زوجة الأب
أنطون تشيكوف
على كرسى كبير ذى مساند يعود إلى الأسلاف، جلست سيدة عجوز صغيرة الجسم. وجهها مجعد ذو لونٍ اصفر - رمادى وكأنه ليمونة معصورة. كانت تنظر إلى جانب واحد، بكآبة وارتياب، متململة فى كرسيها دون استقرار، وبين الحين والآخر ترفع إلى انفها الدقيق الشبيه بالمنقار، قنينة صغيرة تحوى أملاحاً ذات رائحة (سعوط)، وكانت تشعر بأنها متعكرة المزاج. والى جانبها وقف شاب بمظهر جذاب، اسمحوا لى أن أقدمه لكم: انه شاعر، وابن زوج السيدة العجوز الصغيرة الجسم، وكان يدور بين زوجة الأب وابن الزوج، الحديث التالي:
قال الشاعر: جئت إليك بعملٍ يا أمى .. لقد كتبت رواية، ولقد أمرتنى أن أقرأ لك كل ما اكتبه. اسمحى لي، ها هى الرواية الآن....
- حسناً، سوف نقرأها.... ولكن لماذا يبدو عليك الحزن ؟ هل يعنى ذلك انك مستاء من تدخلى فى عملك ؟ هل تمانع ؟ هل أنت من ذلك النوع من الأشخاص ؟...
- ولكن، أنا مسرور يا أمي! كيف تأتى لك أن تقولى هذا ؟. لم أفكر حتي.... اخذ الشاعر نفساً عميقاً، اغمض عينيه قليلاً وبذل جهده لإظهار ابتسامة.ثم أردف: أنا مسرور جداً.... أرجو أن تحسنى إلي.... ينبغى لنا - نحن الكتـاب - أن نكون تحت رقابة ما......
- هكذا إذاً،.... هيا.. اقرأ لى ما كتبته، سأستمع لك.
بدأ الشاعر يقلب أوراقه ببطء. سعل مرتبكاً، وبدأ يقرأ:
كان صباح يوم من أيام شهر آيار الرائعة، وكان بطلى مستلقياً على الشاطئ، ينظر إلى الأمواج الهادرة، وهو يتأمل.... .
قاطعته زوجة أبيه: قف. قف.. اشطب كلمة "يتأمل".
- ولكن لماذا ؟
- الله يعلم ماذا كان يتأمل بطلك ! ربما كان شيئاً ما يمكن....
- ولكن سأوضح لك فيما بعد، يا أمي.
- يمكن للمرء أن يستنتج الكثير من الأشياء، قبل أن تكون قد وصلت إلى إيضاحاتك.... اشطبها.
شطب الشاعر كلمة "يتأمل"، واستمر يقرأ:
وبجانبه، على الرمل، كان يضع صندوق أصباغ وقطعة قنب تمتد على إطار....
- قف. قف.... كيف يمكنك أن تكتب مثل هذا ؟ اشطب كلمة "قنب"...
- ولكن لماذا، يا أمي؟
- ألا تدل تلك الكلمة على "التصّيد" ؟ ألا يمكن أن يكون فى معنى الكلمة تلميح إلى اضطرابات فى سكك الحديد، وان تلك الاضطرابات ترتبط مباشرة بـ .....
استبدل الشاعر كلمة "القنب" بـ "قطعة قماش" واستأنف القراءة:
كان مرافقه فلاح شاب يقف على حافة الشاطئ....
- أعدها. طوحت العجوز بيديها فى الهواء، وأدخلت أرنبة انفها فى قنينة أملاح الشم. أعدها... من اجل ماذا تريد فلاحاً هنا ؟ لماذا ؟ كيف دخل فى الموضوع ؟ استبدله بشيء آخر....
- سوف استبدله بـ "ولد صغير".
- ينبغى أن لا تفعل ذلك... إذا كان الولد الصغير يقف صباحاً على شاطئ البحر، فهذا يعنى انه ليس فى المدرسة، وهو تلميح بوجود نقصٍ فى المدارس.
مسح الشاعر حاجبه، تنهد بعمق، وواصل القراءة.
ولكن كلما توغلنا فى الغابة، كلما كانت هناك أشجار كثيفة، يتوجب قطعها. بدأت مخطوطة الشاعر تدريجياً تتغطى بخطوط سوداء، وبشطب، ونقاط، وفقدت باضطراد لونها الأبيض، وتبدلت إلى اللون الأسود. جميع الكلمات تم شطبها، عدا بعض علامات التعجب، والأرقام والقليل من