لعدة أيام مضت , لم أفكر في صديقي كيليفون الذي لا
زال يفكر في حل لغز بريكلانس . حاولت عدة مرات أن أساعده لكنني كالعادة لم
أفده بشيء . لقد كان المجرم في هذه الجريمة ذو ذكاء كبير جداً . فقد كانت
الجريمة مرتكبة على أساس أنه لا يبقى أي دليل لرجال الشرطة الذيـن لا
زالـوا يـحاولون حل هذا اللغز الصعب .
كان السيد بريكلانس يجلس على كرسي بني مقابل باب
الحجرة . وكانت عينه اليمنى مغلقة ‘ أما العين اليسرى فهي مفتوحة . وهذا
الشيء حير رجال الشرطة كثيراً ‘ كما أنه حير صديقي المبدع جيرمون كيليفون .
لكنني واثق بأن صديقي كيليفون سيحل لغز هذه الجريمة وسيخرج منتصراً كعادته
.
دخلت غرفة صديقي ووجدته جالس على أريكة مائلة قليلاً
إلى اليسار . سألته بعد أن جلست على أريكة بجانبه : " صديقي ‘ ألم تتوصل
لشيء ؟ "
أجابني ووجهه محمر قليلاً : " توصلت إلى أشياء بسيطة جداً , لكنني واثق أنني سأصل إلى المجرم بعد فترة وجيزة . "
" حسناً ‘ وما الشيء الذي توصلت إليه ؟ "
" اسمعني ‘ لقد قتل السيد بريكلانس في غرفته ‘ وكانت عينه اليسرى مفتوحة وهذا على عكس عينه اليمنى التي كانت مغلقة . على ماذا يدلنا هذا ؟ "
" لا أعلم . "
" لأنك لا تعرف شيئاً في عالم الجرائم . "
أغضبني هذا فقلت : " وعلى أي شيء يدلك هذا يا عبقري ؟ "
" أن السيد بريكلانس كان ذا عين واحدة فقط . "
" وما أدراك أنه أعمى ؟ "
" أنت حقاً غبي ‘ من قال أنه أعمى ؟ لقد قلت أنه لا يستطيع أن يرى سوى بالعين اليسرى . "
" حتى لو كان كلامك صحيح , فما شأن هذا باللغز ؟ "
" المجرم كان يقف على يمين القتيل ‘ لذا لم يره ولم يتعرف عليه . "
" أنت محق ‘ لكن أيضاً ‘ ما شأن هذا بالحل ؟ "
" يجب أن يكون تركيزنا عندما نبحث عن الحل في الجهة اليسرى . "
" آه ‘ ههذا صحيح . هل ستذهب إلى حجرة القتيل مرة أخرى ؟ "
" أجل ‘ سأذهب غداً في السابعة صباحاً . "
" وهل بإمنكاني أن أذهب معك ؟ "
" هذا مؤكد يا صديقي . أنا واثق ‘ بل ومتأكد أنني لن أتمنك من حل لغز الجريمة دون مساعدتك . "
كنت أعلم أنه فقط يجاملني . لكنني ابتسمت وخرجت من
الغرفة متوجهاً إلى منزلي في القرية . وعندما دخلت تناولت طعام العشاء مع
ابن أختي براون ‘ وأخيراً ذهبت إلى غرفتي واستلقيت على السرير فنمت إلى
اليوم التالي .
رن جرس ساعتي في السادسة والنصف . فاستيقظت وغسلت
وجهي ثم قمت بتنظيف أسناني مثل أي يوم آخر . أخذت معطفي الأسود وارتديته ثم
خرجت من البيت ... قابلت صديقي كيليفون عند باب بيته فصافحته ثم مشينا
معاً قاصدين بيت السيد بريكلانس القتيل .
وصلنا البيت في تمام الساعة السابعة وثمانية دقائق ‘
كانت المسافة بين بيت كـيـليفون وبيت بريكلانس قصيرة جداً ؛ وهذا لأن
كيليفون يسكن في طرف القرية .
دخلنا مسرح الجريمة الذي أرعبني عندما نظرت إليه أول
نظرة . اقتربت من الضحية فوجدت سكيناً مغروساً في رقبته من الجهة اليمنى ؛
وهذا لكيلا يرى الضحية من هو قاتله ‘ أو حتى لكيلا يجد فرصة للصراخ وجعل
الآخرين يعرفون أن الضحية في خطر . كنت أدقق النظر إلى السكين المغروس في
الرقبة . لقد لفت انتباهي كثيراً ؛ لقد كان من طراز قديم جداً ‘ وبدا لي
أنه مسروق من أحد المتاحف.
لم أكن أنظر لشيء غير السكين القديم ‘ لكن صديقي
كيليفون كان يبحث عن أي دليل في الجهة اليمنى للقتيل . مضت حوالي عشر دقائق
ونحن ندقق النظر إلى الضحية . وأخيراً قفز كيليفون وقال : " جيمس ‘ أنظر
ماذا وجدت هنا . " اقتربت منه ونظرت إلى حيث كان يشير بسبابته . كان هناك
قطرات ماء قليلة جداً . نظرت إليها ثم نظرت للمحقق كيليفون بتعجب . قلت : "
أوه يا كيليفون ‘ كنت أعتقد أنك جاد في كلامك ‘ لقد حسبتك وجدت شيئاً
حقيقياً . " كنت محقاً في كلامي ‘ فمن المستحيل أن يكمن حل اللغز في قطرات
ماء .
" يا عزيزي ‘ كثيراً ما نعتقد أن الشيء لن يفيد أبداً ‘ ولكن في النهاية نجد أن هذا الشيء البسيط أوصلنا للحل . "
" حسناً ‘ سنرى إن كنت محقاً في كلامك . "
كانت قطرات الماء تحت كرسي القتيل ‘ وتبعد عن نظرنا
حوالي ثلاثة عشرة سنتيمترا . عاد كيليفون بنظره مرة أخرى للقطرات ‘ ثم نظر
إلي وقال : " جيـمـس
ألا تلاحظ أن درجة الحرارة مرتفعة ؟ "
" نعم ‘ إنها مرتفعة جداً . "
عاد كيليفون إلى التفكير مجدداً . بينما بقيت جالساً على أريكة أقضم أظافري .
قال كيليفون بعد دقيقة : " جيمس ‘ نحن نتحرى حول
جريمة قتل ‘ وعلينا أن نتوصل إلى القاتل الحقيقي . لقد تم الإمساك بالسيد
بينشي . وأنا واثق من أنه لم يقتل السيد بريكلانس . علينا أن نبعده عن حبل
المشنقة . "
" سأقدم كل ما بوسعي من أجلك يا صديقي . "
" سأذهب الآن إلى مركز الشرطة لأقابل السيد بينشي . "
" هيا بنا يا كيليفون . علينا ألا نضيع الوقت . فربما تساهلنا وتأخرنا ‘ ولم نتوصل إلى الحل إلا بعد فوات الأوان . "
خرجنا من البيت بعد أن أغلقنا الغرفة ولم نحرك شيئاً
. وصلنا المركز ونحن متحمسين كثيراً . طلبنا من السيد مانسيني وهو رئيس
المركز أن نقابل المتهم فوافق وأدخلنا إليه بسرعة . كان وجهه شاحباً جداً ‘
وكان يبكي خوفاً منا لأنه ظن أننا سنأخذه إلى حبل المشتقة ‘ ولكننا كنا
علـى العـكـس تـمـامـاً . نـحـاول إنـقـاذه ..
قال كيليفون : " سيد بينشي ‘ أريد أن تحدثني بكل صراحة . فأنا أحاول إنقاذك .
هل قتلت السيد بريكلانس ؟ "
أجابه بنبرة بكاء غريبة : " لا ‘ أقسم بالله أنني لم
أقتله يا سيدي . لقد اتهموني بقتله لأنني الرجل الوحيد الذي كنت معه في
البيت ليلة موته . أنا بري صدقني . "
" حسناً . أنا أصدقك ‘ لكن أريد أن أوجه إليك بعض الأسئلة ‘ وكما اتفقنا أريدك أن تجيبني بكل صراحة . "
" تفضل سيدي . "
" متى تعتقد أن السيد بريكلانس فارق الحياة ؟ "
" أنا متأكد من أنه توفي بعد أن خرجت ميني بريكلانس
من البيت . وهذا يعني أنه توفي في الساعة الثامنة أو الثامنة والثلاث دقائق
مساءً . "
" هذا جميل . لقد خرجت ميني بريكلانس في الثامنة وتوفي والدها بعد دقائق من موعد خروجها . حسناً ، هل دخلت غرفة سيدك قبل موته ؟ "
" أجل ، وقد لفت انتباهي عامود أسود كان متصل بسقف الغرفة ، وكانت تسقط منه قطرات ماء . "
صرخ كيليفون : " هل كانت هناك سكين في أعلى العامود ؟ "
" لا ، أنا واثق أنني لم أشاهد سكيناً . "
" أوه ، لو أنك وجدت سكيناً لتعرفت على القاتل بسهولة . "
" هل لديك أسئلة أخرى يا سيدي ؟ "
" أجل ، عندما دخلت الغرفة ، هل كانت درجة الحرارة مرتفعة ؟ "
" آه ، أجل ، لقد كانت مرتفعة جداً ؟ "
" متى دخلت الغرفة ؟ "
" قبل مغادرة ميني بريكلانس للبيت بنصف ساعة . "
" حسناً ، شكراً لك يا سيد بينشي . أعدك بأن أخرجك من هنا بعد ربع ساعة . "
" شكراً لك يا سيدي ، أنا ممتن لك يا ـ "
" أوه ، نسيت أن أعرفك ، أنا السيد جيرمون كيليفون ، وأنا رجل تحريات خاص . إلى اللقاء ، أنا مستعجل . "
خرج كيليفون وتبعته وأنا لا أفهم شيئاً . هل توصل
إلى القاتل بهذه السرعة ؟ أم أنه يـريـد أن يـجـرب شـيـئـاً مـن الأشـيــاء
الـي تدور في رأسه ؟ أتمنى أن أعرف قريباً
ما يفكر به .... مشينا بسرعة إلى بيت السيد بريكلانس . سألت كيليفون وأنا أمشي معه : " ماذا تريد أن تفعل يا جيرمون ؟ "
أجابني بسرعة : " سأصل إلى القاتل يا صديقي . "
لم أوجه إليه أي أسئلة أخرى ، بل تابعت المشي خلفه بسرعة .
وصلنا بيت السيد بريكلانس ودخلنا مسرح الجريمة . بدأ
كيليفون يحدق بسقف الغرفة بحثاً عن تلك العصا أو العامود الذي أخبرنا عنه
السيد بينشي . وأخيراً قال وهو لا يزال يحدق بالسقف : " جيمس ، أنظر هناك ،
إنها تبدو قاعدة للعصا التي أخبرنا عنها بينشي . "
حدقت إليها ، كانت هناك دائرة في قطعة سوداء مربعة
بها دائرة صغيرة من الواضح أن العصا كانت معلقة فيها . لكن ما الفائدة من
وجود هذه القطعة السوداء؟
حولت نظري من الأعلى إلى الأسفل ، اقتربت من الجهة
اليسرى للضحية وبدأت أبحث عن أي أثر لتلك العصا . وفجأة ، وجدت العصا
السوداء التي كانت مخبأة تحت سرير السيد بريكلانس . صرخت بصوت مرتفع ثم قلت
: " كيليفون ، إنها العصا التي تبحث عنها . " ذهب إليها بسرعة وحاول سحبها
من تحت السرير . وبعد أن سحبها إلى الخارج وظهرت بكاملها أمام عيني . علمت
أنني لن أستفيد منها أي شيء . إنها مجرد عصا تحت سرير ، فلماذا فرحت وقمت
بالصراخ .
قال كيليفون : " أنظر يا جيمس ، إن هذه العصا هي حل اللغز . "
" وكيف ؟ "
" أنا لم أتأكد لكنني سأتأكد غداً يا صديقي . أعذرني لأنني سأتأخر بعض الوقت . "
" لماذا ستتأكد غداً ؟ "
" لأنني أريد أن أقوم بتجربة ، وإذا نجحت سننجح في إخراج السيد بينشي من السجن وإنقاذه من حبل المشنقة . "
أخذ كيليفون جهاز قياس لحرارة الجو . ثم دخل الغرفة وشغل جهاز القياس .
نظر إلي وقال بحماسة : " إن درجة الحرارة هنا 61 درجة مئوية . "
" وماذا سيفيد هذا الشيء ؟ "
" ستعرف بعد التجربة يا صديقي . "
خرج كيليفون من البيت وأسرع متوجهاً إلى بيته , وأنا لا أفعل شيئاً سوى
اللحاق به , دون أن أعرف ما الذي سيفعله . دخل بيته وفتح غرفة الاستقبال .
كان جهاز التبريد في هذه الغرفة مميز جداً , فقد كان بإمكانه أن يحدد درجة
الحرارة التي يريدها . ثبت درجة الحرارة على 61 درجة مئوية ثم توجه لمطبخ
بيته وأخذ قالب ثلج كبير جداً ووضعه على قاعدة في غرفة الاستقبال . وأخيراً
طلب مني أن أخرج وأغلق الباب والمصباح ... جلسنا في غرفة البلياردو نشاهد
ابن أختي وهو يستعرض مهاراته على الطاولة . لقد كان بارعاً جداً في اللعب .
قام كيليفون بمباراته ولكنه فشل في هزيمته . واكتفى بقوله : " إنك بارع
جداً يا براون , لكن أتمنى أن تكون رجل تحر مثل خالك في المستقبل . "
ضحكت وقلت له : " أوه يا كيليفون ، أنا لا أساوي شيئاً بالنسبة لرجال التحري . إنني فقط مجرد مساعد لرجل تحر خاص . "
مضت نصف ساعة بعد أن وضعنا قالب الثلج ، فقام كيليفون من الأريكة فزعاً
ودخل غرفة الاستقبال , لكنه لم يجد من قالب الثلج سوى القليل من قطرات
المياه .
فابتسم في وجهي وقال : " آه ، يا جيمس , لقد توصلت للقاتل أخيراً . "
قلت بتعجب : " من ؟ وكيف ؟ "
" سأشرح لك كل شيء الآن . "
" تفضل , ولكن أرجو أن تختصر كل شيء ببساطة . "
ضحك وقال : " لا تخف ، القصة أصلاً قصيرة . "
" حسناً ، فلتبدأ . "
لقد كان القاتل بارعاً في التخطيط لجريمته البشعة . إنه ذكي جداً , ومن
الواضح أنه مخترع رائع . لقد أخبرنا السيد بينشي أنه رأى سيده آخر مرة على
قيد الحياة في الساعة السابعة والنصف , قبل موت بريكلانس بنصف ساعة , وهذا
كان صحيحاً بلا شك . دبر القاتل هذا الفخ للسيد بريكلانس الذي كان جالساً
على الكرسي قبل موته . وغرس السكين في عنقه وهو يجلس على الكرسي . ولكن
عيناه لم تكن مصابة , فقط كانت منذ زمن وهي هكذا , اليمنى أصبحت عمياء .
وهذا لا شأن له بالجريمة . كانت السكين معلقة في أعلى العصا التي شاهدها
بينشي عندما دخل الغرفة , وكان هناك قالب ثلج كبير لم يشاهده السيد بينشي
لأنه كان مخفي بطريقة احترافية . درجة الحرارة 61 درجة مئوية , وقالب الثلج
سيذوب بعد نصف ساعة بسبب ارتفاع درجة الحرارة . وبعد ذوبانه , ما الذي
سيحصل ؟؟ سيسقط السكين بسرعة هائلة ويُغرس في عنق السيد بريكلانس . إنها
جريمة رائعة حقاً .
مباشرة ستتوجه الاتهامات إلى السيد بينشي لأنه الرجل الوحيد المتواجد في
البيت أثناء موت الضحية . وبهذا سيتم القبض عليه وسجنه ومحاكمته وإعدامه
... "
قلت بغضب : " لكنني لم أعرف القاتل يا كيليفون . "
" بريكلانس . "
وقفت من مكاني وقلت وأنا مشدوه : " ماذا ؟ هل يمكن أن تكون الآنسة بيكلانس قتلت والدها ؟ "
" جيمس , لا تكن غبياً , السيد بريكلانس هو من قتل نفسه . "
" انتحر ؟ "
" أجل , لقد كان يعاني من حياته المأساوية , ولم يكن يعرف ماذا يفعل كي
يعيش سعيداً . فقرر أن ينتحر ويورط السيد بينشي ليقضي عليه . ولكنه لم يكن
يعلم أن جيرمون كيليفون سيأتي ويحل لغز بريكلانس . "
" أنت عبقري يا كيليفون . مع أنني كالعادة لم أفهم شيئاً مما قلته . لكنني أعترف أنك عبقري . "
" جيمس , أتمنى أن تكون حذراً ومتيقظاً في القضايا القادمة . أنا متعجب لأنك لم تساعدني في هذه القضية . "
" لا تتعجب يا صديقي ؛ فأنا لم أساعدك لأنني لم أفهم شيئاً مما شرحت . "
قريباً إن شاء الله قصة ( جريمة في القرية الشمالية ) للكاتب محمد سمير الشتيوي ..............
زال يفكر في حل لغز بريكلانس . حاولت عدة مرات أن أساعده لكنني كالعادة لم
أفده بشيء . لقد كان المجرم في هذه الجريمة ذو ذكاء كبير جداً . فقد كانت
الجريمة مرتكبة على أساس أنه لا يبقى أي دليل لرجال الشرطة الذيـن لا
زالـوا يـحاولون حل هذا اللغز الصعب .
كان السيد بريكلانس يجلس على كرسي بني مقابل باب
الحجرة . وكانت عينه اليمنى مغلقة ‘ أما العين اليسرى فهي مفتوحة . وهذا
الشيء حير رجال الشرطة كثيراً ‘ كما أنه حير صديقي المبدع جيرمون كيليفون .
لكنني واثق بأن صديقي كيليفون سيحل لغز هذه الجريمة وسيخرج منتصراً كعادته
.
دخلت غرفة صديقي ووجدته جالس على أريكة مائلة قليلاً
إلى اليسار . سألته بعد أن جلست على أريكة بجانبه : " صديقي ‘ ألم تتوصل
لشيء ؟ "
أجابني ووجهه محمر قليلاً : " توصلت إلى أشياء بسيطة جداً , لكنني واثق أنني سأصل إلى المجرم بعد فترة وجيزة . "
" حسناً ‘ وما الشيء الذي توصلت إليه ؟ "
" اسمعني ‘ لقد قتل السيد بريكلانس في غرفته ‘ وكانت عينه اليسرى مفتوحة وهذا على عكس عينه اليمنى التي كانت مغلقة . على ماذا يدلنا هذا ؟ "
" لا أعلم . "
" لأنك لا تعرف شيئاً في عالم الجرائم . "
أغضبني هذا فقلت : " وعلى أي شيء يدلك هذا يا عبقري ؟ "
" أن السيد بريكلانس كان ذا عين واحدة فقط . "
" وما أدراك أنه أعمى ؟ "
" أنت حقاً غبي ‘ من قال أنه أعمى ؟ لقد قلت أنه لا يستطيع أن يرى سوى بالعين اليسرى . "
" حتى لو كان كلامك صحيح , فما شأن هذا باللغز ؟ "
" المجرم كان يقف على يمين القتيل ‘ لذا لم يره ولم يتعرف عليه . "
" أنت محق ‘ لكن أيضاً ‘ ما شأن هذا بالحل ؟ "
" يجب أن يكون تركيزنا عندما نبحث عن الحل في الجهة اليسرى . "
" آه ‘ ههذا صحيح . هل ستذهب إلى حجرة القتيل مرة أخرى ؟ "
" أجل ‘ سأذهب غداً في السابعة صباحاً . "
" وهل بإمنكاني أن أذهب معك ؟ "
" هذا مؤكد يا صديقي . أنا واثق ‘ بل ومتأكد أنني لن أتمنك من حل لغز الجريمة دون مساعدتك . "
كنت أعلم أنه فقط يجاملني . لكنني ابتسمت وخرجت من
الغرفة متوجهاً إلى منزلي في القرية . وعندما دخلت تناولت طعام العشاء مع
ابن أختي براون ‘ وأخيراً ذهبت إلى غرفتي واستلقيت على السرير فنمت إلى
اليوم التالي .
رن جرس ساعتي في السادسة والنصف . فاستيقظت وغسلت
وجهي ثم قمت بتنظيف أسناني مثل أي يوم آخر . أخذت معطفي الأسود وارتديته ثم
خرجت من البيت ... قابلت صديقي كيليفون عند باب بيته فصافحته ثم مشينا
معاً قاصدين بيت السيد بريكلانس القتيل .
وصلنا البيت في تمام الساعة السابعة وثمانية دقائق ‘
كانت المسافة بين بيت كـيـليفون وبيت بريكلانس قصيرة جداً ؛ وهذا لأن
كيليفون يسكن في طرف القرية .
دخلنا مسرح الجريمة الذي أرعبني عندما نظرت إليه أول
نظرة . اقتربت من الضحية فوجدت سكيناً مغروساً في رقبته من الجهة اليمنى ؛
وهذا لكيلا يرى الضحية من هو قاتله ‘ أو حتى لكيلا يجد فرصة للصراخ وجعل
الآخرين يعرفون أن الضحية في خطر . كنت أدقق النظر إلى السكين المغروس في
الرقبة . لقد لفت انتباهي كثيراً ؛ لقد كان من طراز قديم جداً ‘ وبدا لي
أنه مسروق من أحد المتاحف.
لم أكن أنظر لشيء غير السكين القديم ‘ لكن صديقي
كيليفون كان يبحث عن أي دليل في الجهة اليمنى للقتيل . مضت حوالي عشر دقائق
ونحن ندقق النظر إلى الضحية . وأخيراً قفز كيليفون وقال : " جيمس ‘ أنظر
ماذا وجدت هنا . " اقتربت منه ونظرت إلى حيث كان يشير بسبابته . كان هناك
قطرات ماء قليلة جداً . نظرت إليها ثم نظرت للمحقق كيليفون بتعجب . قلت : "
أوه يا كيليفون ‘ كنت أعتقد أنك جاد في كلامك ‘ لقد حسبتك وجدت شيئاً
حقيقياً . " كنت محقاً في كلامي ‘ فمن المستحيل أن يكمن حل اللغز في قطرات
ماء .
" يا عزيزي ‘ كثيراً ما نعتقد أن الشيء لن يفيد أبداً ‘ ولكن في النهاية نجد أن هذا الشيء البسيط أوصلنا للحل . "
" حسناً ‘ سنرى إن كنت محقاً في كلامك . "
كانت قطرات الماء تحت كرسي القتيل ‘ وتبعد عن نظرنا
حوالي ثلاثة عشرة سنتيمترا . عاد كيليفون بنظره مرة أخرى للقطرات ‘ ثم نظر
إلي وقال : " جيـمـس
ألا تلاحظ أن درجة الحرارة مرتفعة ؟ "
" نعم ‘ إنها مرتفعة جداً . "
عاد كيليفون إلى التفكير مجدداً . بينما بقيت جالساً على أريكة أقضم أظافري .
قال كيليفون بعد دقيقة : " جيمس ‘ نحن نتحرى حول
جريمة قتل ‘ وعلينا أن نتوصل إلى القاتل الحقيقي . لقد تم الإمساك بالسيد
بينشي . وأنا واثق من أنه لم يقتل السيد بريكلانس . علينا أن نبعده عن حبل
المشنقة . "
" سأقدم كل ما بوسعي من أجلك يا صديقي . "
" سأذهب الآن إلى مركز الشرطة لأقابل السيد بينشي . "
" هيا بنا يا كيليفون . علينا ألا نضيع الوقت . فربما تساهلنا وتأخرنا ‘ ولم نتوصل إلى الحل إلا بعد فوات الأوان . "
خرجنا من البيت بعد أن أغلقنا الغرفة ولم نحرك شيئاً
. وصلنا المركز ونحن متحمسين كثيراً . طلبنا من السيد مانسيني وهو رئيس
المركز أن نقابل المتهم فوافق وأدخلنا إليه بسرعة . كان وجهه شاحباً جداً ‘
وكان يبكي خوفاً منا لأنه ظن أننا سنأخذه إلى حبل المشتقة ‘ ولكننا كنا
علـى العـكـس تـمـامـاً . نـحـاول إنـقـاذه ..
قال كيليفون : " سيد بينشي ‘ أريد أن تحدثني بكل صراحة . فأنا أحاول إنقاذك .
هل قتلت السيد بريكلانس ؟ "
أجابه بنبرة بكاء غريبة : " لا ‘ أقسم بالله أنني لم
أقتله يا سيدي . لقد اتهموني بقتله لأنني الرجل الوحيد الذي كنت معه في
البيت ليلة موته . أنا بري صدقني . "
" حسناً . أنا أصدقك ‘ لكن أريد أن أوجه إليك بعض الأسئلة ‘ وكما اتفقنا أريدك أن تجيبني بكل صراحة . "
" تفضل سيدي . "
" متى تعتقد أن السيد بريكلانس فارق الحياة ؟ "
" أنا متأكد من أنه توفي بعد أن خرجت ميني بريكلانس
من البيت . وهذا يعني أنه توفي في الساعة الثامنة أو الثامنة والثلاث دقائق
مساءً . "
" هذا جميل . لقد خرجت ميني بريكلانس في الثامنة وتوفي والدها بعد دقائق من موعد خروجها . حسناً ، هل دخلت غرفة سيدك قبل موته ؟ "
" أجل ، وقد لفت انتباهي عامود أسود كان متصل بسقف الغرفة ، وكانت تسقط منه قطرات ماء . "
صرخ كيليفون : " هل كانت هناك سكين في أعلى العامود ؟ "
" لا ، أنا واثق أنني لم أشاهد سكيناً . "
" أوه ، لو أنك وجدت سكيناً لتعرفت على القاتل بسهولة . "
" هل لديك أسئلة أخرى يا سيدي ؟ "
" أجل ، عندما دخلت الغرفة ، هل كانت درجة الحرارة مرتفعة ؟ "
" آه ، أجل ، لقد كانت مرتفعة جداً ؟ "
" متى دخلت الغرفة ؟ "
" قبل مغادرة ميني بريكلانس للبيت بنصف ساعة . "
" حسناً ، شكراً لك يا سيد بينشي . أعدك بأن أخرجك من هنا بعد ربع ساعة . "
" شكراً لك يا سيدي ، أنا ممتن لك يا ـ "
" أوه ، نسيت أن أعرفك ، أنا السيد جيرمون كيليفون ، وأنا رجل تحريات خاص . إلى اللقاء ، أنا مستعجل . "
خرج كيليفون وتبعته وأنا لا أفهم شيئاً . هل توصل
إلى القاتل بهذه السرعة ؟ أم أنه يـريـد أن يـجـرب شـيـئـاً مـن الأشـيــاء
الـي تدور في رأسه ؟ أتمنى أن أعرف قريباً
ما يفكر به .... مشينا بسرعة إلى بيت السيد بريكلانس . سألت كيليفون وأنا أمشي معه : " ماذا تريد أن تفعل يا جيرمون ؟ "
أجابني بسرعة : " سأصل إلى القاتل يا صديقي . "
لم أوجه إليه أي أسئلة أخرى ، بل تابعت المشي خلفه بسرعة .
وصلنا بيت السيد بريكلانس ودخلنا مسرح الجريمة . بدأ
كيليفون يحدق بسقف الغرفة بحثاً عن تلك العصا أو العامود الذي أخبرنا عنه
السيد بينشي . وأخيراً قال وهو لا يزال يحدق بالسقف : " جيمس ، أنظر هناك ،
إنها تبدو قاعدة للعصا التي أخبرنا عنها بينشي . "
حدقت إليها ، كانت هناك دائرة في قطعة سوداء مربعة
بها دائرة صغيرة من الواضح أن العصا كانت معلقة فيها . لكن ما الفائدة من
وجود هذه القطعة السوداء؟
حولت نظري من الأعلى إلى الأسفل ، اقتربت من الجهة
اليسرى للضحية وبدأت أبحث عن أي أثر لتلك العصا . وفجأة ، وجدت العصا
السوداء التي كانت مخبأة تحت سرير السيد بريكلانس . صرخت بصوت مرتفع ثم قلت
: " كيليفون ، إنها العصا التي تبحث عنها . " ذهب إليها بسرعة وحاول سحبها
من تحت السرير . وبعد أن سحبها إلى الخارج وظهرت بكاملها أمام عيني . علمت
أنني لن أستفيد منها أي شيء . إنها مجرد عصا تحت سرير ، فلماذا فرحت وقمت
بالصراخ .
قال كيليفون : " أنظر يا جيمس ، إن هذه العصا هي حل اللغز . "
" وكيف ؟ "
" أنا لم أتأكد لكنني سأتأكد غداً يا صديقي . أعذرني لأنني سأتأخر بعض الوقت . "
" لماذا ستتأكد غداً ؟ "
" لأنني أريد أن أقوم بتجربة ، وإذا نجحت سننجح في إخراج السيد بينشي من السجن وإنقاذه من حبل المشنقة . "
***
ذهبت أنا وصديقي كيليفون إلى غرفة السيد بريكلانس , ولكن قبل أن ندخلها ,أخذ كيليفون جهاز قياس لحرارة الجو . ثم دخل الغرفة وشغل جهاز القياس .
نظر إلي وقال بحماسة : " إن درجة الحرارة هنا 61 درجة مئوية . "
" وماذا سيفيد هذا الشيء ؟ "
" ستعرف بعد التجربة يا صديقي . "
خرج كيليفون من البيت وأسرع متوجهاً إلى بيته , وأنا لا أفعل شيئاً سوى
اللحاق به , دون أن أعرف ما الذي سيفعله . دخل بيته وفتح غرفة الاستقبال .
كان جهاز التبريد في هذه الغرفة مميز جداً , فقد كان بإمكانه أن يحدد درجة
الحرارة التي يريدها . ثبت درجة الحرارة على 61 درجة مئوية ثم توجه لمطبخ
بيته وأخذ قالب ثلج كبير جداً ووضعه على قاعدة في غرفة الاستقبال . وأخيراً
طلب مني أن أخرج وأغلق الباب والمصباح ... جلسنا في غرفة البلياردو نشاهد
ابن أختي وهو يستعرض مهاراته على الطاولة . لقد كان بارعاً جداً في اللعب .
قام كيليفون بمباراته ولكنه فشل في هزيمته . واكتفى بقوله : " إنك بارع
جداً يا براون , لكن أتمنى أن تكون رجل تحر مثل خالك في المستقبل . "
ضحكت وقلت له : " أوه يا كيليفون ، أنا لا أساوي شيئاً بالنسبة لرجال التحري . إنني فقط مجرد مساعد لرجل تحر خاص . "
مضت نصف ساعة بعد أن وضعنا قالب الثلج ، فقام كيليفون من الأريكة فزعاً
ودخل غرفة الاستقبال , لكنه لم يجد من قالب الثلج سوى القليل من قطرات
المياه .
فابتسم في وجهي وقال : " آه ، يا جيمس , لقد توصلت للقاتل أخيراً . "
قلت بتعجب : " من ؟ وكيف ؟ "
" سأشرح لك كل شيء الآن . "
" تفضل , ولكن أرجو أن تختصر كل شيء ببساطة . "
ضحك وقال : " لا تخف ، القصة أصلاً قصيرة . "
" حسناً ، فلتبدأ . "
لقد كان القاتل بارعاً في التخطيط لجريمته البشعة . إنه ذكي جداً , ومن
الواضح أنه مخترع رائع . لقد أخبرنا السيد بينشي أنه رأى سيده آخر مرة على
قيد الحياة في الساعة السابعة والنصف , قبل موت بريكلانس بنصف ساعة , وهذا
كان صحيحاً بلا شك . دبر القاتل هذا الفخ للسيد بريكلانس الذي كان جالساً
على الكرسي قبل موته . وغرس السكين في عنقه وهو يجلس على الكرسي . ولكن
عيناه لم تكن مصابة , فقط كانت منذ زمن وهي هكذا , اليمنى أصبحت عمياء .
وهذا لا شأن له بالجريمة . كانت السكين معلقة في أعلى العصا التي شاهدها
بينشي عندما دخل الغرفة , وكان هناك قالب ثلج كبير لم يشاهده السيد بينشي
لأنه كان مخفي بطريقة احترافية . درجة الحرارة 61 درجة مئوية , وقالب الثلج
سيذوب بعد نصف ساعة بسبب ارتفاع درجة الحرارة . وبعد ذوبانه , ما الذي
سيحصل ؟؟ سيسقط السكين بسرعة هائلة ويُغرس في عنق السيد بريكلانس . إنها
جريمة رائعة حقاً .
مباشرة ستتوجه الاتهامات إلى السيد بينشي لأنه الرجل الوحيد المتواجد في
البيت أثناء موت الضحية . وبهذا سيتم القبض عليه وسجنه ومحاكمته وإعدامه
... "
قلت بغضب : " لكنني لم أعرف القاتل يا كيليفون . "
" بريكلانس . "
وقفت من مكاني وقلت وأنا مشدوه : " ماذا ؟ هل يمكن أن تكون الآنسة بيكلانس قتلت والدها ؟ "
" جيمس , لا تكن غبياً , السيد بريكلانس هو من قتل نفسه . "
" انتحر ؟ "
" أجل , لقد كان يعاني من حياته المأساوية , ولم يكن يعرف ماذا يفعل كي
يعيش سعيداً . فقرر أن ينتحر ويورط السيد بينشي ليقضي عليه . ولكنه لم يكن
يعلم أن جيرمون كيليفون سيأتي ويحل لغز بريكلانس . "
" أنت عبقري يا كيليفون . مع أنني كالعادة لم أفهم شيئاً مما قلته . لكنني أعترف أنك عبقري . "
" جيمس , أتمنى أن تكون حذراً ومتيقظاً في القضايا القادمة . أنا متعجب لأنك لم تساعدني في هذه القضية . "
" لا تتعجب يا صديقي ؛ فأنا لم أساعدك لأنني لم أفهم شيئاً مما شرحت . "
قريباً إن شاء الله قصة ( جريمة في القرية الشمالية ) للكاتب محمد سمير الشتيوي ..............
الجمعة أغسطس 09, 2024 11:00 pm من طرف ملاك الطيف
» "حمــال أفقه منك يا حســن
الجمعة أغسطس 09, 2024 10:54 pm من طرف ملاك الطيف
» المسلسلات لا تمثل قيما الدينة
الجمعة أغسطس 09, 2024 10:46 pm من طرف ملاك الطيف
» فتفقدوا أحبابكم.
الجمعة أغسطس 09, 2024 10:20 pm من طرف ملاك الطيف
» اتركوا المنتدى حالا
الأربعاء يوليو 17, 2024 5:06 pm من طرف ملاك الطيف
» اب يرسل ابنته للدعارة !!!
الثلاثاء يوليو 16, 2024 2:57 pm من طرف ملاك الطيف
» | صلـــة الرحـم |
الثلاثاء يوليو 16, 2024 12:48 am من طرف ملاك الطيف
» ما سبب ارتفاع نسب الطلاق
الثلاثاء يوليو 16, 2024 12:40 am من طرف ملاك الطيف
» لســت مجبـــراً أن أفهــم الآخريــن مـن أنـــا..
الثلاثاء يوليو 16, 2024 12:33 am من طرف ملاك الطيف