مسرحية الخال فانيا
(ملخص)
نحن* في حديقة بيت ريفي جلس فيها حول مائدة الشاي طبيب يدعى "استروف" وامرأة عجوز هي "مارينا" والطبيب رجل أعزب ساخط يشكو من الشكوى من حياته، فهو يسلخ عمره بين المرضى يعالج أدواءهم ويضمد جروحهم، نهاره مشغول بالعمل وليله مقطوع بتلبية الاستغاثات، ثم إنه بعد هذه التضحيات الجسام التي يبذلها للإنسانية لا يدري إن كان سيذكره أحد ممن أفنى شعلة حياته ليضىء لهم الحياة . وقد أتى اليوم خاصة ليعود الأستاذ "سيرياكوف" والأستاذ مريض عنيد يأبى إلا أن يشخص مرضه بنفسه، ويصر على أنه مصاب بالروماتزم، في حين يؤكد الطبيب أنه مصاب بداء المفاصل!
يجلس الطبيب مفكراًَ في خواطره الحزينة، فيدخل عليه "فينتساى" شقيق زوج الأستاذ المذكور القديمة، ولا نلبث حتى يظهر لنا جلياً أنه هو الآخر يشكو من حياته ومن الأستاذ؛ أما حياته فلا أنها جافة مرة لا تحفظ له ذكرى جميلة من الماضى ولا تبشره بأمل زاهر فى المستقبل .
أما الأستاذ فلأنه قلب نظام الدار بتصرفاته وطرق حياته الشاذة، ولكن هذا إن أمكن أن يفسر لنا سخطه عليه فلا يمكن أن يكفى سبباً لبغض مر يدفنه له في صدره ويطفحه على لسانه، فإذا سمعناه يتحدث بلهفة عن زوج الأستاذ الجميلة "الجديدة" فهمنا بعض الفهم، وإذا سمعناه يتحدث عن الأستاذ متهماً إياه بإنه أفقده ربيع حياته وهو يخدعه بعلمه المزيف وقيمته التي كان يظنها في السماء وهي في أسفل الأرض، فهمنا كل الفهم. والأدهى من ذلك أن قربه من هيلانا – زوج الأستاذ – مع يأسه منها أصاباه بنكسة خلقية، فأضحى كسولاً مهملاً سكيراً، وكان نشيطاً مجدا مستقيماً.
وإذا هو في سخطه يدخل الأستاذ "سيرياكوف" وزوجه هيلانا وابنته صونيا "ابنة أخت فينتساى"، والأستاذ حديث العهد بالقرية، وهو لم يقصد إليها غلا مضطراً بدافع الفقر، وهكذا قنع بأن يقيم في هذا البيت الذي ورثه عن زوجته القديمة المتوفاة .
.. يسرع الأستاذ بالدخول إلى غرفته ويبقى الجميع يتحدثون، ويدور بينهم حوار يكشف لنا الستر عن نفوسهم. فالطبيب له مبادىء ثابتة، وهو ميال للنيات ينعى علىالإنسان كسله وجبنه، إذ يهلك الغابات ويحرقها ويحرم الوجود جمالها، ويغير على حقوق الأجيال القادمة، تلك الأجيال التي هي موضع اهتمامه وقطب آماله، أما فينتسكى "الخال فانيا" فهو على النقيض من ذلك، لا تترك غرائز السخط والهدم فراغاً في صدره لغيرها، لذا هو يسخر من الطبيب ومن الأجيال القادمة التي يعمل حسابها. فإذا تحدث إلى هيلانا أبدى لها أسفه على حياتها وأشفق بها من الكسل والملل الذين يصيبانها بسبب زوجها، وهي تضيق بحديثه ذرعا وترد عليه ساخرة:
"آه! الكسل والملل! جميع الناس يرمون زوجى بكل سوء .... وجميعهم يرعونني بعطف وحنان! لها زوج عجوز! يا لها من عاطفة ويا لى من شديدة الفهم لها! وإن كل الأمر – كما قال ستروف ـ أنك نزاع لإفناء كل شيء من غير تمييز، فكما تفنى الغابات تفنى الإنسان – وبهذا لا تبقى على ظهر الأرض أمانة أو سذاجة أو تضحية، لماذا لا تستطيع أن تلحظ امرأة غريبة بهدوء؟
لأنه تستقر في قرارة نفسك عبقرية التخريب .. ليس عندك رحمة لغابة أو شجرة أو امرأة".
ولكنه يزوَرّ لهذه الفلسفة ولا تحفل هي بازوراره .. وتستطرد حديثها متناولة مواضيع وملاحظات شتى .. بعضها عن الريف وبعضها عن الطبيب، والبعض الآخر عن صونيا وحبها الطاهر للطبيب .. ولكن ماله هو ملاحظتها .. فإن عنده الأهم عنده هذا الحب الملتهب فهو يصرح لها به .. إلا أن أطماع حبه ضئيلة لا تتناسب مع شدة حرارته .. فهو يقنع بأن تسمح له برؤيتها، وأن تتحمل الاصغاء إليه .. ولكنه في كلامه يعلو صوته، فتحفل هي وتهمس في أذنه:
"بصوت منخفض وإلا سمعنا أحد".
ويرد عليها بحرارة "دعيني احدثك عن حبي .. لا تهزئي بي .. وحسبى الحديث سعادة كبرى" إلا أنها تضيق ذرعاً حتى بالحديث، وتقول له وهي تختفي عن عينيه "حتى هذا ثقيل".
في سكون الليل، وفي ساعة متأخرة منه كان "سيربرياكوف" جالساً مع زوجه لا يرمق له جفن ولا يسكن له ألم .
والأستاذ لا تقتصر آلامه علىجسمه الناحل، فإن نفسه مضطربة قلقة، وخياله طائش لا يدعه يستريح، فهو يتأفف من شيخوخته، أضعاف ما يتأفف من مرضه، وأي مرض هذه الشيخوصة؟ لقد أنهكته وجعلته بغيضاً للقلوب ثقيلاً على النفوس، لا يذكره لسان إلا بالسخط عليه ولاشكوى منه، وهذه زوجة أقرب الناس إليه تجزع من شكواه المتكررة وتضيق ذرعاً بأناته وثرثرته. وهو – إلى كل ذلك – فقير يتألم من الفقر، ويتحسر على جهده العلمي الضائع، وعلى الشهرة التي نشدها فما استجابت له، فإذا دخلت ابنته لم يلق منها إلا اللوم، وهي تلومه من أجل الطبيب الذي تحبه والذي يضايقه بعناده. وبينا هو موزع بين هذه الخواطر المؤلمة بدخل الخال "فانيا" ويلح في أن تنصرف هيلانا وصونيا ليناما، على أن يسهر هو معه! ويصرخ الأستاذ فزعاً، إذ