لقد كان أمرا إدا أن أصحب لولا إلى هناك. فهمت ذلك منذ اللحظة الأولى التي استنارت وجوهنا بأنوار القطارات في محطة البلدة الهامشية . في أماسي الخريف بمقدور المرء أن يستعيد خيطا أطول من الذكريات عن أيام الطفولة بالمقارنة مع أية فترة أخرى من العام ، و إن وجهها المشرق و الغامض ، و حقيبتها البسيطة التي يصعب أن تستوعب بين أشيائها لوازمنا الليلية ، كانت بصراحة غير منسجمة مع الإطار الذي يحيط بنا : صوامع الحبوب القديمة في عرض القناة الرفيعة ، الأنوار القليلة التي تشع في أعالي المرتفعات ، و بوسترات فيلم من عهود بائدة.
حينما قالت لي : ( دعنا نذهب إلى الأرياف ) أول اسم ورد إلى الذهن ، طبعا ، كان لراعي الكنيسة هيندرون . ما من أحد سوف يفطن أن لي هناك ، و لم أتكهن أنني هو من سوف يكون في تيار الذكريات. حتى الحارس الطاعن في السن قلب علي المواجع. قلت : ( سوف نجد مركبا بأربعة دواليب عند البوابة ). و بالفعل لقد كانت هناك. و لكن أول الأمر لم ألاحظ ذلك ، و انشغلت عنها بتأمل عربتي تاكسي أجرة و بشوارد من الأفكار. ( إن الماضي آت لا محالة ). كان الوقت معتما ، و الضباب الخريفي الخفيف ، مع روائح الأوراق الرطبة و ماء القناة لها جميعا أبعاد معروفة في أعماق الوعي الباطن.
قالت لولا : ( و لكن لم انتقيت هذا المكان؟ إنه كئيب).
لم يكن يجدي نفعا أن تفصح لها عن ابتهاجي به ، فقصور الرمال بمحاذاة القناة كانت هناك منذ الأبد و إلى الأزل ( أذكر : حينما كنت في السنة الثالثة من عمري خامرتني الظنون أن هذا هو القصد وراء ارتحال البشر إلى شواطئ البحار ) . أخذت الحقيبة ( ذكرت لكم كم هي خفيفة ، إنني أعدها بمثابة جواز سفر مزيف إلى عالم المظاهر ) و قلت علينا أن نتابع سيرا على الأقدام . وصلنا إلى الجسر المعلق و عبرنا من البيوت المشجرة. حينما كنت في الخامسة رأيت رجلا في أواسط العمر و هو يهرع إلى إحداها اينتحر. كانت بيده سكينة ، و في أعقابه كل الجيران على الأدراج . قالت : ( لم أعتقد أبدا أن الأرياف على هذه الحالة ). كانت تلك البيوت المشجرة قبيحة بالفعل ، مجرد علب من أحجار رمادية صغيرة ، و لكنني كنت أحفظها عن ظهر قلب. إن ذلك المشوار عندي يعادل الاستماع إلى عزف موسيقي. و لكن توجب علي أن أذكر شيئا أمام لولا. لم يكن خطأها أنها لا تنتمي إلى هذا المكان. تجاوزنا المدرسة ثم الكنيسة، وصلنا إلى محيط الشارع الرئيس العريض ، و إلى الإحساسات البشرية الأولى بالسنوات الإثنتي عشرة من بواكير حياتي. إن لم