة أن يلحقه الأذى . فإذا هو ينفعل على هذا الذي يستصرخه , ويصفه بالغواية والضلال:
قَالَ لَهُ مُوسَى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُّبِينٌ.
غوي بعراكه هذا الذي لا ينتهي واشتباكاته التي لا تثمر إلا أن تثير الثائرة على بني إسرائيل . وهم عن الثورة الكاملة عاجزون , وعن الحركة المثمرة ضعفاء . فلا قيمة لمثل هذه الاشتباكات التي تضر ولا تفيد . ولكن الذي حدث أن موسى - بعد ذلك - انفعلت نفسه بالغيظ من القبطي , فاندفع يريد أن يقضي عليه كما قضى على الأول بالأمس ! ولهذا الاندفاع دلالته على تلك السمة الانفعالية التي أشرنا إليها , ولكن له دلالته من جانب آخر على مدى امتلاء نفس موسى - عليه السلام - بالغيظ من الظلم , والنقمة على البغي , والضيق بالأذى الواقع على بني إسرائيل .
فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَن يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَّهُمَا قَالَ يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَن تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ إِن تُرِيدُ إِلَّا أَن تَكُونَ جَبَّاراً فِي الْأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَن تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ – 19
لقد طال الظلم ببني إسرائيل , فضاقت به نفس موسى - عليه السلام - حتى رأيناه يندفع في المرة الأولى
ويندم , ثم يندفع في المرة الثانية لما ندم عليه حتى ليكاد يفعله , ويهم أن يبطش بالذي هو عدو له ولقومه . لذلك لم يتخل الله عنه , بل رعاه , واستجاب له , فالله العليم بالنفوس يعلم أن للطاقة البشرية حدا في الاحتمال . وأن الظلم حين يشتد , وتغلق أبواب النصفة , يندفع المضطهد إلى الهجوم والاقتحام . فلم يهول في وصف الفعلة التي فعلها موسى , كما تهول الجماعات البشرية التي مسخ الظلم فطرتها بإزاء مثل هذا العمل الفطري مهما تجاوز الحدود تحت الضغط والكظم والضيق .
ويبدو أن رائحة فاحت عن قتيل الأمس , وأن شبهات تطايرت حول موسى . لما عرف عن كراهيته من قبل لطغيان فرعون وملئه , إلى جانب ما يكون قد باح به صاحبه الإسرائيلي سرا بين قومه , ثم تفشى بعد ذلك خارج بني إسرائيل .
فلما أراد موسى أن يبطش بالقبطي الثاني واجهه هذا بالتهمة , لأنها عندئذ تجسمت له حقيقة , وهو يراه يهم أن يبطش به , وقال له تلك المقالة : ( أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس ? ). أما بقية عبارته: ( إن تريد إلا أن تكون جبارا في الأرض وما تريد أن تكون من المصلحين ). . فتلهم أن موسى كان قد اتخذ له في الحياة مسلكا يعرف به أنه رجل صالح مصلح , لا يحب البغي والتجبر . فهذا القبطي يذكره بهذا ويوري به ; ويتهمه بأنه يخالف عما عرف عنه . يريد أن يكون جبارا لا مصلحا , يقتل الناس بدلا من إصلاح ذات البين , وتهدئة ثائرة الشر . وطريقة خطابه له وموضوع خطابه , كلاهما يلهم أن موسى لم يكن إذ ذاك محسوبا من رجال فرعون . وإلا ما جرؤ المصري على خطابه بهذه اللهجة ,
والظاهر أن موسى لم يقدم على ضربه بعد إذ ذكره الرجل بفعلة الأمس , وأن الرجل أفلت لينهي إلى الملأ من قوم فرعون أن موسى هو الذي قتل القبطي بالأمس..
******* كانت مصادر تفسير هذا اللقاء : (في ظلال القرآن) (التفسير الميسر) (تفسير السعدي) (تفسير الجلالين)
*******
| |
| | | روايات انسان عضو متميز
عدد المساهمات : 3434 تاريخ التسجيل : 10/02/2013
| موضوع: رد: أنبياء الله في القرآن العظيم - سلسلة متجددة الإثنين يونيو 17, 2013 11:12 pm | |
| بسم الله الرحمن الرحيم
أنبياء الله في القرآن العظيم (موسى عليه السلام) وبعض آيات من سورة القصص (5)
مرحلة الشباب
وَجَاء رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ (20) فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفاً يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (21) وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاء مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَن يَهْدِيَنِي سَوَاء السَّبِيلِ (22)
**********
إن القتل شئ بشع , أدرك "موسى" على الفور فداحة هذا الأمر الذي لم يقصده أصلا , وأصيب بالغم ..
قال تعالى: وَقَتَلْتَ نَفْسًا فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ..40 طه
فالإنسان في فسحة من دينه مالم يصب دما كما ورد في الحديث الشريف ...
ونقرأ ذلك ونتعجب اليوم على هذا الكم الهائل من القتلى يوميا عمدا مع سبق الإصرار والترصد لأبرياء من نساء وأطفال وشيوخ , فلا يدري القاتل لماذا يقتل ولا يدري المقتول لماذا قتل.
*******
مشهد جديد . رجل يجيء إلى موسى من أقصى المدينة , يحذره ائتمار الملأ من قوم فرعون به , وينصح بالهرب من المدينة إبقاء على حياته:
وَجَاء رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ.
إنه قدر الله ومشيئته لإنقاذ موسى في اللحظة المطلوبة .... لقد عرف الملأ من قوم فرعون , وهم رجال حاشيته وحكومته والمقربون إليه أنها فعلة موسى . وما من شك أنهم أحسوا فيها بشبح الخطر . فهي فعلة طابعها الثورة على الظلم , والانتصار لبني إسرائيل . وإذن فهي ظاهرة خطيرة تستحق التآمر . ولو كانت جريمة قتل عادية ما استحقت أن يشتغل بها فرعون والملأ والكبراء .
ونلاحظ قدرة الله تعالى في إنقاذ موسى عليه السلام.. جاء واحدا من الملأ . الأرجح أنه الرجل المؤمن من آل فرعون الذي يكتم إيمانه , والذي جاء ذكره في سورة [ غافر ] ساقه الله ليسعى إلى موسى ( من أقصى المدينة ) في جد واهتمام ومسارعة , ليبلغه قبل أن يبلغه رجال فرعون : ( إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك , فاخرج إني لك من الناصحين ). .
فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفاً يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ..
خرج منزعجاً بنذارة الرجل الناصح، لم يتزود ولم يتخذ دليلاً. ولكن نلاحظ شيئا عظيما آلا وهو التعلق بربه مستسلما له...
التوجه المباشر بالطلب إلى الله , والتطلع إلى حمايته ورعايته , والالتجاء إلى حماه في المخافة , وترقب الأمن عنده والنجاة: ( رب نجني من القوم الظالمين ). .
ثم يتبعه السياق خارجا من المدينة , خائفا يترقب , وحيدا فريدا , غير مزود إلا بالاعتماد على مولاه ; والتوجه إليه طالبا عونه وهداه:
وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاء مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَن يَهْدِيَنِي سَوَاء السَّبِيلِ..
ومرة أخرى نجد موسى ـ عليه السلام ـ في قلب المخافة، بعد فترة من الأمن. بل من الرفاهية. ونجده وحيداً مجرداً من قوى الأرض الظاهرة جميعاً، يطارده فرعون وجنده، ويبحثون عنه في كل مكان، لينالوا منه اليوم ما لم ينالوه منه طفلاً.
ولكن اليد التي رعته وحمته هناك ترعاه وتحميه هنا، ولا تسلمه لأعدائه أبداً. فها هو ذا يقطع الطريق الطويل، ويصل إلى حيث لا تمتد إليه اليد الباطشة بالسوء...
**********
كانت مصادر تفسير هذا اللقاء : (في ظلال القرآن) (التفسير الميسر) (تفسير السعدي) (تفسير الجلالين) | |
| | | روايات انسان عضو متميز
عدد المساهمات : 3434 تاريخ التسجيل : 10/02/2013
| موضوع: رد: أنبياء الله في القرآن العظيم - سلسلة متجددة الإثنين يونيو 17, 2013 11:14 pm | |
| بسم الله الرحمن الرحيم
أنبياء الله في القرآن العظيم (موسى عليه السلام) وبعض آيات من سورة القصص (6)
مرحلة الشباب
نستكمل بعون الله تعالى الرحلة المباركة لنبي الله موسى عليه السلام..حيث توجه إلى مدينة مدين..
وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَآءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَىٰ رَبِّيۤ أَن يَهْدِيَنِي سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ -22
وَلَمَّا وَرَدَ مَآءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ ٱلنَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ ٱمْرَأَتَينِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لاَ نَسْقِي حَتَّىٰ يُصْدِرَ ٱلرِّعَآءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ – 23
فَسَقَىٰ لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّىٰ إِلَى ٱلظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَآ أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ – 24
اتجه موسى ـ عليه السلام ـ فريداً وحيداً عبر الصحراء في اتجاه مدين في جنوبي الشام وشمالي الحجاز. مسافات شاسعة، وأبعاد مترامية، لا زاد ولا استعداد، فقد خرج من المدينة خائفاً يترقب،
*******
ومرة أخرى نجد موسى ـ عليه السلام ـ في قلب المخافة، بعد فترة من الأمن. بل من الرفاهية. ونجده وحيداً مجرداً من قوى الأرض الظاهرة جميعاً، يطارده فرعون وجنده، ويبحثون عنه في كل مكان، لينالوا منه اليوم ما لم ينالوه منه طفلاً...
ولكن اليد التي رعته وحمته هناك ترعاه وتحميه هنا، ولا تسلمه لأعدائه أبداً. فها هو ذا يقطع الطريق الطويل، ويصل إلى حيث لا تمتد إليه اليد الباطشة بالسوء .
********
لقد انتهى به السفر الشاق الطويل إلى ماء لمدين. وصل إليه وهو مجهد. وإذا هو يطلع على مشهد لا تستريح إليه النفس ذات المروءة، السليمة الفطرة، كنفس موسى ـ عليه السلام ـ وجد الرعاة الرجال يوردون أنعامهم لتشرب من الماء , ووجد هناك امرأتين تمنعان غنمهما عن ورود الماء. والأولى عند ذوي المروءة والفطرة السليمة، أن تسقي المرأتان وتصدرا بأغنامهما أولاً، وأن يفسح لهما الرجال ويعينوهما ...
*****
ويعود بنا الحديث عن مكانة المرأة في الإسلام . حيث العناية بها وتكريمها....
وروي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه : ما أكرم النساء إلا كريم ، و لا أهانهن إلا لئيم ...
*****
ولم يقعد موسى الهارب المطارد، المسافر المكدود ، ليستريح وهو يشهد هذا المنظر المنكر المخالف للمعروف. بل تقدم للمرأتين يسألهما عن أمرهما الغريب :
قال: ما خطبكما ؟.. قالتا : لا نسقي حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير...
فأَطلعتاه على سبب انزوائهما وتأخرهما وذودهما لغنمهما عن الورود. إنه الضعف، فهما امرأتان وهؤلاء الرعاة رجال. وأبوهما شيخ كبير لا يقدر على الرعي ومجالدة الرجال...
وثارت نخوة موسى ـ عليه السلام ـ وفطرته السليمة. فتقدم لإقرار الأمر في نصابه. تقدم ليسقي للمرأتين أولاً، كما ينبغي أن يفعل الرجال ذوو الشهامة وهو غريب في أرض لا يعرفها، ولا سند له فيها ولا ظهير. وهو مكدود قادم من سفر طويل بلا زاد ولا استعداد. وهو مطارد ، من خلفه أعداء لا يرحمون. ولكن هذا كله لا يقعد به عن تلبية دواعي المروءة والنجدة والمعروف، وإقرار الحق الطبيعي الذي تعرفه النفوس المؤمنة :
فسقى لهما .
مما يشهد بنبل هذه النفس التي صنعت على عين الله تعالى. كما تدل على قوته التي ترهب حتى وهو في إعياء السفر الطويل. ولعلها قوة نفسه التي أوقعت في قلوب الرعاة رهبته أكثر من قوة جسمه. فإنما يتأثر الناس أكثر بقوة الأرواح والقلوب....
ثم تولى إلى الظل فقال : رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير....
رب إني في خيرك الدائم ونعمك التي لا تعد ولا تحصى.. رب إني فقير..
******
فَجَآءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى ٱسْتِحْيَآءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَآءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ ٱلْقَصَصَ قَالَ لاَ تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ – 25
قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يٰأَبَتِ ٱسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ ٱسْتَأْجَرْتَ ٱلْقَوِيُّ ٱلأَمِينُ - 26
قَالَ إِنِّيۤ أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ٱبْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَىٰ أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِندِكَ وَمَآ أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ, سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ – 27
قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا ٱلأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلاَ عُدْوَانَ عَلَيَّ وَٱللَّهُ عَلَىٰ مَا نَقُولُ وَكِيلٌ - 28
******
وما نكاد نستغرق مع موسى ـ عليه السلام ـ في مشهد المناجاة حتى يعجل السياق بمشهد الفرج، معقباً في التعبير بالفاء، فجاءته إحداهما تمشي على استحياء. قالت: إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا..
ونلاحظ هنا أخلاق الحياء عند الفتاة... وقد جاءته ( تمشي على استحياء ) مشية الفتاة الطاهرة الفاضلة العفيفة النظيفة حين تلقى الرجال. ( على استحياء ). في غير ما تبذل ولا تبرج ولا تبجح ولا إغواء. جاءته لتنهي إليه دعوة في كلمات معدودة ( إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا ). فمع الحياء الإبانة والدقة والوضوح..
ويستجيب "موسى" للقاء الشيخ الكبير.
( فلما جاءه وقص عليه القصص، قال: لا تخف. نجوت من القوم الظالمين )
فقد كان موسى في حاجة إلى الأمن؛ كما كان في حاجة إلى الطعام والشراب. ولكن حاجة نفسه إلى الأمن كانت أشد من حاجة جسمه إلى الزاد. ومن ثم أبرز السياق في مشهد اللقاء قول الشيخ الوقور: ( لا تخف ) فجعلها أول لفظ يعقب به على قصصه ليلقي في قلبه الطمأنينة، ويشعره بالأمان. ثم بين وعلل: ( نجوت من القوم الظالمين ) فلا سلطان لهم على مدين، ولا يصلون لمن فيها بأذى ولا ضرار.
( قالت: إحداهما: يا أبت استأجره. إن خير من استأجرت القوي الأمين ).
إنها وأختها تعانيان من رعي الغنم ، ومن مزاحمة الرجال على الماء، ومن الاحتكاك الذي لا بد منه للمرأة التي تزاول أعمال الرجال. وهي تتأذى وأختها من هذا كله؛ وتريد أن تكون امرأة تأوي إلى بيتها؛ والمرأة العفيفة الروح ، النظيفة القلب، السليمة الفطرة ، لا تستريح لمزاحمة الرجال ، ولا للتبذل الناشئ من هذه المزاحمة...
وها هو ذا شاب قوى أمين. رأت من قوته ما يهابه الرعاء فيفسحون له الطريق ويسقي لهما. ورأت من أمانته ما يجعله عف اللسان والنظر حين توجهت لدعوته. فهي تشير على أبيها باستئجاره ليكفيها وأختها مؤنة العمل والاحتكاك والتبذل. وهو قوي على العمل، أمين على المال. فالأمين على العرض هكذا أمين على ما سواه. فالعفة تتضح في التصرف العادي البسيط بلا تكلف ولا اصطناع.
واستجاب الشيخ لاقتراح ابنته. ولعله أحس من نفس الفتاة ونفس موسى ثقة متبادلة، وميلاً فطرياً سليماً، صالحاً لبناء أسرة.
( قال: إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين، على أن تأجرني ثماني حجج. فإن أتممت عشراً فمن عندك. وما أريد أن أشق عليك. ستجدني إن شاء الله من الصالحين )
وهكذا في بساطة وصراحة عرض الرجل إحدى ابنتيه من غير تحديد ـ ولقد كان الآباء يعرضون بناتهم على الرجال على عهد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بل كانت النساء تعرض نفسها على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أو من يرغب في تزويجهن منهم.
كان يتم هذا في صراحة ونظافة وأدب جميل، لا تخدش معه كرامة ولا حياء.. عرض عمر ـ رضي الله عنه: ابنته حفصة على أبي بكر فسكت وعلى عثمان فاعتذر، فلما أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بهذا طيب خاطره، عسى أن يجعل الله لها نصيباً فيمن هو خير منهما. ثم تزوجها ـ صلى الله عليه وسلم .
وعرضت امرأة نفسها على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فاعتذر لها. فألقت إليه ولاية أمرها يزوجها ممن يشاء. فزوجها رجلاً لا يملك إلا سورتين من القرآن، علمها إياهما فكان هذا صداقها.
وبمثل هذه البساطة والوضاءة سار المجتمع الإسلامي يبني بيوته ويقيم كيانه. في غير تصنع ولا التواء.
وهكذا صنع الشيخ الكبير ـ صاحب موسى ـ فعرض على موسى ذلك العرض واعداً إياه ألا يشق عليه ولا يتعبه في العمل؛ راجياً بمشيئة الله أن يجده موسى من الصالحين في معاملته ووفائه. وهو أدب جميل في التحدث عن النفس وفي جانب الله. فهو لا يزكي نفسه، ولا يجزم بأنه من الصالحين. ولكن يرجو أن يكون كذلك، ويكل الأمر في هذا لمشيئة الله.
وقبل موسى العرض وأمضى العقد؛ في وضوح ودقة، وأشهد الله فهو الشهيد الموكل بالعدل بين المتعاقدين. وكفى بالله وكيلاً.
( قال: ذلك بيني وبينك. أيما الأجلين قضيت فلا عدوان عليّ. والله على ما نقول وكيل )
سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم : أي الأجلين قضى موسى ؟ قال : أبعدهما وأطيبهما. المصدر: صحيح البخاري – عن عبدالله بن عباس - الصفحة أو الرقم: 2684
***********
كانت مصادر تفسير هذا اللقاء : (في ظلال القرآن) (التفسير الميسر) (تفسير السعدي) (تفسير الجلالين)
| |
| | | روايات انسان عضو متميز
عدد المساهمات : 3434 تاريخ التسجيل : 10/02/2013
| موضوع: رد: أنبياء الله في القرآن العظيم - سلسلة متجددة الإثنين يونيو 17, 2013 11:14 pm | |
| بسم الله الرحمن الرحيم
أنبياء الله في القرآن العظيم (موسى عليه السلام) وبعض آيات من سورة القصص (7)
مرحلة التكليف
نستكمل بعون الله تعالى الرحلة المباركة لنبي الله موسى عليه السلام.. وفي هذه المرحلة الهامة - وهي مرحلة التكليف بالرسالة والذهاب والعودة إلى مصر حيث فرعون وملئه - وبداية الدعوة إلى الإيمان بالخالق الأعظم ( الله جل جلاله )...وترك عبادة الطاغوت المتمثلة هنا في عبادة فرعون..
والقرآن العظيم يجلي لنا تلك المشاهد الحية لتكون لنا دليلا حيا على أن المسلمين هم حملة رسالات الله من لدن أدم إلى خاتمهم نبينا محمد صلوات ربي وسلامه عليه وعلى جميع الرسل والأنبياء. وأن وعد الله حق .
إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ. قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جَاءَ بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ - 85 القصص
فالهجرة تماثل الهجرة والعودة أتية حتما لأنه وعد الله تعالى.
******
فَلَمَّا قَضَىٰ مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِن جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِّنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ - 29
فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِن شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَن يَا مُوسَىٰ إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ – 30
وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّىٰ مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ ۚ يَا مُوسَىٰ أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ – 31
اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِن رَّبِّكَ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ – 32
قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ – 33
وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي ۖ إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ – 34
قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا ۚ بِآيَاتِنَا أَنتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ – 35
******
وها هو موسى عائد ليتلقى في الطريق ما لم يخطر له على بال . ليناديه ربه ويكلمه , ويكلفه النهوض بالمهمة التي من أجلها وقاه ورعاه , وعلمه ورباه .
مهمة الرسالة إلى فرعون وملئه , ليطلق له بني إسرائيل يعبدون ربهم لا يشركون به أحدا ويرثون الأرض التي وعدهم ليمكن لهم فيها ثم ليكون لفرعون وهامان وجنودهما عدوا وحزنا , ولتكون نهايتهم على يديه كما وعد الله حقا....
﴿ فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ ﴾ كما هو الظن بموسى ووفائه، اشتاق إلى الوصول إلى أهله ووالدته وعشيرته، ووطنه، وعلم من طول المدة، أنهم قد تناسوا ما صدر منه. ﴿ سَارَ بِأَهْلِهِ ﴾ قاصدا مصر، ﴿ آنَسَ ﴾ أي: أبصر ﴿ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ ﴾ وكان قد أصابهم البرد، وتاهوا الطريق.
فلما أتاها نودي ﴿ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴾ فأخبر بألوهيته وربوبيته، ويلزم من ذلك، أن يأمره بعبادته، وتألهه، كما صرح به في الآية الأخرى ﴿ فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي - طه14 ﴾
﴿ وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ ﴾ فألقاها ﴿ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ ﴾ تسعى سعيا شديدا .. ﴿ كَأَنَّهَا جَانٌّ ﴾ ذَكَرُ الحيات العظيم، ﴿ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ ﴾ أي : يرجع، لاستيلاء الروع على قلبه، فقال اللّه له : ﴿ يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ ﴾ وهذا أبلغ ما يكون في التأمين، وعدم الخوف.
فإن قوله: ﴿ أَقْبِلْ ﴾ يقتضي الأمر بإقباله، ويجب عليه الامتثال، ولكن قد يكون إقباله، وهو لم يزل في الأمر المخوف، فقال : ﴿ وَلَا تَخَفْ ﴾ أمر له بشيئين، إقباله، وأن لا يكون في قلبه خوف،
ولكن يبقى احتمال، وهو أنه قد يقبل وهو غير خائف، ولكن لا تحصل له الوقاية والأمن من المكروه، فقال الله تعالى : ﴿ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ ﴾ فحينئذ اندفع المحذور من جميع الوجوه،
فأقبل موسى عليه السلام غير خائف ولا مرعوب، بل مطمئنا، واثقا بخبر ربه، قد ازداد إيمانه، وتم يقينه، فهذه آية، أراه اللّه إياها قبل ذهابه إلى فرعون، ليكون على يقين تام، فيكون أجرأ له، وأقوى وأصلب.
ثم أراه الآية الأخرى فقال تعالى : ﴿ اسْلُكْ يَدَكَ ﴾ أي: أدخلها ﴿ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ ﴾ فسلكها وأخرجها.
﴿ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ ﴾ أي ضم جناحك وهو عضدك إلى جنبك يزول عنك الرهب والخوف. ﴿ فَذَانِكَ ﴾ انقلاب العصا حية، وخروج اليد بيضاء من غير سوء ﴿ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ ﴾ أي: حجتان قاطعتان من اللّه، ﴿ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ ﴾ فلا يكفيهم مجرد الإنذار وأمر الرسول إياهم، بل لا بد من الآيات الباهرة، إن نفعت.
قال موسى عليه السلام معتذرا من ربه، وسائلا له المعونة على ما حمله، وذاكرا الموانع التي فيه، ليزيل ربه ما يحذره منها.
﴿ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ - وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءًا ﴾ أي : معاونا ومساعدا ﴿ يُصَدِّقُنِي ﴾ فإنه مع تضافر الأخبار يقوى الحق فأجابه اللّه إلى سؤاله فقال : ﴿ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ ﴾ أي : نعاونك به ونقويك.
ثم أزال عنه محذور القتل، فقال: ﴿ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا ﴾ أي: قوة إقناع وتسلطا، وتمكنا من الدعوة، بالحجة، والهيبة الإلهية من عدوهما لهما،
﴿ فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا ﴾ وذلك بسبب آياتنا، وما دلت عليه من الحق، وما أزعجت به من باشرها ونظر إليها، فهي التي بها حصل لكما السلطان، واندفع بها عنكم، كيد عدوكم وصارت لكم أبلغ من الجنود، أولي الْعَدَدِ والْعُدَدِ.
﴿ أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ ﴾ وهذا وعد الله تعالى لموسى . التمكين والغلبة .. وهذا الوعد للمؤمنين إلى يوم القيامة..
قال تعالى في سورة النور : وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ - 55
******** كانت مصادر تفسير هذا اللقاء : (في ظلال القرآن) (التفسير الميسر) (تفسير السعدي) (تفسير الجلالين)
وإلى الملتقى إن شاء الله تعالى
| |
| | | | أنبياء الله في القرآن العظيم - سلسلة متجددة | |
|
مواضيع مماثلة | |
|
| صلاحيات هذا المنتدى: | لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
| |
| |
| |