بشائر العتق والمغفرة فى رمضان
قد رأينا أن كل شيء في رمضان بفضل الله يستوجب المغفرة الله أكبر فالصيام يستوجب المغفرة والقيام يستوجب المغفرة بل إن الله يعطى المغفرة في هذا الشهر الكريم على عمل يسير يقول فيه البشير النذير {مَنْ فَطَّرَ فِيهِ صَائِماً - إحسبوا معى الأجر والبشريات الموعودة!- كَانَ لَهِ مَغْفِرَةً لِذُنُوبِهِ وَعِتْقَ رَقَبَتِهِ مِنَ النَّارِ وَكَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَجْرِهِ شَيْءٌ يُعْطِي اللَّهُ تَعَالَىٰ هٰذَا الثَّوَابَ مَنْ فَطَّرَ صَائِماً عَلَى مُذْقَةِ لَبَنٍ أَوْ تَمْرَةٍ أَوْ شَرْبَةٍ مِنْ مَاءٍ}[1] فمن أعطى صائماً تمرة غفر الله ذنبه وأعتق رقبته من النار وكان له مثل أجر الصائم من غير أن ينقص من أجر الصائم شيئاً ما هذا الهناء العظيم والكرم الإلهي العميم على عمل يسير؟فإن لم يستطع أن يحضر التمرة يناوله شربة ماء فيحصل على هذا الأجر وهذا الجزاء إكراماً من الله لعباده المؤمنين والمؤمنات فوَّسع الله في رمضان دائرة المغفرة جعل الله في شهر رمضان أجراً عظيماً لمن يريد ألا يشعر بألم العطش والجوع يوم القيامة في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة من الذي يريد ألا يظمأ ولا يجوع في هذا اليوم؟وماذا يوصله لذلك؟يقول الحبيب في ذلك{وَمَنْ أَشْبَعَ صَائِماً سَقَاهُ اللَّهُ مِنْ حَوْضِي شَرْبَةً لاَ يَظْمَا حَتَّى يَدْخُلَ الْجَنَّةَ }[2] الذي يُشبع صائماً واحداً يكون يوم القيامة له من حوض الكوثر شربة هنيئة مريئة إذا شربها لا يظمأ بعدها أبداً فهل يعجز أحدنا عن نوال ذلك! فمن يريد؟ ومن المؤمنين من يكرمه الله في هذا الشهر الكريم ببشرى عظيمة وهائلة وذلك بأن يعطيه مولاه صكَّ الأمان يجعله من الآمنين يوم لقاء الله لا يخشون حساباً ولا عقاباً ولا عذاباً ويدخلون في قول الله {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا الْحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ }وصكوك الأمن من عذاب الله هي سجلاتٌ إلهية تنزل من السماء الربانية إلى الأرض في كل ليلة ينزل سجلٌ من السماء فيه ستمائة ألف اسم مكتوب مقابل كل اسم منها: هذا عتيق الله من النار يقول فيهم النبي إنَّ لِلَّهِ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ سِتَّمِائَةِ أَلْفِ عَتِيقٍ مِنَ النَّارِ فَإذَا كَانَ آخِرُ لَيْلَةٍ أَعْتَقَ اللَّهُ بِعَدَدِ مَنْ مَضَى}[3] وروى{ لِلَّهِ فِي كُل لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ عِنْدَ الإِفْطَارِ أَلْفُ أَلْفِ عَتِيقٍ مِنَ النَّارِ فَإِذَا كَانَتْ لَيْلَةُ الْجُمُعَةِ أَعْتَقَ فِي كُل سَاعةَ أَلْفِ أَلْفَ عَتِيقٍ مِنَ النَّارِ كُلُّهُمْ قَدِ اسْتَوْجَبُوا النَّارَ }[4] والساعة هي لحظة فهل يمكن تخيل عدد عتقاء الأمة في شهر البشرى والمنة هل يمكن وهؤلاء أجمعون يدخلون في قول الرحمن {أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ}وتكاد لا تجد عملاً في رمضان من أعمال البر إلا وثوابه المغفرة أو العتق من النار من إفطار الصائم أو سقايته أو التخفيف عمن يعملون عندك قال النبي{مَنْ فَطَّرَ فِيهِ صَائِماً كَانَ مَغْفِرَةً لِذُنُوبِهِ وَعِتْقَ رَقَبَتِهِ مِنَ النَّارِ وَهُوَ شَهْرٌ أَوَّلُهُ رَحْمَةٌ وَأَوْسَطُهُ مَغْفِرَةٌ وَآخِرُهُ عِتْقٌ مِنَ النَّارِ مَنْ خَفَّفَ عَنْ مَمْلُوكِهِ فِيهِ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ وَأَعْتَقَهُ مِنَ النَّارِ وَمَنْ سَقَى صَائِماً سَقَاهُ اللَّهُ مِنْ حَوْضِي شَرْبَةً لاَ يَظْمَأُ حَتَّى يَدْخُلَ الْجَنَّةَ }[5] وكلنا يصلى التراويح وفيها ما شاء الله من التراويح والتفاريح فلنروح عن أنفسنا بريحان تلك البشرى وأعلموا أن جمال تلك البشرى ليس له مثيل وليس كما يظن البعض أنه لابد من القيام طوال الليل وإرهاق النفس بشدة حتى تمل والبدن حتى يكل كما يقول بعضهم فيضجر أبنائنا ويستثقلون القيام وليس هكذا نحبب الناس في هذا المقام لا إنه موسم الرحمة والفوز والأجر الجزيل على العمل القليل فمن حافظ على صلاة القيام ولو بركعتين كل ليلة دخل في قول النبي{مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَاناً وَاحْتِسَاباً غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنبه }[6] فمن حافظ على صلاة القيام بالإضافة للمغفرة فله منحة عظمى من الملك العلام بأن الله يكتبه في ديوان البركة ويكون من جملة المباركين عند الله يقول في سر ذلك الإمام علىٌ{أنَا حَرَّضْتُ عُمَرَ َعلٰى الْقِيَامِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ وَأَخْبَرْتُهُ أَنَّ فَوْقَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ حَظِيرَةً يُقَالُ لَهَا حَظِيرَةُ الْقُدُسِ يَسْكُنُهَا قَوْمٌ يُقَالُ لَهُمْ: الرُّوحُ (أو الروحانيون في رواية) فَإِذَا كَانَ لَيْلَةُ الْقَدْرِ اسْتَأْذَنُوا رَبَّهُم تَبَارَكَ وَتَعَالٰى في النُّزُولِ إِلٰى الدُّنْيَا فَيَأْذَنُ لَهُمْ، فَلاَ يَمُرُّونَ بِأَحَدٍ يُصَلي أَوْ عَلٰى الطَّرِيقِ إِلاَّ دَعُوا لَهُ فَأَصَابَهُ مِنْهُمْ بَرَكَةٌ فَقَالَ عُمَرُ: يَا أَبَا الْحَسَنِ فَتُحَرضُ النَّاسَ عَلٰى الصَّلاَةِ حَتَّىٰ تُصِيبَهُمُ الْبَرَكَةُ فَأَمَرَ النَّاسَ بِالْقِيَامِ }[7] سعادة دائمة لأنه أطاع الله وصلى القيام في رمضان تأسياً بحبيب الله ورسوله ولذلك ننادى إخواننا أئمة هذه الصلاة أن يعملوا بقول الحبيب في كل جماعة{إذَا أمَّ أحدُكُمُ الناس فَلْيُخَفِّفْ فإنَّ فيهمُ الصغيرَ والكبيرَ والضعيفَ والمريضَ فإذَا صَلَّى وَحدَه، فليصلِّ كَيفَ شَاءَ }[8] حتى نفسح المجال للمسلمين ليؤدوا هذه الصلاة ويحصلوا على هذا الأجر ومن صلى لنفسه فليُطول ما شاء لكن في مساجد المسلمين يجب التخفيف مراعاة لأمر سيد الأولين والآخرين ولشمول الرحمة لجموع المؤمنين التي يُنزلها الله على جموع هؤلاء المصلين ومن إكرام الله الذي لا يُعد ولا يحد في شهر رمضان أنه يكتب لكل مسلم يحافظ على صلاة الفجر والعشاء في جماعة في العشر الأواخر من رمضان أنه قام ليلة القدر ويكون له عند الله من عظيم الأجر عبادةً خير من عبادة ألف شهر يُكتب له زيادة في عمره عند الله ثلاثة وثمانون سنة وأربعة أشهر كل عام إذا أكرمه مولاه بشهود ليلة القدر وأريد أن أزفَّ إليكم هنا بشرى الهناء والسعادة بأن كل المسلمين في رمضان يمكن أن يحظوا بليلة القدر على أن يرتبوا لذلك بالجدِّ والاجتهاد من أول الشهر فيفوزا بأجور لا حصر لها ثم يكتبهم الله من أهل ليلة القدر فما الخطة النبوية لذلك؟ الكل ربما يظن أنها فقط بصلاة القيام أو بإحياء ليلة القدر أصابها من أصابها وأخطأها من أخطأها لا ليس الأمر هكذا وفقط بل البشرى واسعة وأىُّ مداوم على الصلوات المفروضة في جماعة فليلة القدر له مضمونة ونوالها وشهودها منحة من الله مأمونة وهدية تصل إليه مصونة كيف؟من صلى الفجر والعشاء في جماعة في العشر الأواخر على الأقل لقول النبي{مَنْ صَلَّى العِشَاءَ وَالغَدَاةَ (الفجر) فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا قَامَ اللَّيْلَ}[9] من حافظ على المغرب والعشاء في جماعة حتى ينقضي رمضان لقول النبي {من صَلّى المغرِبَ والعِشاءَ في جماعةٍ حتى ينقضِيَ شهر رمضان فقد أخذَ من ليلةِ القَدرِ بحَظّ وافِر ِ}[10] من حافظ على الصبح جماعة في رمضان { مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ في جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصْفَ لَيْلَةٍ وَمَنْ صَلَّى الصُّبْحَ في جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا صَلَّى اللَّيْلَ كُلَّهُ }[11] حتى من صلى العشاء جماعة في رمضان أكرموه بليلة القدر لقول النبى{مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ الاخِرَةَ فِي جَمَاعَةٍ فِي رَمَضَانَ، فَقَدْ أدْرَك لَيْلَةَ الْقَدْرِ}[12]وهذا كله من أقوال الحبيب الشفوق الرؤوف العطوف فمن أدرك ليلة القدر فماذا له؟ لا يقدر قدر الجزاء أحد وكي لا نطيل نأتي بحديث واحد جليل عن السيد النبيل {وَإذَا كَانَتْ لَيْلَةُ الْقَدْرِ يَأْمُرُ اللَّهُ جِبْرَائِيلَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَيَهْبِطُ فِي كَبْكَبَةٍ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ وَمَعَهُمْ لِوَاءٌ أَخْضَرُ فَيَرْكُزُوا اللِّوَاءَ عَلَى ظَهْرِ الْكَعْبَةِ، وَلَهُ مِائَةُ جَنَاحٍ مِنْهَا جَنَاحَانِ لاَ يَنْشُرُهُمَا إلاَّ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ فَيَنْشُرُهُمَا فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ فَيُجَاوِزَانِ الْمَشْرِقَ إلَى الْمَغْرِبِ فَيَحُثُّ جِبْرَائِيلُ الْمَلاَئِكَةَ فِي هذِهِ اللَّيْلَةِ فَيُسَلِّمُونَ عَلَى كُلِّ قَائِمٍ وَقَاعِدٍ وَمُصَلٍّ وَذَاكِرٍ وَيُصَافِحُونَهُمْ وَيُؤَمِّنُونَ عَلَى دُعَائِهِمْ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ فَإذَا طَلَعَ الْفَجْرُ يُنَادِي جِبْرَائِيلُ مَعَاشِرَ الْمَلاَئِكَةِ الرَّحِيلَ الرَّحِيلَ }[13]