ما أروع الإسلام من دين يبث في نفوس أتباعه معان إنسانية راقية تعمل على صلاح المجتمع والفرد، ونشر روح المحبة والتآلف بين الناس، والبعد عن الشحناء والبغضاء.
ومن هذه المعان الراقية ما تمثل في قوله سبحانه وتعالى في سورة الحجرات: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ}... [الحجرات: 10].
وفي هذه الآية الكريمة دعوة للمؤمنين ليسموا بأنفسهم فوق الخلافات، وتذكرهم بأنهم جميعًا أخوة مهما اختلفوا، وهي بذلك تشد الإنسان إلى أخيه الإنسان، وتزيد من انتماء الفرد إلى مجتمعه، وتعمق فيه مشاعر التضحية، والبذل، وتنمي فيه روح التعاون والمؤاثرة، وتجعل من المجتمع قوةً متماسكة، يصعب النيل منها.
وفي مثل هذه قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى)... متفق عليه.
ويؤكد على هذا المعنى كذلك قوله تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ}.. وبتطبيق هذه الآية يصبح كل أفراد المجتمع أولياء بعض، بكل ما يترتب على هذه الولاية من سلوكيات ومسئوليات، فهم من خلال أخوتهم متكافلون وهو ما يجعل الإنسان يشعر بالمسؤولية تجاه المجتمع وأفراده جميعًا.
ومن مواقف الصحابة الكرام نرى تطبيقًا عمليًا لقيمة الأخوة.. فهذا سيدنا عمر بن الخطاب كان يقول إذا ذُكر الصديق أبو بكر رضي الله عنه؛ هو سيدنا وأعتق سيدنا، يعني بلالاً الحبشي.
فحين اعتق سيدنا الصديق بلالاً رضي الله عنه، تأبط ذراعه رمزاً لأخوة الإيمان، وغاظ ذلك أمية بن خلف سيده السابق، فقال لسيدنا الصديق: خذه فو اللات والعزى لو أبيت إلا أن تشتريه بدرهم لبعتكه (أي لبعتك إياه)، فأجابه سيدنا أبو بكر الصديق حفاظاً على مشاعر بلال أخيه الجديد: والله لو أبيتم أنتم إلا مائة أوقية لدفعتها لكم".
إن الإصلاح بين المؤمنين الذين وصفهم الله سبحانه وتعالى في كتابه بالـ"إخوة" ثوابه عظيم وأثر كبير في نشر السلام المجتمعي، ومن الأمور التي تؤدي إلى اجتماع المسلمين على كلمة واحدة التشاور بينهم في أمورهم حتى تتم الأمور وتنجح على الوجه الأكمل، فإن الآراء إذا اجتمعت مع الفهم والدراية وحسْن النيّة تحقّقَ الخير وزال الشر بإذن الله تعالى.
وعلينا جميعًا كإخوة أن نسعى إلى كل أمر يؤلف بين قلوبنا ويجمع كلمتنا ويوحد رأينا، وأن ننبذ كل ما يثير الشقاق والفرقة، ولهذا حرم النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يهجر بعضنا بعضًا فوق ثلاث ليال، كما جاء في الحديث الشريف.