ابن النفيس (607-687هـ / 1211-1288م)
شـهاب علاء الـدين ابـن أبـي الحـزم القرشـي الدمشـقي، عالم طبيب اشتهر في القرن السـابع الهجـري / الثـالث عشـر المـيلادي ولـد فـي دمشق عام 607هـ وإليها نسب. وكانت ولاية دمشق آنذاك للسلطان العادل سيف الدين، الذي جعل منها مركزا بديلا لمجد بغداد الطبي.
درس ابـن النفيس فـي دمشـق الطب في المدرسة الدخوارية حيث تتلمذ على يد مهذب الـدين عبد الرحيم علي المسمى الدخوار. وكان الدخوار قد بدأ حياته العملية بأمراض العيـون فـي البيمارسـتان النوري بدمشق، ثم عينه السلطان سيف الدين رئيسا لأطباء سـورية ومصـر. ثـم ما لبث الدخوار أن حول بيته ومكتبته إلى مدرسة للطب عرفت بالدخوارية. وفي هذه المدرسة تدرب ابن النفيس مع زميل دراسته ابن أبي أصيبعة.
وبعـد أن أتـم ابـن النفيس دراسته انتقل إلى القاهرة حيث عمل بالبيمارستان الناصري الـذي بنـاه السلطان الناصر صلاح الدين الأيوبي. ولما كان ابن النفيس يتمتع بسمعة طيبـة، فقـد أسـند السلطان إدارته إليه. ولقد ابتنى ابن النفيس دارا بجوار البيمارستان، وفرشها بالرخام حتى إيوانها وأنشأ بها مكتبة كبيرة. فكان كثير الاجتماع بأهل العلم والطب بداره وقد اعتاد أن يتردد عليها الأمراء والأعيان.
وكـان ابـن النفيس يقوم بالتطبيب في البيمارستان المنصوري ، ثم يتجول بعدها في الحـواري بيـن منزلـه وبيـن البيمارسـتان بجـوار قصـر الفـاطميين أو فـي المدرسـة المسرورية حيث كان يُدرس الفقه. وفي بعض الأحيان يذهب إلى الخلوة في جزيرة الفيـل حـيث تنشـر بهـا البسـاتين، ويتردد عليها الأمراء والمماليك للتنزه في روضتها ولممارسـة الرمايـة، فكـان ابـن النفيس يذهب إليها للتأمل فيما كان يشغل باله من المسائل العلمية.
ولقـد وهـب ابن النفيس نفسه للعلم وانكب على البحث والتأليف، حتى أنه لم يتزوج. وقـد عـرف عنـه أنه إذا أراد التأليف وضع الأقلام مبرية وأدار وجهه إلى الحائط قاصدا التركيز، وبدأ في الكتابة من ذاكرته، ويظل يكتب دون توقف حتى إذا حفي القلم رمـى بـه وتنـاول غـيره لئـلا يضيع عليه الزمان في بري القلم. وكان شديد الانشغال بـالتفكير فـي العلـم عما يحيط به، حتى أنه ذات مرة دخل إلى أحد الحمامات في باب الزهومـة، فلمـا كـان بـدأ في الاستحمام خرج إلى مسلخ الحمام واستدعى بدواة وقلم وورق وأخـذ بتصنيـف مقالـة فـي النبـض إلـى أن أنهاهـا وعاد ودخل الحمام وأكمل الاستحمام.
وقـد عـاش ابن النفيس طوال حياته مطيعا لربه أمينا لدينه، لا يشغله غير العلم والتعبد، حـتى مـرض سـتة أيـام نصحـه فيها أصحابه من الأطباء في علته أن يتناول شيئا من الخـمر لتسـكين الآلام، فـأبى أن يتناول شيئا منه، وقال: "لا ألقى الله تعالى وفي بطني شـيء مـن الخمر". ولقد وافته المنية عام 687 هـ / 1288م. بالقاهرة عن عمر يناهز الثمـانين. وكـان قد ترك وصية وهب فيها داره ومكتبته إلى البيمارستان الناصري الذي قضى فيه معظم حياته.
وتعـود شـهرة ابـن النفيس العلمية إلى اكتشافه دوران الدم في الجسم أو ما يعرف بـ الـدورة الدموية الصغرى . وإشارته الواضحة إلى مخالطة الدم للروح الموجود في الهواء وذلك داخل الرئتين اللتين وصفهما وصفا تشريحيا سليما لأول مرة، وصحح المفاهيم الخاصة بعدد تجاويف القلب وأشار أنها اثنتان فقط وليس ثلاثة كما ادعى ابن سينا ، وذكر أن مهمة الشرايين التاجية هي تغذية العضلة القلبية.
ولقـد وضـع ابـن النفيس اكتشـافاته التشـريحية وآراءه الطبيـة هـذه فـي العديد من الشـروحات والمؤلفـات. فمن شروحاته: كتاب شرح فصول أبقراط ، وكتاب شرح تشريح جالينوس ، وكتاب شرح مسائل حنين بن إسحاق ، وكتاب شرح تشريح القـانون وذكـر فيه اكتشافه للدورة الدموية ، وكتاب موجز القانون وهو مختصر لكتـاب القـانون لابـن سـينا فيما عدا الأجزاء الخاصة بالتشريح ووظائف الأعضاء، وقـد نـال هـذا الكتـاب شـهرة واسـعة لسـهولة لفظه فكتب عليه شروحات عديدة وترجم إلى لغات كثيرة، وكتاب شرح مفردات القانون .
أمـا مؤلفاتـه الطبيـة فمنهـا كتاب الشامل في الطب وهو أكبر أعماله ولم يعثر على مخطوطتـه كاملـة، وكتـاب المختـار مـن الأغذيـة وهو يعني بالغذاء في الأمراض الحـادة، وكتـاب المهـذب فـي الكحـل وهو في أمراض العين، وكتاب الهداية في الطب ، وكتاب تفسير العلل وأسباب الأمراض .
ارجو الاستفادة للجميع