السؤال:
ما معنى قول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير) رواه الترمذي ، وغيره ، السبب وراء سؤالي هو: أن هناك شابا جيدا ، ومن عائلة جيدة قد تقدم لخطبتي ، وهو الحمد لله يصلي جميع الصلوات ، ويدفع الزكاة ، ويتصدق بماله ، ويطلب العلم الشرعي ، ويكن له الجميع الاحترام ، فضلا عن عمله الجيد حيث يستطيع أن يوفر لي معيشة كريمة ، وأنا لا أريد أكثر من هذا من زوجي إن شاء الله ، فكل ما أريده أن أتزوج برجل نقي ، وعلى علاقة جيدة مع الله سبحانه وتعالى ، وأريده أن يرشدني ويهديني أكثر إلى الإسلام ، المشكلة أنّ أختي وزوجها يرفضون هذا الزواج ؛ لأن هذا الشاب هو ابن عم زوج أختي ، فهم يعتقدون أن هذا الزواج سوف يخلق المشاكل في العائلة ، خصوصاً وأن والدة زوج أختي من الممكن أن تسبب المشاكل لأختي أو شيء من هذا القبيل ، ولكنني لا أعتقد بأن ذلك يعد سبباً وجيها لرفض خطبة هذا الرجل .
ولذلك وددت أن أعرف ما المقصود بالفتنة والفساد الكبير المذكورين في الحديث ؟ ولمن سيحدث الفساد والفتنة ، لي أم للمجتمع ؟
الجواب :
الحمد لله
أولا :
حث الإسلام على طلب الصلاح ، واعتبار الخلق والدين في أمر النكاح ، ورغّب في ذلك ، وشدّد في النكير على خلافه ، وجاء الوعيد بحصول الفتنة والفساد عند مخالفة ذلك ، والنظر إلى متاع الحياة الدنيا ، من المال والجاه والحسب والنسب .
فروى البخاري ( 5090 ) ، ومسلم ( 1466 ) عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( تنكح المرأة لأربع : لمالها ، ولحسبها ، وجمالها ، ولدينها ، فاظفر بذات الدين تربت يداك ) .
قال النووي رحمه الله :
" الصحيح في معنى هذا الحديث : أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بما يفعله الناس في العادة ؛ فإنهم يقصدون هذه الخصال الأربع ، وآخرها عندهم ذات الدين ، فاظفر أنت أيها المسترشد بذات الدين " انتهى .
ثانيا :
روى الترمذي (1084) ، وابن ماجة (1967) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ ، وَفَسَادٌ عَرِيضٌ ) وحسنه الألباني في "صحيح الترمذي" .
قال القاري رحمه الله :
" (إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ) أَيْ: طَلَبَ مِنْكُمْ أَنْ تُزَوِّجُوهُ امْرَأَةً مِنْ أَوْلَادِكُمْ وَأَقَارِبِكُمْ (مَنْ تَرْضَوْنَ) أَيْ : تَسْتَحْسِنُونَ ( دِينَهُ ) أَيْ : دِيَانَتُهُ ( وَخُلُقَهُ) أَيْ: مُعَاشَرَتُهُ (فَزَوِّجُوهُ) أَيْ: إِيَّاهَا ( إِنْ لَا تَفْعَلُوهُ ) أَيْ: لَا تُزَوِّجُوهُ (تَكُنْ) أَيْ: تَقَعُ (فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ) أَيْ: ذُو عَرْضٍ أَيْ كَثِيرٍ، لِأَنَّكُمْ إِنْ لَمْ تُزَوِّجُوهَا إِلَّا مِنْ ذِي مَالٍ أَوْ جَاهٍ ، رُبَّمَا يَبْقَى أَكْثَرُ نِسَائِكُمْ بِلَا أَزْوَاجٍ ، وَأَكْثَرُ رِجَالِكُمْ بِلَا نِسَاءٍ ، فَيَكْثُرُ الِافْتِتَانُ بِالزِّنَا، وَرُبَّمَا يَلْحَقُ الْأَوْلِيَاءَ عَارٌ ، فَتَهِيجُ الْفِتَنُ وَالْفَسَادُ ، وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ قَطْعُ النَّسَبِ ، وَقِلَّةُ الصَّلَاحِ وَالْعِفَّةِ .
قَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: " وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ لِمَالِكٍ فَإِنَّهُ يَقُولُ: لَا يُرَاعَى فِي الْكَفَاءَةِ إِلَّا الدِّينَ وَحْدَهُ " انتهى من " مرقاة المفاتيح " (5/ 2047) .
وينظر: "حاشية السندي على ابن ماجه" (1/ 607).
وقال رجل للحسن: " قد خطب ابنتي جماعة فمن أُزَوِّجُهَا؟ قَالَ: مِمَّنْ يَتَّقِي اللَّهَ ، فَإِنْ أَحَبَّهَا أكرمها، وإن أبغضها لم يظلمها " انتهى من "إحياء علوم الدين" (2/ 41) .
ثالثا :
لا شك أن هذا الذي ذكرت عن المعارضين لزواجك من هذا الشاب : منطق خاطئ ، ولو فكر كل أحد بهذا المنطق في التفكير ، لم يتعامل أحد مع غيره معاملة صالحة ، لأنه لن يلبث أن يكتشف علاقة ، أو بابا يخشى منه الفساد .
والذي ينبغي عليك وعلى أوليائك : أن تقبلوا خطبة هذا الشاب الصالح ، وتتوكلوا على الله ، وتجتهدوا مع أقربائكم ، وأصهاركم في إصلاح ذات البين ، وترك التشاحن والبغضاء بينكم ، والحث على صلة الأرحام .
وأما ما ذكر من التخوفات ، فهي وساوس وحيل من الشيطان ، ليفسد عليكم هذه العلاقة ، وربما أوقع كل طرف منكم في أمر لا يناسبه ولا يلائمه .
وسئل ابن عثيمين رحمه الله :
تقدم أحد الشباب المستقيمين لخطبة فتاة ، ولكن الأب رفض بحجة أن هذا المتقدم في مرحلة الدراسة الأخيرة ، ويخشى أن يعين في قرية بعيدة ، عنهم فتكون البنت وحيدة في بيتها ، فهل تصرفه هذا صحيح ؟
فأجاب :
" إذا خطب الرجلُ امرأة ، وكان ذا دين وخلق مرضي : فإن المشروع أن يجاب ويزوج ، والعذر الذي قاله أبو المخطوبة في السؤال : عذر لا يمنع من تزويجها ، ، ولا يحل لأبيها إذا كانت راغبة في هذا الخاطب أن يمنعها من أجل هذا العذر ؛ لأنه ليس عذرا شرعيا ، وهو آثم بمنعه هذا الخاطب ؛ لأن ولي المرأة أمين يجب عليه أن يتصرف فيما هو مصلحة لها " انتهى من " فتاوى نور على الدرب " (19/2) .
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله :
" نصيحتي لجميع الشباب والفتيات : البدار بالزواج ، والمسارعة إليه إذا تيسرت أسبابه ، لقوله النبي صلى الله عليه وسلم : ( يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ... الحديث) متفق على صحته ، وقوله صلى الله عليه وسلم : ( إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض) ، أخرجه الترمذي بسند حسن ، وقوله عليه الصلاة والسلام : (تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم)، خرجه الإمام أحمد وصححه ابن حبان ، ولما في ذلك من المصالح الكثيرة التي نبه عليها النبي صلى الله عليه وسلم ، من غض البصر ، وحفظ الفرج ، وتكثير الأمة ، والسلامة من فساد كبير ، وعواقب وخيمة " انتهى من " فتاوى إسلامية " (3/110) .
وينظر للفائدة جواب السؤال رقم : (149831) ، (160369) ، (175149) .
والله تعالى أعلم .