صبرا آل ياسر فإن موعدكم الجنه
ندما بزغت شمس الإسلام و بزغ نور النبوه في مكة كان عمار بن ياسر رضي الله عنه شابا في ربيع عمره ولما سمع ذات يوم بالنبي الجديد ، بنزول الوحي على محمد بن عبد الله اتجه إلى دار الأرقم بن أبي الأرقم حيث كان رسول الله هناك و لكنه توقف قبل ولوج الباب لعل هناك من يراه ولما أراد أن يدخل فوجئ بزائر يعرفه كان هذا الزائر هو صهيب بن سنان الرومي وسأله ماذا يريد فقال أنت ماذا تريد ؟ قال : أريد أن أدخل على محمد فأسمع كلامه ، فقال صهيب : و أنا أريد ذلك . فدخلا
ولم يمر وقت طويل حتى اهتديا إلى الإسلام و استقر الإيمان في قلبيهما
وعندما عاد عمار إلى بيتهأنبأ والديه ياسر و سميه بنت خياط بأنه اعتنق الدين الذي جاء به محمد و أن الهدى و الرشاد في الإسلام وعرض عليهما الإسلام فأسلما وكتم الثلاثة إسلامهم تجنباً لبطش قريش
ولكن الأمر لم يدم طويلاً حتى علمت قريش باعتناق آل ياسر الدين الجديد فتصدت لهم ونقلوا مكبلين بالسلاسل إلى بطحاء مكه تحرق أشعة الشمس اللاهبه أجسادهم و تأكل السياط أبدانهم ومر بهم النبي عليه الصلاة و السلام فسمع ياسراً يئن من شدة التعذيب فقال النبي كلمته الخالده : صبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنه
ولما لم يحتمل جسد ياسر العذاب قضى نحبه فكان أول شهيد في الإسلام
ولم يكتف المشركون بذلك بل أمسك الشقي المعاند أبو جهل حربه ضرب بها سميه زوج ياسر في عفتها فقتلها فكانت أول شهيده في الإسلام . و رأى عمار ماحدث لوالديه ففجع بهما و اشتد همه و حزنه وذاق من العذاب آلم ما يستسيغه بشر من البطش و التنكيل . وحذره أبو جهل ، إن لم تنل من محمد و تسب إلهه فلن نتركك حتى تلحق بأبويك . ولما اشتد تعذيب أبي جهل له نال من رسول الله و ذكر آلهتهم بخير فتركوه
وذهب عمار إلى النبي حزيناً مهموماً لا يدري ما يقول ، فقال له النبي ما وراءك . قال شر يا رسول الله ، و الله ما تركت حتى نلت منك و ذكرت آلهتهم بخير ، فقال النبي صلى الله عليه و سلم : فكيف تجد قلبك ؟ قال: مطمئن بالإيمان ، فقال النبي : فإن عادوا فعد . ونزل قوله تعالى في سورة النحل : إلا من أكره و قلبه مطمئن بالإيمان و لكن من شرح بالكفر صدراً ... إلى آخر الآيه . فاطمئن عمار و سكنت نفسه
ولما عم اذى قريش معظم المسلمين و اشتد بطشهم أذن النبي صلى الله عليه و سلم للمسلمين بالهجره إلى الحبشه فراراً بدينهم و كان سيدنا عمار معهم و أقام عمار في الحبشه مع إخوانه المهاجرين آمنا من مكر قريش و تنكيلها ولكن الحنين إلى مكة و إلى رسول الله كان يراوده بين الحين و الآخر وكان قلقاً جداً على رسول الله وعلى من بقي من المسلمين معه . ولماعلم المسلمون فيالحبشه بإسلام سيدنا عمر بن الخطاب فرحوا بذلك و استبشروا خيراً فعادوا إلى مكه ظنا منهم أن قريش قد كفت أذاها عن المسلمين ولكن قريش عادت أقسى و أشد مما كانت عليه من قبل ورجع جمع من المسلمين إلى الحبشه . وورت السنون و الأيام الحوالك وهاجر المسلمون على رأس ثلاث عشرة سنة من البعثه إلى يثرب و كان من بينهم عمار بن ياسر رضي الله عنه
ولما بنى المسلمون المسجد النبوي بالمدينه شارك في بناءه عمار وكان يحمل لبنتين لبنتين في يده بخلاف بقية الصحابه الذين كان يحمل الواحد فيهم لبنة لبنه فرآه رسول الله فقال : ويح عمار تقتله الفئة الباغيه
شهد سيدنا عما مع رسول الله صلى الله عليه و سلم غزواته كلها و أبلى بلاءً حسناً يوم بدر وكان من الثابتينيوم
أحد
وعلم النبي مدى جهاد عمار و صدقه و أمانته ، فقال لأصحابه : إني لست أدري قدر بقائي فيكم فاقتدوا بالذين من بعدي - يشير إلى أبي بكر و عمر رضي الله عنهما - و اهتدوا هدي عمار و هدي ابن أم عبيد رضي الله عنهما
عندما اختلف في يوم من الأيام خالد بن الوليد مع سيدنا عمار - وكان الحق مع سيدنا عمار - بلغ رسول الله ذلك فقال : من أرضى عماراً فقد أرضى الله و من أغضب عماراً فقد أغضب الله ومن لم يرض عنه عمار لم يرض عنه الله
و علم سيدنا خالد بما قاله رسول الله فظل يرجو من عمار أن يسامحه على ما بدا منه إلى أن سامحه فقال سيدنا خالد : الحمد لله أن سامحني عمار و إلا فكنت سأدخل النار
ولما التحق النبي بالرفيق الأعلى حزن عليه عمار أشد الحزن كسائر المسلمين
وعندما شن سيدنا أبو بكر الصديق الحرب على المرتدين كان سيدنا عمار في جيش اليمامه وانهزم المسلمون في يوم اليمامه أول الأمر فقد كانت الوطأة شديدة عليهم فاعتلى عمار صخرة و صاح قائلاً : يا معشر المسلمين ، من الجنة تفرون ، أنا عمار بن ياسر هلموا إلي / وقد كانت أذنه قطعت وهي تذبذب على الأرض و الدماء تسيل على رقبته فتبلل ثوبه ، ثم نزل و قاتل بحميه و شجاعه و انتصر جيش المسلمين
وشهد عمار القادسيه التي انهزم فيها الفرس شر هزيمه و فتحت أبواب العراق و فارس ، وأبلى فيها بلاءً حسناً
في خلافة سيدنا عمر ولاه أمير المؤمنين إمارة الكوفه و أرسل إلى أهلها يقول : ( إني بعثت إليكم عمار بن ياسر أميراً وابن مسعود معلماً و وزيراً و إنهما لمن النجباء أصحاب محمد من أهل بدر فاسمعوا لهما و أطيعوا )1
و بعد فترة عزله أمير المؤمنين عمر عن إمارة الكوفه و أحب أن يسبر غوره في ذلك الأمر فسأله : أساءك عزلنا إياك ؟ فقال عمار : لئن قلت ذاك ، لقد ساءتني الولاية بقدر ما ساءني العزل
أقام سيدنا عمار في المدينة مجاوراً لرسول الله حتى كانت خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه ، ولما بدأت الفتنة تطل برأسها وكان سيدنا عمار قد بلغ من الكبر عتياً استشهد سيدنا عثمان رضي الله عنه و بويع علي بن أبي طالب كرم الله وجهه بالخلافه / اتهم معاويه بن أبي سفيان علياً بأنه تلكأ في القصاص من قتلة عثمان ولم يردأن يطيع الإمام علي ولم يبايعه وكان معاويه واليا على الشام كلها وحدث ما كان يخشاه المسلمون فقد تحرك سيدنا علي من المدينه بمائة و عشرين ألف قاصداً المنشقين في الشام وتحرك معاويه من دمشق إلى صفين بتسعين ألف ومعه مستشاره و وزيره عمرو بن العاص ، وكان سيدنا عمار فيصفوف علي يقاتل معه ، و التقى الجيشان العظيمان في صفين ودارت المعركة على أشد ما يمكن وسالت الدماء من الطرفين وسالت الدماء وبدأ جيش معاويه يشعر بعدم القدرة على مواصلة القتال . . . وبينما كان سيدنا عمار يصول ويجول في معمعان المعركة التقى عمرو بن العاص فصاح قائلاً : الجنة تحت البارقة الظمآن ، قد يرد الماء المأمور ، وذا اليوم ألقى الأحبه محمداً و حزبه ، والله لو ضربونا حتى يبلغونا سعفات حجر لعلمت أنا على حق و أنهم على باطل ، لقد قاتلت بهذه الرايه ثلاث مرات مع رسول الله صلى الله عليه و سلم ، و ماهذه المرة بأبرهن و لا أنقاهن
و حمي وطيس المعركة و ماهي إلا طرفة عين حتى غافل ( أبو العارية المزني ) عماراً و رماه بسهم فقتله ، ثم أقبل آخر فاحتز رأسه ، واختصم الإثنان و كلاهما يدعي قتله ، و سمعهما عمرو بن العاص فقال : و الله إن يختصمان إلا في النار ، لوددت أني مت قبل هذا بعشرين سنة
و نادى مناد : ويح ابن سمية تقتله الفئة الباغية . ثم وقف عند جسده المسجى يقول : إن امرءاً من المسلمين لم يعظم عليه قتل ابن ياسر و تدخل به عليه المصيبة الموجعة لغير رشيد ، رحم الله عماراً يوم أسلم و رحم الله عمارا يوم قتل و رحم الله عمارا يوم يبعث حيا ، لقد رأيت عماراً و ما يذكر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم أربعة إلا كان خامساً ، و ما كان أحد من قدماء أصحاب رسول الله يشك أن عماراً قد وجبت له الجنه في غير موطن و لا في اثنين ، فهنيئاً لعمار بالجنه ، إن عماراً مع الحق و الحق يدور معه ، عمار مع الحق أينما دار ، و قاتل عمار في النار
ولما رآه الإمام علي مقتولاً بكى و حزن حزناً شديداً و رثاه فكان مما قال
ألا أيها الموت الذي ليس بتاركي
أرحني ما دمت أخذت كل الأحباب
فقد كانا صديقين حميمين مذ كانوا في مكة
و صدق قول رسول الله : عمار تقتله الفئة الباغيه
اللهم ارض عن سيدنا عمار بن ياسر واجمعنا به يوم الحمع في جنة الخلد ، و صلي اللهم على سيدنا محمد و على
آله و صحبه أجمعين