أتريد العتق من النار
قال النبي صلى الله عليه وسلم(إنَّ لله عتقاءَ في كلِّ يوم وليلة، لكلِّ عبد منهم دعوةٌ مستجابة)أي،في رمضان، وهو حديث صحيح، رواه الإمام أحمد في مسنده،
هذه الأحاديث تفيد حقيقتين مهمتين جدًّا للصائمين في رمضان
الأولى،كَثْرة العتقاء من النار في أيام الصوم في رمضان بمغفرة ذنوبهم، وقَبول عبادتِهم، وحفظهم من المعاصي التي هي أسباب العذاب، وهذا الوعد بهذا الكسب العظيم يشحذ همم الصائمين للتسابق إلى إحسان عبادتهم، وإخلاص صيامهم، وعمارة أوقاتهم بما يزيد قربهم من ربهم، عسى أن يفوزوا بكرمه بالعتق من النار،
الثانية،أن لكل عتيق دعوةً مستجابة، وهذا يحمِّس الصائمين للإكثار من الدعاء وسؤال ربهم إجابةَ دعَوَاتهم، وتلبية حوائجهم، وتفريج كربهم، وتحقيق أمنيَّاتهم، عسى إنْ كانوا من العتقاء أنْ تُستجاب دعواتُهم،فليتحر الصائمون إخلاص الدعاء، خاصة عند الإفطار،
العتق من النار،يعني النجاة من النار والفوز بالجنة ، وهذا الأمر الأسمى غاية الفوز،قال الله تعالى ( فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ)ينبغي أن يحدو المسلم الأمل فيما عند الله،وإن مما يحث المسلم ويعلي همته ويشجع عزيمته أن يتذكر أن رمضان فرصة للعتق من النار ، فيجدد العزم ويقبل على الطاعة ، ويبادر إلى فعل الخيرات ، ويسابق إلى اغتنام الأجور المضاعفة في هذا الشهر الكريم والموسم العظيم،
ومن أسباب العتق من النار،
أولها،الإخلاص سبب للعتق من النار،قال صلى الله عليه وسلم(لن يوافي عبد يوم القيامة يقول،لا إله إلا الله يبتغي بها وجه الله إلا حرَّم الله عليه النار)رواه البخاري،الإخلاص أمره عجيب ومهم في عمل المرئ المسلم( من صام رمضان إيماناً واحتساباً ) ( من قام رمضان إيماناً واحتساباً ) ( من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً ) وهذا له دلالته الواضحة على أن الإخلاص في العمل يقود إلى ( غفر له ماتقدم من ذنبه ) .
ثاني الأسباب ( البكاء من خشية الله ) قال صلى الله عليه وسلم(لا يلج النار رجل بكى من خشية الله حتى يعود اللبن في الضرع ، ولا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنم في منخري مسلم أبداً)رواه الترمذي وغيره بسند صحيح،والبكاء من خشية الله،كما لايخفى سبب في أن يكون المرء تحت ظل عرش الرحمن يوم لاظل إلا ظله ، فالدمعة لله أشرف الدمعات وأرقها وأرقاها،إنها الدمعة التي تغسل الخطايا والذنوب،إنها الدمعة التي فيها رضا الرب جل جلاله،وهي فرصة ونحن في شهر رمضان شهر القرآن وتدبره، فنحن نقرأه ونسمعه في المساجد وفي وسائل الإعلام المتنوعة ، حري بالمسلم أن يتدبر كلام الله،وأن يقف عند الآيات وما فيها من العظات،فتتحرك القلوب وتتأثر وتخشع، وهناك ليبشر المسلم بالدمعة الخالصة التي تكون لله ومن خشية الله،
أما ثالث الأسباب، فهو ماجاء في حديث الحبيب صلى الله عليه وسلم،حين قال(ما سأل رجل مسلم الله الجنة ثلاثاً إلا قالت الجنة،اللهم أدخله الجنة ، ولا استجار رجل مسلم الله من النار ثلاثاً إلا قالت النار،اللهم أجره منِّي)رواه الإمام أحمد بسند صحيح،إنه الدعاء،والتضرع إلى الله،والإلتجاء إلى الله ،إنه الوقوف بين يدي الله،وتعجب حينما يأتي الله سبحانه وتعالى بآية تتحدث عن الدعاء في معرض حديثه عن آيات الصيام( وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان )ولهذا قال الامام ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية(وفي ذكره تعالى هذه الآية الباعثة على الدعاء ، متخللة بين أحكام الصيام ، إرشاد إلى الاجتهاد في الدعاء عند إكمال العدة ، بل وعند كل فطر )
(وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ)أي،تغر المؤمن وتخدعه فيظن طول البقاء وهي فانية،
والمتاع ما يتمتع وينتفع به،ثم يزول،وقال قتادة،هي متاع متروك،فينبغي للإنسان أن يأخذ من هذا المتاع بطاعة الله سبحانه ما استطاع،ولقد أحسن من قال هي الدار دار الأذى والقذى ودار الفناء ودار الغير،فلو نلتها بحذافيرها لمت،أيا من يؤمل طول الخلود وطول الخلود عليه ضرر إذا أنت شبت،فلا خير في العيش بعد الكبر والغرور،الشيطان،يغر الناس بالتمنية والمواعيد الكاذبة،
اللهم اجعلنا من عتقاء شهرك العظيم رمضان ومن المرحومين،وأجب دعاءنا عند كل فطر يا ربنا، أنت أكرم الأكرمين وأجودُ المسؤولين،وأدخلنا الجنة،وأجرنا من النار