-----------------------------------
(
- إلى أين ستذهب ..؟
كان يسير متجاهلاً اسألتها التي تهبط على رأسه مثل المطر، ولكنه عندما شعر بالانزعاج التفت إليها فتوقفت عن السير خلفه عندما قال :
- إنها في مكانٍ ما في القصر ، أليس كذلك؟
- عن ماذا تتكلم ..؟
نظر بداخل عينيها نظراتٍ جادة وكأنه يدخل إلى أعماقها ليكتشف الأمر، وعندها أغرورقت عينيها بالدموع وهي تصرخ متصنعة :
- صدقني!! لا أعرف أين هي! لو كنت أعرف لأخبرتك !! لماذا لا تصدقني ..!!
" يالها من كاذبة، كيف يمكنها أن تتصنع هكذا " ، التفت الى طريقة وتابع السير بعد أن قال بصرامة :
- إذن لا تتبعيني، فأنا لا أطيق وجودك خلفي .
في بداية الممر، كان عماد يسير مع احدى رجال الأمن الملكي الذي كان يقوده إلى مكان الأمير سامي، وعندها تقابل الاثنان بغير موعد ..
" ماهذا!! لماذا عاد ذلك الشاب في هذا الوقت بالتحديد ..؟" ، نظر سامي نحو عماد بخليط من نظرات الدهشة والانفعال ولكنه عاد إلى هدوئة بسرعة وتسائل :
- ما الذي تفعله هنا؟ ألم أصدر لك قرار العفو بالأمس ..؟
كانت عينا عماد تنظر خلفه، وبالتحديد نحو دعاء .. بنظرة يملأها التحدي، اما هي فقد شعرت بالذعر " لم يتخلصوا منه! كيف استطاع الافلات .. وكيف .. وصل الى هنا بسرعة .." كان بؤبؤي عينيها يتحركان بسرعة وتوتر وسرعان ما بدأت في الهجوم عليه وهي تصيح :
- إنه هو! لقد جاء ليستعيد شقيقته .. هو من اخذها عنوة!
بقي عماد هادئاً ولكنه تأكد الآن بأنها وراء اختفاء لينا، اما سامي فقد نظر نحو عماد وتساءل :
- اين لينا، هل اخذتها عنوة؟
وبدلاً من أن يجيب عماد، رفع اصبعه السبابة نحو دعاء وتكلم بهدوء :
- تلك العنزة قامت بايذائها ..
صرخت دعاء بذعر :
- يالك من كاذب! أنا لم المسها .. لقد .. انت فقط تحاول اخفاء فعلتك!
- ولماذا أحاول اخفائها، كان يمكن أن أخذها وأهرب فقط ولن ترونني اقف هنا أمامكم ..
نظر سامي إلى دعاء نظرات مليئة بالضيق ، وتسائل على الفور :
- أين هي! لو أصابها مكروه .. لن تنجي بفعلتك!
وقفت دعاء باعتداد وقالت بغرور :
- أنا لا اعرف مكانها! عليك فقط معاقبة هذا المخادع .!
رمقها عماد بنظرة ثم قال موجهاً الكلام نحو سامي :
- من الأفضل ان نستجوب حراسها الشخصيين .
كانت دعاء تغلي من الحقد، " لن يصلو إلى شيء! وذلك الشاب يجب أن يختفي من الوجود!! " ظلت تكز على اسنانها وهي تنظر إلى عماد نظرات الكراهية ..
وقبل أن يذهب سامي أمر حارسه قائلاً :
- تحفظ على الآنسة دعاء في غرفة منفردة ولاتجعلها تخرج أو يدخل إليها أي شخص .
علامات الصدمة بانت على وجهها وهي تراقب انصراف الأمير سامي الذي تكلم مع عماد قائلاً :
- أرجو أن تأتِ بصحبتي الآن ..
نظر عماد وقال :
- اسمح لي بالبحث في الخارج ..
- لا بأس سآمر الحرس بالانتشار .
- لكن لا استطيع الوقوف مكتوف اليدين والانتظار فقط ..!
تابعا النقاش اثناء سيرهم مبتعدين،، بينما وقفت دعاء وهي تشتعل غضباً، وعندها تكلم الحارس الخاص بسامي قائلاً وهو يشير إلى الممر المؤدي إلى غرفتها :
- آنستي من هنا .
ضربت يده وهي تقول :
- ابتعد!!
حاولت السير خلفهما ولكن الحارس وقف أمامها يمنعها بتهذيب وهو يقول :
- لقد أمر سيدي بوضعك تحت التحفظ الـ ...
قامت دعاء بصفع الحارس الشخصي على وجهه وصاحت بتكبر :
- لا أنت ولا أميرك يمكن أن تضعاني تحت التحفظ! هل فهمت؟ ابتعد أيها الأحمق قبل أن أجعل حراسي يقومون بشنقك على البوابة .
نظر لها الحارس وعينيه العسليتان تتوقد بالشرار وقال بصرامة :
- سوف تبقين هنا، وإلا كبلتك وحبستك عنوة!
ثم أطبق على ذراعها بيده القوية وجرها خلفه غير مبالٍ بصراخها واعتراضها ....
------------------------------
انتشر الجنود في كل الأرجاء يبحثون عن "لينا" ، بينما جلس سامي في الشرفة وأجبر عماد على الانتظار ريثما ينتهي البحث وهو يطمئنه بقوله :
- سيجدونها ، لا تقلق .
نظر له عماد والضجر يعلو ملامحه وقال بقلق :
- لكن أنا لا أريد أن أقف هكذا! سأذهب للبحث عنها بنفسي ...!
رمقه سامي بنظرة متذمرة ووقف وهو يمسك بسياج الشرفة ويتطلع للمنظر أمامه قائلاَ :
- لن تعثر عليها بمفردك، وأيضاً .. ليس مسموحاً لك التجول بحرية في القصر ..
ثم نظر له مجددا وقال بنبرة ساخرة :
- لا تنس أنك مجرد رجل من العامّة . وليس لك أي صفة هنا .
شعر عماد بالغضب من نظرات الاحتقار التي يوجهها سامي إليه ، ثم نظر حوله وقال :
- يبدو بأن حراسك منشغلين .. لذا فأنت لن تستطيع ايقافي بمفردك !
خرج عماد من الشرفة ، وتبعه سامي ببرود، ولكن عندما وصل عماد إلى البوابة الخارجية كان هناك اثنان من الحرس المسلحين يعترضان طريقه ..!
وقف عماد ينظر إليهما وهو يفكر في الخطوة التالية ولكنه سمع صوت سامي قادماً من الخلف :
- الحقا بنا ..
تبادل عماد وسامي نظرة عدائية في خلال ثوانٍ معدودة، وعندها خرج سامي متخطياً عماد الذي كبت غيظه بصعوبة ولحق به على الفور، بينما تبعهم الحارسين إلى الخارج ..
أمر الأمير حراسه بأن يجلبو حصانه جناح ، وحصاناً إضافياً، وبعد أن وصلا نظر عماد إلى جناح بعين متفحصة " هذا الحصان .. لقد رأيته من قبل، نفس العلامات وشكل الأرجل ، إنه هو بكل تأكيد " ثم قال موجهاً الحديث إلى سامي :
- إذاً الفارس الملثم!
ظهر الارتباك على وجه سامي، ولكن سرعان ما اختفى وهو يفكر " لقد عرف إذاً ..؟ هل يستطيع أن يميز الخيول عن بعضها بتلك البساطة ؟ " تساءل الأمير وهو يمسك بلجام الحصان البني الآخر :
- هل تستطيع امتطاء الخيل ..؟
تحسس عماد جبهة الحصان وربت على ظهره ثم ظهرت ابتسامة خافتة على وجهه وهو يقول :
- خمن! لكن .. إنه جميل .. يبدو بأنك تعتني به جيداً ... ماهو اسمه ..؟
صعد الأمير على ظهر جناح وتكلم قائلاً :
- ليس لديه اسم، لديه رقم فقط ، فهو واحد من المئات في مزرعة الخيل الخاصة بي .
سار بحصانه عدة خطوات للأمام، وتبعه عماد بعد أن صعد على ظهر حصانه،، ولحق بهما الحارسان على ظهر الخيول أيضاً، وعندها قال عماد وهو ينظر في الأنحاء :
- الا يجب أن نفترق الآن؟
نظر سامي إليه نظرة غير مطمئنة وقال :
- إذا ، سيذهب معك واحد من الحراس، وسيبقى معي واحد .
- لا احتاج للحراس فلا أحد يرغب في قتلي .
" انه شخص بذيء " .. هكذا فكر سامي ، اما عماد فقد كان يرمقه بغضب وهو يقول في نفسه " يريد مراقبتي وجعلي تحت ناظريه .. لن اسمح له بذلك " ..
استطرد عماد على الفور :
- الأفضل ان تقلق على سلامة لينا بعد أن قامت بإيذائها تلك العنزة! لا أن تخاف مني! أنا لن اخطفها وأهرب .. بالنهاية إنها في هذا الوضع بسببي .
تساءل سامي مشككاً :
- إذاً، لماذا عدت ..؟
ذلك السؤال تحديداً، جعل عماد يسقط في دوامة لا مخرج منها ، لم يستغرق أكثر من ثانية ليجيب على الفور :
- لأنني لم آكن آمنها معك !
- انتما لستما شقيقان بالفعل ، لقد اخبرتني انكما تقابلتما في القطار السنوي منذ أيام فقط ..
شعر عماد بالضيق، ولم يجد بداً من الكذب :
- لأنني وعدتها أن آخذها إلى جدتها ، كان يجب عليها أن تحللني من هذا الوعد ..
تراجع بحصانه خطوتين للخلف، ثم ربت على ظهره وأكمل وهو يشير إلى فرع آخر من الطريق :
- إذا سأذهب من هذا الاتجاه ..
لم يعط سامي فرصة اخرى للنقاش، واندفع للأمام، كان سامي يفكر " هل هو غريب الأطوار؟ أنا لم أفهم شيئاً من كلامه ، كيف يعطي شخصاً قابله للتو وعداً بهذه الأهمية؟! " .. تقدم بخيله وتبعه الحارسان بصمت .
--------------------
" أين أنا ..؟ ماهذا الظلام .. أنا خائفة .. شيء ما يهتز! "
كانت يديها مكبلتين للخلف، لم تستطع أن تتحرك في الكيس القشي الذي وضعت بداخله، سبب لها الظلام والاختناق رعباً جعلها تتوقف عن الحركة، وانهمرت دموعها على خديها وهي لا تفكر بالمقاومة ..
هناك شخصٌ ما وضع عصابة على عينيها أيضاً، وكبل قدميها .. فكرت :
" إلى أين سيأخذونني؟ هل سأقتل؟ أم ماذا .. ما الذي سيحصل لي ..؟ "
إنها الآن خارج القصر ، في عربة خشبية مع إثنان من حرّاس دعاء . ولأن "لينا" يجب أن تختفي، كان إلقاؤها في قعر الوادي العميق هو الحل الأمثل .. فهذا النهر يتفرع طويلاً في البلاد،، ويتوجه بداخل الشقوق ومع الشلالات الجبلية .. أي شيء يسقط بداخله ، لا يمكن أن يخرج للأرض مرة أخرى، إلا إذا فيما ندُر ..
توقفت العربة الخشبية التي تجر بواسطة الخيول أخيراً، ولينا ترتجف في ترقب، ما الذي سيحصل لها؟ شعرت بهم يحملونها ، تحركت بقوة فانزلقت من بين ايديهم وسقطت على الأرض وآلمها كتفها ..
" سأقاوم! نعم يجب أن أقاوم .. يارب ساعدني.." .. ولكن ذلك الكيس القشي الكبير كان سميكا كفاية لأن لا يجعلها تهرب، امسكو بها مجددا وتساءل أحدهم يكلم الآخر :
- - هل نرميها بدون الكيس؟
- - لا .. لايمكن أن نخرجها، ألا ترى كيف تتحرك؟!
" يرمونني؟! إلى آين ..؟ هل سيحرقونني؟ أم سأغرق .. " الفكرة جعلتها تشهق بالبكاء وتحركت بعنف وهي تشعر أن جسدها أصبح مثل قطعه الجليد من الخوف .. صرخت :
- لا! لا أرجوكم
ولكن صوتها لم يخرج سوى كالأنين المكتوم .. وشعرت بأنهم يستعدون لإلقائها بالفعل ... انها تهتز وتتحرك في الهواء .. ثم تندفع بعيداً ..
اصطدمت بالمياه، شعرت بها تتخلل الكيس القشي وتلمس وجهها وشعرها .. المياه الباردة تندفع بشكل أكبر وتبلل ملابسها، التصق الكيس الخشن بوجهها ودخل الماء البارد في فمها وانفها ، شعرت بالاختناق، الموت على الأبواب ..
باتت تتذكر كل شيء .. منذ طفولتها وحتى تلك اللحظة ...
ركب الرجلان في العربة بعد أن تأكدا من غرق الكيس الذي يحوي لينا بالكامل ،، ومن بعيد شاهدهم سامي يندفعون هاربين .. وصرخ :
- هناك!! إنهم مشبوهين ..
قال أحد حراس سامي :
- إنها عربة خاصة بحرس الاميرة ، سيدي .
اندفع سامي بكل سرعة ممكنة، كان ينظر تارة إلى الهاربين والقى نظرة على الوادي عندما شاهد شيئاً بني اللون يطفو على وجه الماء ويغرق مجدداً، فسحب لجام حصانه جناح بقووة ، ارتفعت قائمتي الحصان للأمام وهو يصهل صهيلاً عالياً معترضاً على تلك الوقفه المفاجئة !
نزل الأمير وهو ينظر إلى الوادي بحيرة .. وبعد خمسة أمتار .. ظهر الشيء البني مرة أخرى!