الظل ـــ بقلم: هانس أندرسون ـ ت.عبد الكريم ناصيف
في البلدان الحارة، يا إلهي!كم تحرق الشمس الناس بشواظها حتى يغدوا سمر الوجوه تماماً كخشب الماهوغاني، وفي البلدان الأشد حرارة تحترق بشرتهم حتى يصبحوا زنوجاً سوداً. لكن الآن، سنسمع فقط حكاية رجل متعلم انتقل مباشرة من إقليم بارد إلى إقليم حار، حيث ظن على ما يبدو أن بإمكانه أن يتجول هنا وهناك وكأنه في بلده. لكن سرعان ما أقلع عن تلك العادة. فخلال النهار، كان هو والناس العاقلون جميعاً يضطرون للمكوث في منازلهم وقد أغلقوا أبوابهم ونوافذهم، حتى لتبدو وكأنها كلها في سبات عميق أو هي خالية لا أحد فيها. ولكي يزداد الطين بلة، كان شارعه الضيق ذو المنازل الطويلة، قد بني بطريقة تجعله تحت وهج الشمس الحارقة من الصباح حتى المساء، وكان ذلك أشد وطأة فعلاً من أن يتحمله الإنسان. كان الرجل المتعلم الآتي من البلاد الباردة ـ وهو شاب ذكي ـ يشعر وكأنه في فرن شديد الحرارة ولقد أثر فيه ذلك حتى غدا ناحلاً تماما، بل إن ظله بدأ يتقلص وينكمش، ذلك أن الشمس أثرت فيه كثيراً إلى درجة بدا معها أضأل بكثير مما كان في بلاده. وكان كلاهما، هو وظله، لا يعودان للحياة إلا بعد أن تغيب الشمس. لقد كان منظراً بالغ الإدهاش حقاً. إذ ما إن كان يؤتى بالمصباح إلى الغرفة حتى يمتد الظل على طول الجدار صاعداً حتى السقف، وكان مضطراً لأن يتمدد كي يستعيد قوته. لهذا، كان الرجل يخرج إلى الشرفة كي يأخذ كامل امتداده وبما أن النجوم كانت تظهر في السماء الصافية البهيجة، فقد كان يشعر بأنه يعود للحياة من جديد!! إلى شرفات الشارع كلها ولكل نافذة شرفة في البلدان الحارة ـ كان الناس يخرجون، إذ لا بد لك من الهواء، حتى وإن كنت قد اعتدت أن تكون كخشب الماهوغاني. وهكذا، فوق وتحت على حد سواء.
كان كل شيء يغدو وملؤه الحياة. صانعو الأحذية، الخياطون، الناس كلهم يتحركون إلى الشارع. الطاولات تمد، الكراسي تصف والمصابيح تضاء ـ مئات المصابيح تضاء. بعض الناس يتحدثون، بعضهم يغنون، آخرون يتسكعون، عربات تدرج، حمير تمر وأجراسها ترن دِن.. دَن.. دِن.. دَن.. كما تقام هناك مآتم وتسمع ترانيم، فيما يطلق الصبية المفرقعات ويأتي رنين الأجراس من الكنائس، أجل، ثمة الكثير مما يجري هناك في الشارع. فقط في المنزل المقابل مباشرة لمنزل الرجل المتعلم، لم يكن يسمع صوت ولا يشاهد أثر للحياة. مع ذلك، كان ثمة من يعيش هناك، إذ كانت زهور على الشرفة تنمو نمواً رائعاً تحت أشعة الشمس الحارة ولم تكن لتفعل ذلك دون أن تروى بالماء، إذن لا بد أن أحداً يرويها ـ لا بد أن هناك ناساً في المنزل. عدا عن ذلك، كان الباب يفتح عند كل مساء، لكن الداخل يظل معتماً ـ على الأقل الغرفة الأمامية رغم أن نغمة من موسيقى كانت تأتي من الداخل البعيد. خُيِّل للغريب المتعلم أن الموسيقى غريبة تماماً، لكن ربما كان ذلك من بنات خياله فقط، ذلك أنه باستثناء الشمس ذاتها، كان يجد كل شيء غريباً عجيباً هناك في البلدان الحارة. صاحب منزلـه قال إنه لم يكن يعلم من يسكن المنزل المقابل. لا أحد يمكن رؤيته هناك، أما الموسيقى فقد كان يجدها مضجرة متعبة.. وكأن أحداً ما يجلس ويعزف قطعة موسيقى ليس باستطاعته المضي بها ـ إنها القطعة نفسها دائماً. "سأتقن عزفها تماماً، لا يفتأ يقول لنفسه، لكنه لا يتقنها. مهما يعزف ويمارس التدرب عليها.
ذات ليلة، استيقظ الغريب، إذ كان قد أغفى وباب شرفته مفتوح. الستارة أمامه كانت قد تحركت جانباً بفعل الريح، وقبس غريب من ضوء بدا وكأنه يأتي من شرفة الجار المقابل. الزهور كلها كانت تسطع بأبهى الألوان، وهناك وسط الأزهار، كانت تنتصب فتاة رشيقة رائعة الجمال.
الجمعة أغسطس 09, 2024 11:00 pm من طرف ملاك الطيف
» "حمــال أفقه منك يا حســن
الجمعة أغسطس 09, 2024 10:54 pm من طرف ملاك الطيف
» المسلسلات لا تمثل قيما الدينة
الجمعة أغسطس 09, 2024 10:46 pm من طرف ملاك الطيف
» فتفقدوا أحبابكم.
الجمعة أغسطس 09, 2024 10:20 pm من طرف ملاك الطيف
» اتركوا المنتدى حالا
الأربعاء يوليو 17, 2024 5:06 pm من طرف ملاك الطيف
» اب يرسل ابنته للدعارة !!!
الثلاثاء يوليو 16, 2024 2:57 pm من طرف ملاك الطيف
» | صلـــة الرحـم |
الثلاثاء يوليو 16, 2024 12:48 am من طرف ملاك الطيف
» ما سبب ارتفاع نسب الطلاق
الثلاثاء يوليو 16, 2024 12:40 am من طرف ملاك الطيف
» لســت مجبـــراً أن أفهــم الآخريــن مـن أنـــا..
الثلاثاء يوليو 16, 2024 12:33 am من طرف ملاك الطيف