عندما بكى أبو بكر
عادل بن سالم الكلباني
ففي حديث أبي أيوب رضي لله عنه قال صلى الله عليه وسلم " من صام رمضان واتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر " رواه مسلم وعن أبي فتادة رضي الله عنه قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيام يوم عرفه قال " يكفر السنة الماضية والباقية" رواه مسلم و عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم وأفضل الصلاة بعد المكتوبة صلاة الليل" رواه مسلم وعنده أيضا ان رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن صيام عاشوراء فقال يكفر السنة الماضية وعند البخاري ومسلم من حديث عبدالله بن عمر بن العاص رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " صوم ثلاثة أيام من كل شهر صوم الدهر كله "
فهكذا تتنوع أوقات الصيام و تكثر لتتاح لنا في غير شهر رمضان فان كان بكاؤنا لفراقه من اجل الصيام ففي صيام ما سنه لنا الحبيب عزاء في مفارقة الصيام في رمضان فلا تحرم نفسك أيها المسلم من نصيبها من الصيام فان الصيام لا عدل له كما قال صلى الله عليه وسلم.
أيها المسلمون في شهر رمضان قد كان القيام ليلا قرة عين الموحدين ومريقا لدموع الخاشعين و سببا لتلاوة آيات الذكر الحكيم وقد من الله علينا فلم يحرمنا هذه اللذة في غير شهرنا المودع بل شرع لنا قيام الليل في كل ليلة ولهذا امتدح الله تعالى عباده القائمين بالليل والناس هجوع يبيتون لربهم بين السجود والركوع فقال جل و علا " أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ" وفي هذا إشارة أن الذين يعلمون هم أولو الألباب وان من صفاتهم أنهم يبيتون لربهم سجدا و قياما تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا – وقد كانوا قليلا من الليل ما يهجعون وبالأسحار هم يستغفرون يتلون آيات الله آناء الليل و هم يسجدون فلا تعجب أخي الكريم من كثرة الأحاديث في فضل قيام الليل فهي كثيرة فقد قال صلى الله عليه وسلم " افضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل" و عند مسلم من حديث جابر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " إن في الليل ساعة لا يوافقها امرؤ مسلم يسأل الله من خير الدنيا أو الآخرة إلا أعطاه إياه وذلك كل ليلة"
فلا تحرم نفسك أخي الحبيب من حظها في قيام الليل سائر ليالي العام فان ذلك دأب الصالحين وقربة لرب العالمين يكفر السيئات و يعلى الدرجات و من استيقظ من الليل و أيقظ أهله فصليا ركعتين جميعا كتبا من الذاكرين الله كثيرا والذاكرات
أيها المسلمون لقد كان شهر رمضان شهر الجود والكرم شهر الصدقات والنفقات فيه يطعم المسكين و يحسن إلى اليتيم و الأرملة والصدفة تطفئ غضب الرب في كل الشهور وتظل المتصدق في ظل عرشـ الرحمن إذا أخفاها كي لا تعلم شماله ما تنفق يمينه وذلك في كل حين فان اغتنمت رمضان بالصيام والقيام والصدقة فلا تحرم نفسك حظها من صدقة او زكاة في سائر أيام العام فقد قال صلى الله عليه وسلم "اتقوا النار و لو بشق تمرة" رواه البخاري وقد امر المصطفى صلى الله عليه سلم النساء أن يكثرن من الصدقة لما رأى أنهن أكثر أهل النار وإنما أمرهن بالصدقة لأنها تطفئ غضب الرب كما يطفئ الماء النار فليكن لك نصيب من ذلك لعل الله أن يظلك في ظل عرشه يوم لا ظل الا ظله
أخوة الاسلام إن رمضان هو شهر القرآن نعم بحق هو شهر القرآن وقد تـنعم المسلمون بتلاوته واستماعه وتدبره و بقي ان ينعموا بتطبيقه وإتباعه والعمل به وان لا يتخذوه بقية العام مهجورا فبئس العبد لا يعرف القرآن ولا يقرأ القرآن إلا في رمضان ولان افتخر الفقهاء بقوله عليه الصلاة والسلام " من يرد الله به خيرا يفقه في الدين " فإن أهل القرآن أعظم من ذلك و أفضل " خيركم من تعلم القرآن وعلمه: " إقرأوا القرآن فانه يأتي يوم القيامة شفيعا لاصحابه " رواه مسلم من حديث ابي امامة رضي الله عنه و ذكر النووي رحم الله ان من الصحيح المختار ان قراءة القرآن أفضل من التسبيح والتهليل و غيرهما من الاذكار قال و قد تظاهرت الأدلة على ذلك قال تعالى "إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ (29) لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُور" وقال جل وعلا" بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلاَّ الظَّالِمُونَ" ثم استمع الى قوله صلى الله عليه وسلم " إن لله أهلين من الناس قيل من هم يا رسول الله قال أهل القرآن هم أهل الله و خاصته " أخرجه أحمد من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه فلا تبخل على نفسك أن تنال تلك المنزلة الرفيعة بالإعراض عن كتاب الله بل اجعل لها أوفر الحظ والنصيب تلاوة و تدبرا و عملا وإتباعا
ثم تأملوا كيف بكى الصديق ولم يستطع حبس دمعته و هو يرى منة الله عليه باختياره الحبيب لصحبته , فلتجرى منا الدموع تخيلا و املا وثقة و رجاء بفضل الله و تعلقا برحمة الله ان نكون قد ودعنا هذا الشهر الكريم و قد عتقت رقابنا من النار واطلع الله علينا جل جلاله ونحن نرفع الاكف بالدعاء فقال لملائكته ما يقول عبادي فيقولون يحمدونك، ويمجدونك، ويذكرونك. فيقول: وهل رأوني؟ فيقولون: لا. فيقول: كيف لو رأوني. فيقولون: لو رأوك لكانوا أشد تحميداً، و أكثر تمجيداً، وذكراً. قال: فيقول فأي شيء يطلبون؟ فيقولون: يطلبون الجنة. فيقول: وهل رأوها؟ فيقولون: لا والله يارب ما رأوها فيقول: وكيف لو رأوها؟ فيقولون: لو رأوها لكانوا أشد عليها حرصاً، وأشد لها طلباً. واعظم فيها رغبة قال: فيقول مم يتعوذون؟ فيقولون: من النار. فيقول: وهل رأوها؟ فيقولون: لا. فيقول: فكيف لو رأوها. فيقولون: لو رأوها كانوا أشد منها فرارا ً، وأشد منها خوفاً. قال: فيقول أشهدكم أني قد غفرت لهم. فيقول ملك من الملائكة إن فيهم فلاناً الخطاء، لم يردهم إنما جاء لحاجة. فيقول: هم القوم لا يشقى بهم جليسهم)). وهكذا رواه البخاري
للهم انا نسألك الجنة اللهم اجرنا من النار اللهم أحسن عزائنا في فراق شهرنا واجعل لنا منه أوفر الحظ والنصيب واجعل نصيبنا منه أعظم النصيب واجعلنا ممن كان شهرهم شاهدا لهم - اللهم بقدر فرحنا بعيدنا بقدر حزننا على فراق شهرنا فلا تحرمنا من الفرح برحمتك و الدخول في جنتك والفوز برؤيتك يا ذا لجلال والاكرام
قاله/ فضيلة الشيخ / عادل بن سالم الكلباني - الجمعة 29 رمضان 1425 هـ