بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله تعالى نحمده ونستعين به ونستغفره ونعود بالله تعالى من شرور
أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله تعالى فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له
واشهد أن لا اله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أما
بعد فان أصدق الحديث كتاب الله تعالى وخير الهدي هدي محمد صلى الله
عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم
في العالمين انك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على
إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.
أولاً:حاله - صلى الله عليه وسلم - مع رمضان قبل قدومه:
كان النبي - صلى الله عليه وسلم - شديد الزهد في الدنيا عظيم الرغبة فيما عند الله - تعالى - والدار الآخرة، ولذا اشتد فرحه وسروره بإقبال الطاعات وكثرة الجود وتوالي نزول الرحمات، امتثالاً لأمر مولاه - عز وجل -: [ قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون ][يونس: 58].
وأزمنة القربات ومواسم الخيرات تسرع بالإنسان في سيرة إلى ربه، وتعجل في رفعته وقربه من رضى خالقه، وتنقله مراحل إلى الأمام..إذا هو أحسن استثمارها وشمر عن ساعد الحد في استغلالها في مرضاة ربه - تعالى .
وخير دليل على ذلك قيامه - صلى الله عليه وسلم - عملياً بالاستعداد للأمر وتهيئته النفس لاستقبال رمضان مقبلة على الخير نشيطة في الطاعات لتغتنم الفرصة كاملة وتهتبل الموسم كله.
هكذا كان هدي سيد الورى - صلى الله عليه وسلم - مع رمضان، إذ قام - صلى الله عليه وسلم - بالعديد من الأمور قبله، لعل من أبرزها:
* إكثاره - صلى الله عليه وسلم - من الصيام في شعبان؛ توطئة للنفس على رمضان ([1]):
يدل لذلك حديث عائشة - رضي الله عنها - قالت: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصوم حتى نقول لا يفطر، ويفطر حتى نقول لا يصوم، فما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استكمل صيام شهر إلا رمضان، وما رأيته أكثر صياما منه في شعبان) ([2])، وفي رواية: (ولم أره صائما من شهر قط أكثر من صيامه من شعبان، كان يصوم شعبان كله، كان يصوم شعبان إلا قليلا) ([3]).
* تبشيره - صلى الله عليه وسلم - أصحابه - رضي الله عنهم - بقدومه وتهيئتهم للاجتهاد فيه بذكر بعض خصائصه وتضاعف الأجور فيه:
والأحاديث الدالة على ذلك كثيرة، منها: قوله - صلى الله عليه وسلم - : (إذا دخل شهر رمضان فتحت أبواب السماء، وغلقت أبواب جهنم، وسلسلت الشياطين) ([4])، وقوله - صلى الله عليه وسلم - : (إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صفدت الشياطين ومردة الجن، وغلقت أبواب النار فلم يفتح منها باب، وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب، وينادي مناد: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار، وذلك كل ليلة) ([5])، وقوله e (أتاكم رمضان شهر مبارك، فرض الله - عز وجل - عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب السماء، وتغلق فيه أبواب الجحيم، وتغل فيه مردة الشياطين، لله فيه ليلة خير من ألف شهر، من حرم خيرها فقد حرم) ([6]).
* بيانه - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه الكرام بعض الأحكام الشرعية المتعلقة بالصيام:
ومن النصوص النبوية التي ورد فيها ذلك: قوله - صلى الله عليه وسلم - - آمراً باعتماد الرؤية لا الحساب لدخول الشهر وانصرامه -: (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، وانسكوا لها، فإن غم عليكم فأكملوا ثلاثين، فإن شهد شاهدان فصوموا وأفطروا) ([7])، وقوله - صلى الله عليه وسلم - ناهيا عن الاحتياط لرمضان وصوم يوم الشك : ( لا تصوموا قبل رمضان، صوموا للرؤية وأفطروا للرؤية، فإن حالت دونه غياية فأكملوا ثلاثين) ([8])، وقوله - صلى الله عليه وسلم - : (لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين إلا رجل كان يصوم صوماً فليصمه) ([9]).
* عدم دخوله - صلى الله عليه وسلم - في صيام رمضان إلا برؤية شاهد أو إتمام عدة شعبان ثلاثين:
ومن الأحاديث الدالة على ذلك ما جاء عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: (تراءى الناس الهلال فأخبرت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أني رأيته فصامه وأمر الناس بصيامه) ([10])، وحديث ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: (جاء أعرابي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: إني رأيت الهلال - يعني رمضان - فقال: أتشهد أن لا إله إلا الله؟ قال: نعم، قال: أتشهد أن محمدا رسول الله؟ قال: نعم قال: يا بلال أذن في الناس فليصوموا غدا) ([11]).
فأين أنت من التهيؤ لرمضان قبل نزوله، فهو ضيف غنيمة لهذه الأمة، ينزل عليهم فيذكر غافلهم، ويعين ذاكرهم، وينشِّط عالمهم، ويشحذ همهم للطاعات، فتمتلئ مساجدهم، وتجود نفوسهم، وينتصر مجاهدهم.. فما أحقه بأن تعدّ العدة لاستقباله؟
----------------------------------------
([1]) اختلف أهل العلم في الحكمة من إكثاره - صلى الله عليه وسلم - من صيام شعبان، فقيل ما ذكر، وقيل: لأنه - صلى الله عليه وسلم - كان يشتغل عن صيام ثلاثة أيام من كل شهر فيقضيها فيه، وقيل: لأن نساءه كن يقضين ما عليهن من رمضان في شعبان، فيصوم معهن، قال ابن حجر في الفتح: 4/253 (والأولى في ذلك ما جاء... عن أسامة بن زيد قال: قلت: يا رسول الله لم أرك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان، قال: ذلك شهر يغفل الناس عنه، بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم)، والحديث أخرجه النسائي (2357)، وحسنه الألباني في صحيح السنن (2221)، والأمر كما ترى محتمل لذلك ولغيره، والله أعلم.