كثيرا ما طُرح السؤال السابق بلاشك فى مصر و قد تساءل الكثيرون عن سبب الإنحدار الثقافى و الفكري و الأخلاقي فى المجتمع المصرى بشكل ملحوظ و قد أرجعه الكثيرون للعديد من الاسباب , فكثيرون يرون أنه يرجع لسبب محدد و آخرون يرون أنه يرجع لسبب آخر هم أيضا يحددونه , أما أنا شخصيا فأرى انه من الصعوبة إرجاع مسألة الإنحدار الثقافى و الفكرى فى مصر إلى سبب واحد و محدد , فالإنحدار الفكرى و الثقافى فى مصر هو فى تقديرى عبارة عن محصلة من الظروف و العوامل تضافرت و أسهمت لحدوث حالة من السقوط الثقافى و الفكرى بشكل كبير و هى عبارة عن عوامل نشأت فى ظروف هيأت لتلك المسألة , و أرى أنها كانت ظروفا سياسية بالأساس , ففى تقديرى أن مصر عاشت لعقود فى حالة من الإضمحلال الثقافى بدأت من خلال بعض التصرفات الغير مسئولة لكثير من رجال السياسة و التى نتج عنها تغيير كبير لسلوك المجتمع , فبعد أن كان رجال السياسة فى مصر فى فترات سابقة فى تاريخ مصر هم رموز مصرية فى عصرهم - بل هم الرموز المصرية فى عصرهم , و أنهم كانوا و مهما بلغت حالة الإختلاف الفكرى بينهم يراعون اللغة التى يتحدثون بها و خصوصا أمام الرأى العام , أصبح يخرج على الشعب فى فترات لاحقة و تالية بعض ممن يحتلون مراكز سياسية و تنفيذية هامة يتحدثون عن ساسة آخرين و حكام دول أخرى بطريقة فالجر - أو فجة - و بالتالى فقد أصبحت اللغة الفجة و التى كانت مستهجنة فيما قبل و التى هى معروفة فى كل المجتمعات أنها لغة خاصة بالطبقات الفكرية الأدنى , أصبحت اللغة الفجة هى أمر مألوف أن يُسمع من ساسة و ممن يحتلون مراكز تنفيذية مهمة فى الدولة و بالتالى فإن وجودهم بلاشك كان له أكبر الأثر فى الإنحدار الثقافى و الفكرى و الذى عاشته مصر و مازالت , فبعد أن كان الساسة فى مصر يتحدثون عن بعضهم البعض - وخاصة فى الإعلام و أمام الرأى العام - بطريقة رسمية جدا و بعد وضع مصطلحات و عبارات تنم على كل التقدير و الإحترام قبل
أسماء الساسة الآخرين أو الشخصيات العامة , فقد عرفت مصر مرحلة يتم الحديث فيها ممن يحتلون مواقع تنفيذية مهمة فى الدولة عن ساسة و منهم حكام دول أخرى يتم الحديث عنهم فى وسائل الإعلام بأمهاتهم , فطبيعى أن إحتلال مثل هؤلاء لمواقع تنفيذية و مؤسسية هامة فى الدولة لا بد أن يؤدى للإنحدار الفكرى و الاخلاقى و الذى تعيشه مصر حاليا , و بالتالى ففى تقديرى ان لغة الحوار السياسى و المجتمعى المنحدرة عند الكثير من فئات المجتمع المختلفة ترجع لفترات عاشتها مصر امتدت لعقود مضت .
و الآن و حيث أن مصر الآن هى فى طور بناء الجمهورية الجديدة فإننى أرى أنه من الجيد أن يوضع فى الإعتبار جيدا إعادة الإعتبار للمفاهيم الثقافية و السلوكية و الفكرية بشكل جيد حتى نساهم فى تحقيق المجتمع الذى ننشده فى مصر
فإننى أرى و أنه و بالرغم من الاهمية الشديدة للبناء الدستورى و القانونى للجمهورية الجديدة فى مصر , إلا أننى أرى أن الإهتمام بالبناء الثقافى و الفكرى هو الأهم , لأن الإنسان المثقف صاحب الوعى السياسى قادر على عمل دستور جيد و سن قوانين جيدة و تطبيقها و بالتالى إقامة مجتمع جيد , أما الدستور الجيد و القوانين الجيدة - وحدها - ليست قادرة على بناء مجتمع جيد
الكاتب السياسى
أحمد غانم