عندما يتحدث رمضان
لقد اعتاد الكُتّاب والوعّاظ والخطباء
أن يتحدثوا عن رمضان،
ويبينوا حَكَمَه وأحكامه وأسراره،
فماذا لو كان
رمضان
هو المتحدث،
فماذا سيقول لنا ؟
أترككم معه الآن ليتحدث إليكم:
أيّها المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها..
أنا رمضان، سيد شهور العام.
سلام عليكم ورحمته وبركاته....
أما بعد:
فإني أحمد الله إليكم،
الذي لا إله إلا هو، ولا رب سواه،
وأصلي وأسلم على البشير النذير،
والسراج المنير، محمّد بن عبد الله،
المبعوث رحمة للعالمين،
وحجة على الخلق أجمعين.
أيّها المسلمون
أكتب لكم رسالتي هذه،
وجسد الأمة الإسلامية ينزف دماً
في مواضع كثيرة منه وكلما رقأ منه
جانب نزف جانب آخر..
ومواضع أخرى من جسد الأمة قد خُدرت،
فهي شبه معطلة، لا تقوي على الحركة،
ولا يُحسب لها أيّ حساب..
وقوى الشر والطغيان تسرح وتمرح
في كثير من بقاع الأرض،
بلا حسيب ولا رقيب،
وليس السبب كامن في العدو نفسه،
وكثرة عدده وعدته،
وإنما السبب كامن في نفوسكم
أيها المسلمون:
((قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ))
[آل عمران:165]
فإذا غيّرتم ما بأنفسكم غيّر الله ما بكم..
وإني ما جئتكم إلا لأغير ما بأنفسكم،
فهلا ساعدتموني على ذلك.
أيها المسلمون
إني ما جئتكم لتجعلوني موسماً لملء بطونكم
بأصناف الطعام والشراب..
ولا جئتكم لتجعلوا ليلي نهاراً،
ونهاري ليلاً،
وتقطّعوا ساعاتي الثمينة باللهو واللعب،
والنظر إلى ما حرم الله.. !
فهلا أدركتم الحكمة من مجيئي إليكم..
أيها المسلمون
تعلمون بارك الله فيكم أن الله
قد خصني بمزايا كثيرة دون سائر الشهور..
ففي لياليّ المباركة أنزل القرآن العظيم،
هدي للناس، وبينات من الهدى والفرقان،
وإن خير ما قضيتم به أوقاتكم في أيامي
ولياليّ المباركة،
تلاوة آيات القرآن وتدبرها والعمل بها..
ومن مزايا التي خصني الله بها:
تصفيد الشياطين ومردة الجن،
فلا يصلون إلى ما كانوا يصلون إليه قبل رمضان،
وإنها والله لفرصة عظيمة لمن أراد التحرر
والانطلاق من أسر الشياطين،
والدخول في حصن الله الحصين،
ليبدأ حياة جديدة بعد انتهاء أيامي القلائل..
وإن من أبرز مزاياي
أن الله خصني بليلة هي خير من ألف شهر،
ألا وهي ليلة القدر..
وقد خصكم الله بهذه الليلة دون سائر الأمم
لتعوضوا ما فاتكم من طول أعمارهم،
وقصر أعماركم...
أيها المسلمون:
إني لم أكن في يوم من الأيام شهر البطالة
وملء البطون والنوم والكسل
إلا في هذه الأزمنة المتأخرة..
هلا رجعتم إلى تأريخ أسلافكم العظام لتروا
ما صنعوا في أيامي المباركة.
هل نسيتم بدراً، وفتح مكة،
واليرموك، وحطين، إنها بطولات تحققت في رمضان..
ولم تكن هذه البطولات والانتصارات
لتتحقق في أرض الواقع.
لو لا أنها تحققت أولاً في نفوس أولئك المؤمنين،
على أهوائهم وشهواتهم فمتى انتصرتم
أيها المسلمون اليوم على أنفسكم
وأهوائكم نصركم الله على أعدائكم،
وعاد لكم عزكم ومجدكم المسلوب..
إياكم
أن تحتقروا أنفسكم وترضوا بالهوان والذل،
فإنكم إن كنتم مع الله وكان الله معكم كنتم أنتم الأعزة،
وإن كادكم جميع من في الأرض،
المهم أن تصدقوا مع الله وتكونوا معه بقلوبكم وقوالبكم،
وحينئذ يتنزل نصر الله لكم.
وختاماً:
أودعكم وأسأل الله عز وجل كما بلغكم أول أيامي
أن يبلغكم آخرها،
ويقبل منكم كل عمل صالح أودعتموه
فيّ إنه سميع مجيب.
إمضاء
شهر رمضان