نسمة طيف
اهلا وسهلا بك زائرنا الكريم
منتديات نسمة طيف ترحب بك أجمل ترحيب
ونتمنى لك وقتاً سعيداً مليئاً بالحب كما يحبه الله ويرضاه
فأهلاً بك في هذا المنتدى المبارك إن شاء الله
ونرجوا أن تفيد وتستفيد منا
وشكراً لتعطيرك المنتدى بباقتك الرائعة من مشاركات مستقبلية
لك منا أجمل المنى وأزكى التحيات والمحبة
نسمة طيف
اهلا وسهلا بك زائرنا الكريم
منتديات نسمة طيف ترحب بك أجمل ترحيب
ونتمنى لك وقتاً سعيداً مليئاً بالحب كما يحبه الله ويرضاه
فأهلاً بك في هذا المنتدى المبارك إن شاء الله
ونرجوا أن تفيد وتستفيد منا
وشكراً لتعطيرك المنتدى بباقتك الرائعة من مشاركات مستقبلية
لك منا أجمل المنى وأزكى التحيات والمحبة
نسمة طيف
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

نسمة طيف

منتدى عربي يشمل جميع المواضيع اهلا بيكم في منتدى نسمة طيف
 
الرئيسيةدخولأحدث الصورالتسجيل
المواضيع الأخيرة
» الدال علي الخير كفاعله
الخيميائي - كابيلو Emptyالأربعاء أبريل 17, 2024 6:19 pm من طرف ملاك الطيف

» صلى الله عليه وسلم
الخيميائي - كابيلو Emptyالأربعاء أبريل 17, 2024 6:07 pm من طرف ملاك الطيف

» https://www.facebook.com/groups/1599246743680231
الخيميائي - كابيلو Emptyالسبت ديسمبر 04, 2021 1:21 pm من طرف ملاك الطيف

» https://www.facebook.com/groups/1599246743680231
الخيميائي - كابيلو Emptyالسبت ديسمبر 04, 2021 1:19 pm من طرف ملاك الطيف

» اللهم بلغنا يوم عرفة
الخيميائي - كابيلو Emptyالإثنين يوليو 19, 2021 12:22 am من طرف ملاك الطيف

» قصة رائعة جدا
الخيميائي - كابيلو Emptyالإثنين يوليو 19, 2021 12:14 am من طرف ملاك الطيف

» السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الخيميائي - كابيلو Emptyالأحد يوليو 18, 2021 11:53 pm من طرف ملاك الطيف

» اللهم بلغنا رمضان
الخيميائي - كابيلو Emptyالإثنين ديسمبر 28, 2020 2:12 pm من طرف ملاك الطيف

» سجل حضورك بالكلمة الطيبة لا اله الا الله
الخيميائي - كابيلو Emptyالإثنين ديسمبر 28, 2020 2:11 pm من طرف ملاك الطيف

أفضل 10 أعضاء في هذا المنتدى
ملاك الطيف
الخيميائي - كابيلو I_vote_rcapالخيميائي - كابيلو I_voting_barالخيميائي - كابيلو I_vote_lcap 
رغد
الخيميائي - كابيلو I_vote_rcapالخيميائي - كابيلو I_voting_barالخيميائي - كابيلو I_vote_lcap 
روايات انسان
الخيميائي - كابيلو I_vote_rcapالخيميائي - كابيلو I_voting_barالخيميائي - كابيلو I_vote_lcap 
زهرة الياسمين
الخيميائي - كابيلو I_vote_rcapالخيميائي - كابيلو I_voting_barالخيميائي - كابيلو I_vote_lcap 
دموع الورد
الخيميائي - كابيلو I_vote_rcapالخيميائي - كابيلو I_voting_barالخيميائي - كابيلو I_vote_lcap 
المحب
الخيميائي - كابيلو I_vote_rcapالخيميائي - كابيلو I_voting_barالخيميائي - كابيلو I_vote_lcap 
البرنسيسه
الخيميائي - كابيلو I_vote_rcapالخيميائي - كابيلو I_voting_barالخيميائي - كابيلو I_vote_lcap 
دموع انسان
الخيميائي - كابيلو I_vote_rcapالخيميائي - كابيلو I_voting_barالخيميائي - كابيلو I_vote_lcap 
محمد15
الخيميائي - كابيلو I_vote_rcapالخيميائي - كابيلو I_voting_barالخيميائي - كابيلو I_vote_lcap 
نسمة طيف
الخيميائي - كابيلو I_vote_rcapالخيميائي - كابيلو I_voting_barالخيميائي - كابيلو I_vote_lcap 

 

 الخيميائي - كابيلو

اذهب الى الأسفل 
انتقل الى الصفحة : 1, 2  الصفحة التالية
كاتب الموضوعرسالة
روايات انسان
عضو متميز
عضو متميز
روايات انسان


عدد المساهمات : 3434
تاريخ التسجيل : 10/02/2013

الخيميائي - كابيلو Empty
مُساهمةموضوع: الخيميائي - كابيلو   الخيميائي - كابيلو Emptyالخميس يونيو 20, 2013 10:15 am

الخيميائي


وفيما هم سائرون، دخل قرية فقلبته امرأة اسمها مرثا في بيتها، وكانت لهذه أخت تدعى مريم والتي جلست عند قدمي يسوع، وكانت تسمع كلامه، وأما مرثا فكانت مرتبكة في خدمة كثيرة فوقفت وقالت:
-
يارب، أما تبالي بأن أختي قد تركتني أخدم وحدي، فقل لها أن تعينني. فأجاب يسوع وقال لها:
-
مرثا ! مرثا، أنت تهتمين وتضطربين لأجل أمور كثيرة ولكن الحاجة إلى واحد. فاختارت مريم النصيب الصالح الذي ينزع منها.


إنجيل لوقاه الإصحاح العاشر 38 -



:: تمهيـد ::


تناول الخيميائي بيده كتاباً، كان قد أحضره أحد أفراد القافلة، لم يكن للكتاب غلاف، ولكنه استطاع على الرغم من ذلك التعرف على اسم الكاتب " أوسكار وايلد " وهو يقلب صفحاته، وقع نظره على قصة كانت تتحدث عن " نرجس " … لاشك أن الخيميائي يعرف أسطورة " نرجس " هذا الشاب الوسيم الذي يذهب كل يوم ليتأمل بهاءه المتميز على صفحة ماء البحيرة.
كان متباهياً للغاية بصورته، لدرجة أنه سقط ذات يوم في البحيرة، وغرق فيها، في المكان الذي سقط فيه، نبتت وردة سميت باسمه: "وردة النرجس".
لكن الكاتب " أوسكار " لم ينه روايته بهذا الشكل، بل قال أنه عند موت نرجس، جاءت الإريادات (آلهة الغابة) إلى ضفة البحيرة العذبة المياه، فوجدتها قد تحولت إلى زير من الدموع المرة، فسألتها:
-
لماذا تبكين؟
-
أبكي نرجساً . اجابت البحيرة.
فعلقت الإريادات قائلة:
-
ليس في هذا مايدهشنا، وعلى الرغم من أننا كنا دوماً في إثره في الغابة، فقد كنت الوحيدة التي تمكنت من تأمل حسنه عن كثب.
-
كان نرجس جميلاً إذاً ؟
مكثت البحيرة صامتةً للحظات ثم قالت:
-
أنا أبكي نرجساً لكنني لم ألحظ من قط أنه كان جميلاً، إنما أبكيه لأنه في كل مرة انحنى فيها على ضفافي كنت أتمكن من أن أرى في عينيه انعكاساً لحسني.
-
إنها لقصة جميلة جداً. قال الخيميائي.


::
الجزء الأول ::


كان يُدعى سنتياغو.
كان النهار يتلاشى عندما وصل بقطيعه أمام كنيسة قديمه مهجورة، سقفها قد انهار منذ زمن بعيد. وفي الموضع الذي كان يوجد فيه الموهف نمت شجرة جميز عملاقة.
قرر أن يقضي الليل في هذا المكان، أدخل نعاجه من الباب المحطم، ووضع بضع ألواح بطريقه بمنعها بها من الفرار أثناء الليل. لم يكن هناك ذئاب في تلك المنطقة، فذات مرة هربت دابة فكلفه ذلك إضاعة نهار بكامله في البحث عن النعجة الفارة.
مد معطفه على الأرض وتمدد، وجعل من كتابه الذي فرغ من قراءته وسادة.
قبل أن يغرف في النوم أكثر فكر بأن عليه قراءة كتب أكبر، وسيكرس لإنهائها وقتاً أكبر، وسوف يكون له منها وسادات أكثر راحة من أجل الليل.
عندما أفاق، كانت العتمة لاتزال قائمة، نظر إلى الأعلى فرأى النجوم تلمع، من خلال السقف الذي انهار نصفه.
فقال في نفسه:
-
كنت أتمنى فعلاً لو نمت لوقتٍ أطول.
فقد رأي حلماً، إنه حلم الأسبوع الفائت، ومن جديد أفاق قبل نهايته. نهض وشرب جرعة من الخمر، ثم تناول عصاه، وأخذ بإيقاظ نعاجه التي كانت ما تزال راقدة، وقد لاحظ أن معظم البهائم تستعيد وعيها وتتخلص بسرعة من نعاسها ولمّا يسعد وعيه هو، وكأنما هناك قدرة غريبة قد ربطت حياته بحياة تلك الأغنام، والتي تطوف معه البلاد منذ عامين سعياً وراء الماء والكلأ.
-
قد تعودت على فعلاً لدرجة أنها صارت تعرف مواقيتي ـ قال في نفسه بصوت منخفض، وبعد لحظة من التفكير تراءى له أن العكس هو الصحيح، إذ أنه هو الذي قد اعتاد عليها وعلى مواقيتها.
كانت بعض النعاج تماطل بالاستيقاظ، فكان يوقظها واحدة إثر أخرى بعصاه، منادياً كل نعجة منها باسمها، فقد كان مقتنعاً دائماً بمقدرة النعاج على فهم ما يقول، وكان يقرأ لها مقاطع من بعض الكتب، أو يتحدث إليها عن عزلة أو سرور راع، بحياته في الريف، ويفسر لها آخر المستجدات التي قد رآها في المدن التي اعتاد أن يمر بها.
مع ذلك منذ قبل يوم أمس، لم يكن لديه عملياً، موضوع محادثة آخر سوى تلك الشابة التي تسكن في المدينة التي سيصل إليها بعد أربعة أيام، لم يكن قد زارها إلا لمرة واحدة في العام الفائت.
كان التاجر يملك متجراً للقماش، وكان يحبذ أن يجز صوف أغنامه على مرأى منه، كي يتحاشى الوقوع ضحية للغش، لقد قاد الراعي قطيعه إليه لأن أحد أصدقائه قد دلّه على المتجر.

× × ×

-
أنا بحاجة لأن أبيع قليلاً من الصوف ـ قال للتاجر.
كان المتجر يغص بالزبائن، لذا فقد طلب التاجر من الراعي الانتظار حتى المساء، فذهب ليجلس على رصيف المتجر وأخرج من حقيبته كتاباً.
-
لم أكن أعلم أن بإمكان الرعاة قراءة الكتب.
قال صوت امرأة كانت بجانبه، كانت هذه الشابة تمثل نموذجاً لنساء منطقة الأندلس بشعرها الأسود المسدول، وعينيها اللتين تذكران نوعاً ما بالفاتحين العرب القدماء.
-
ذلك لأن النعاج تعلم أشياء أكثر مما هو في الكتب ـ أجاب الراعي الشاب.
بقيا يثرثران أكثر من ساعتين، هي أخبرته بأنها ابنة التاجر، وتحدثت عن الحياة في القرية، وعن رتابة الأيام فيها، والراعي حدثها عن الأندلس، وعن آخر المستجدات التي رآها في المدن التي مرّ فيها.
كان سعيداً لأنه لم يكن مجبراً على التحدث مع أغنامه دائماً.
-
كيف تعلمت القراءة؟ سألت الشابة لتوها.
-
كسائر الناس، في المدرسة.
-
لكن، وربما أنك تعرف القراءة، لماذا لم تصبح إلا مجرد راعٍ؟
وارب الراعي كي لا يرد على هذا السؤال، لأنه كان متأكداً من أن الفتاة لن تفهمه.
تابع رواية سير ترحاله، وعيناها العربيتان الصغيرتان تحملقان ثم تنغلقان بفعل الإنذهال والمفاجأة.
كان يشعر أن الوقت يمر سريعاً، وتمنى لهذا اليوم ألا ينتهي، ولوالد الفتاة أن يبقى مشغولاً لزمن أطول، وأن يطلب منه الانتظار ثلاثة أيام.
وانتابه إحساس لم يكن قد ألم به من قبل أبداً: إنه الرغبة في الاستقرار في مدينة بالذات مع الشابة ذات الشعر الأسود، فلن تكون الأيام رتيبة متشابهة، لكن التاجر، ظهر أخيرا، فطلب منه أن يجز له صوف أربع نعاج، دفع إليه التاجر ثمن الصوف ودعاه إلى المجيء في السنة القادمة.
حتى الآن لم يكن يعوزه إلا أربعة أيام، من أجل الوصول إلى تلك البلدة نفسها، كان مبتهجاً وبالوقت نفسه مرتاباً من أن تكون الفتاة قد نسيته، فالرعاة الذين يمرون من هنا لجز صوف أغنامهم ليسوا قلائل.
-
غير مهم ـ قال متحدثاً إلى أغنامه _ فأنا أيضاً أعرف فتيات أخريات، في مدن أخرى.
لكنه كان في قرارة نفسه يعترف أن لقاءه بها له أهميته، وأن الرعاة كالبحارة أو التجار المتجولين، يعلمون دائماً أن مدينة يوجد فيها من يجعلهم ينسون متعة التجوال في العالم بملئ حريتهم.

بينما أخذت تبدو خيوط الشمس الأولى، بدأ الراعي يتقدم بأغنامه باتجاه الشمس المشرقة.
-
إنها تتبعني، فهي ليست بحاجة على الإطلاق إلى اتخاذ قرار – فكر- ربما لهذا السبب فإنها تبقى بقربي، وبقدر ماسيبقى راعيها عارفاً بأفضل المراعي الأندلسية بقدر ماستبقى تلك الأغنام صديقاته، فحتى لو تشابهت الأيام بعضها ببعضها الآخر، مكونة ساعات ممتدة بين طلوع الشمس وغروبها، حتى لو أن تلك النعاج لم تقرأ قط أي كتاب خلال حياتها القصيرة، حتى لو جهلت لغة البشر الذين يرون ما كان يحصل في القرى، فهي تكتفي بالماء والكلأ، وهذا بالمحصلة كافٍ. وفي المقابل فهي تمنح صوفها، وصحبتها بسخاء، ومن وقت لآخر لحمها أيضاً، ولو أنني بين لحظة وأخرى قد تحولت إلى غول وأخذت بذبحها وحدة إثر الأخرى. فإنها لن تستوعب ما يحصل، إلا عندما يوشك القطيع على الهلاك، وذلك لأنها تثق بي، ولم تعد تعتمد على غرائزها، وهذا كله لأنني أنا الذي أسوقها إلى المراعي.
أخذ الراعي يفاجأ بأفكاره، وصار يجدها غريبة.
ربما بدت الكنيسة، مع شجرة الجميز المنتصبة في الداخل مسكونة بالأرواح. هل كان هذا هو السبب الذي جعل هذا الحلم يعاوده أيضاً، وهل لهذا يعاني من شعور الغضب تجاه نعاجه، صديقاته المخلصات دوماً؟
شرب قليلاً من الخمر الذي تبقى لديه من عشاء ليلة الأمس، وشد معطفه على جسده، فهو يعلم أن الشمس ستكون في أوجها بعد بضع ساعات، وسيصبح الطقس حاراً جداً، لدرجة لن يستطيع معها اصطحاب قطيعه عبر الريف.
في تلك الساعة من الصيف، كانت إسبانية كلها غافية، الحرارة مرتفعة حتى في الليل، وخلال ذلك الوقت كله يتوجب عليه أن يحمل معطفه معه.
وكلّما كانت تتملكه الرغبة في الشكوى من هذا العبء تحديداً، كان يتذكر أنه بفضله يجابه برودة الصباح الباكر.
-
علينا أن نكون مستعدين دائماً لمفاجآت الطقس ـ تخيل عندئذٍ وتقبّل بامتنان ثقل معطفه الذي كان هناك مبرر لوجوده كمثل الشاب، فبعد سنين من تطواف سهول الأندلس، صار يعرف عن ظهر قلب، أسماء مدن المنطقة كلها، وكان هذا ما أعطى لحياته معنى، إنه الترحال ...



الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
روايات انسان
عضو متميز
عضو متميز
روايات انسان


عدد المساهمات : 3434
تاريخ التسجيل : 10/02/2013

الخيميائي - كابيلو Empty
مُساهمةموضوع: رد: الخيميائي - كابيلو   الخيميائي - كابيلو Emptyالخميس يونيو 20, 2013 10:15 am

كان ينوي هذه المرة أن يشرح للفتاة الشابة، لماذا يعرف راع بسيط القراءة؟ فقد كان يتردد حتى سن السادس عشرة عاماً على المدرسة الأكليريكية، وأهله أرادوا له أن يصبح قسيساً، تتشرف به عائلة متواضعة، من وسط فلاحي، تكد من أجل لقمتها وهي بذلك كأغنامه.
درس اللاتينية والإسبانية واللاهوت، لكنه منذ طفولته المبكرة كان يحلم بمعرفة العالم، ويكسب معرفة أفضل من مجرد معرفة الذات الإلهية أو آثام البشر.
ذات مساءٍ جميل، وهو ذاهب لرؤية ذويه، تسلّح بالشجاعة وأخبر والده بأنه لايريد أن يكون راهباً بل يريد السفر.
-
ياولدي، رجال من العالم بأسره قد أتوا إلى هنا، ومرّوا آنفاً بهذه القرية، إنهم يأتون إلى هنا ليبحثوا عن أشياء جديدة، لكنهم يبقون الرجال أنفسهم، يذهبون إلى الهضبة لزيارة القصر ويجدون أن الماضي أفضل من الحاضر، أكانوا ذوي شعر فاتح، أو ذوي بشرة غامقة، فهم يشبهون رجال قريتنا.
قال الشاب:
-
لكنني لا أعرف قصور البلاد التي قدم منها هؤلاء الرجال.
تابع الأب:
-
عندما رأى هؤلاء الرجال حقولنا ونساءنا حبذوا العيش هنا إلى الأبد.
قال الإبن:
-
أريد أن أتعرّف على نساء وحقول وأراضي البلاد التي قدم منها هؤلاء الرجال، إنهم لا يديمون البقاء بيننا.
قال الأب:
-
لكن هؤلاء الرجال يملكون المال الوفير، أما عندنا فالرعاة وحدهم من يستطيع رؤية مختلف البلدان.
-
إذاً سأصبح راعياً.
لم يضف الأب شيئاً بعد، وفي صباح اليوم التالي أعطى لولده كيس نقود يحتوي على ثلاث قطع ذهبية إسبانية قديمة.
-
ذات يوم، وجدتها في أحد الحقول، وكنت أفكر أنها حق للكنيسة بمناسبة ترقيتك فيها، لكن خذها واشتر لنفسك بها قطيعاً، واذهب عبر العالم، إلى أن يأتي اليوم الذي تعلم فيه أن قصرنا هو الأعظم، ونساءنا هن أجمل النساء، ومنحه بركته.

قرأ الولد في عيني والده الرغبة في تطواف العالم أيضاً، رغبة كانت تحيا معه رغم عشرات السنين التي حاول أن يمضيها مقيماً في المكان نفسه يأكل ويشرب ويغفو فيه كل ليلة.

× × ×

تلوّن الأفق باللون الأحمر، ثم بدت الشمس.
تذكر الشاب المحادثة التي دارت بينه وبين أبيه، فأحس بالسعادة، كان قد عرف من قبل كثيراً من القصور، وكثيراً من النساء، لكن أياً منهن لا تعادل تلك التي ينتظرها بعد مسيرة يومين من الآن، كان يمتلك معطفاً، وكتاباً وبإمكانه أن يبادله مقابل آخر، وقطيعاً من الغنم، والأكثر أهمية من هذا كله أنه كل يوم يتحقق حلم حياته الكبير: الترحال ...
وعندما سيتعب من التجوال في ريف الأندلس، فإنه سيستطيع بيع أغنامه ليصبح بحاراً، وعندما سيمل البحر، فإنه سيكون قد تعرّف على مدن كثيرة، ونساء كثيرات، وفرص عديدة ليظل سعيداً.
ثم تساءل وهو يشاهد بزوغ الشمس:
-
كيف يمكن للمرء أن يبحث عن الإله في مدرسة إكليريكية؟.
لم يكن قد جاء إطلاقاً حتى هذه الكنيسة، مع أنه مرّ من هنا مرات عديدة.
العالم كبير، لامتناهٍ، ولو ترك أغنامه تقوده، ولو لبعض الوقت، لوصل إلى اكتشاف أشياء جديدة ومفعمة بالفائدة.
-
المشكلة هي انها لا تعي أنها تعبر دروباً جديدة كل يوم، ولا تلاحظ أن المراعي تغيرت، وأن الفصول متباينة، لأنها لا تملك من هاجس سوى الماء والكلأ.
-
إن الشيء نفسه يجري لكل الناس ـ فكر الراعي ـ حتى بالنسبة لي أنا الذي لم أفكر بنساء أخريات منذ التقيت ابنة ذلك التاجر.
نظر إلى السماء، وقدّر أنه سيكون ـ تبعاً لحساباته ـ في " طريفه " قبل وقت الغداء، هناك ... سيستطيع مبادلة كتابه بآخر أكبر حجماً، وتعبئة زجاجته خمراً، وأن يحلق ذقنه، ويقص ضعره، عليه أن يكون على أتم استعداد للقاء الفتاة الشابة، ولم يكن يريد حتى أن يتصور احتمال امكانية وصول راعٍ آخر قبله، يملك من الغنم أكثر منه، قاصداً طلب يدها.
-
إنها تماماً إمكانية تحقيق حلم يجعل الحياة ذات أهمية ـ تخيل رافعاً نظره نحو السماء وهو يسرع في خطواته.
لقد تذكر لتوه أن هناك في " طريفه " امرأة عجوز تعرف تفسير الأحلام، في هذه الليلة حلم بالحلم الذي كان يراوده ... الحلم القديم نفسه ..

× × ×

قادت المرأة العجوز الشاب إلى داخل المنزل، إلى غرفة يفصلها عن الصالة ستار من البلاستيك متعدد الألوان، كانت هناك طاولة، وصورة للأب المقدس السيد المسيح، وكرسيان.
جسلت العجوز، ورجته أن يفعل مثلها، ثم أمسكت بيديه وأخذت بالدعاء بصوت منخفضٍ جداً، كان هذا أشبه مايكون بصلاة غجرية، لقد التقى كثيراً من الغجر في دربه من قبل، فقد كانوا 
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
روايات انسان
عضو متميز
عضو متميز
روايات انسان


عدد المساهمات : 3434
تاريخ التسجيل : 10/02/2013

الخيميائي - كابيلو Empty
مُساهمةموضوع: رد: الخيميائي - كابيلو   الخيميائي - كابيلو Emptyالخميس يونيو 20, 2013 10:15 am

يسافرون أيضاً، لكنهم لم يكونون يهتمون بالغنم، بل ان الشائع بين الناس هو أن الغجري يقضي وقته في خداع الناس، ويقال أيضاً أن هناك عهداً بينهم وبين الشيطان، وأنهم يسرقون الأطفال، ليجعلوا منهم عبيداً لهم في مخيماتهم الغامضة.
عندما كان الراعي الشاب طفلاً صغيراً كان كثير التخوف وتراوده فكرة أن يختطفه العجر، وعاوده هذا الخوف القديم عندما كانت العجوز تمسك بيديه.
-
لكن توجد هنا صورة السيد المسيح _ فكّر محاولاً أن يطمئن نفسه، لم يكن يريد ليديه أن ترتجفا، أو أن تلاحظ العجوز خوفه، وفي صمت تلا صلاةً .
-
أمرٌ مثير ! قالت العجوز دون أن تفارق عيناها يد الولد.
وابتسمت من جديد، أما هو فقد كان يشعر من وقت إلى آخر بثورة أعصابه، يداه أخذتا ترتجفان رغماً عنه، ولاحظت العجوز ذلك، صمم أن يسحبها على الفور ثم قال:
-
أنا لم آتِ إلى هنا من اجل قراءة خطوط يدي.
وهو الآن يتأسف دخوله هذه الدار وحسب أنه سيكون من الأفضل أن يدفع قيمة الاستشارة وينصرف دون أن يعرف شيئاً، فقد علق دون شك أهمية كبرى على حلم تكرر.
قالت العجوز:
-
أتيت تسألني على الأحلام، والأحلام هي لغة الله، وعندما يتكلم الله بلغة البشر فأنا أستطيع تفسيرها، لكنه عندما يتكلم بلغة روحك، فلن يفهمه أحد سواك، وعلى أية حال، عليك أن تدفع قيمة استشارتي.
-
حيلة أخرى ـ فكر الشاب، وعلى الرغم من كل شيء فإن الراعي قد قرر المجازفة. إنه يتعرض دائماً لخطر الذئاب، أو لخطر الجفاف، وهذا تماماً ما يجعل من مهنته مهنة هامة ومثيرة.
قال الشاب:
-
حلمت بالحلم نفسه مرتين على التوالي. كنت متواجداً مع أغنامي على أرض أحد المراعي، حينما ظهر طفل وأخذ يلعب مع البهائم، وأنا لا أحبذ كثيراً أن يأتي أحد ليلهو مع نعاجي، فهي تخاف من رؤية أشخاص لا تعرفهم، لكن الأطفال ينجحون دائماً في اللهو معها دون أن يسببوا لها الخوف، إنني أجعل لماذا، ولا أعرف كيف تستطيع الحيوانات معرفة أعمار الكائنات البشرية.
-
ارجع إلى حلمك ـ قالت العجوز ـ فلدي قدر على النار، بالاضافة إلى أنك لاتملك الكثير من المال وتأخذ وقتي كله.
-
تابع الطفل اللعب مع النعاج لفترة ـ أردف الراعي مرتبكاً قليلاً ـ وفجأة أخذ بيدي وقادني حتى أهرامات مصر.
عدل الشاب عن الكلام لحظة، ليرى إن كانت العجوز تعرف ماتكون أهرامات مصر، لكنها بقيت خرساء، ثم تابع:
-
عندئذٍ أمام أهرامات مصر، (لفظ هذه الكلمى بمنتهى الدقة، لتستطيع العجوز فهمها جيداً)، كان الطفل يقول لي: " إن تأتِ حتى هنا، فستجد كنزاً مخبأ " . وفي اللحظة التي كان يكاد أن يريني فيها المكان المحدد كنت استيقظ في المرتين.
مكثت العجوز صامتة للحظات، ثم عادت وأمسكت بيدي الشاب اللتين تفحصتهما بانتباه.
-
لن أدعك تدفع الآن أي شيء، لكنني أريد عشر الكنز إن وجدته.
أخذ الشاب يضحك، إنها ضحكة انشراح ورضا، فهكذا سيدخر القليل من المال الذي يملكه بفضل حلم صار عبارة عن مسألة كنز مخبأ ! لابد أن تكون المرأة الطيبة العجوز غجرية، فالغجر أغبياء.


-
حسنٌ، كيف تفسرين هذا الحلم ؟ .
-
أولاً يجب أن تقسم. اقسم لي أنك ستعطيني العشر من كنزك مقابل ما سأقوله لك.
أقسم الراعي، وطلبت منه العجوز أن يكرر القسم، وهو يثبت عينيه في صورة السيد المسيح.
قالت العجوز:
-
إنه حلم باللغة الكونية، حلم أستطيع تأويله، لكنه تأويل صعب جداً، يبدو لي أني استحق حصتي مما ستجد، والتأويل هو ذا:
"
عليك أن تذهب حتى أهرامات مصر، لم أسمع عنها مطلقاً لكن إن كان من أراك إياها طفل، فهذا يعني أنها موجودة فعلاً، هناك ستجد كنزاً سيجعل منكَ رجلاً غنياً ".
ذهل الشاب للوهلة الأولى، ثم غضب، لم يكن بحاجة للمجيء، لرؤية هذه المرأة من أجل شيء تافه، لكنه تذكر في نهاية الأمر أنه لم يدفع شيئاً.
-
لم تك لدي حاجة لإضاعة وقتي مادام الأمر هكذا ـ قال الشاب.
-
أنت ترى، لقد كنت قد قلت لك أن حلمك صعب التفسير، الأشياء البسيطة هي الأشياء الأكثر روعة والعلماء وحدهم من يراها، وبما أنني لست واحدة منهم فإنه يتوجب عليّ معرفة فنون أخرى: قراءة الكف مثلاً.
-
وماذا عليّ أن أفعل من أجل الذهاب حتى مصر ؟
-
أنا لا أقوم إلا بتفسير الأحلام وليس بمقدوري تحويلها إلى حقيقة، ولهذا السبب عليّ أن أعيش مما تعطيني إياه بناتي.
-
وإن لم أصل حتى مصر ؟
-
حسنٌ، عندها لن أوفى أجري ولن تكون هذه المرة الأولى.
ولم تضف العجوز شيئاً، بل طلبت من الشاب الانصراف لأنه جعلها تضيع الكثير من الوقت.

× × ×

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
روايات انسان
عضو متميز
عضو متميز
روايات انسان


عدد المساهمات : 3434
تاريخ التسجيل : 10/02/2013

الخيميائي - كابيلو Empty
مُساهمةموضوع: رد: الخيميائي - كابيلو   الخيميائي - كابيلو Emptyالخميس يونيو 20, 2013 10:16 am

انصرف الراعي خائباً وعازماً على ألا يعتقد بالأحلام بعد الآن، ثم تذكر أن عليه القيام بأشياء مختلفة، ذهب للبحث عن شيء يأكله، ولمبادلة كتابه مقابل آخر أكبر حجماً، وجلس على مقعد في الساحة، ليتذوق الخمرة الجديدة التي ابتاعها.
إنه نهار حار، ولعلّ الخمر، بفضل أحد تأثيراته الخفيّة التي يملكها، يستطيع أن يكون مرطباً له.
كانت أغنامه عند مدخل المدينة، في حظيرة أحد الأصدقاء الجدد. تعرف على الكثير من الناس في هذه الأنحاء، وهذا ما جعله يحب السفر لأيام متتالية، فعندما نرى الأشخاص أنفسهم كما هي الحال عليه في المدرسة الإكليريكية ـ فإننا نتوصل إلى اعتبارهم جزءاً من حياتنا، وبما أنهم يشكّلون جزءاً من حياتنا، فإنهم يبحثون في نهاية الأمر عن تغييرها كما يرغبون بغير رضى، لأن كل الناس يعتقدون معرفة كيف يجب أن نعيش تماماً، لكن أياً كان لا يعرف قطعاً كيف يتوجب عليه أن يعيش هو نفسه حياته الخاصة، كما لدى هذه المرأة المنجمة التي تجهل كيف تحول الأحلام إلى واقع.
قرر الانتظار حتى حلول الظلام، قبل أن يذهب إلى الريف مع نعاجه، فبعد ثلاثة أيام سيلتقي ثانيةً ابنة التاجر.
بدأ بقراءة الكتاب الذي كان قد حصل عليه من خوري طريفه. كان مؤلفاً ضخماً يتعرض لمسألة دفن من بدايته، بالاضافة إلى ذلك كانت أسماء الشخصيات معقدة للغاية. ثم حدث نفسه، بأنه لو قدر لو يوماً أن يؤلف كتاباً، فسوف يورد الشخصيات واحدة واحدة، كي يوفر لقرائه حفظ أسمائها دفعة واحد عن ظهر قلب.
عندما كان يقرأ بتركيز تلك القصة الجميلة عن دفن في الثلج، والتي منحته احساساً بالرطوبة رغم الشمس المحرقة ... جاء رجل عجوز للجلوس بجانبه والحديث معه.
-
ماذا يفعل هؤلاء ؟ سأل العجوز مشيراً إلى المارة في الساحة.
أجاب الراعي بلهجة جافة:
-
إنهم يعملون ... وتظاهر بالقراءة.
وفي الواقع، فقد كان يحلم بالذهاب لجز صوف نعاجه أمام ابنة التاجر كي تلمس بنفسها مقدرته على القيام بالكثير من الأمور الهامة، كان قد تخيّل هذا المشهد عشرات المرّات. وأن الشابة تبدو له مندهشة عندما يشرح لها عن الغنم وكيف يجز الصوف من الخلف إلى الأمام، لقد بذل ما بوسعه لتذكر بعض القصص الجيدة وروايتها لها أثناء عملية الجز، كانت في الغالب قصصاً قرأها في الكتب، وهو يرويها، كما لو أنه عاشها بنفسه، ولن تعرف مطلقاً الفرق طالما أنها تجهل قراءة الكتب.
أصرّ العجوز على الكلام حينذاك، واخبره أنه متعب وعطش، وطلب أن يشرب جرعة من الخمر، فقدم له الشاب زجاجته علّه يذهب ويتركه بحاله.
لكن العجوز كان يريد الثرثرة بإلحاح، فسأل الراعي عن الكتاب الذي يقرأه.
فكر الشاب أن يكون فظّاً ويغير مقعده، لكنه تذكر أن أباه قد علّمه أن يحترم المسنين، عندها ناول الرجل العجوز الكتاب لسببين: أولاهما، لأنه كان يجد نفسه فعلاً غير قادر على لفظ العنوان، وثانيهما، كي يغير العجوز مقعده إن كان يجهل فعلاً القراءة حتى لا يشعر بالذل.
-
هِمْ ـ تنحنح العجوز متفحصاً الكتاب من وجوهه كلها كما لو كان شيئاً غريباً ـ إنه كتابٌ مهم ولكنه ممل جداً.
ولشد ما تفاجأ الراعي عندما وجد أن العجوز يجيد القراءة. وأنه كان قد قرأ من قبل هذا الكتاب. وأنه كتاب ممل كما أكد العجوز، فالوقت لا يزال مناسباً كي يستبدله بآخر.
تابع العجوز:
-
إنه كتاب يتحدث عن الشيء نفسه الذي تحدثت عنه الكتب كلها تقريباً، عن عجز الناس في اختيار مصيرهم، وأخيراً يجعلنا ندرك أكبر خدعة في العالم.
-
ما هي أكبر خدعة في العالم ؟! سأل الشاب مندهشاً.
-
هي ذي: " في إحدى لحظات وجودنا، نفقد السيطرة على حياتنا التي ستجد نفسها محكومة بالقدر، وهنا تكمن خديعة العالم الكبرى. "
قال الشاب:
-
بالنسبة لي، لم تجر الأمور بهذه الطريقة، فقد كانوا يريدون أن يجعلوا مني كاهناً لكنني قررت أن أكون راعياً.
-
هكذا أفضل لك، لأنك تحب الترحال.
-
لقد حدس أفكاري ـ قال لنفسه سنتياغو، بينما كان العجوز يتصفح الكتاب، دون أن يظهر أية نية لردّه.
لاحظ الراعي أن العجوز يرتدي زيّاً غريباً، فقد كان يبدوا أنه عربي الهيئة، وهذا شيء مألوف في تلك المنطقة، فإفريقية على بضع ساعات من " طريفة " ويكفي اجتياز المضيق الصغير بواسطة القارب وغالباً ما يأتي العرب للتسوق من المدينة فالناس يشاهدونهم وهم يصلون عدة مرات في اليوم بطريقة تدعو للفضول.
-
من أين أنت ؟ سأل الشاب.
-
من أماكن عدة.
-
لا يمكن لأحد أن يكون من أماكن عدة، فأنا راعٍ، ومن الممكن أن أتواجد في أماكن مختلفة، لكنني أنتمي لمكانٍ واحد، مدينة قريبة من قصر قديم جداً، فهناك وُلدت.
-
لنقل إذن إنني ولدت في سالم
لم يكن الراعي يعرف أين تقع سالم، لكنه لم يطرح سؤالاً، كي لا يشعر بأنه سخيف نتيجة جهله.
انهمك بمراقبة الساحة للحظة، فالناس يذهبون ويجيئون، ويبدون منشغلين للغاية.
سأل الشاب:

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
روايات انسان
عضو متميز
عضو متميز
روايات انسان


عدد المساهمات : 3434
تاريخ التسجيل : 10/02/2013

الخيميائي - كابيلو Empty
مُساهمةموضوع: رد: الخيميائي - كابيلو   الخيميائي - كابيلو Emptyالخميس يونيو 20, 2013 10:16 am

- كيف هي سالم؟ باحثاً عن أية علامة لا على التعيين.
-
كما هي دائماً من الأزل.
لم يكن في هذا أية علاقة تدل عليها، لكن على الأقل كان يعلم أن سالم ليست في الأندلس، وإلا لكان عرفها.
-
وماذا تفعلون أنتم في سالم؟
-
ما أفعله في سالم؟!
انفجر للمرة الأولى العجوز ضاحكاً، لكنني أنا ملك سالم، أي سؤال هذا ! ...
الناس يقولون الكثير من الكلمات الغريبة، ومن المستحسن أحياناً أن يعيش المرء مع النعاج الخرساء، ويكتفي بالبحث عن الماء والغذاء، أو مع الكتب التي تحكي قصصاً لا تُصدّق، أما عندما يتكلم المرء مع البشر فإن هؤلاء يقولون بعض الأمور التي تجعلنا جاهلين كيف نتابع الحديث.
قال العجوز:
-
أنا أدعى " ملكي صادق "، كم تملك من الغنم؟
-
ما يلزم.
كان العجوز يريد أن يعرف الأكثر عن حياته.
-
لدينا مشكلة إذن، فأنا لا أستطيع أن أساعدك، مادمت تفكر بامتلاك ما يلزمك من الغنم.
بدأ الشاب يعاني نوعاً من الضيق، فهو لم يكن قد طلب منه أية مساعدة. فالشيخ العجوز هو الذي كان قد طلب خمراً، وأراد أن يثرثر، وهو الذي كان قد اهتم بالكتاب.
-
أعد إلي الكتاب، يجب أن أذهب للبحث عن أغنامي ومتابعة طريقي.
-
أعطني منها العشر، وسأعلّمك كيف تصل إلى كنزك المخبأ.


تذكر الفتى حلمه، وفجأة صار كل شيء واضحاً له.
فالمرأة العجوز لم تجعله يدفع شيئاً، لكن هذا الشيخ، سينجح في تحصيل مبلغ أكبر مقابل معلومة لم تكن تتعلّق بأي واقع، لابد أنه غجري أيضاً ويمكن أن يكون زوجها.
في تلك الأثناء، ودون أن يقول أية كلمة، انحنى العجوز، والتقط غصناً من الأرض، وشرع يكتب شيئاً على رمل الساحة، وفي اللحظة التي انحنى فيها، لمع شيء ما على صدره، كان الضوء باهراً لدرجة جعلت الشاب شبه أعمى.
لكن وبحركة سريعة ومدهشة لرجل في عمره، سارع العجوز لشد معطفه على صدره.
زال انبهار عيني الفتى، فاستطاع أن يرى بوضوح ما كان الرجل يكتبه، قرأ اسم أبيه، واسم أمه على رمال الساحة الرئيسية للمدينة الصغيرة، ألعاب طفولته، ليالي المدرسة الإكليريكية الباردة، ثم قرأ سيرة حياته حتى هذه اللحظة، قرأ أشياء لم يكن قد رواها لأحد قط، كتلك المرة التي سرق فيها سلاح أبيه وذهب لاصطياد الوعول الجبلية، أو كتجربته الجنسية الأولى والوحيدة.
-
أنا ملك سالم ـ قال العجوز.
-
لماذا يثرثر ملك مع راع؟ تساءل الفتى في ذهول وحيرة.
-
توجد عدة أسباب، لكن لنقل أن أهمّها هو أنك كنت قادراً على انجاز " أسطورتك الشخصية " .
لم يكن الشاب يعرف ما كان العجوز يقصد بقوله: " أسطورة شخصية " .
-
هي ما كنت دائماً تتمنى أن تفعل، فكل واحد منا يعرف ما هي أسطورته الشخصية وهو في ريعان شبابه، في هذه الفترة من الحياة، يكون كل شيء واضحاً، كل شيء ممكناً، ولا يخاف المرء من أن يحلم أو يتمنى ما يحب أن يفعله في حياته. وكلما جرى الوقت، فإن قوى خفيّة تنشط لإثبات استحالة تحقيق الأسطورة الشخصية.
لم يكن لقول العجوز أي معنى بالنسبة للراعي الشاب.
لكنه كان يريد معرفة ماهية هذه " القوى الخفية ". إن ابنة التاجر ستبقى فاغرة فاها !
-
إنها قوى قد تبدو سيئة، ولكنها في الواقع هي تلك التي تعلّمك كيف تحقق أسطورتك الشخصية، إنها هي التي تعد عقلك، وإرادتك لأن هناك حقيقة كبرى في هذا العالم:
"
فأياً كنت، وأيّ شيء فعلت، فإنك عندما تريد شيئاً بالفعل، فهذا يعني أن هذه الرغبة قد ولدت في " النفس الكليّة " ، وأنها رسالتك على الأرض . "
-
حتى لو كانت الرغبة فقط هي رغبة في الترحال ؟ أو في الزواج من ابنة تاجر أقمشة؟
-
أو البحث عن الكنز، فإن النفس الكليّة تتغذى من سعادة الناس أو من شقائهم، من الرغبة، من الغيرة، وإنجاز الأسطورة الشخصية هو الالتزام الأول والأوحد للناس، وكل شيء ليس إلا شيئاً واحداً.
"
وعندما تريد شيئاً ما، فإن الكون بأسره يتضافر ليوفر لك تحقيق رغبتك " .
احتفظا بالصمت للحظة، راقبا فيها الساحة والمارّة، وكان العجوز هو المبادر في إعادة فتح الحديث:
-
لماذا ترعى الغنم؟
-
لأنني أحب الترحال.
أشار العجوز إلى بائع البوشار بعربته الحمراء في إحدى زوايا الساحة وقال:
-
هذا الرجل أيضاً كان دائماً يريد الترحال عندما كان طفلاً، لكنّه فضّل شراء عربة صغيرة ليبيع البوشار ويجمع المال طيلة سنين عديدة، وعندما يصبح عجوزاً سيسافر ليمضي شهراً في إفريقية، إنه لم يدرك أبداً أن الانسان يمتلك القدرة لينفذ ما يحلم به.
-
كان عليه أن يكون راعياً ـ فكّر الشاب بصوتٍ عالٍ.
-
لقد فكّر في ذلك ـ قال العجوز ـ لكن باعة البوشار ذوو شخصيات أكبر من تلك التي هم عليها 
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
روايات انسان
عضو متميز
عضو متميز
روايات انسان


عدد المساهمات : 3434
تاريخ التسجيل : 10/02/2013

الخيميائي - كابيلو Empty
مُساهمةموضوع: رد: الخيميائي - كابيلو   الخيميائي - كابيلو Emptyالخميس يونيو 20, 2013 10:16 am

الرعاة، فباعة البوشار لديهم بيوت تؤويهم، بينما الرعاة ينامون تحت النجوم، والناس يفضّلون تزويج بناتهم من باعة بوشار على تزويجهم من الرعاة.
شعر الراعي بغصّة في الصميم، وهو يفكّر بابنة التاجر، ففي المدينة حيث تعيش يوجد بالتأكيد بائع بوشار.
-
وأخيراً ـ أردف العجوز ـ فإن ما يفكّر به الناس عادة عن باعة البوشار وعن الرعاة يصبح لديهم أهم من الأسطورة الشخصية.
تصفّح العجوز الكتاب وتسلّى بقراءة صفحة منه، انتظر الراعي قليلاً ثم قاطعه بنفس الطريقة التي قوطع هو بها:
-
لماذا قلت لي هذه الأشياء؟
-
لأنك تحاول أن تعيش أسطورتك الشخصية، ولأنك على وشك العدول عنها.
-
وأنت تظهر دائماً في هذه اللحظات؟
-
ليس بهذا الشكل دائماً، لكنني لا أتخلّى عنه أبداً ... فمرة أظهر على شكل فكرة جديدة، أو كطريقة للتخلص من ورطة، ومرة اخرى أظهر في لحظة روحانية، أجعل فيها الاشياء سهلة المنال، وهكذا ... لكن أغلب الناس لا يلاحظون شيئاً.
روى أنه في الاسبوع الماضي، كان مجبراً على الظهور لأحد المنقبين على شكل حجر، فقد كان هذا الرجل قد تخلّى عن كل شيء، ورحل سعياً للحصول على الزمرد.
خمس سنوات عمل خلالها بتكسير الاحجار على طول أحد الأنهار، كان قد كسر خلالها تسعمائة وتسعاً وتسعين ألفاً وتسعمائة وتسعاً وتسعين حجراً، محالاً أن يجد زمردة، في تلك الأثناء فكّر بالتراجع، ولم يكن ينقصه عندئذٍ إلا حجر واحدة، ليكتشف زمردته، وبما أنه كان رجلاً دأب في الجد خلف أسطورته الشخصية، فقد قرر العجوز التدخل، فتحول إلى حجر تدحرجت عند أقدامه، وتحت وطأة غضبه وإحساسه باستلابه خلال خمس سنوات ضاعت من عمره، قذف بتلك الحجر إلى البعيد، ورماها بقوة كبيرة جعلتها ترتطم بحجر أخرى، فتفتت لتكشف عن أجمل زمردة في العالم.
قال العجوز وفي عينيه شيء من المرارة:
-
إن الناس يتعلّمون مبكراً مبرر حياتهم، وربما لهذا السبب نفسه أيضاً، يتخلّون عاجلاً عن المتابعة، لكن هكذا هي الدنيا.
تذكر الشاب حينئذٍ أن نقطة البداية بالنسبة للمحادثة التي دارت بينهما كانت الكنز المخبأ.
-
لقد نُبشت الكنوز بفعل السيل الجاري ـ قال العجوزـ ودُفنت نتيجة ارتفاع مياه السيل نفسها، وان كنت تريد معرفة المزيد عن كنزك، عليك أن تتنازل عن عشر قطيعك.
-
أفلا يمكن لعشر الكنز أن يفي بالأمر؟
بدا الشيخ خائباً:
-
إذا وعدت بشيء لا تملكه بعد، فإنك ستفقد الرغبة في الحصول عليه.
قال له الراعي بأنه كان قد وعد الغجرية بعشر الكنز.
تأوه العجوز وصرخ:
-
محتالون، على أية حال، انه لجميل أن تتعلم أن لكل شيء في الحياة ثمناً، وهذه هي الفكرة التي حاول مجاهدو عهد الأنوار تعليمها.
ثم أعاد الكتاب إلى الشاب قائلاً:
-
غداً وفي مثل هذه الساعة تصحب لي عشر قطيعك، وسوف أرشدك كيف تجد كنزك بنجاح، هيّا عمت مساءً.
واختفى عبر إحدى زوايا الساحة.

× × ×


حاول الشاب الرجوع إلى قراءته، لكنه لم يتمكّن من التركيز، فقد كان مضطرباً ومتوتراً، لأنه أدرك أن العجوز يقول الحقيقة، ذهب للبحث عن البائع المتجول، واشترى منه كيساً من البوشار متسائلاً في قرارة نفسه هل عليه أن يخبره بما قال العجوز.
من الأفضل أحياناً، أن نترك الأشياء كما هي عليه ـ فكّر دون أن يقول شيئاً، فلو تكلم لأمضى بائع البوشار ثلاثة أيام بالتفكير ليقرر إن كان سيتخلّى عن كل شيء، لكنه كان قد اعتاد العربة الصغيرة.
كان يستطيع أن يوفر عليه هذا الارتياب المؤلم، أخذ يهيم في المدينة، ونزل حتى الميناء، حيث يوجد مبنى كبير، ذو نوافذ خاصة، كان الناس يأتون لشراء بطاقات السفر منها مصر ... إنها توجد في إفريقية.
-
ماذا تريد؟ سأل موظف الحجز.
-
ربما غداً ـ أجاب مبتعداً.
عندما يبيع واحدة من نعاجه، فإنه سيستطيع الانتقال إلى الجهة الأخرى من المضيق، لكن هذه الفكرة أرعبته.
-
هاهو حالم آخر ـ قال قاطع التذاكر لزميله بينما كان الشاب يبتعد ـ ليس لديه ما يغطي نفقات سفره.
في حين أنه عندما كان أمام الكوة، كان قد فكّر بنعاجه، وامتلكه الخوف من الذهاب إليها. فخلال هاتين السنتين تعلّم كل شيء عن تربية الغنم، وتعلم كيف يجز الصوف، والعناية بالنعاج الحوامل، وحماية قطيعه من الذئاب، كان يعرف حقول ومراعي الأندلس كلها، ويعرف السعر الدقيق ومبيع كل واحده من دوابه.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
روايات انسان
عضو متميز
عضو متميز
روايات انسان


عدد المساهمات : 3434
تاريخ التسجيل : 10/02/2013

الخيميائي - كابيلو Empty
مُساهمةموضوع: رد: الخيميائي - كابيلو   الخيميائي - كابيلو Emptyالخميس يونيو 20, 2013 10:16 am

قرر العودة إلى حظيرة صديقه عبر أطول الطرق، كان في المدينة قصر أيضاً، أراد تسلّق المنحدر الحجري والذهاب للجلوس على حائط السوق ليستطيع رؤية أفريقية، فأحدهم كان قد شرح له أن العرب الذين احتلوا إسبانية كلها تقريباً، ولزمن طويل قد جاؤوا من هناك، لكنه يكره العرب لأنهم جاؤوا بالغجر.
ومن الأعلى، يستطيع أن يرى أيضاً الجزء الأكبر من المدينة والساحة التي تحدّث فيها مع العجوز.
-
لعن الله الساعة التي التقيت فيها بهذا العجوز ـ فكّر ـ فهو قد ذهب بكل بساطة للبحث عن امرأة قادرة على تفسير الاحلام، فلا تلك المرأة، ولا ذاك العجوز، لم يعلّقا أية أهمية على كونه راع، فقد كانا شخصين منعزلين لا يعتقدان بشيء في الحياة، ولا يفهمان أن الرعاة ينتهون في الارتباط بدوابهم، فالراعي يعرف بدقة كل واحدة منها، ويعرف أن كانت بينها واحدة عرجاء، وأيا منها ستضع بعد شهرين، إنه يعرف الكسولات منها ومتى يكون جزّها وذبحها. وان قرر الرحيل يوماً، فإنها ستتألم كثيراً.
أخذت الريح الشرقية تعصف، فمع هذه الريح جاء قوم من السفهاء الكفار، وقبل أن يعرف " طريفه "، لم يكن ليخيل إليه أن إفريقية كانت قريبة جداً، الأمر الذي يشكّل خطراً كبيراً، فالعرب يستطيعون غزو البلاد من جديد. أخذت الريح تعصف بقوة أكبر.
-
هاأنذا بين أغنامي والكنزـ قال لنفسه، وكان عليه أن يقرر أن يختار بين شيء ألفه وآخر يحب كثيراً لو يحصل عليه، وهناك ابنة التاجر، لكنها ليست بأهمّية النعاج بالنسبة إليه، وما جعله يتأكد من ذلك هو لو أنها لن تلتقيه ما بعد الغد، لما كانت انتبهت إلى ذلك: الأيام كلها متشابهة لديها، وعندما تكون الأيام تشبه بعضها بعضاً، فهذا يعني أن الناس قد توقفوا عن ملاحظة الأشياء الطيبة التي تخطر في حياتهم طالما أن الشمس تعبر السماء باستمرار.
-
لقد غادرت أبي، أمي، وقصر المدينة التي وُلدت فيها ـ حدّث نفسه ـ لقد تعودنا على ذلك، والاغنام سوف تعتاد على غيابي.
من هناك، في الاعلى، راقب الساحة، كان البائع المتجول يتابع بيع بوشاره، جاء زوجان شابان ليجلسا على المقعد الذي شهد حواره مع العجوز، ثم تبادلا قبلة طويلة.
-
بائع البوشار ... ـ تمتم في نفسه دون أن يتم الجملة، لأن الرياح أخذت تعصف بشكل أقوى، وشعر بها تلطم وجهه، إنها جلبت العرب بلا شك، لكنها كانت تأتي أيضاً برائحة الصحراء، وبالنساء المحجبات، وتحمل عرق وأحلام أولئك الذين كانوا قد رحلوا ذات يوم بحثاً عن المجهول، أو عن الذهب، والمغامرات والأهرامات.
أخذ الشاب يغبط الريح على حريتها، وأدرك أن لاشيء يمنعه أن يكون شبيهاً بها، فالأغنام، وابنة التاجر، وحقول الأندلس لم تكن إلا مراحل من أسطورته الشخصية.

× × ×

عند ظهيرة الغد التقى الراعي الشاب بالعجوز، وكان قد أحضر معه ستاً من أغنامه، وقال له:
إنني مندهش فصديقي اشتري مني القطيع على الفور، فطيلة حياته كان يحلم بأن يكون راعياً، إذن هذا فأل خير.
قال العجوز:
-
الأمور تسير دائماً هكذا، ونحن نسمي هذا: " المبدأ المناسب"، فأنت عندما تلعب للمرة الأولى فإنك ستربح ربحاً مؤكداً، إنه حظ المبتدئ.
-
ولماذا هذا؟
-
لأن الحياة تريدك أن تعيش أسطورتك الحقيقة.
ثم بدأ يتفحّص النعاج الست، وقد لاحظ إن إحداها عرجاء، لكن الفتى قد شرح له بأن هذا ليس بذي أهمية، لأنها كانت الدابة الأكثر ذكاءً والأوفر صوفاً، ثم سأله:
-
أين يوجد الكنز؟
-
الكنز موجود في مصر قرب الأهرامات.
اعترته رجفة، فالغجرية العجوز كانت قد قالت له الشيء نفسه، لكنها لم تأخذ أجرها.
-
كي تصل إلى كنزك عليك أن تكون يقظاً للعلامات، فقد كتب الله قدرنا على جبيننا، واختار لكل منا الحياة التي عليه أن يحياها، وليس عليك إلا أن تقرأ ما كُتب لك.
وقبل أن يتمكن الشاب من أن يقول أي شيء، أخذت فراشة ليل تحوم بينه وبين الرجل العجوز، فتذكر جده، ذاك الذي سمعه يقوم عندما كان طفلاً، إن فراش الليل علامة حظ، والشيء نفسه بالنسبة للجنادب، والجراد الأخضر، والسحالي الرمادية، والحندقوقات ذات الأوراق الأربعة.
-
هذا هو تماماً ـ قال العجوز الذي كان بمقدوره قراءة أفكاره ـ كما علّمك جدك، هنا تكمن العلامات.
ثم فتح المعطف الذي يلتف به، فتأثر الفتى بما رآه عندئذٍ، وتذكر الألق الذي بهر عينيه عشيّة البارحة، فقد كان العجوز يتقلّد قلادة من الذهب مرصّعة بالاحجار الكريمة.
قد كان ملكاً حقيقياً، وكان لزاماً عليه أن يتنكّر بهذا الزي ليتحاشى قطاع الطرق.
-
خذ ـ قال وهو ينتزع حجراً بيضاء وأخرى سوداء، كانتا مثبتتين في وسط قلادته ـ إنهما تسمّيان " أوريم وتوميم "، السوداء تعني نعم والبيضاء تعني لا. فعندما لا تتوصل إلى فهم العلامات، فإن هاتين الحجرين سيفيدانك، لكن ليكن سؤالك الذي تطرحه موضوعياً دائماً، اسعَ باستمرار لاتخاذ قرارك بنفسك، فالكنز موجود قرب الأهرامات وهذا تعرفه مسبقاً، وعليكَ أن تدفع مقابل ذلك ست غنمات، فأنا من ساعدك على اتخاذ القرار.
وضع الشاب الحجرين في جعبته، وسيأخذ من الآن فصاعداً قراراته بنفسه.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
روايات انسان
عضو متميز
عضو متميز
روايات انسان


عدد المساهمات : 3434
تاريخ التسجيل : 10/02/2013

الخيميائي - كابيلو Empty
مُساهمةموضوع: رد: الخيميائي - كابيلو   الخيميائي - كابيلو Emptyالخميس يونيو 20, 2013 10:17 am

لاتنسَ أن الكل ليس إلا شيئاً واحدً، لاتنسَ لغة العلامات، ولاتنسَ على الخصوص أن تمضي حتى آخر أسطورتك الشخصية. وقبل أن أودعك أحب أن أروي لك حكاية صغيرة.
"
ثمة تاجر كبير، أرسل ابنه ليكتشف سر السعادة عند أكثر الرجال حكمة، مشى الولد أربعين يوماً في الصحراء، ووصل إخيراً أمام قصر جميل يقع على قمة جبل، وهناك كان يعيش الحكيم الذي يجدُّ في البحث عنه.
فبدل أن يلتقي رجلاً مباركاً، فإن بطلنا داخل صالة تعج بنشاط كثيف: تجار يدخلون ويخرجون، وأناس يثرثرون، وفي إحدى الزوايا فرقة موسيقية صغيرة تعزف ألحاناً هادئة، وكان هناك مائدة محمّلة بمأكولات من أطيب وأشهى ما تنتج تلك البقعة من العالم. هذا هو الحكيم الذي يتحدث مع هذا وذلك، وكان على الشاب أن يصبر طيلة ساعتين حتى يأتي دوره.
أصغى الحكيم إلى الشاب الذي كان شرح له دوافع زيارته، لكن الحكيم أجابه أن لا وقت لديه كي يكشف له سر السعادة، وطلب منه القيام بجولة في القصر ثم العودة لرؤيته بعد ساعتين.
-
أريد أن أطلب منك معروفاً ـ أضاف الحكيم وهو يعطي إلى الشاب ملعقة كان قد صب فيها قطرتين من الزيت ـ ، أمسك الملعقة بيدك طوال جولتك وحاول ألا ينسكب الزيت منها.
أخذ الشاب يهبط، ويصعد سلالم القصر، مثبتاً عينيه دائماً على الملعقة، وبعد ساعتين عاد إلى حضرة الحكيم.
-
إذاً ـ سأل هذا، هل رأيت السجاد العجمي الموجود في صالة الطعام؟ هل رأيت الحديقة التي أمضى كبير الحدائقيين سنوات عشرة في تنظيمها؟ هل لاحظت أروقة مكتبتي الرائعة؟
كان على الشاب المرتبك أن يعترف بأنه لم يرَ شيئاً من كل هذا على الاطلاق، فشاغله الوحيد كان ألا تنسكب قطرتا الزيت التي عهد له الحكيم بهما.
-
حسن، عد وتعرّف على عجائب عالمي ـ قال له الحكيم ـ فلا يمكن الوثوق برجل تجهل البيت الذي يسكنه.
اطمأن الشاب أكثر، وأخذا الملعقة، وعاد يتجول في القصر، معيراً انتباهه هذه المرة لكل روائع الفن التي كانت معلقة على الجدران، وفي السقوف، رأي البساتين والجبال المحيطة بها وروعة الزهور، والاتقان في وضع كل واحدة من تلك الروائع في مكانها المناسب، وعند عودته إلى الحكيم، روى له ما رآه بالتفصيل.
-
ولكن أين قطرتي الزيت اللتين كنتُ عهدت لك بهما؟
نظر الشاب إلى الملعقة ولاحظ أنه قد سكبها.
-
حسنٌ ـ قال حكيم الحكماء ـ هاك النصيحة الوحيدة التي سأقولها لك: " سرّ السعادة هو بأن تنظر إلى عجائب الدنيا كلّها، ولكن دون أن تنسى أبداً وجود قطرتي الزيت في الملعقة " .
مكث الراعي صامتاً، كان قد فهم حكاية الملك العجوز، فيمكن لراعٍ أن يحب السفر، لكن ليس له أن ينسى نعاجه أبداً.
نظر العجوز إلى الشاب، وبكفيه المبسوطتين، قام ببعض الحركات الغريبة فوق رأيه ثم جمع غنامه ومضى.

× × ×

على أحد مرتفعات مدينة " طريفة " الصغيرة كان هناك حصن قديم بناه العرب فيما مضى، ومن يجلس على أسواره يستطيع أن يرى من هناك بائع البوشار وجزءاً من إفريقية.
"
ملكي صادق " ملك " سالم "، يجلس هذا المساء على متاريس الحصن، ويشعر بالريح الشرقية تلطم وجهه، كانت الأغنام قريبة منه تتوقف عن الحركة كدرة وقلقة بسبب تبدل راعيها وسيّدها، والتغيرات التي حصلت، فإن كل ما كانت ترغب به، هو ما تأكله وتشربه.
كان يراقب القارب الصغير الذي يبتعد عن الميناء، لن يلتقي هذا الشاب من جديد، وذلك بعد أن يجعله يدفع العشر مثلما أنه لم يكن قد لقى إبراهيم، لأن للآلهة أساطير خاصة، وليس لها أمنيات.
غير أن ملك " سالم "، ومن عميق ضميره قد تمنى للشاب النجاح.


للأسف ! سينسى إسمى عما قريب، كان عليّ أن أكرره له مرات عديدة، حتى إذا ماتحدّث عني استطاع أن يقول إنني " ملكي صادق " ملك " سالم ".
ثم رفع عينيه إلى السماء، مشوشاً قليلاً مما كان يفكّر به لتوّه:
-
أنا أدرك أن هذا ليس إلا أباطيل، كما قلت أنت نفسك يا إلهي، لكن الملك العجوز يشعر أحياناً بالحاجة للشعور بالاعتزاز بالنفس.

× × ×

-
يالها من بلد غريب إفريقية هذه ! حدّث الشاب نفسه.
كان جالساً في مكان ما يشبه المقهى، وسائر المقاهي التي استطاع رؤيتها، وهو يعبر أزقّة المدينة الضيقة. كان هناك رجال، يدخّنون غليوناً ضخماً يتبادلونه من فم إلى فم.
وخلال عدة ساعات رأى رجالاً يتجولون يداً بيد، ونساء محجبات، ورجال دين يصعدون إلى قمم أبراج عالية، ويؤذنون، بينما كان سائر الناس يركعون، ويلطمون رؤوسهم بالأرض.
-
إنها ممارسات الكفّار ـ قال في سرّه.
فعندما كان طفلاً، اعتاد أن يرى في كنيسة قريته تمثالاً للقديس " جاك الأعظم " ممتطياً حصانه الأبيض، مجرّداً سيفه، واطئاً بقدميه شخصيات مشابهة لهؤلاء الناس.
كان يشعر بالغم والوحدة بشكل مخيف، نظرة تشاؤم، زد على ذلك أنه في غمرة الترحال الطويل قد 
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
روايات انسان
عضو متميز
عضو متميز
روايات انسان


عدد المساهمات : 3434
تاريخ التسجيل : 10/02/2013

الخيميائي - كابيلو Empty
مُساهمةموضوع: رد: الخيميائي - كابيلو   الخيميائي - كابيلو Emptyالخميس يونيو 20, 2013 10:17 am

نسي واحدة من الجزيئات، يمكن لها أن تبعده عن كنزه كثيراً من الوقت: في تلك البلاد يتكلّمون العربية.
اقترب صاحب المقهى، فأشار إليه بإصبعه أن يحضر له مشروباً كان قد رآه يقدّمه لطاولة أخرى، إنه الشاي المرّ، وتمنى لو كان خمراً.
لكن الوقت كان غير مناسب بالتأكيد لأن يشغل باله بمثل هذه الأمور، فأولى به ألا يفكّر الآن إلا بكنزه، والطريقة التي تمكّنه من الحصول عليه، فبيع أغنامه مكّنه من امتلاك مبلغ مهم نسبياً، كان يعلم أن للمال جانبه السحري، فهو يمنح الانسان الشعور بالأمان وبأنه ليس وحيداً تماماً، ومن الممكن أن ينتهي الأمر خلال أيام، ويجد نفسه عند أقدام الأهرامات، فالرجل المسن، وبهذا الذهب اللامع على صدره، ليس بحاجة مطلقاً لأن يروي الأكاذيب كي يحصل على ست غنمات.
لقد حدّثه الملك العجوز عن علامات، وخلال عبور المضيق، فكّر كثيراً بها.
نعم إنه يدرك تماماً عما يتحدّث، فطيلة الوقت الذي كان قضاه في أرياف الأندلس كان معتاداً أن يقرأ على الأرض وفي السماوات المؤشرات المتعلّقة بالدرب التي عليه أن يسلكها، وان طائراً معيّناً يدل على وجود أفعى بالقرب منه، وشجرة تدل على وجود الماء على بضع كيلومترات من المكان، الأغنام علّمته كل هذه الأشياء.
-
الإله هو الذي يهدي الأغنام فعلاً، وهو الذي سيهدي الإنسان ـ قال لنفسه، فشعر بالاطمئنان، وبدا له الشاي أقل مرورة.
-
من أنت؟ سمع سؤالاً باللغة الاسبانية.
شعر بارتياح كبير، فهو كان يحلم بعلامات، وهاهو قد ظهر من ينبئ بها.
-
كيف لك أن تتكلم الإسبانية؟ سأل الشاب.
كان القادم الجديد، شاباً يرتدي الزي العربي، أما لون بشرته يجعل المرء يحسبه من أبناء المدينة، وكانا يبدوان متقاربين في السن والطول.
-
كل الناس هنا يتكلّمون الإسبانية تقريباً، فليس بيننا وبين أسبانية إلا أقل من ساعتين.
-
اجلس واطلب لنفسك شيئاً على حسابي، أما أنا فاطلب لي خمراً، فأنا أشمئز من هذا الشاي.
-
لايوجد خمر في بلادنا، فالدين يمنعه.
عندئذٍ أخبره الشاب بأن عليه أن يتوجه إلى الأهرامات.
وقد أوشك أن يتحدث عن كنزه، لكنّه فضّل أخيراً ألا يقول شيئاً، فقد كان بمقدور العربي أن يقوده إلى هناك مقابل حصة من الكنز، وتذكر ما كان قد قاله العجوز حول موضوع الاقتراحات.
-
أود لو تقودني إلى هناك إن كان هذا ممكناً، أستطيع أن أدفع لك ما تستحقه كدليل.
-
هل لديك فكرة عن كيفية الذهاب إلى هناك؟
لاحظ عندئذٍ أن صاحب المقهى كان على مقربة منه، يصغي بانتاه إلى المحادثة، أزعجه حضوره قليلاً، لكن لا بأس فقط حظي بدليل ولن يضيّع هذه الفرصة.
-
قال القادم الجديد: عليك اجتياز الصحراء الإفريقية الكبرى، وهذا سيتطلب منك المال، فقبل كل شيء أريد أن أعلم إن كنت تملك ما يكفي.
وجد الشاب في سؤال الفتى شيئاً من الفضول، لكنّه كان يثق بالرجل العجوز، الذي قال له أنه عندما يصمم المرء على تحقيق شيء ما، فإن العالم كله يتضافر في صالحه.
سحب نقوده من جيبه، وأراها لرفيقه الجديد، اقترب صاحب المقهى ونظر أيضاً، تبادل الرجلان بضع كلمات باللغة العربية، وبدا صاحب المقهى غاضباً.
-
هيّا بنا ـ قال الفتى ـ فهو لا يريد بقاءنا هنا.
أحس الشاب بنفسه أكثر اطمئناناً، قام لكي يدفع الحساب، لكن صاحب المقهى أخذه من ذراعه، وراح يملي عليه محاضرة طويلة دون توقف، كان الشاب قوياً لكنه في بلد غريب، أما صاحبه الجديد، فقد دفع صاحب المقهى جانباً وصحبه للخارج.
-
إنه يريد مالكَ، فـ " طنجة " ليست كسائر إفريقية، نحن هنا في ميناء، والموانئ تكون دائماً وكراً للصوص.
كان يستطيع أن يثق بصديقه الجديد، الذي هبّ لمساعدته، في الوقت الذي وجد نفسه في موقف صعب، سحب ماله من جيبه وعدّه.
قال الآخر وهو يتناول المال:
-
غداً نستطيع الوصول إلى الأهرامات، لكن يجب أن أشتري جملين.
وانطلق الإثنان في أزقّة " طنجة " الضيّقة، وفي كل الزوايا والحنايا، كانت هناك بضائع معروضة على مباسط للبيع، وصلا أخيراً إلى وسط ساحة كبيرة كان يشغلها سوق أسبوعي، آلاف من الأشخاص يتحادثون، يبيعون ويشترون، لم يرفع الشاب نظره عن صديقه الجديد، فهو لم ينسَ أن ماله كلّه صار الآن بين يديه، كان يود لو يستطيع أن يطلب استرجاعه، لكن شعر في قرارة نفسه أن في هذا شيئاً من عدم اللباقة، فهو لم يكن يعرف عادات هذه البلاد العربية التي يطأ أرضها الآن.
-
تكفي مراقبه، فهو أقوى منه ـ قال في نفسه.
فجأة، وفي وسط هذه الأكوام من البضائع، وقعت عيناه على أجمل سيف رآه في حياته، غمده من فضة، ومقبضه أسود، مرصّع بالأحجار الكريمة. فعاهد نفسه على أن يشتري هذا السيف عندما يعود من مصر.
قال لصاحبه:
-
اسأل التاجر كم سعره؟
وقد لاحظ أنه استغرق ثانيتين من الغفلة فقط وهو يتأمل السلاح، انقبض قلبه كما لو أن صدره تقلّص فجأة، خشي الالتفات حوله، فهو يعلم جيّداً ما الذي ينتظره، وبقي مسمّر العينين في السيف، وأخيراً تسلّح بالشجاعة واستدار، كان كل شيء حوله، السوق، الناس الذين كانوا 
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
روايات انسان
عضو متميز
عضو متميز
روايات انسان


عدد المساهمات : 3434
تاريخ التسجيل : 10/02/2013

الخيميائي - كابيلو Empty
مُساهمةموضوع: رد: الخيميائي - كابيلو   الخيميائي - كابيلو Emptyالخميس يونيو 20, 2013 10:17 am

يروحون ويجيئون، يصرخون، يشترون السجاد، والبندق والخس بجوار أطباق النحاس، والرجال الذين كانوا يسيرون يداً بيد، والنساء المحجبات، والعطور الغريبة، لكن ما من أثر لصديقه، ما من شيء على الإطلاق، لا ظل له.
حاول أن يقنع نفسه في بداية الأمر، أنه وصديقه قد ضلاّ بعضهما وغابا عن أبصار بعضهما بعضاً صدفةً، فقرر أن يبقى في مكانه على أمل أن يعود إليه صديقه قريباً.
وبعد وقت قصير صعد رجل إلى أحد تلك الأبراج المشهورة، وبدأ بالآذان، وكل الموجودين جثوا، ولطموا الأرض، بجباههم، وأخذوا يرتلون، ثم بعد ذلك، وكمستعمرة من النمل في غمرة العمل، حزموا بضائعهم وانصرفوا.
راقب الشاب الشمس فترة طويلة، إلى أن اختفت هي أيضاً خلف البيوت البيضاء المحيطة بالساحة، وتخيّل كيف أنه عندما أشرقت عليه ذات صباح كان ما يزال على أرض قارة أخرى. كان راعياً، وكان لديه ستون غنمة، وكان على موعد مع الفتاة الشابة، وفي الصباح أثناء تجواله في الأرياف، كان يعلم ما يمكن أن يتعرض إليه، والآن ومع الشمس التي تغيب في بلدٍ آخر، يجد نفسه غريباً على أرض غريبة لا يستطيع حتى أن يفهم اللغة التي يتكلمونها.
لم يعد راعياً، ولم يعد يمتلك شيئاً، ولا حتى المال اللازم كي يعود على أعقابه ويستدرك كل شيء.
-
حصل كل هذا مابين شروق وغروب الشمس نفسها ـ قال في نفسه ـ راثياً لحاله، مفكّراً بأن الأشياء تتغير أحياناً في الحياة في مدى وجيز لا يسمح للمرء بالتعود على ما آلت إليه.
كان يخجل من الاستسلام للبكاء، لم يكن قد بكى إطلاقاً أمام أغنامه، لكن ساحة السوق كانت خاوية، وكان هو بعيداً عن وطنه.
بكى وبكى، لأن الإله كان ظالماً، ولأنه يجازي الناس الذين يؤمنون بأحلامهم الخاصة.
-
عندما كنت مع أغنامي، كنت سعيداً أشارك بسعادتي كل من يحيطون بي، وكان الناس يرونني قادماً، ويستقبلونني استقبالاً جيداً، أما الآن فأنا حزين وتعيس، ماذا سأفعل؟ سأصبح أشد لؤماً، ولن أثق بأي إنسان كان بعد الآن. هناك شخصاً خانني، وسأكل كل هؤلاء الذين وجدوا كنوزاً مخبأة لأنني لم أجد كنزي، وسأسعى باستمرار لادخار المال الذي املكه، فأنا مازلت ضعيفاً لمواجهة العالم.
فتح جعبته ليتفحّص ما كان لديه فيها، فربما بقي شيء من الوجبة التي كان يأكلها على حافّة القارب، لكنه لم يجد إلا الكتاب الضخم، والمعطف، والحجرين الكريمتين اللتين كان العجوز قد أعطاه إياهما، وعند رؤيته لهما اعتمل في صدره شعور بالعزاء، فقد كان دفع مقابلها ست غنمات، إنهما حجران ثمينتان انتزعتا من قلادة ذهبيّة، كان بمقدروه بيعهما وهكذا يستطيع أن يحصل على بطاقة عودته.
-
سأصبح من الآن أكثر خبثاً ـ فكّر وهو يستخرج الحجرين ليخبئهما في قعر جيبه، كان في الميناء والشيء الصادق الوحيد الذي قاله ذلك اللص: الميناء يعجّ دائماً باللصوص.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
روايات انسان
عضو متميز
عضو متميز
روايات انسان


عدد المساهمات : 3434
تاريخ التسجيل : 10/02/2013

الخيميائي - كابيلو Empty
مُساهمةموضوع: رد: الخيميائي - كابيلو   الخيميائي - كابيلو Emptyالخميس يونيو 20, 2013 10:17 am

فهم الآن جهود صاحب المقهى اليائسة، فقد كان يحاول أن يقول له بألا يثق بذلك الرجل، أنا ككل الآخرين: أنظر إلى العالم كما أتمنى أن يكون، وليس كما تجري الأمور في الواقع.
بقي يتفحّص الحجرين الثمينتين، داعبهما بلطف وتحسس حرارتهما ونعومتهما، إنهما نزه الوحيد، ومجرّد لمسهما كفيل لأن يزرع في نفسه نوعاً من الشعور بالسكينة فقد كانتا تذكّرانه بالرجل العجوز: " عندما تريد شيئاً بالفعل، فإن الوجود كلّه يتضافر ليهيئ لك الحصول عليه ".
كان يتمنّى لو يفهم كيف يمكن لهذا أن يكون صحيحاً.
الآن يجد نفسه هناك على ساحة سوق مقفرة، لا يملك درهماً في جيبه، دون أغنام يحرسها في الليل، أما الحجران فقد كانتا تشكّلان الدليل الذي يثبت أنه قد التقى ملكاً يعرف أسطورته الشخصية، وعلى اطّلاع بما قد فعله بسلاح أبيه، وبتجربته الجنسيّة الأولى.
الحجران تفيدان في التنبؤ وتدعيان " أوريم وتوميم "، أعادهما إلى مكانهما في الجعبة وقرر أن يقوم بالتجربة، فالعجوز كان قد قال له أن عليه طرح أسئلة واضحة، لأن الحجرين لا تفيدان السائل في شيء إن لم يكن يعرف ما يريد.
عندئذٍ سأل الشاب إن كانت بركة العجوز ترافقه دائماً، سحب من جيبه واحد من الحجرين فكانت "نعم"، ثم سأل هل سأجد كنزي؟ وضع يده في جيبه ليمسك بواحدة منها، عندها انزلقتا كلتاهما من ثقب موجود في القماش، لم يكن قد لاحظ قط أن جعبته مثقوبة، انحنى ليلتقط أوريم وتوميم، ليعيدهما إلى الكيس، ولكن عند رؤيته لهما على الأرض، مرّت في ذاكرته جملة أخرى: " تعلّم أن تتبع وأن تحترم العلامات "، هذا ماكان قد قاله الملك العجوز أيضاً.
علامة ! وشرع الشاب بالضحك لوحده، ثم التقط الحجرين، أعادهما إلى جعبته المفتوقة، والتي لم يكن لديه أية رغبة في إصلاحها. تستطيع الحجران الهرب من هذا الثقب إن أرادتها، كان قد فهم أن هناك بعض الأشياء التي لا يجوز للمرء أن يطلبها كي لا يهرب من قدره المحتوم.
-
لقد وعدت أن أتخذ قراراتي الخاصة بنفسي ـ قال في نفسه، لكن الحجرين كانتا قد أحبرتاه بأن العجوز كان دائماً إلى جانبه، وهذا الجواب أعاد له الثقة بنفسه. نظر مليّاً من جديد إلى السوق المقفرة، ولم يعد يشعر باليأس الذي كان يعذّبه من قبل، ولم يعد العالم الذي يحيط به عالماً غريباً، بل صار عالماً جديداً، فبعد كل شيء، هذا ماكان يرمي إليه: " معرفة عوالم جديدة، فحتى لو لم يصل إلى أهرامات مصر، فقد ذهب إلى أبعد مما يذهب إليه أي راعٍ آخر ".
-
آه ! ليتهم يعلمون أنه بأقل ساعتين من السفر في القارب يوجد الكثير من الأشياء المختلفة ... ـ قال لنفسه.
تبدى العالم الجديد أمام ناظريه على شكل سوق أسبوعية مقفرة، في حين كان قد رأى هذا المكان من قبل يغصّ بالحياة، وهو لن ينساه، تذكّر السيف الذي دفع ثمناً غالياً من أجل تأمله لحظة، وفجأة شعر أن بإمكانه أن ينظر للعالم إما من خلال نظرة ضحية السارق البائسة، أو من خلال نظرة المغامر الذي يسعى وراء كنز.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
روايات انسان
عضو متميز
عضو متميز
روايات انسان


عدد المساهمات : 3434
تاريخ التسجيل : 10/02/2013

الخيميائي - كابيلو Empty
مُساهمةموضوع: رد: الخيميائي - كابيلو   الخيميائي - كابيلو Emptyالخميس يونيو 20, 2013 10:18 am

- إنني مغامر يسعى بحثاً عن كنز ـ فكّر قبل أن يغط منهكاً في نومٍ عميق.

× × ×

أفاق وهو يحس بأن أحداً ما يهزّه من كتفه، كان قد نام وسط ساحة السوق الأسبوعي الذي بدأت تدب فيه الحركة، نظر حوله باحثاً عن أغنامه، لكنّه تنبه إلى أنه الآن في عالمٍ آخر، واستبدل الإحساس بالحزن الذي يكابده بإحساس السعادة، وأصبح بمقدوره الآن الانطلاق، وأن يكد للبحث وراء الطعام والشراب، وصار أكثر إصراراً في البحث عن الكنز، لم يكن لديه درهم في جيبه، لكنّه يملك الإيمان بالحياة، ومساء الأمس اختار أن يكون مغامراً مشابهاً لشخصيات اعتاد أن يقرأ عنها في الكتب.
أخذ يتنزّه على أرض الساحة بتريّث، حيث كان التجار قد أخذوا بنصب براكاتهم، فساعد رجلاً يبيع السكاكر على نصب براكته، وكانت ترتسم على وجه هذا الرجل ابتسامة لا مثيل لها، كان جذلاً للغاية، يفيض حبوراً، ومنفتحاً على الحياة، ومستعداً للقاء يوم عمل جيّد.
ابتسامته تذكّر نوعاً ما بالشيخ، ذلك الملك العجوز الغريب، الذي كان قد تعرّف عليه.
-
هذا لا يصنع الحلوى، لأنه يريد السفر، أو الزواج من ابنة تاجر، كلاّ إنه يصنع السكاكر لأنه يحب هذه المهنة ـ فكّر الشاب ـ ثم لاحظ أنه كان قادراً على فعل ما يفعله الشيخ، وهو معرفة إن كان المرء قريباً أو بعيداً عن أسطورته الشخصية.
-
هذا سهل مع أنني لم أكن قد تبيّنت ذلك أبداً.
عندما فرغا من تركيب البراكة، قدّم له الرجل ما أعدّ من الحلوى، فأكلها بسرور كبير، ثم شكره وانطلق في طريقه، وبعد أن ابتعد قليلاً عنه رواده التفكير بأن البراكة قد نصبت من قبل شخصين اثنين، أحدهما يتكلّم العربية، والآخر الأسبانية، ومع ذلك كانا متفاهمين.
-
توجد لغة فيما وراء الكلمات ـ حدّث نفسه ـ لقد حصلت على هذه الخبرة من قِبَل الأغنام وهاأنذا أتوصّل إلى ذلك مع البشر.
إنه يتعلّم أشياء جديدة ومتنوعة كان قد اختبرها من قبل، ومع ذلك فهي جديدة لأنها قد وجدت مصادفة عبر دربه دون أن يكون قد حسب لها حساباً، هذا لأنه اعتاد على مثل هذه الأشياء.
-
لو أستطيع أن اتعلّم فك رموز هذه اللغة التي تتجاوز الكلمات لاستطعتُ فكّ رموز العالم.
- "
كل شيء هو شيء واحد وفريد " ، هذا ماقاله الرجل العجوز.
قرر أن يجوب بكل هدوء شوارع " طنجة " الصغيرة، فبهذه الطريقة فقط سينجح بإدراك العلامات، وهذا يتطلّب دون شك قدراً كبيراً من الصبر، لكن الصبر هو الفضيلة الأولى التي يتعلّمها الراعي.
ومرة أخرى فهم كيف يطبّق عمليّاً، في هذا العالم الغريب، الدروس نفسها التي تعلّمها من أغنامه.
- "
فكلّ شيء هو شيء واحد وفريد "، كان قد قال الرجل العجوز.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
روايات انسان
عضو متميز
عضو متميز
روايات انسان


عدد المساهمات : 3434
تاريخ التسجيل : 10/02/2013

الخيميائي - كابيلو Empty
مُساهمةموضوع: رد: الخيميائي - كابيلو   الخيميائي - كابيلو Emptyالخميس يونيو 20, 2013 10:18 am


× × ×

رأى تاجر الزجاجيّات شروق الشمس، فأحس بالغم الذي كان يكابده عند مطلع كل صباح، فهو في المكان نفسه منذ مايقارب الثلاثين عاماً، وكان متجره يقع في قمّة طريق منحدرة، ومن النادر مرور زبون واحد من هناك، وقد فات الأوان على التاجر كي يغيّر مهنته، فكل ماكان قد تعلّمه عبر حياته كلّها هو بيع وشراء الزجاجيّات.
جاء وقت صار فيه متجره معروفاً من قِبل كثير من الناس.
تجار عرب، جيولوجيون فرنسيون وإنكليز، وجنودٌ ألمان، وكلّهم لديهم المال الوفير، في حين أن بيع الزجاج في ذلك الوقت كان يشكّل مغامرة كبيرة، وقد تخيّل كيف سيصبح رجلاً غنيّاً، وسيكون عنده تلك االنسوة الجميلات كلهنّ عندما يشيخ.
مضى الوقت بطيئاً، والمدينة على حالها، وازدهرت مدينة " سبتة " أكثر من " طنجة " وأخذت التجارة منحنى آخر، ولم يبق بعد زمن قليل إلا بعض المحلاّت القليلة في المرتفع، ولن يأتي من يتسلّق طريقاً منحدرة من أجل هذه المخازن التعيسة.
أما تاجر الأواني فلم يكن ليملك الخيار، فقد عاش الثلاثين عاماً من عمره في بيع وشراء الزجاجيّات، وصار الوقت متأخراً كي ينخرط باتجاه آخر.
طوال فترة الصباح، كان يراقب الرائحين والغادين القلائل في الطريق الصغيرة، وهذا ماكان يفعله منذ سنوات حتى صار يعرف عادات المارّة فرداً فرداً.
وقبل موعد الغداء بلحظات قليلة توقف شاب غريب أمام واجهة المتجر. كان يرتدي كسائر الناس، لكن تاجر الزجاجيّات اكتشف ببصيرته الثاقبه أنه لم يكن يملك المال.
وعلى الرغم من ذلك، فقد قرر أن يعود إلى متجره وينتظر بضع دقائق حتى ينصرف الشاب.

× × ×

على باب المتجر، كانت قد علقت يافطة تشير إلى أن صاحبه يجيد التكلّم بعدة لغات. لمح الشاب أحدهم يظهر خلف طاولة مبسط السلع، فقال له:
-
إنني أستطيع تنظيف هذه المزهريات، ففي هذه الحالة التي هي عليها، فإن أحداً لن يشتريها، هذا إن أردت ذلك.
نظر التاجر دون أن ينبس ببنت شفة.
-
بالمقابل، فإنك سوف تعطيني شيئاً آكله، اتفقنا؟
بقي الرجل صامتاً، وفهم الشاب أن عليه أن يتّخذ قراراً. كان معطفه في جعبته، ولم يكن بحاجة إليه في الصحراء، تناوله وأخذ ينظّف به الأواني الزوجاجية، وبعد نصف ساعة كان قد نظّف 
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
روايات انسان
عضو متميز
عضو متميز
روايات انسان


عدد المساهمات : 3434
تاريخ التسجيل : 10/02/2013

الخيميائي - كابيلو Empty
مُساهمةموضوع: رد: الخيميائي - كابيلو   الخيميائي - كابيلو Emptyالخميس يونيو 20, 2013 10:18 am

ماكان يوجد في الواجهة بينما دخل زبونان واشتريا عدداً منها، وعندما فرغ من تنظيفها كلّها، طلب من صاحبها أن يعطيه شيئاً يسد به رمقه.
-
هيّا نتغدَّ ـ قال تاجر الزجاجيّات.
علّق لوحة على الباب، وذهبا إلى مقهى صغير في أعلى المرتفع، وبينما كانا جالسين على الطاولة الوحيدة هناك، قال بائع الزجاجيّات مبتسماً:

-
لم يكن هناك أي داعٍ لتنظيف أي من الزجاجيّات، فالشرع القرآني يرغم على إطعام الجائع كائناً من كان هذا الجائع.
-
لكن لماذا تركتني أقوم بهذا العمل؟
-
لأن الزجاجيّات كانت متّسخة، وأنت مثلي، كلانا بحاجة لتطهير رأسه من الأفكر السيئة.
عندما فرغا من الطعام، التفت التاجر نحو الشاب:
-
أريدك أن تعمل في متجري، فقد دخل اليوم زبونان بينما كنتَ تنظّف الزجاجيّات، إن في ذلك لعلامة حسنة.
-
يتكّلم الناس كثيراً عن العلامات ـ فكّر الراعي ـ لكنّهم على الأصح لا يعلمون عمّ يتكلّمون، مثلهم مثلي، أنا الذي لم أكن قد لاحظت أنه طيلة كثير من السنين كنت أتكلّم مع أغنامي لغة دون كلمات.
-
هل تريد أن تعمل لدي؟ ألح تاجر الزجاجيّات.
-
أستطيع أن أعمل طيلة الوقت المتبقي من اليوم ـ أجاب الشاب ـ سأنظّف حتى طلوع الفجر الزجاجيّات كلّها، بالمقابل يلزمني بعض المال كي أكون غداً في مصر.
فجأة أخذ التاجر بالضحك وقال:
-
لو نظّفت زجاجيّاتي طيلة عام بأكمله، أو كسبت عمولة جيّدة لقاء بيع أي قطعة منها، سيلزمك اقتراض المال الكثير كي تذهب حتى مصر، فآلاف الكيلومترات الصحراوية تفصل " طنجة " عن أهرامات مصر.
عندها خيّم فاصل من الصمت، وفجأة بدت معه المدينة غافية، فما عاد يُلمح فيها أي نشاط، وانتهت محادثات التجار فيما بينهم، وآذان الرجال الذين كانوا يصعدون إلى المئذنة قد توقف، ولم يقد يرى تلك السيوف الجميلة ذات المقابض المرصّعة.
لا رجاء، لا مغامرة، لا ملوك كبار لا أساطير شخصيّة، لا كنز ، لا أهرامات بعد الآن، كان يشعر كم لو أن العالم بأسره قد صار أخرس، لأن روحه قد غُلِّفت بالصمت.
لم يبقَ هناك ألم، أو عذاب، أو إخفاق، بكل بساطة لم يكن يملك إلا نظرة جوفاء تعبر باب الحانة ورغبة عارمة في الموت لدى رؤيته كل شيء ينتهي في هذه اللحظة وإلى الأبد.
نظر إليه ذلك التاجر محتاراً، فذلك السرور الذي كان قد لمحه على وجهه في ذاك الصباح قد 
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
روايات انسان
عضو متميز
عضو متميز
روايات انسان


عدد المساهمات : 3434
تاريخ التسجيل : 10/02/2013

الخيميائي - كابيلو Empty
مُساهمةموضوع: رد: الخيميائي - كابيلو   الخيميائي - كابيلو Emptyالخميس يونيو 20, 2013 10:18 am

اختفى فجأة.
-
أستطيع أن أعطيك المال كي ترجع إلى بلادك يا بني ـ قال تاجر الزجاجيّات، لكن الشاب بقي صامتاً، ثم نهض، أصلح ثيابه، ولملم جعبته.
-
سأعمل عندك ـ قال، ثم أضاف بعد فترة أخرى من الصمت.
-
يلزمني المال لشراء بعض الأغنام .


× × ×




::
الجزء الثاني ::


لم يكن قد مضى أكثر من شهر على عمل الشاب عند بائع الزجاجيّات، لكن هذا العمل لم يكن هو الذي يطمح إليه حقاً، فالتاجر لم يكن يكفّ عن التذمر طوال النهار، آمراً إيّاه من وراء طاولته بأن ينتبه على الدوام إلى الحاجات المعروضة خشية أن ينكسر منها شيء، ولكنه بقي، فعلى الرغم من أن التاجر كان متذمّراً، فهو على الأقل لم يكن ظالماً، فقد كان يتلقّى منه عمولة لابأس بها لقاء كل قطعة تُباع، وقد استطاع حتى الآن ادخار بعض المال، وبعد أن قام بحساباته هذا الصباح، ألفى أنه لو عمل طوال اليوم، وبنفس هذه الشروط للزمه عام كامل كي يستطيع شراء بعض الأغنام.
-
إنني أود ولو أقوم بعرض الزجاجيّات خارج المخزن، سيكون من المستطاع وضع رف في الخارج، إنه سيجذب المارّة من هناك في أسفل الجبل.
-
لم يسبق لي أن فعلتُ شيئاً مماثلاً ـ أجاب التاجر ـ رفّ ! إن الناس ستصطدم به في الممر، والزجاج سوف يتهشّم.
-
عندما كنتُ اطوف بأغنامي في القرى، فقد كان من الممكن أن يتعرّض بعضها للدغة أفعى، وتذهب ضحيّة ذلك، هذا الخطر يشكّل جزءاً من حياة الأغنام والرعاة.
راح التاجر يلبّي طلبات أحد الزبائن، لقد باع الآن ثلاث مزهريات من الكريستال، فقد نشط البيع أكثر من أي وقت مضى، وكأن العالم قد عاد إلى ماكان عليه عندما كانت الطريق المؤديّة إليهم واحدة من أهم الطرق التي تجذب الزبائن في " طنجة ".
-
أصبح المارّة يتزايدون أكثر فأكثر ـ قال التاجر لمستخدمه عندما انصرف الزبون ـ وإن مانكسه الآن يمكن أن يؤمّن لي معيشة أفضل، ويمكن أن يسمح لك بشراء أغنامك في وقتٍ وجيز، ماذا نريد من الحياة أكثر من هذا؟
-
هذا لأنه يتوجد علينا أن نقتفي العلامات ـ أجاب الشاب دون تفكير ـ لكنّه تأسف لأنه تكلّم هكذا، فالتاجر لم يكن قد مُنّي أبداً بفرصة لقاء ملك.
-
هذا هو ماداعه الشيخ " المبدأ المناسب " أو " حظ المبتدئين "، لأن الحياة تريد للإنسان أن يحيا أسطورته الشخصية.
على كل حال، فهم التاجر جيداً عم كان يتحدثه مستخدمه، فحضور هذا الأخير يمثّل بحد ذاته علامة، وعلى مر الأيام وبازدياد المال الذي صار يكسبه بعد مجيئه لم يعد نادماً على استئجار هذا الشاب الأسباني، غير أن أجر هذا الأخير كان أكثر من العادي، وبما أنه كان يعتقد بأن البيع سيسر أيضاً نحو الأفضل، فإنه قد دفع للشاب مايستحقه كعمولة. لكن حدسه كان ينبئه أن الشاب سيعود عمّا قريب إلى أغنامه، سأله كي يغيّر الحديث بخصوص عرض البضائع:
-
لماذا كنتَ تريد الذهاب لرؤية الأهرامات؟
-
لأنهم تحدّثوا لي كثيراُ عنها ـ أجاب الشاب متحاشياً الكلام عن حلمه.
فالكنز صار الآن مسألة ذكرى مؤلمة باستمرار، وكان يحاول أن يمنع نفسه من التفكير به بعد.


قال التاجر:
-
إنني ماعرفت أحداً هنا أراد اجتياز الصحراء فقط كي يرى الأهرامات، فهي ليست إلا كومة من الحصى، حتى أنك لتستطيع أنت أن تبني لنفسك هرماً في حديقتك.
-
إنك لم تحلم إطلاقاً بالسفر ـ قال الشاب وهو يمضي ليلبي طلب زبون آخر آتى لتوّه إلى المخزن.
وفي اليوم الثالث، عاد الشاب إلى التحدّث مع معلّمه عن رف البضائع، قال:
-
أنا لا أحب التغيير كثيراً، فأنتَ وأنا لسنا من " حسان "، ذلك التاجر الغني الذي لن يتأثر أبداً في حال خسارته بصفقة، أما نحن الإثنين، فسوف يتوجب علينا أن نتحمّل تبعة أخطائنا.
-
هذا صحيح ـ أجاب الشاب.
سأل التاجر:
-
لماذا تصرّ كثيراً على رفّ العرض هذا؟
-
أريد العودة بسرعة إلى أغنامي، وعندما تهب رياحنا فعلينا أن نغتنمها، وأن نعمل مابوسعنا كي يحالفنا مايسمونه بـ " المبدأ المناسب " أو " حظ المبتدئ " .
بقي التاجر صامتاً للحظة ثم قال:
-
منحنا النبي القرآن، الذي فرض علينا خمسة فروض فقط، علينا مراعاتها في حياتنا، الأكثر أهميّة منها هو ذا: وحدانية الإلة، والفروض الأخرى هي: الصلاة خسمة أوقات في اليوم، صيام 
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
روايات انسان
عضو متميز
عضو متميز
روايات انسان


عدد المساهمات : 3434
تاريخ التسجيل : 10/02/2013

الخيميائي - كابيلو Empty
مُساهمةموضوع: رد: الخيميائي - كابيلو   الخيميائي - كابيلو Emptyالخميس يونيو 20, 2013 10:19 am

رمضان، وواجب الزكان لمساعدة الفقراء، صمت بينما كانت عيناه مغرورقتين بالدموع وهو يتحدّث عن النبي. كان رجلاً ورعاً للغاية، وحتى لو كان يبدو غالباً لجوجاً ونافذ الصبر، فإنه يجهد للعيش منسجماً مع الشرع الإسلامي.
-
وماهو الفرض الخامس ؟ ـ سأل الشاب
-
منذ يومين سألتني إن لم أكن قد حلمتُ إطلاقاً بأحلام السفر. الفرض الخامس هو أن يقوم كل مسلم مؤمن بالسفر. فأنه يتوجب علينا أن نقوم خلال عمرنا برحلة واحدة على الأقل إلى مدينة "مكة المكرّمة". فـ " مكّة " أيضاً هي مدينة تبعد عنا أكثر من الأهرامات. وعندما كنت فتيّاً فضّلت أن أستثمر القليل نم المال الذي كنت أملكه في شق طريقي في هذه التجارة، على أمل أن أصبح غنيّاً، وأملك المال، لكنني لم أكن لأستطيع أن أعهد لأحد بعناية الزجاجيّات، لأنها أشياء حساسة، حينذاك كنت أرى مجموعات من الناس يمرّون على مخزني، في طريقهم إلى " مكة " ، كان من بينهم حجاج أثرياء يرافقهم موكب من الخدم، وجمال لكن معظمهم كان أكثر فقراً مني. كلّهم كانوا يذهبون ويعودون سعداء، وكانوا يضعون على أبواب مساكنهم رموز قيامهم بالحج، وأحد أولئك الحجيج كان حذّاءً، وكان يعيش من خلال إصلاح أحذية هذا وذاك، وقد أخبرني أنه قد مشى عاماً بكامله في الصحراء، ولكنّه كان يشعر بالتعب أكثر عندما كان يتوجّب عليه المرور على منازل كثيرة في " طنجة " لشراء الجلد.
سأل الشاب:
-
لماذا لاتذهب الآن إلى مكّة ؟

-
لأن مكة تجعلني اتمسّك بالحياة، وهي التي تمنحني القوة لتحمّل هذه الأيام الرتيبة، وهذه المزهريات المنضدة على الرفوف، والغداء والعشاء في هذا المطعم البائس، وأخشى أن أحقق حلمي، ثم أفقد كل رغبة بأن أبقى حيّاً. أما أنت ... فإنك تحلم بالأغنام، وبالاهرامات، أنت لست مثلي لأنك تريد تحقيق أحلامك، أما أنا فكل ما أريده هو أن أحلم بـ " مكة "، لقد تخيّلت من قبل آلاف المرات، عبور الصحراء ووصولي إلى الساحة التي يوجد بها الحجر المقدّس، والدورات السبع التي عليّ ان أتمّها قبل أن أستطيع لمسه، وتخيّلت من سيكون بجانبي أو أمامي، من الأقاويل والدعوات التي سنقولها ونتبادلها معاً. لكنني أخشى ألا يكون ذلك سوى خيبة كبيرة، ولهذا أفضّل أن أكتفي بالحلم.
وفي ذلك اليوم سمح التاجر للشاب بإنشاء رف عرض البضائع، فليس بنفس الطريقة يعيش الناس كلّهم أحلامهم.


× × ×

مرّ شهران، وصار رفّ البضائع يجذب إلى المتجر عدداً كبيراً من الزبائن، الأمر الذي جعل الشاب يحسب أنه سيستطيع خلال أشهر ستة العودة إلى أسبانية وشراء ستين غنمة، فبأقل من عام سيستطيع مضاعفة قطيعه، وأن يتاجر مع العرب لأنه نجح في تعلّم هذه اللغة الغريبة.
منذ هذا الصباح المشهود على أرض ساحة السوق، لم يعد يستخدم أبداً أوريم وتوميم، لأن مصر قد أصبحت بالنسبة له حلماً بعيد المنال، حلماً يبعد عنه كما تبعد مكّة عن بائع الزجاجيّات، على كل حال صار مقتنعاًَ بعمله الآن، ولم يكن يتوقف عن التفكير باليوم الذي سيرسو فيه كمنتصر في "طريفه".
-
تذكّر دائماً أن تعرف ماتريد ـ هكذا كان قد قال الملك العجوز، والشاب كان يعرف مايريد أن يعمل في هذا الصدد.
فمن الممكن أن يكون كنزه هو أن يأتي إلى هذه الأرض الغريبة، وأن يلتقي بسارق، وأن يضاعب أغنامه مرتين دون أن ينفق قرشاً واحداً.
كان فخوراً بنفسه، لأنه تعلّم أشياء هامّة كتجارة الأواني الزجاجيّة، لغة دون كلمات، وتفسير العلامات.
في عصر ذات اليوم، رأي رجلاً في أعلى المرتبفع، كان هذا الرجل يشكو لأنه لم يستطع أن يجد مكاناً مناسباً يشرب فيه شيئاً مابعد كل هذا العناء، من تسلّق المنحدر.
كان الشاب يعرف الآن لغة العلامات فراح يبحث عن معلّمه ليكلّمه قائلاً:
-
علينا أن نقدّم الشاي للناس الذين يتسلّقون المنحدر.
أجاب التاجر:
-
يوجد هنا الكثر من الأماكن التي يمكن أن يُشرب فيها الشاي.
-
سيكون بإمكاننا تقديم الشاي إلى الزبائن في أقداح من الكريستال، بهذه الطريقة سيُعجبون بالشاي، وسيبتاعون الأواني الزجاجية لأن أكثر مايفتن الناس هو الجمال.
أخذ التاجر يطلب رأي مستخدمه دون أن يجيب بشيء لكن في ذلك المساء بالذات، وبعد أن أدى صواته، وأغلق مخزنه، جلس على الرصيف، ثم دعاه إلى تدخين النرجيلة، هذا الغليون الغريب الذي يدخّنه العرب !
-
وراء أي شيءٍ أنت تجري؟ سأل تاجر الزجاج العجوز.
-
كنت قد أخبرتك أنني بحاجة إلى تعويض أغنامي، ومن أجل هذا يلزمني المال.
وضع الرجل جمرات جديدة في النرجيلة وأخذ نفَساً طويلاً.
-
ثلاثون عاماً مرّت على إدارتي هذا المخزن، فإنا أعرف الرجاج الجيّد من الرديء، واعرف بعمق خصوصيات هذه التجارة كلّها، فأنا معتاد على مخزني، وعلى حجمه، وعلى زبائني، ولو شرعت في بيع الشاي بأقداح من الكريستال، فإن القضيّة ستزداد أهميّة أكثر فأكثر، وسيتوجب علي أن أغير طريقتي في الحياة.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
روايات انسان
عضو متميز
عضو متميز
روايات انسان


عدد المساهمات : 3434
تاريخ التسجيل : 10/02/2013

الخيميائي - كابيلو Empty
مُساهمةموضوع: رد: الخيميائي - كابيلو   الخيميائي - كابيلو Emptyالخميس يونيو 20, 2013 10:19 am

- ألن يكون في هذا شيء حسن ؟
-
أنا معتاد على نمط حياتي، فقبل مجيئك كنت أفكر بأنني قد أضعت وقتي بالمكان نفسه، بينما أصدقائي كلهم، على العكس، قد غيّروا أعمالهم، فبعضهم خسر، وبعضهم من ازدهر عمله، وهذا ماجعلني أغرق في الغم، وأنا أعرف أن الأمر لم يكن فعلاً هكذا،
-
فقد أصبح مخزني بالمستوى الذي كنت أتمناه دائماً، ولا أريد التغيير لأنني لا أعرف كيف أتغير، وقد أصبحتُ منسجماً مع نفسي.
لم يكن الشاب يعرف مايقول، عندئذٍ أردف العجوز:
-
لقد كنتَ بالنسبة لي بركة وها أنذا اليوم أفهم شيئاً: أن أية نعمة تُرفض يمكن أن تنلقب إلى نقمة، فأنا لا أنتظر بعد شيئاً من الحياة، وأنت، أنت تجبرني على استشفاف ثروات، وآفاق لم تخطر على بالي، وقد عرفتها الآن، وعرفت إمكانياتي اللامحدودة، وسأتألم كثيراً لأنني لم أكن هكذا من قبل، لأنني أدرك الآن إنني أستطيع امتلاك كل شيء، لكنني لا أريد ذلك.
-
لحسن الحظ أنني لم أكن قد قلت شيئاً لبائع البوشار ـ قال الشاب في نفسه.
تابع الإثنان تدخين النرجيلة والتحدث باللغة العربية، بيمكا كانت الشمس تميل للغروب...
كان الشاب مسروراً لأنه يتكلم العربيو فمنذ عهد بعيد اعتقد أن نعاجه تستطيع تعليمه كل شيء، لكنها كانت عاجزة عن تعليمه اللغة العربية.
-
هناك أشياء أخرى في العالم لا تُحسن النعاج تعليمها للإنسان، فكّر وهو ينظر للتاجر دون أن يقول شيئاً، هذا لأنها لاتبحث عن أي شيء آخر غير الماء والكلأ، أظن أنها ليست هي التي تعلم، وإنما انا من يتعلم.
- "
مكتوب " ـ قال التاجر أخيراً.
-
ماذا يعني هذا؟
-
كان يجب أن تولد عربياً كي تفهم ذلك، لكن يمكن أن تكون الترجمة شيء من هذا القبيل: " هو شيء قد كُتب علينا"، وبينما كان يُطفي جمرات النرجيلة قال للشاب إنه يستطيع أن يقدّم للزبائن الشاء في أقداح من الزجاج،

في بعض الأحيان، يستحيل على المرء أن يسيطر على مجرى الحياة.


× × ×



صار الناس يتسلّقون الطريق المنحدرة، وكانوا يشعرون بالتعب لدى وصولهم أعلاها.
في علية ذلك المنحدة كان هناك متجر للزجاجيّات الجميلة، وشاء بالنعناع يُشرب كمرطب لذيذ، كان الناس يدخلون لتناول الشاس الذي يقدّم لهم في كؤوس زجاجيّة رائعة.
-
لم تخطر ببال زوجتي إطلاقاً هذه الفكرة ـ قال رجل وقد اشترى بضع أكواب زجاجية، فقد كان لديه زوار في ذلك المساء، وسوف يُفتنون بروعة هذه الأكواب، زبون آخر أكّد من جهته أن الشاي سيكون أفضل عندما يُقدّم بكؤوس زجاجيّة، فهي تحافظ على طيب نكهته، فشرب الشاي بكؤوس زجاجيّة واحد من تقاليد الشرق بسبب مغرياته السحرية.
وفي وقت قصير انتشر الحبر بين الناس، وبدأ الكثير منهم يتقصّدون الصعود حتى قمة المنحدر، ليتعرّفوا على المتجدر الذي دشّن هذا التجديد لتجارة مندثرة، وافتتحت متاجر آخرى تقدّم الشاي في كؤوس من الزجاج، لكن موقعها لم يكن في عالية طريق منحدرة، الأمر الذي لم يجلب لها الزبائن بسرعة كبيرة واضطرّ التاجر إلى تشغيل عاملين جديدين، وقد توجب عليه أن يستورد بالاضافة إلى الزجاجيّات كميّات كبيرة من الشاي كي تفي بحاجة الاستهلاك المتزايد يوماً إثر يوم، من قِبل الناس والرجال المتعطّشين للأشياء الجديدة.

وهكذا مرّت أشهر ستة .


× × ×


أفاق الشاب قبل طلوع السمي، أحد عشر شهراً وتسعة أيام قد مرّت عليه منذ أن وطئت قدميه إفريقية للمرة الأولى.
لبس البدلة العربية المصنوعة من الكتّان الأبيض، لقد اشتراها خصيصاً من أجل هذا اليوم. غطّى رأسه بعمامة مثبتاً إيّاها بعقال مصنوع من جلد الجمل، وأخيراً انتعل صندلاً جديداً، ونزل بهدوء.
كانت المدينة ماتزال غافية، تزوّد بفطور خفيف مكوّن من خبز وسمسم، وشرب الشاي الساخن في كأن زجاجيّة، ثم جلس على عتبة المخزن وأخذ يدخّن النرجيلة وحده.
دخّن بصمت، دون أن يفكّر بشيء، دون أن يسمع إلا وشوشة الريح المستمرّة التي كانت تصفر حاملة معها رائحة الصحراء، ثم عندما انهى تناول الشاي، وضع يده داخل واحدة من جيوبه، وظلّ للحظات يتأمل ماكان قد سحبه منها، إنه مبلغٌ جيّد من المال يمكن أن يشتري له مائة وعشرين غنمة، مع بطاقة عودته ورخصة استيراد وتصدير من بلده والبلد الذي يقيم فيه في الوقت الحاضر.
انتظر بفارغ الصبر استيقاظ التاجر العجوز من نومه، قم جاء لفتح المخزن. وهكذا سيتناولا الشاي سويّة هذا الصباح.
-
في هذا اليوم سأنصرف ـ قال الشاب ـ فقد صار لدي المال اللازم لشراء أغنامي، وأنت أيضاً 
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
روايات انسان
عضو متميز
عضو متميز
روايات انسان


عدد المساهمات : 3434
تاريخ التسجيل : 10/02/2013

الخيميائي - كابيلو Empty
مُساهمةموضوع: رد: الخيميائي - كابيلو   الخيميائي - كابيلو Emptyالخميس يونيو 20, 2013 10:19 am

لديك مايكفي كي تذهب إلى مكّة.
لم يقل التاجر العجوز شيئاً.
-
أطلب مباركتك ـ ألحّ الشاب ـ ساعدتني كثيراً.
تابع العجوز تحضير الشاي بصمت، وبعد لأي استدار نحو الشاب وقال:

-
أنا فخور بك، لقد أنعشت مخزني، ولكنني لن أذهب إلى مكن، أنت تعرف ذلك جيّداً مثلما أنت على يقين بأنك لن تشتري الأغنام أبداً.
-
من قال لك هذا؟ سأل الشاب مندهشاً.
أجاب تاجر الزجاجيّات العجوز بكل بساطة:
- "
مكتوب " ، ثم باركه.


× × ×


ذهب الشاب إلى غرفته، وجمع متاعه الذي ملأ ثلاثة أكياس، ولحظة الرحيل تماماً انتبه إلى جعبته العتيقة، جعبته كراعٍ، التي كانت ماتزال في إحدى زوايا الغرفة، وهي في حالة يرثى لها، لقد تناسى تماماً وجودها، وفي داخلها يوجد كتابه القديم، ومعطفه، والذي عندما سحبه منها، فكّر أن يقدمّه كهديّة لأول ولد يلتقيه في طريه، ثم تدحرجن الحجران أرضاً " أوريم وتوميم " فتذكّر عندئذٍ الملك العجوز، وقد اندهش تماماً لدى إدراكه أن زمناً طويلاً قد مرّ دون أن يفكّر في لقائه معه، فانصرافه كليّاً إلى العمل دون انقطاع لكسب المال الذي يجنّبه العودة ذليلاً، خافض الرأي إلى أسبانية، هذا الشعور سيطر عليه ومنعه من تذكّر ذلك.
- "
لاتتراجع عن أحلامك، وكن متيقّظاً إلى العلامات " ـ كان قد قال له العجوز.
التقط أوريم وتوميم من على الأرض، وقد تملّكه من جديد إحساس غريب بأن الملك على مقربة منه، وأنه قد عمل بشكل شاق طيلة سنة، وهاهي العلامات تشير إلى أن لحظة الانطلاق قد بدأت.
-
سألفي نفسي على ماكانت عليه تماماً ـ فكّر ـ فالنعاج لم تعلمّني أبداً أن أتحدّث العربيّة.
ومع ذلك فقد علّمته شيئاً مهماً آخر، وهو أن هناك لغة ما في العالم يفهمها الجميع، وقد استخدمها هو طيلة ذلك الوقت كي يعمل على الارتقاء بالمتجر، إنها لغة الحماي، أشياء يقوم بها المرء بحب وولع كي يحصل على نتيجة يأملها أو يؤمن بها، لم تعد " طنجة " بالنسبة إليه مدينة غريبة، فقد توّلد لديه شعور بأنه مثلما استطاع اكتشاف هذا المكان، فإنه بالمثل يستطيع اكتشاف العالم.
-
عندما تبتغي شيئاً بالفعل، فإن العالم بأسره يسعى ليسمح لك تحقيق مبتغاك، كان قد قال الملك العجوز.
لكن الملك العجوز لم يتكلّم عن لصوص الصحراء الشاسعة، ولا عن الناس، الذين يعرفون أحلامهم ولا يريدون تحقيقها، الملك العجوز لم يتحدّث عن الاهرامات على أنها كومة من الحصى، وقد نسي أن يقول أيضاً أنه عند امتلاك المال لشراء قطيع أكبر من ذلك الذي كنت تملكه من قبل فلا تتردد بشرائه.
التقط الجعبة، وتناولها مع بقية الأمتعة الأخرى ونزل السلّم. كان التاجر العجوز يلبّي طلبات زوجين أجنبيين، بينما زبائن أخرون يتناولون الشاي في المخزن في أقداح من الزجاج. بالنسبة لهذه الساعة من الصباح، كانت بداية جيّدة لنهار جديد.
ومن المكان الذي نظر فيه للتاجر، لاحظ للمرة الأولى أن شعره كشعر الملك العجوز. ثم تذكّر ابتسامة بائع السكاكر أول يوم أفاق فيه " طنجة " حيث لم يكن لديه أية فكرة أين يذهب، ولم يكن لديه مايؤكل، فقط تلك الابتسامة التي استدعت في خاطره ذكرى الملك العجوز.
-
إنه قد مرّ من هنا وترك بصمة ـ فكّر الشاب، ربما كا واحد من هؤلاء الأشخاص سنحت له فرصة التعرف على الملك في لحظة أو أخرى من حياته، لقد قال في الحقيقة أنه يظهر دائماً لمن يعيش أسطورته الشخصية.
رحل دون أن يودع تاجر الزجاجيّات فهو لايريد أن يبكي: كان بالامكان رؤيته في هذا الوضع، لكنه سيتحسّر على تلك الحقبة وعلى كل الأشياء الحسنة التي تعلّمها.
وازدادت ثقته بنفسه وأحس برغبة عارمة في اكتشاف العالم.
-
لكنني ذاهب باتجاه الريف الذي أعرفه جيّداً من قبل لأرعى أغنامي من جديد.
لم يعد مقتنعاً بقراره، إذ أنه عمل سنة بكاملها من أجل تحقيق حلم، صار مع مرور الوقت يفقد أهميّته شيئاً فشيئاً، ربما لأنه لم يكن في المحصّلة حلمه.
-
من يعلم؟ في نهاية الأمر، أليس من الأفضل أن نكون كتاجر الزجاجيّات الذي قرر عدم السفر مطلقاً إلى مكة والعيش مع رغبة السفر إليها؟ لكنه تناول "أوريم وتوميم"، هاتان الحجران اللتان كانتا تمدّانه بقوة وإرادة ذلك الملك العجوز، ولعلّه بفعل مصادفة أو علامه ـ حدّث نفسه، فإنه دخل المقهى الذي دخله في اليوم الأول، سارقه لم يكن هناك، أما صاحب المقهى، فقد أحضر إليه كوباً من الشاي.
-
بمقدوري دائماً أن أعود راعياً ـ حدّث نفسه ، فقد تعلّمت العناية بالاغنام، وهذا مالا أنساه أبداً، لكن ربما، لن تتوفر لي بعد فرصة أخرى للذهاب إلى أهرامات مصر، فالرجل العجوز كان يمتلك على قلادة من ذهب، وكان يعرف قصتي، إنه ملك حقيقي، ملك عالِم.
فهو على بعد أقل من ساعتي سفر بالقارب من سهول الأندلس، لكن بينه وبين الاهرامات هناك صحراء شاسعة.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
روايات انسان
عضو متميز
عضو متميز
روايات انسان


عدد المساهمات : 3434
تاريخ التسجيل : 10/02/2013

الخيميائي - كابيلو Empty
مُساهمةموضوع: رد: الخيميائي - كابيلو   الخيميائي - كابيلو Emptyالخميس يونيو 20, 2013 10:19 am

لقد فهم أنه يمكن أيضاً تصوّر الموقف كما يلي: أنه الآن على بعد ساعتين من كنزه، لكن حتى هذه المسافة التي لا تستغرق أكثر من ساعتين من السفر قد كلّفته تكريس سنة كاملة من العمل.
-
إنني أعرف جيداً لماذا أريد العودة إلى اغنامي، لأنني أعرف أنها لا تتطلب كثيراً من العمل، وأن المرء يستطيع أن يحبها، لكن لا أعرف إن كانت يمكن للصحراء أن تُحب، علماً بأن الصحراء هي التي تحتوي على كنزي، وإذا لم أستطع إيجاده فبإمكاني الرجوع إلى بلدي، ومع ذلك فإن الحياة قد أعطتني فجأة المال الكافي، ولدي كل الوقت الذي أحتاجه، فلماذا أحجم إذن؟
في هذه اللحظة عاوده شعور عارم بالغبطة، فهو يستطيع أن يعود راعياً، ويستطيع أن يعود بائع أوان زجاجيّة، وربما يخفي العالم كثيراً من الكنوز الأخرى، لكنّه حلم بحلم تكرر، والتقى ملكاً، وهذا لا يحصل لكل الناس.
كان مسروراً للغاية عندما خرج من المقهى، فقد تذكر أحد ممولي التاجر بالبضائع، والذي كان يحمل إليه أوانيه الزجاجية بواسطة القوافل التجارية العابرة للصحراء.
احتفظ بأوريم وتوميم بين يديه، فبسبب هاتين الحجرين هاهو يعود إلى الدرب التي تؤدي به إلى كنزه.
-
إنني دائماً مع هؤلاء الذين يعيشون أسطورتهم الشخصية. كان قد قال الملك العجوز.
ولم يفته الذهاب حتى المرفأ، ليعلم إن كانت الأخرامات بعيدة فعلاً.

× × ×

كان الانكليزي جالساً في مدخل مبنى تصدر منه رائحة الدواب والعرف والغبار، وكأنه ليس بمرفأ وإنما حظيرة للماشية.
-
أمضي جلّ هذه الأيام لأمرّ على مكان كهذا ـ حدّث الانكليزي نفسه وهو يتسلّى بتقليب مجلة كيميائة ـ عشر أعوام من الدراسة كي أنتهي إلى حظيرة ماشية !
كان عليه أن يتابع طريقه وأن يؤمن بالعلامات، فكل حياته ودراساته قد كرّست في البحث عن اللغة الفريدة، التي يتحدث بها الكون، في البداية كان قد اهتم بالاسبرانتو، ثم بالأديان، ولينتهي بالخيمياء، لقد أجاد التكلّم بلغة الاسبرانتو وانسجم تماماً مع مختلف الأديان، لكنّه لم يصبح خيميائياً بعد، وقد نجح دون شك بتحليل أشياء هامة، لكن أبحاثه وصلت إلى مرحلة لم يعد يستطيع تجاوزها.
حاول إقامة علاقة مع أحد الخيميائيين، لا على التعيين، فالخيميائيون شخصيات غريبة لا يفكّرون إلا بأنفسهم، ويمتنعون في أكثر الأحيان عن تقديم مساعدتهم، من يعلم إن كانوا لم يكتشفوا بعد سر الانجاز العظيم، وبعبارة أخرى، " حجر الفلاسفة " ، ولهذا السبب يتغلّقون على أنفسهم بصمت.
لقد أنفق جزءاً من الثروة التي تركها له والده باحثاً دون جدوى عن حجر الفلاسفة، وتردد على أكبر مكتبات العالم، واشتري أهم وأندر الكتب المتعلّقة بالخيمياء، ففي إحداها كان قد اكتشف أن خيميائياً عربياً زار أوروبا منذ سنوات عديدة، قيل أن عمره أكثر من مائتي عاماً وأنه اكتشف حجر الفلاسفة، وإكسير الحياة. لقد أثّرت هذه القصة بالانكليزي كثيراً، وكان يمكن لهذه الرواية أن تبقى مجرّد أسطورة من بين سائر الأساطير الكثيرة، لولا أن واحداً من أصدقائه العائدين من رحلة أثرية في الصحراء كان قد حدّثه عن أعرابي يملك قدرات خارقة.
إنه يعيش في واحة " الفيّوم " ـ كان قد قال له ـ والناس يروون أن عمره مائتي عاماً، ويستطيع تحويل أي معدن إلى ذهب، عندها عرف الانكليزي الذي أثارته القصة انفعالاً بلا حدود، فألغى في الحل كافة التزاماته السابقة، وجمع أهم كتبه والآن هاهو ذا هنا في هذا المرفأ المشابه لحظيرة الماشية.
وفي هذه الأثناء كانت قافلة تجارية كبيرة على أهبة الاستعداد للانطلاق لاجتياز الصحراء. وكانت هذه القافلة ستمر في طريقها إلى الفيوم.
-
لابد لي من أن ألتقي هذا الخيميائي اللعين ـ فكّر الإنكليزي.
وأصبحت رائحة الحيوانات محتملة بعض الشيء.
دخل شاب عربي يحمل أمتعته أيضاً إلى المبنى الذي يحل فيه الانكليزي وحيّاه.
-
أين تذهب؟ سأل العربي.
أجاب الانكليزي:
-
إلى الصحراء، وعاد إلى قراءته، لم تكن لديه الرغبة في المحادثة حينذاك، إذ كان بحاجة لمراجعة ماكان قد تعلّمه خلال تلك السنوات العشرة، لأن الخيميائي سيُخضعه بالتأكيد لنوع من الاختبار.
تناول الفتى العربي كتاباً أيضاً وأخذ يقرأ بدوره، لقد كتب الكتاب باللغة الأسبانية ـ ياللحظ ـ فكّر الانكليزي، فهو يجيد الأسبانية أكثر من العربية، وإن كان هذا الفتى سيذهب إلى الفيّوم، فسوف يتحدث معه عندما لاينهمك بأشياء ذات قيمة.


× × ×

-
هذا مضحك، على أية حال ـ فكّر الشاب بينما كان يحاول قراءة مشاهد الدفن الذي بدأت به القصة.
سنتان مرتا على بداية قراءتي لهذا الكتاب، وحتى الآن لم أتوصل إلى تجاوز أكثر من بضع صفحات منه، لم يستطع التركيز، فهو مازال متردداً في القرار الذي عليه اتخاذه، لكنه يدرك الآن أن الأمر هاماً، وهو أن القرارات لاتمثّل إلا البداية، فعندما يتّخذ أي انسان قراراً فإنه ينجرف في 
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
روايات انسان
عضو متميز
عضو متميز
روايات انسان


عدد المساهمات : 3434
تاريخ التسجيل : 10/02/2013

الخيميائي - كابيلو Empty
مُساهمةموضوع: رد: الخيميائي - كابيلو   الخيميائي - كابيلو Emptyالخميس يونيو 20, 2013 10:20 am

الحقيقة ضمن تيار عنيف يحمله نحو مصير لم يكن قد استشفه مطلقاً. حتى في الحلم، في اللحظة التي اتخذ فيها القرار.
-
عندما اخترت الرحيل بحثاً عن كنزي، فإنني لم أكن اتصور أبداً أنني سأعمل في متجر الزجاجيّات ـ فكّر في نفسه ليؤكد استنتاجه ـ وبالطريقة نفسها، فإنه يمكن لهذه القافة أن تنسجم مع قرار اتخذته، لكن مسيرتها ستبقى دائماً غامضة.
في قبالته، أوروبي يقرأ كتاباً أيضاً، إنه سمج، فقد نظر إليه باحتقار لدى دخلوه، كان من الممكن أن يكونا صديقين حميمين، لكن الأوروبي قطع الطريق في الحال، أغلق الشاب كتابه ولم يرد أن يتصرّف بأي شيء يبدو فيه مشابهاً لهذا الأوروبي، تناول من جيبه " أوريم وتوميم " وأخذ يلعب بالحجرين.
فجأة أطلق الغريب صرخة:
-
أوريم وتوميم !
-
وبأقصى سرعة أعاد الشاب الحجرين إلى جيبه.
-
ليستا للبيع.
-
إنهما لا تشكّلان شيئاً قيّماً ـ قال الانكليزي، إنما بلّورات صخرية ليس إلا، فهناك ملايين البلّورات الصخرية على الأرض، ولكن بالنسبة لها إنها أريم وتوميم، لم أكن أعرف أنهما موجودتان في هذه البقعة من العالم.
-
لقد قدّمهما لي ملك كهدية ـ قال الشاب.
مكث الغريب مطرق الرأس ثم غرز يديه في جيبه وأخرج منها وهو يرتجف حجرين مماثلتين.
-
لقد تحدثت عن ملك ؟!
-
لكنك لا تعتقد بأن ملكاً يستطيع التحدث إلى راعٍ ـ أجاب الشاب راغباً هذه المرة أن يضع حداً للحديث.
-
بالعكس تماماً، إن الرعاة أول من رد الاعتبار لملك رفض بقية الناس الاعتراف به، وليس من الغرابة أن يتحدث الملوك إلى الرعاة.
ثم أضاف خشية أن يستعصي الفهم على الراعي:
-
لقد ورد هذا في التوراة، فهو الكتاب، الذي علمني كيف أصنع هاتين الحجرين، كانتا الأداة الوحيدة للتنبؤ الذي يبيحه الله، والأساقفة يحملونها ضمن قلادة ذهبية.
أحس الشاب بالسعادة لوجوده في هذا المكان.
-
ربما في هذا علامة ـ قال الانكليزي، كما لو كان يفكّر بصوت عالٍ.
-
من حدّثك عن العلامات؟ قال الشاب الذي كان اهتمامه يزداد شيئاً فشيئاً.
-
كل شيء في الحياة علامة ـ قال الانكليزي الذي أغلق الآن المجلة التي يقرأهاـ لقد صنع الكون بلغة يستطيع العالم فهمها، لكن الأنسان نسيها، وأنا أبحث، من بين أشياء أخرى، عن هذه اللغة الكونية، ولهذا أنا هنا، عليّ أن ألتقي رجلاً يعرف هذه اللغة الكونية. إنه خيميائي.
لكن المحادثة قط قطعت من قِبل مسؤول المرفأ:
-
ستنطلق قافلة الفيّوم بعد ظهر هذا اليوم.
-
لكنني ذاهب إلى مصر ـ قال الشاب.
-
الفيّوم في مصر ـ أجاب الرجل الضخم، وأنت تبدو لي كعربي غريب.
-
إنني إسباني.
سرَّ الانكليزي بذلك، حتى لو ارتدى الشاب الزي العربي، فهو على الأقل أوروبي.
-
إنه يسمى العلامات بالحظ ـ قال الانكليزي لدى خروج الآخر ـ ولو كنت استطيع لألّفت موسوعة ضخمة بخصوص كلمتي حظ ومصادفة، فبهاتين الكلمتين كتبت اللغة الكونية.
ثم تابعا الحديث، وقد قال له الانكليزي بأنه ليس من قبيل المصادفة أن يكون التقاه وهو يمسك بأوريم وتوميم، وسأله إن كان هو أيضاً يمضي للبحث عن الخيميائي.
-
انا أمضي للبحث عن كنز ـ اجاب الشاب، وقد ندم على ذلك حالاً .
لكن الأنكليزي لم يعلّق أية أهميّة على ماقاله الشاب لتوّه، ثم قال:
-
بشكل أو بآخر أنا أيضاً.
-
إنني لا أعرف ماتكون الخيمياء ـ أجاب الشاب في اللحظة التي ناداهما فيها رئيس المرفأ في الخارج.


× × ×


-
أنا رئيس القافلة ـ قال رجل ذو لحية طويلة وعينين سوداوين ـ وإن حياة أو موت هؤلاء الذين أقودهم منوط بي، لأن الصحراء امرأة متقلّبة الأهواء، فهي تجعل الرجال مجانين أحياناً.
كانت القافلة تضم مايقارب المائتي شخصاً، وكثيراً من الحيوانات: جمالاً، خيولاً، بغالاً، وطيوراً. وإلى جانب الرجال الذين كان بعضهم يحمل سيفاً في حزامه، أو بندقية على كتفه كان هناك نسوة وأطفال، كان في حوزة الأنكليزي عدة حقائب سفر، مليئة بالكتبة، جلبة كبيرة كانت تهيمن على الساحة، وقد توجب على الرئيس أن يكرر خطابه عدة مرات كي يفهمه الجميع.
-
يوجد هنا أنواع مختلفة من الناس، في قلوبهم مختلف أنواع الآلهة، أما أنا فإلهي الوحيد هو الله، وأقسم بالله أنني سأفعل مابوسعي، وسأبذل قصارى جهدي كي أقهر الصحراء ثانية، لكنني أريد أن يقسم كل منكم بالإله الذي يؤمن به من أعماق قلبه، بأن يمتثل لقيادتي في كل الظروف، لأن التمرّد في الصحراء يعني الموت.
ارتفع ضجيج يصمّ الآذان من الحشد الذي أخذ كل فرد من أفراده يقسم متخذاً إلهه شاهداً لقسمه.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
روايات انسان
عضو متميز
عضو متميز
روايات انسان


عدد المساهمات : 3434
تاريخ التسجيل : 10/02/2013

الخيميائي - كابيلو Empty
مُساهمةموضوع: رد: الخيميائي - كابيلو   الخيميائي - كابيلو Emptyالخميس يونيو 20, 2013 10:20 am


أقسم الشاب بالسيد المسيح، أما الإنكليزي فقد احتفظ بصمته، وقد استمرت التمتمة وقتاً يتجاوز أداء القسم، فقد كان الناس يرجون عناية السماء أيضاً.
انطلق رنين بوق يؤذن بالانطلاق، وامتطى كل واحد سرج دابته. الإنكليزي والشاب كانا قد اشتريا جملين، وواجها صعوبة بارتقاء ظهري مطيتيهما، وقد عبّر الشاب عن شفقته على مطية الانكليزي المحمّلة بأكياس ثقيلة مليئة بالكتب.
-
ليس هناك مصادفات ـ قال الانكليزي محاولاً متابعة المحادثة التي بدأت في المرفأ ـ إنه واحد من أصدقائي من دفعي إلى المجيء إلى هناك لأنه كان يعرف عربياً يـ ...
لكن القافلة انطلقت وصار من المستحيل أن يسمع ماكان يرويه، لكن الشاب فهم في الحال ماكان يرمي إليه، فهذه السلسلة الغامضة التي تربط شيئاً بآخر والتي قادته ليصبح راعياً، وأن يحلم مرات عديدة بالحلم نفسه، وإلى تواجده في مدينة قريبة من إفريقية، وأن يلتقي ملكاً في ساحة، وليُسرق، وليتعّرف على تاجر الزجاجيّات و ...
-
كلّما اقتربنا من تحقيق أحلامنا ، أصبحت الأسطورة الشخصيّة دافعاً حقيقياً للحياة ـ استنتج الشاب محدّثاً نفسه.
اتّخذت القافلة في سيرها وجهة المشرق، فكانوا يجدّون في المسير في الصباح ويتوقفون للإستراحة عندما تصبح الشمس حارقة ، ثم يواصلون السفر عندما تبدأ بالانخفاض، لم يكن الشاب يتكلّم كثيراً مع الانكليزي، الذي كان يمضي معظم وقته غارقاً في كتبه.
بدأ يرقب بصمت مسير الحيوانات والناس عبر الصحراء، حيث صار كل شيء مختلفاً عما كان عليه يوم الانطلاق، ففي ذلك اليوم عمّت الفوضى، وعلا الصراخ، وبكاء الاطفال، وحمحمة الدواب، وفي وسط هذه المعمعة كان هناك أوامر الادلاء والتجار اللجوجة.
أما في الصحراء، فلم يكن هناك سوى الريح الأزليّة، والصمت الذي لا يبدده إلا وقع حوافر الدواب، حتى الأدلاء لم يتحدّثوا فيما بينهم إطلاقاً.
-
لقد اجتزت مرات عديدة امتدادات من الرمال كهذه ـ قال أحد الجمّالة ذات مساء ـ لكن الصحراء واسعة والآفاق بعيدة بحيث يشعر الإنسان بأنه صغير جداً أمامها، ويُجبر على أن يلوذ بالصمت.
فهم الشاب ماكان يريد الجمّال قوله على الرغم من أنه لم يكن قد طرق الصحراء من قبل، ولكن في كل مرة كان ينظر فيها إلى البحر أو النار ، كان بمقدوره أن يقضي ساعات عديدة دون أن ينطق بكلمة، غارقاً في قلب البعد الهائل والقدرة العجيبة لهذه العناصر.
-
لقد تتلمذت من معاشرة أغنامي، وتعلّمت وأنا أبيع الزجاجيّات، أستطيع أيضاً أن أتعلم من الصحراء، فهي تبدو لي أكثر شيخوخة وأكثر حكمة.
كانت الريح نفسها في " طريفه " عندما كان جالساً على الأسوار، ربما تداعب هذه الريح صوف نعاجه الآن، وهي تطوف أرياف الأندلس سعياً وراء الماء والكلأ.
-
لم تعد أغنامي ـ قال لنفسه دون أن يشعر بحنين حقيقي إلى مسقط رأسه ـ ولعلّها تعودت على راعٍ آخر ونسيتني بالتأكيد، فالوضع أفضل فكذا، فمن اعتاد على الترحال، كالأغنام يعرف أنه لا بد أن يأتي وقت يكون فيه الرحيل أمراً لامفر منه.
تذكّر من ذلك ابنة التاجر، وشعر كأنه متأكد من انها قد تزوجت، ربما من بائع بوشار، أو من راع يجيد القراءة، يقص عليها عجائب الحكايات فهو ليس الوحيد الذي يستطيع أن يفعل ذلك، لكن هنا الاحساس الباطني ولّد عنده شيئاً من الاضطراب: هل كان يتعلّم بدوره هذه اللغة الكونية الشهيرة التي تعرف ماضي وحاضر الناس قاطبة؟ إنها هواجس ـ كانت أمه تقول ذلك باستمرار.
وقد بدأ يدرك أن هذه الأحاسيس عبارة عن غطسات سريعة للروح في التيار الكوني للحياة، والذي في رحمه تاريخ كل الناس مُتحِد بتاريخ واحد : بطريقة نتمكّن معها أن نعرف كل شيء، لأن كل شيء مكتوب.
- "
مكتوب " ـ قال وهو يفكّر بتاجر الزجاجيّات.
كانت الصحراء من رمل ومن حجارة، فلمّا كانت القافلة تصل أما حجر كبير كانت تلف حولها، وإن كانت كتلة صخرية فإنها كانت ترسم لتجاوزها منعطفاً واسعاً، وعندما يكون الرمل ناعماً جداً بالنسبة لخف الجمال، فقد كانوا يبحثون عن ممر يكون فيه الرمل أكثر مقاومة، وأحياناً تكون الأرض مغطاة بالملح وذلك في موقع بحيرة قديمة، وعندما كانت الحيوانات تعاني من التعب، كان الجمّالة ينزلون الأحمال عن ظهورها ويساعدونها بحمل الامتعة على ظهورهم، وهكذا كانوا يعبون المرر الصعب، ثم يعيدون تلك الأمتعة من جديد إلى ظهور الدواب، وإذا مرض أو مات أحد الأدلاّء، فإنهم كانوا يقترعون ليختاروا بديلاً عنه.
لم يكن لكل هذا إلا سبب واحد: فقيام القافلة بكل هذه الأنعطافات لا يهم كثيراً ، طالما أن القافلة تيمم شطر هدف واحد.
وبعد أن تغلّبت على كل العقبات لمحت أماها النجم الذي كانت تهتدي به إلى الوجهة التي توجد فيها الواحة، وعندما رأى الناس أمامهم عند الفجر بريق هذا النجم في السماء أدركوا أنه يدلّهم على مكان فيه الماء والنساء والنخيل والتمر.
كان الانكليزي الشخص الوحيد الذي لم يلاحظ البتة شيئاً من كل هذا، لقد كان منهمكاً بقراءة كتبه.
والشاب أيضاً كان معه كتاب، وقد حاول قراءته منذ الأيام الأولى من السفر ولكنه وجد في مراقبة القافلة والاصغاء إلى الريح أمراً أهم من القراءة بكثير.
فمنذ أن تآلف مع جمله، وتعلّق به، ألقى كتابه، واستراح من عبئه، ومع ذلك فإنه في كل مرة كان يفتح فيها هذا الكتاب كان يتخيّل أنه سيلقى أحداً ذا أهميّة.
صداقة وثيقة قامت بينه وبين الجمّال الذي كان يتواجد باستمرار إلى جانبه، وعند استراحة المساء، أثناء السهرة حول النار، كان يروي له مغامراته عندما كان راعياً.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
روايات انسان
عضو متميز
عضو متميز
روايات انسان


عدد المساهمات : 3434
تاريخ التسجيل : 10/02/2013

الخيميائي - كابيلو Empty
مُساهمةموضوع: رد: الخيميائي - كابيلو   الخيميائي - كابيلو Emptyالخميس يونيو 20, 2013 10:20 am

وخلال إحدى تلك المحادثات، أخذ الجمّال يحدّثه أيضاً عن حياته، وقال له:
-
كنت أسكن في بلدةٍ قرب القاهرة، كان لدي بستاني، وأطفالي، وحياة من الممكن ألا تتغير حتى مماتي، وفي إحدى السنوات أعطى البستان محصولاً أفضل بكثير من المعتاد، فسافرنا جميعاً إلى مكة لأداء الفرض الوحيد الذي لم أكن قد أديته حتى ذلك الحين، فأحسست بعد ذلك بالطمأنينة والراحة، وباستعدادي للقاء الموت بسلام. وفي يوم من الأيام أخذت الأرض تهتز، وأخذ نهر النيل الفائض يخرج من مجراه، والذي كنت أعتقد أنه لن يحصل إلا للآخرين، حصل لي أيضاً، خاف جيراني من فقد بساتين الزيتون بسبب الفيضان، وخافت زوجتي أن ترى الأطفال يغرقون، وخفت أنا من رؤية ماقد جنيته طيلة عمري ينهار.
وبعد لحظة تابع:
-
لم يكن في اليد حيلة، ولم يكن هناك مايمكن الحصول عليه من الأرض، فصرت مضطراً لإيجاد وسيلة أخرى للعيش، فها أنذا اليوم جمّال. لكنني تمكّنت أن استجيب لكلام الله، يجب على الانسان ألا يخاف من المجهول، لأن كل انساء قادر على اكتساب مايريد، وماهو ضروري له. فكل مانخشاه هو أن نخسر مانملك، سواء مايتعلّق بحياتنا أو بزروعنا، لكن هذا الخوف يتلاشي عندما نفهم ان صيرورتنا وصيرورة العالم قد خطّتها يد واحدة .


× × ×


كانت القوافل تتلاقى في محطة المساء، لدى كل واحدة مايلزم للأخرى، كم لو أن كل شيء كان فعلاً قد كتب بيد واحدة.
كان الجمّالة يتبادلون المعلومات عن العواصف الرملية، ويجتمعون حول المواقد ليسردوا حكايات الصحراء، وفي أوقات أخرى يزورهم رجال مثلثّمون، كانوا من البدو الذين يراقبون الطريق التي تسلكها القوافل، ويقدّمون المعلومات عن قطّاع الطرق أو عن القبائل المتمردة، يصلون بصمت، ويرحلون بصمت ملفحين بجلابياتهم ذات اللون القاتم، ومثلثّمين بطريقة لا تظهر منها إلا عيونهم.
وفي إحدى السهرات التي عقدت حول النار، انضم الجمّال إلى الشاب والانكليزي اللذين كانا يجلسان قرب النار، فقال الجمّال:
-
تنتشر إشاعات بأن حرباً ستقوم بين القبائل.
ظل الرجال الثلاثة صامتين، لاحظ الشاب الأسباني أن نوعاً من الخوف الغامض يسري بينهم، علماً بأن أحداً منهم لم يتفوه بكلمة، لمرة أخرى ميّز لغة دون كلمات، إنها اللغة الكونية.
بعد فترة من الوقت سأل الانكليزي إن كان هناك ثمّة خطر.
أجاب الجمّال:
-
إن من يتوغل في الصحراء لايستطيع العودة على اعقابه، وعندما لانستطيع الرجوع إلى الخلف، فلن يكون أمامنا سوى التفكير بالطريقة الأفضل للمضي إلى الأمام، والباقي على الله، بما في ذلك الخطر.
وختم قوله وهو يلفظ هذه الكلمة الغامضة : " مكتوب " !
-
عليك أن تعطي انتباهك أكثر إلى القوافل ـ قال الشاب للانكليزي بعد رحيل الجمّال ـ فهي تلف وتدور كثيراً، لكنها تتوجه دائماً نحو النقطة نفسها.
-
وأنت عليكَ أن تقرأ أكثر عن العالَم ـ علّق الانكليزي ـ فالكتب هي تماماً كالقوافل.
ذلك الرتل الكبير من الرجال والحيوانات، أخذ مذ ذلك الحين يتقدّم متسارعاً أكثر، لم يعد الصمت يخيّم في النهار وحسب، وإنما بدأ يحل شيئاً فشيئاً في المساء أيضاً، حتى في اللحظة التي اعتاد فيها الناس على الثرثرة وهم مجتمعون حول النار، كما أن رئيس القافلة قرر ذات يوم عدم إشعال النار ليلاً كي لايلفتوا الانتباه، صار المسافرون عندئذٍ ينامون ضمن حلقة مكوّنة من الحيوانات كي يحموا أنفسهم من برد الليل.
كذلك عيّن الرئيس خفراء مسلّحين لحماية المخيّم.
وفي إحدى الليالي، لم يستطع الانكليزي النوم، فذهب إلى الشاب الأسباني يثم تمشيا معاً بين الكثبان القريبة، كان القمر بدراً وروى الشاب للإنكليزي كل شيء عن حياته، بدا الانكليزي مهتماً بشكل خاص لما رواه الشاب عن فترة عمله في متجر الزجاجيّات الذي ازدهر يوماً عن يوم منذ أن بدأ الشاب يعمل به.
-
هنا يكمن المبدأ الذي يؤثر في كل شي ـ قال ، هذا مايسمّونه في الخيمياء بـ " النفس الكليّة "، فعندما تمتلك الرغبة في شيء ما بكلّ جوارحنا نكون أكثر قرباً من النفس الكلّية، إنها لقوة إيجابيّة دائماً.
ثم قال أيضاً بأن هذا ليس من امتيازات البشر فقط: فكل ماهو موجود على سطح الأرض له روح أيضاً سواء كان معدناً ، او نباتاً ، أو حيواناً ، أو فكرة.
وكل ماهو موجود تحت أو فوق سطح الأرض لا يتوقف عن التحوّل، لأن الأرض كائن حي ولها روح، ونحن جزء من هذه الروح التي نادراً ماندرك أنها تعمل في مصلحتنا، وحتى في متجر الزجاجيّات عليك أن تعلم أن المزهريات نفسها كانت تتعاون لمساعدتك على النجاح.
احتفظ الشاب بالصمت لبعض الوقت متأملاً القمر والرمل الأبيض، ثم قال أخيراً :
-
من خلال مراقبتي للقافلة التي كانت تسير عبر الصحراء، أدركت أنها هي والصحراء تتكلّمان اللغة نفسها، ولهذا السبب سمحت لها بعبورها، ولم تتوقف الصحراء عن مراقبة كل خطوة من خطواتها لتتحقق إن كانت على ائتلاف كامل معها، وإن كان الأمر كذلك، فإن القافلة ستصل حتى الواحة، ولو أن الواحد منا وعلى الرغم من الشجاعة التي يملكها، لم يفهم هذه اللغة لهلك من 
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
روايات انسان
عضو متميز
عضو متميز
روايات انسان


عدد المساهمات : 3434
تاريخ التسجيل : 10/02/2013

الخيميائي - كابيلو Empty
مُساهمةموضوع: رد: الخيميائي - كابيلو   الخيميائي - كابيلو Emptyالخميس يونيو 20, 2013 10:20 am

اليوم الأول.
ثم تابعا معاً مراقبة القمر الوضّاء.
-
هذا هو سحر العلامات ـ أردف الشاب ـ لقد رأيت كيف يقرأ الأدلاّء علامات الصحراء، وكيف أن روح القافلة تتحاور مع روح الصحراء.
وبعد فترة وجيرة من الزمن جاء دور الانكليزي في الحديث، فقال:
-
عليّ في الواقع أن أمنح القافلة انتباهاً أكثر.
فأردف الشاب:
-
وأنا عليّ أن أقرأ كتبك.

× × ×


كانت كتباً غريبة فعلاً ، إذ أنها تتحدث عن الزئبق، عن الملح، عن التنبؤات، عن الملوك، لكنه لم يكن ليفهم منها شيئاً على الاطلاق، مع ذلك كانت هناك فكرة تُذكر دوماً في كل الكتب تقريباً، وهي أن الاشياء كلها ليست إلا تجليّات لشيء واحد وفريد.
واكتشف في أحد الكتب أن النص الأكثر أهمية هو عن الخيمياء ويشتمل على بضعة أسطر فقط، وكانت مكتوبة على زمرّدة بسيطة.
-
هذا هو لوح الزمرّد ـ قال له الانكليزي بكل فخر، فقد استطاع أن يعلّم رفيقه شيئاً.
-
ولكن لماذا هذا العدد الكبير من الكتب؟
-
لكي أتمكّن من فهم هذه السطور القلائل ـ اجاب الانكليزي دون أن يكون هو نفسه مقتنعاً تماماً بهذا الجواب.
أما الكاتب الذي أثار اهتمام الشاب أكثر من بقيّة الكتب كلها، فقد كان يروي تاريخ مشاهير الخيميائيين، لقد كانوا رجالاً نذروا حياتهم كلها في تنقية المعادن في مختبراتهم. وكانوا يعتقدون بأنه لدى تسخين معدن ما لسنوات وسنوات، فإنه يتحرر من كل خواصه النوعيّة، فعندئذٍ لن يبقى في مكانه إلا النفس الكليّة، وهذا الشيء الفريد سيمكّن الكيميائيين من فهم كل مايوجد على الأرض، لأنه اللغة التي بفضلها كانت الأشياء تتواصل مع بعضها بعضاً، هذا هو الاكتشاف الذي سمّوه بـ
"
الانجاز العظيم " والذي يتآلف من جزء سائل وجزء صلب.
سأل الشاب:
-
ألا تكفي مراقبة البشر والعلامات لاكتشاف هذه اللغة؟
أجاب الانكليزي بانزعاج:
-
لديك هوَس مفرط في تبسيط الأشياء، فالخيمياء عمل جاد ودؤوب، ومن المحتّم متابعة كل طور من السيرورة كما علّمها المعلّمون.
اكتشف الشاب أن الجزء السائل من الانجاز العظيم هو المادة التي كانت تدعى " إكسير الحياة المديد "، وهذا الإكسير لم يكن يشفي الأمراض فحسب، بل يحمي الخيميائي من الشيخوخة أيضاً. أما الجزء الصلب فهو ماكان يُدعى " حجر الفلاسفة " .
قال الانكليزي:
-
ليس من السهل أبداً اكتشاف " حجر الفلاسفة "، فالخيميائيون كانوا يمضون سنوات عديدة في مختبراتهم لمراقبة النار التي تنقّي المعادن، وطوال مراقبتهم للنار، كانوا يتخلّصون من ضمائرهم شيئاً فشيئاً من كل أباطيل العالم، إلى أن لاحظوا ذات يوم أن تنقية المعادة كانت تطهّر نفوسهم أيضاً.
تذكّر الشاب حينذاك بائع الزجاجيّات الذي قال أن عليهما تنظيف أوانيهما الزجاجيّة لأنهما سيجدان نفسيهما أيضاً قد تخلّصا من الأفكار السيئة، ولقد اقتنع أكثر فأكثر بأنه يمكن تعلّم الخيمياء في الحياة اليومية أيضاً.
-
بالإضافة إلى ذلك ـ تابع الانكليزي ـ فإن حجر الفلاسفة يمتلك خاصيّة خارقة للمألوف تماماً، فيكفي جزء صغير منها لتحويل كميّات كبيرة من معدنٍ بخس إلى ذهب.
انطلاقاً من هذا، فإن اهتمام الشاب بالخيمياء صار أكبر بكثير، فقد فكّر بأنه بقليل من الصبر سوف يستطيع تحويل كل شي إلى ذهب.
لقد قرأ سير الحياة لشخصيات مختلفة، كانوا قد وفقوا إلى ذلك، هيلفيتيوس، إيلي، فولكانولي، جابر، وكانت سيرهم جذّابة، فكلّهم عاشوا أساطيرهم الشخصية حتى النهاية، كانوا يسافرون، يتلقون العلماء ويصنعون المعجزات على مرأى من عيون المشككين، وكانوا يملكون حجر الفلاسفة وإكسير الحياة المديدة.
لكنه عندما كان يريد أن يتعلّم بدوره كيفية استخلاص هذا الانجاز العظيم، فقد كان يجد نفسه محتاراً، فلم يكن يجد في تلك الكتب إلا رسوماً، وتعليمات مرمّزة ونصوص غامضة.
-
لماذا يستعملون لغة يصعب فهمها جداً ؟ سأل الانكليزي ذات مساء.
بالاضافة إلى ذلك لاحظ ـ وفي هذه المناسبة ـ أن الانكليزي لم يكن صافي المزاج، كما لو انه كان يفتقد كتبه.
-
كي لايكون هذا مفهوماً إلا من قِبل هؤلاء القلّة الذين لديهم المسؤولية الكافية للقدرة على الفهم _ أجابه _ تصوّر لو أن كل الناس أخذوا يحوّلون الرصاص إلى ذهب، عندئذٍ وخلال زمن قصير جداً، فإن الذهب سيفقد قيمته ولن يساوي شيئاً أبداً. وحدهم فقط أصحاب العقول العنيدة من الباحثين المثابرين هم الذين يتوصلّون إلى الإنجاز العظيم. هذا هو سبب وجودي في وسط الصحراء، وبالتحديد كي ألتقي خيميائياً حقيقياً يعينني على فك الرموز.
سأل الشاب:

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
روايات انسان
عضو متميز
عضو متميز
روايات انسان


عدد المساهمات : 3434
تاريخ التسجيل : 10/02/2013

الخيميائي - كابيلو Empty
مُساهمةموضوع: رد: الخيميائي - كابيلو   الخيميائي - كابيلو Emptyالخميس يونيو 20, 2013 10:20 am

- في أي وقت كُتبت هذه الكتب؟
-
منذ عدة قرون، زفي ذلك الزمن لم تكن المطبعة قد اختُرعت بعد، فلم يكن يتسنّى لكل الناس التوصّل إلى معرفة الخيمياء.
-
لماذا إذن هذه اللغة الغريبة؟ وكل هذه الرسوم والأشكال؟
على الرغم من هذا الإلحاح، فإن الانكليزي لم يجب على هذا السؤال، بل اكتفى بأنه قال أنه منذ عدة أيام يراقب القافلة دون أن يكتشف شيئاً جديداً، وأنه لم يلاحظ إلا شيئاً واحداً، إنهم يتحدّثون أكثر فأكثر عن الحرب.


× × ×


أعاد الشاب الكتب إلى الانكليزي ذات يوم.
-
حسن، هل تعلّمت الكثير؟ ـ سأل الانكليزي بفضول لجوج، فقد كان بحاجة إلى من يثرثر معه لينسى الخوف من الحرب.
-
تعلّمت أن للعالم روحاً، وأن من يستطيع إدراك هذه الروح سيكون مقدوره إدراك لغة الأشياء، علمت أن خيميائيين عديدين قد عاشوا أساطيرهم الشخصية، وتوصلوا إلى اكتشاف النفس الكليّة وحجر الفلاسفة وإكسير الحياة المديدة. لكنني تعلّمت على الأخص أن هذه الأشياء على درجة من البساطة بحيث يمكن أن تُنقش على زمرّدة.
شعر الانكليزي بالخيبة لدى رؤيته أن حصيلة سنوات الدراسة والرمزو الغامضة، والكلمات المتعذّرة الفهم، وأجهزة المختبرات، لاشيء من كل هذا قد جذب انتباه الشاب.
-
لابد أن نفسه فظّة وغير مصقولة لتحسس هذه الأشياء ـ قال في نفسه، ثم تناول كتبه وأعادها إلى الأكياس المعلّقة بسرج الجمل.
-
عد إلى قافلتك، هي أيضاً لم تعلّمني شيئاً يُذكر.
عاد الشاب إلى تأمّل اتساع الصحراء الصامت والرمال التي تثيرها الحيوانات في سيرها.


-
لكل طريقته في التعلّم ـ كرر الشاب في سرّه ـ فنهجه ليس نهجي، ونهجي ليس نهجه، ولكن كل واحد منا يسعى وراء اسطورته الشخصية، ولهذا فإنني احترمه.
صارت القافلة تسير ليلاً نهاراً، وفي كل لحظة كان يظهر لهم الرسل ذوو الوجوه الملثّمة، والجمّال الذي غدا صديقاً للشاب، نبأ بأن الحرب بين القبائل قد شبّت، وانهم سيكونون محظوظين لو نجحوا في الوصول إلى الواحة، فلقد أنهكت الحيوانات، والناس سادهم الصمت أكثر فاكثر، وأصبح رغاء جمل ما يخيف كل الناس، والذي لم يكن سابقاً سوى جمل يرغي، لعلّ في ذلك مؤشر لبدى هجومٍ ما ؟
ومع ذلك فإن الجمّال، لايبدو مضطرباً جداً من خطر اندلاع الحرب.
-
أنا حي ـ قال الشاب وهو يلتهم حفنة من البلح في ليلة غاب فيها القمر وخمدت النار.
-
عندما آكل فإنني لا أفعل شيئاً آخر سوى الأكل، وعندما أمشي، فإنني أمشي، هذا كل شيء، وإذا اضطررت يوماً للقتال، فكل الأيام تتساوى عند الموت، فأنا لا أحيا في ماضيَّ ولا في مستقبلي، فليس لي سوى الحاضر لأعيشه، وهو وحده الذي يهمّني، وإن كنت تستطيع ان تعيش الحاضر دوماً، فأنتَ إذاً رجل سعيد. ستدرك أن في الصحراء حياة، وفي السماء نجوم، وأن المتقاتلين يتحاربون لأن هذا جزءٌ من الحياة الإنسانية، والحياة ستصبح عندئذٍ احتفالاً كبيراً لأنها تمثّل دائماً اللحظة التي تعيشها فقط.
بعد انتقضاء ليلتين، وبينما كان الشاب على وشك النوم، نظر الفتى إلى السماء، نحو النجم الذي كان يرشدهم إلى وجهة سيرهم، تراءى له أن الأفق أكثر انخفاضاً بقليل من المعهود، لأن مئات النجوم كانت تعلو الصحراء.
-
إنها الواحة ـ قال له الجمّال .
-
لماذا إذن لانذهب إليها حالاً ؟
-
لأننا بحاجة للنوم.


× × ×




فتح عينيه عندما كانت الشمس تنبثق من الأفق وأمامه، هناك حيث كانت النجوم الصغيرة تتلألأ في الليل، كان يمتد صف لانهاية له من أشجار النخيل ويحتلّ كل اتساع الصحراء.
-
وصلنا إليها ـ هتف الانكليزي الذي أفاق لتوّه فرحاً.
ظلّ الشاب صامتاً، فقد تعلّم الصمت من الصحراء، واكتفى بمشاهدة أشجار النخيل تنتصب أمامه، كان مايزال عليه أن يقطع درباً طويلة كي يصل إلى الأهرامات، وفي يوم ما لن يكون هذا الصباح سوى ذكرى، أما الآن، إنها لحظة الحاضر، العيد الذي تكلّم الجمّال عنه، وكان يحاول أن يعيش هذه اللخظة مع العِبر التي استقاها من ماضيه، والأحلام التي يرسمها من أجل مستقبله، ويوماً ما لن تكون رؤية هذه الآلاف من أشجار النخيل سوى ذكرى، لكنها الآن تعني بالنسبة إليه الظل والماء وملاذاً من الحرب.
بالطريقة نفسها التي يبدو فيها جمل يرغي علامة للخطر، والشيء نفسه عندما يمكن لصف من أشجار النخيل أن يمثّل معجزة.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
روايات انسان
عضو متميز
عضو متميز
روايات انسان


عدد المساهمات : 3434
تاريخ التسجيل : 10/02/2013

الخيميائي - كابيلو Empty
مُساهمةموضوع: رد: الخيميائي - كابيلو   الخيميائي - كابيلو Emptyالخميس يونيو 20, 2013 10:21 am

- العالم يتكلّم بأكثر من لغة ـ قال لنفسه.


× × ×


عندما يتسارع مرور الزمن، فإن القوافل أيضاً تَغُذّ بالمسير ـ فكّر الخيميائي وهو يرى مئات الأشخاص والحيوانات يصلون إلى الواحة، وسكّانها الذين يندفعون للقاء القادمين الجدد، والغبار المتصاعد الذي كان يحجب شمس الصحراء والأطفال يقفزون مبتهجين لدى رؤية الغرباء.
لاحظ الخيميائي أن شيوخ القبائل كانوا يتجمّعون من أجل لقاء رئيس القافلة، وان اجتماعهم معه قد طال، لكن هذا لم يثر اهتمامه بشيء، لقد استطاع أن يرى من قبل الكثير من الناس يصلون ويرحلون، ومع ذلك كانت الواحة والصحراء ثابتتين لا تتغيران، كان قد رأي ملوكاً، ومتسوّلين يجوبون هذه المساحات المديدة والرمال التي يتغير شكلها بفعل الرياح، لكنها كانت هي نفسها تلك التي عرفها مذ كان صغيراً، وعلى الرغم من ذلك فإنه لم يكن يستطيع أن يخمد في أعماق قلبه شيئاً من ذلك الحبور الذي يشعر به كل مسافر، وذلك عندما رأى اخضرار النخيل يحلّ محلّ صفرة الأرض وزرقة السماء.
-
ربما قد خلق الله الصحراء كي يبتهج الإنسان عند مشهد أشجار النخيل ـ فكّر ـ عزم إذن أن يفكّر بمسائل أكثر عملية، كان يعلم أن مع هذه القافلة سيصل الانسان الذي يتوجب عليه أن يعلّمه جزءاً من أسراره، أخبرته العلامات بذلك. لم يكن يعرف بعد هذا الإنسان، لكن عينيه الخبيرتين ستتعرفان عليه لمجرّد رؤيته، كان يأمل أن يكون موهوباً كتلميذه السابق.
-
لستُ أدري لماذا ينبغي لهذه الأشياء ألا تُنقل إلا بالسر فقط ـ فّكر الخيميائي ـ هذا ليس إلا لأن الأمر يعني تماماً أسراراً حقيقية، فالله قد كشف أسراره بحريّة إلى كل المخلوقات.
لم يكن يرى لهذا إلا تفسيراً واحداً، هو أن هذه الأشياء قد توجّب عليها الانتقال بهذه الطريقة، لأنها دون شك قد استخلصت من حياة طاهرة. وأنه من الصعب لهذا النموذج من الحياة أن يُحَدَّ على شكل رسوم أو كلمات، لأن الناس يستسلمون لإغراء الرسوم والكلمات، واخيراً ينسون اللغة الكونية.


× × ×


اقتيد القادمون الجدد في الحال إلى حضرة شيوخ قبائل واحة الفيّوم، لم يكن الفتى ليستطيع أن يصدّق ماتراه عيناه: فبدل أن يرى يئراً محاطة ببعض أشجار النخيل (حسب الوصف الذي كان قد قرأه مرة في أحد كتب التاريخ).
لاحظ أن الواحة أكبر بكثير من العديد من قرى في إسبانية، فهي تحتوي على ثلاثمائة بئراً، وخمسين ألف نخلة، وعدد كبير من الخيام الملوّنة تنتشر بين أشجار النخيل.
-
كأننا نعيش حكاية ألف ليلة وليلة ـ قال الانكليزي المستعجل لمقابلة الخيميائي.
وخلال لحظات أُحيطوا بأطفال ينظرون بفضول إلى المطيات والجمال والناس القادمين، كان الرجال يريدون أن يستعلموا عن علامات معركة، والنساء كنَّ يتنازعن على الاقمشة والأحجار الكريمة التي أحضرها الباعة، حينئذٍ بدا صمت الصحراء حلماً بعيداً، فالجيمع يتكلّمون دون انقطاع، يضحكون، ويهزجون ويغنّون بأعلى أصواتهم، وكأنهم خرجوا من عالم الروح، ليجدوا أنفسهم في عالم البشر، كان الناس فرحين وراضين، على الرغم من الحفظّات التي اتُخذت أمس، فإن الجمّال قد شرح للشاب أن الواحات في الصحراء، تُعتبر دائماً أرضاً حياديّة، لأن معظم من يعيش بها هم من الأطفال والنساء، وهناك واحات في هذا الجانب كما في الجانب الآخر، بحيث أن المتحاربين كانوا يذهبون ليتعاركوا وسط رمال الصحراء تاركين الواحات بسلام كأماكن ملاذ.
جمع رئيس القافلة كل أفرادها، ولم يكن هذا ليتم بسهولة، واعلمهم أنهم سيحلّون ضيوفاً لدى سكّان الواحات الذين سيستقبلونهم في خيامهم وسيقدّمون لهم صدر المكان طالما أن الحرب قائمة بين العشائر، فهذا هو قانون الضيافة التقليدي. ثم طلب من الجميع بما فيهم حرّاسه، بتسليم أسلحتهم إلى الرجال الذي عيّنهم رؤساء العشائر.
-
هذه هي قواعد الحرب ـ وضّح ـ فالواحة لايمكن أن تكون ملاذاً للمتحاربين.
ولشدّ ما ذهل الفتى عندكا رأي الانكليزي يخرج من جيبه مسدساً مطلياً بمعدن الكرون ويسلّمه للرجل المكلّف بجمع الأسحلة.
-
لماذا تحمل مسدساً؟ سأل الشاب.
-
كي يساعدني على الثقة بالناس ـ أجاب الانكليزي الذي كان سعيداً لتوصّله إلى غاية هدفه.
من جهته كان الشاب يحلم بكنزه، وكلّما اقترب منه أكثر بدت الأمور تبدو أكثر صعوبة، ولم يعد يتجلى ماسماء الملك العجوز " بحظ المبتدئ "، والآن كان يعرف ذلك، يبدأ البرهان على الإصرار والشجاعة لمن يبحث عن أسطورته الشخصية، كما أن عليه ألا يُظهر أي تعجّل أو نفوذ صبر، كل لا يجازف بعدم رؤية العلامات التي وضعها الله في طريقه.
-
إن الله من وضعها في دربي ـ فكّر مندهشاً، فهو نفسه حتى الآن يعتبر العلامات كشيء ينتمي إلى العالم، شيء ما كالأكل، أو النوم، كالرحيل بحثاً عن الحب أو عن العمل، لكنه لم يخطر بباله أبداً، أن يكون لغة يخاطب الله بها عبده ليرشده إلى ماعليه أن يفعل.
-
لاتكن لجوجاً ـ كرّر في ذهنه ـ ومثلما قال الجمّال: " كل عندما يحين وقت الطعام، وسِر عندما تزف ساعة السير ".
في اليوم الأول كان الجميع نائمين تحت تأثير التعب، بما فيهم الإنكليزي، ألفى الشاب نفسه بعيداً في خيمة يشعلها خمسة فتيان آخرين من أقرانه.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الخيميائي - كابيلو
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 2انتقل الى الصفحة : 1, 2  الصفحة التالية

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
نسمة طيف :: الاقسام الادبية :: القصص و الروايات-
انتقل الى: