[rtl]وقد تناثر شعرها في كل اتجاه وبرزت عيناها من مآقيهما. تتحدث حيناً عن الكنائس المختلفة التي يمكن لنا أن نترك الطفل فيها، مؤكدة بأن من الواجب أن تكون كنيسة يرتادها الأغنياء. فمن الأفضل أن يتربى الطفل بيننا إن كان من سيلتقطونه فقراء مثلنا. وما تلبث بعد قليل أن تتحول لتقول بأنها تصرّ على أن تكون الكنيسة منذورة للسيدة العذراء لأنه كان لها ابن أيضاً وبذا يمكنها أن تتفهم أموراً معينة، وبذا ستمنحه ما يستحق من عطف. هذه الطريقة في الكلام أرهقتني وهيجت أعصابي- خصوصاً وأنني كنت أشعر بالإذلال أيضاً وأمقت ما أنا مقدم عليه. غير أنني كنت أحاول إقناع نفسي بأن علي أن أتمالك مشاعري وأبدو هادئاً لكي أساعدها على التماسك. تفوهت ببعض الاعتراضات مستهدفاً قطع هدير كلامها ثم قلت لها: "عندي فكرة... لم لا نتركه في كنيسة القديس بطرس؟" ترددت للحظة ثم أجابت: "لا، فهي كبيرة جداً وقد لا يرونه هناك... أفضّل تلك الكنيسة الصغيرة في شارع "كوندوقي" حيث توجد كل تلك المحلات الجميلة التي يرتادها الكثيرون من الأغنياء- إنها المكان المناسب!" [/rtl]
[rtl]ركبنا الحافلة حيث جلست صامتة بين الآخرين، وكانت تعيد ترتيب الحرام الصوفي وتحكمه حول الطفل بين حين وآخر، أو تكشف عن وجهه بحرص وتتأمل وجهه. كان الطفل نائماً ووجهه محمرّ ومتورد في وسط كل تلك اللفائف. ثيابه رثة شأن ثيابنا، والشيء الجميل الوحيد الذي يرتديه هما القفازان المصنوعان من الصوف الأزرق، وكان في الحقيقة يفرد يديه على اتساعهما وكأنما يتباهى بقفازيه. نزلنا في "لارجو جولدوني" وعادت زوجتي تثرثر من جديد، ثم توقفت أمام واجهة أحد بائعي المجوهرات وقالت لي وهي تشير إلى المجوهرات المعروضة على رفوف مغطاة بالمخمل الأحمر: "هل ترى ما أجملها! الناس يأتون إلى هذا الشارع ليشتروا المجوهرات والأشياء الجميلة الأخرى. أما الفقراء فليس لهم شأن بهذا المكان. وفيما هم ينتقلون من محل إلى آخر يدخلون الكنيسة ليصلّوا للحظة من الزمن، وبعد ذلك، وبينما هم في مزاج رائق يجدون الطفل ويأخذونه..." قالت كل ذلك وهي تقف وتحدق بالمجوهرات وتشد الطفل إلى صدرها وعيناها مفتوحتان على اتساعهما، وهي تتكلم وكأنما تحادث نفسها. أما أنا فلم أكن أجرؤ على مجادلتها. توجهنا إلى الكنيسة، كانت صغيرة وقد دهنت بكاملها بحيث بدت وكأنها من المرمر الأصفر؟ وبها عدد من المحاريب ومنبر كبير. قالت زوجتي بأنها تتذكرها على نحو آخر، وأما وهي كما تراها الآن فإنها لا تحبها على الإطلاق. ومع ذلك فقد غمرت أصابعها في الماء المقدس، وصلّت ثم تابعت سيرها بخطى بطيئة حول المكان وهي تتفحصه بعينين مرتابتين وبعدم ارتياع وتضم الطفل إلى صدرها. [/rtl]
[rtl]كان هنالك نور بارد ساطع ينبعث من قنديل يتدلى من قبة الكنيسة، وأخذت زوجتي تطوف من محراب إلى آخر وهي تتفحص كل شيء: المقاعد، والمحاريب والصور لتحكم فيما إن كانت مكاناً مناسباً تودع فيه الطفل.. أما أنا فقد كنت أتبعها وأسير على مسافة منها وأراقب الباب بحذر طوال الوقت. [/rtl]
[rtl]دخلت فجأة فتاة شابة ممشوقة القوام ترتدي ثوباً أحمر، يزين رأسها شعر أشقر ينسدل كالذهب، ركعت الفتاة والتصقت حينذاك تنورتها بجسمها، وصلّت لفترة دقيقة واحدة فحسب ثم خرجت ثانية دون أن تنظر إلينا. أما زوجتي التي كانت تراقبها فقد قالت فجأة: "ليس هذا بالمكان المناسب، فالناس الذين يرتادونه هم، شأن هذه الفتاة، على عجلة من أمرهم كي يمضوا ليتسلوا ويتفرجوا على المحلات.. لنذهب! ثم خرجت على الفور. [/rtl]